رمزية الجمعــة 13 / حوار: عبد الله بوعسرية

632 views مشاهدة
minou
حواراتفي السحر
رمزية الجمعــة 13 / حوار: عبد الله بوعسرية

Abdelilah Bouasria, Radio SAWA, Washington DC, USA
Vendredi 13 août 2004

قد لا يعرف معظم العرب والمسلمين أن لقاء الرقم 13 بيوم الجمعة يشكل مدعاة للتطير لدى فئات واسعة جدا من سكان الغرب، هذا الأخير الذي يُفترّضُ في مجتمعاته أن تكون ودَّعت المعتقدات الخرافية وممارسات السحر منذ وقت طويل، على إثر الحرب الشعواء التي تم خوضها على امتداد 3 قرون ضد الساحرات، في إطار محاكم التفتيش؛ فمن ملازم بيبته، يوم الجمعة 13، تجنبا لما يمكن أن يجره عليه من شؤم، إلى محجم عن مزاولة ألعاب حظه على غرار ما يفعل في سائر الأيام… وبدل سرد كافة أشكال التحصن ضد شؤم هذا اليوم، يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى أنه تم ابتكار مصطلح غريب غرابة المعتقد نفسه للدلالة على رهاب اليوم المشؤوم زعما، هو Paraskevidekatriaphobia. ما دلالة هذا اليوم؟ ما سر استمرار هذا المعتقد في سياق لا يكل من تقديم نفسه باعتباره عقلانيا؟ هل ثمة ظواهر مماثلة في السياق المغربي؟ للإجابة عن هذه الاأسئلة وغربها كان لنا اللقاء التالي مع محمد أسليم باعتباره أحد الباحثين في مجال السحر والخفي عموما في المغرب….

– هل يمكن الحديث عن الجمعة 13 باعتباره ظاهرة؟
– بالفعل هو ظاهرة بحيث جلبت اهتمام الباحثين كما الفضوليين إن جاز التعبير؛ فقد خصصت مجلة جادة بحجم British Medical Journal سنة 1993 مقالا عنونته بـ «هل الجمعة 13 يوم سيء لصحتكم؟»، عرضت فيه إحصائيات مفادها أن عدد حوادث السير ازداد بشكل ملحوظ يوم جمعة 13 بالمقارنة مع يوم جمعة 6، فخلصت إلى أن «يوم الجمعة يوم سيء الحظ بالنسبة للبعض. وخطر القبول في المستشفى بسبب حادثة سير يمكن أن يرتفع إلى نسبة 52 %. ومن ثمة فإن البقاء في المنزل أمر موصى به». كما تعمد بعض شركات الطيران إلى إلغاء إثبات الرقم 13 في المقعد المفروض أن يحمله في اليوم المعلوم، وإغلاق المخرج الذي يحمل الرقم نفسه تجنيبا لفئة من الركاب التطير من العواقب المنحوسة التي يمكن أن تترتب عن الخروج من هذا الممر بعينه.
– من ناحية أخرى، ثمة من صرف وقتا هاما في إحصاء تواتر التقاء الرقم 13 بيوم الجمعة طيلة القرون الأربع الماضية، فخلص إلى أن تصادف لقاء الرقم 13 بيوم الجمعة فاق تصادفه مع سائر أيام الأسبوع، على النحو التالي:
– الاثنين 13 تواتر 685 مرة؛ الثلاثاء 13: 685 مرة؛ الأربعاء 13: 687 مرة؛ الخميس 13: 684 مرة؛ الجمعة 13: 688 مرة؛ السبت 13: 684 مرة؛ السبت 13: 687 مرة…
ما سبق وحده يدل فعلا على أن الأمر يتعلق بظاهرة….

– ما أصول هذه الظاهرة؟
ككل معتقد، ثمة تأصيل أسطوري لما نحن بصدده، حيث يقال إن حواء أغوت آدم يوم الجمعة 13، وقابيل قتل أخاه هابيل يوم الجمعة 13، وسفينة نوح انطلقت في المياه يوم الجمعة 13، وأن المسيح مات مصلوبا يوم الجمعة 13 أيضا، على نحو ما أورده أندريه كوهن من جامعة لوزان في دراسته القيمة حول الرقم 13 ةما يدور في فلكه من حكايات وخرافات.
كما كانت الشعوب القديمة تخصص يوم الجمعة لإلهة الحب (أفروديت، فينوس، فريغا)، وكان هذا اليوم، ولازال، يشكل اليوم الأكثر مرحا بين سائر أيام الأسبوع، ويوم حظ للعديد من الشعوب والمجموعات الدينية.
يتم إرجاع هذا التطير عادة إلى السياق المسيحي، حيث يقال إن المسيح جمع 12 شخصا من خاصته حول مأدبة عشاء، والثالث عشر كان يَهُوذَا سِمْعَانَ إِسْخَرْيُوطِيِّ الخائن، وبعد هذا الاجتماع عرف المسيح سلسة مصائر ماساوية انتهت بقتله مصلوبا. والذين يمعنون الإيمان بشؤم هذا الرقم، يلفتون الانتباه إلى أن الحكاية ذاتها وردت في الأصحاح 13 من إنجيل يوحنا جيث ورد ما نصه:
«1. أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الذين فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى؛ 2. فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ؛ 3. يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الأب قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجَ وَإِلَى اللَّهِ يَمْضِي؛ 4. قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا»، الخ.
لكن الأصل الحقيقي لهذا المعتقد الخرافي، على نحو ما بين ذلك كوهن، يبدو آتيا من حكاية خرافية شمالية؛ فقد كان اسم الجمعة يطلق على فريغا Frigga، إلهة الحب والخصب، ولما اعتنقت القبائل الشمالية الجرمانية الديانة المسيحية تم إلغاء معتقد فريغا، فرحلت الإلهة المظرودة إلى قمة أحد الجبال ليتم اعتبارها مذ ذاك ساحرة. منذ ذلك الوقت، في كل يوم جمعة تدعو الإلهة الممتلئة ضغينة وحقدا، 11 ساحرة والشيطان (ومن ثم يكون العدد الإجمالي هو 13) للتخطيط للشرور التي يتعين إلحاقها في الأسبوع المقبل بالمرتدين عنها…

– ما الدلالة الرمزية للجمعة 13؟ 
الرمزية في هذه الحالة لا تنفصل عن رمزية المعتقدات والممارسات السحرية عامة، ألا وهي رغبة الإنسان في التحكم في مصيره الفردي، والقدرة على التدخل لتغيير مسارات حياته، وذلك من خلال ربط سلوكات الإنسان ومجريات حياته والظواهر الطبيعية عموما بحتمية كونية: فما يقع هنا (الأرض) مرتبط بالاقترانات التي تقع هناك (العالم العلوي والمارواء)؛ ومن شأن تعرف الفرد على شبكة المخلوقات والموجودات والاقترانات بينها تحقيق معرفة استباقية بما سيقع مستقبلا، وبالتالي تحاشي السيء منه وجلب الخير منه.
بكلمة واحدة الدلالة الرمزية للجمعة 13 هي الرغبة في امتلاك المصير الشخصي والتحكم فيه بدل بقائه رهين قوى لا مرئية.

– كيف يمكن التوفيق بين هذه الممارسات والخطاب العقلاني الذي يعتبرها خرافات؟
لا يمكن التوفيق بينهما نظريا طبعا؛ فمعتقدات السحر ونظرياته ترتكز على عقلانية أخرى مخالفة تماما للعقلانية بمعناها المتعارف عليه. لكن، ومع ذلك، في الممارسات، يجب انتظار أن يصدر سلوك التطير ذاته (من الجمعة 13) من شخص حاصل على أعلى الشواهد الجامعية، يشجب المعتقدات والممارسات السحرية، معتبرا إياها خرافات أو علامات للتخلف.. على نحو ما يحدث تمام في الممارسات السحرية واللجوء إلى أساليب الطب التقليدي السحري من لدن جامعيين وعقلانيين عندما يستنفدون جميع إمكانيات الطب العصري العقلاني، فيصير السحر والخفي عموما ملاذا أخيرا.
تأسيسا على ما سبق، لا يجب انتظار مجتمع خال من الممارسات السحرية والخفية، على نحو ما هو رائج خطأ لدى الأغلبية الساحقة من أفراد المجتمعات العربية الإسلامية، عامة ومثقفين علىالسواء، في شأن نظيرتها الغربية؛ فإحصائيات المعاملات المالية التي يحققها قطاعا السحر والعرافية مثلا، في بلد كفرنسا، توقف على أرقام شبه خيالية…
وإن شئنا تفسيرا لذلك، ربما تعين حصره في قدرة الثقافة (بالمعنى الأنثروبولوجلي للكلمة) على الصمود ومقاومة الزمن؛ الكثير من المعتقدات والتعابير اللغوية تنحدر من قرون سحيقة، وأثبت العلم الحديث خطأها تماما، لكنها لم تمح بتاتا من أذهاننا وكلامنا. مثال ذلك: أثبت العلم أن للأرض شكلا كرويا كما بين أن الأرض هي التي تدور حول الشمس لا العكس… حقيقتان شائعتان حد ولوج الوضع الاعتباري للبديهيات، لكن أي لغة من بين لغات قاطبة استطاعت أن تبتكر عبارات تنسجم وهذه الحقيقة في التخاطب اليومي؟ أي منها إطلاقا طبعا. جميع اللغات، وإلى يومنا هذا، تعبر عن حلول يوم جديد بعيارة : «أشرقت الشمس» وتمامه بعبارة «غربت الشمس»، والحال أن الشمس واقفة مكانها لا تشرق ولا تغرب، إنما الأرض هي التي تدور…

– هل هناك من مماثل في الفضاء الرمزي الثقافي المغربي؟
في حدود علمي لا توجد في المغرب ظاهرة مماثلة؛ أقصد من حيث المحتوى والاتساع. أكيد أن هناك أيام مخصوصة بخاصيات معينة حسب معتقدات سجرية – دينية (طقوس زراعية بالخصوص، بوجلود وحاكوزة، الخ). ربما كانت في الماضي تسأثر باهتمام مجموع السكان وتستدعي منهم سلوكات خاصة. ولكن سرعة التحول الذي يعرفه المجتمع المغربي اليوم، كباقي المجتمعات العربية الإسلامية، جعل من هذا المجتمع جماعة «مركبة» على حد تعبير الراحل بول باسكون، بما ليجعل بالإمكان الحديث عن السفر من مدينة إلى أخرى، أو من حي لآخر داخل المدينة الواحدة، بمثابة سفر في الزمن: هذه المدينة تسبق تلك بنصف قبرن، هذا الحي متقدم عن الآخر بعقدين زمنيين، مثلا، بل ويجعل من التواصل داخ لالأسرة الواحدة بين جدة غير متمدرسة حافظت على أصولها ومعتقداتها القروية وطفل متعلم بمثابة حديث بين شخصين بينهما مسافة قرون..
مما سبق يمكن القول: لا تزال بالتأكيد ممارسات تستند إلى معتقدات تعزو خاصيات فوق طبيعية لهذا اليوم أو ذاك من التقويمين القمري أو الشمسي، ولكن هذه الممارسات محدودة في فئات معينة ولا تأخذ حجم الظاهرة الذي يأخذه معتقد الجمعة 13.

– لماذا تميز المغرب بكونه بلد السحر؟
في الواقع، يدخل السحر والخفي ضمن المكونات الأساسية لجميع المجتمعات، وبدون استثناء. ألا ترتد أصول سائر المجموعات البشرية إلى ما نسميه الآن بالإنسان البدائي؟ ألم يكن السحر منظومة فكرية تهيمن على الفكر البشري في سائر أنحاء المعمور طيلة آلاف من السنين؟ إن هذا المعطى هو ما يكمن وراء الحديث عن السحر باعتباره من المكونات الأساسية للذاكرة المغربية. أما اقتران السحر باسم المغرب، فمن المفيد النظر إليه – برأيي – من جانبين: المتخيل والواقعي.
فقد انطلقت الحضارة، كما هو معروف، من المشرق. والمغرب كان يشكل في متخيل القدماء أقصى نقطة في المعمور، حافة الدنيا إذا جاز التعبير (ونذكر أنهم كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات، ويظنون عدم وجود أي شيء وراءه، ولنستحضر في هذا الصدد أنهم كانوا يتخيلون أن الأرض مسطحة وليست كروية). ولما وصلوا إلى المغرب توهموا أنهم وصلوا إلى نهاية الدنيا التي تقع على حافة المجهول الذي لا يمكن أن يفضي إلا إلى عالم آخر لا تستوعبه سوى تسمية اللامرئي والآخرة. ومن يقيم قرب الظلام أو الجحيم أو الآخرة أو اللامرئي لا يمكن إلا أن يكون قد تماسَّ مع هذه العوالم واقتبس من معارفها وطقوسها… يشكل هذا المعطى – برأيي – نقطة البدء التي سترتسم عبرها، بتقدم القرون، صورة «المغربي الساحر». سيكون مفيدا إنجاز بحث في «ألف ليلة وليلة»، ينكب على دراسة حضور «الساحر المغربي» في حكايات هذا المتن الذي يدخل ضمن مكونات المتخيل العربي الإسلامي بقدر ما سيكون مفيدا دراسة مصنفات للقدماء مملوءة بالمعارف والوصفات السحرية مع أن محور تلك المؤلفات ونقطة انطلاق تأليفها لم يكن سحريا؛ من ذلك مثلا «تذكرة» داوود الأنطاكي و«حياة الحيوان الكبرى» للدميري…
بيد أن هذه الصورة ليست حقيقية مطلقا بالنظر إلى واقع الأمور. فمن يسمع طلبات المشارقة ورغباتهم في قضاء أمورهم السحرية بالمغرب، يخيل إليه أن أهل المشرق يحملون عن المغاربة صورة متخيلة بمقتضاها يكون السحر داخلا في الحياة اليومية لجميع المغاربة، بحيث يتحدثون عنه صباح مساء، يترددون كلهم على السحرة، يعرفون عناوينهم ومراتبهم في الفعالية، الخ. والحال أن من المغاربة من لا يعرف أي شيء عن عالم السحر الذي يظل ممارسة هامشية و«أقلية» – إن جاز التعبير – كما في سائر المجتمعات. بيد أننا هنا إزاء أمر له تفسيره، ويتمثل في كون إلقاء صفة «الساحر» على «الآخر» أو «الغير» يدخل في صلب التمثلات السحرية: فقد لوحظ في جميع الشعوب أن نعتَ السحرة يُلقى به على مجموعات اجتماعية بينها وبين الجماعة المُسَمية فوارق جغرافية أو عرقية أو ثقافية أو جسدية (اليهود، الحدادون، الغرباء، الخ.). والطريف في الأمر أن المغاربة بدورهم يعتبرون أمهر السحرة موجودين في المشرق، ثم إن الكتب المستعملة من لدن السحرة المغاربة حاليا أغلبها المطلق كتبه مشارقة وطبع في المشرق. ها نحن أمام التمثل نفسه، أمام تلك الصورة السحيقة المتسللة إلينا معا من أعماق القرون.
[email protected]

الاخبار العاجلة