م. أسليـم: الرقمية وإعادة تشكيل الحقل الأدبي [نسخة مؤقتة]

1٬317 views مشاهدة
م. أسليـم: الرقمية وإعادة تشكيل الحقل الأدبي [نسخة مؤقتة]

تؤثر الرقمية اليوم على المجال الأدبي بما يجعلنا أمام خريطة تتألف من ثلاث جهات:

– ثمة «أدب جديد»، يُنعت بالرقمي، لا يغادر الحاسوب كتابة وقراءة وتداولا؛
– وهناك ما يُعرف بالأدب التقليدي الذي يستغل الوسيط الرقمي، ويعرف انتشارا واسعا في العالم الافتراضي؛
– أخيرا، هناك الأدب التقلدي الذي يعتمد الوسيط الورقي حصرا في الإنتاج والنشر.

1. الأدب الرقمي:
هو نوع من الكتابة تولد عن اللقاء بين الأدب والحاسوب بشكل أفضى إلى إعادة تعريف الأدب نفسه: ««الأدب» تحديدا هو ما «يُقرأ». على الأقل ما كان من المعتاد «قراءته» حتى اليوم في كتب مطبوعة. وهو أيضا ما بدأ «يُعرَضُ» منذ مستهل ثمانينات القرن الماضي في شاشات حواسيب لأن «الأدب» هو كذلك ما بدأ الآنَ «يُبدَعُ» و«يُشاهدُ» في حوامل التجهيزات التكنولوجية الجديدة»[1].
تمَّّ أول لقاء للأدب بالمعلوميات منذ عام 1959، حيث ظهرت أولى محاولات إنتاج نصوص شعرية بالحاسوب بالتزامن في ألمانيا وفرنسا وأمريكا[2]. ومنذ ذلك التاريخ وهو يعرف تحولات متواصلة جعلته مع التجارب الأكثر تطورا، كمولدات النصوص التخييلية التشعبية والأدبين التوليدي والتوليفي والشعر الحركي، يختلف جذريا عن الكتابات التي ظللنا إلى اليوم نصنفها في خانة الأدب. وقد تصاعدت وتيرة هذه التحولات مع بداية الانتشار الواسع للحواسيب الشخصية وتجهيزها بالشاشة وبالوسائط المتعددة لتبلغ أوجها مع شبكة الأنترنت.
لن نتطرق في هذا المقام إلى أجناس الأدب الرقمي، وفي المقابل سنكتفي بعرض السمة الرئيسية لما يميزه عن نظيره الورقي الذي بات يصطلح عليه بـ «الأدب التقليدي»، وهي استحالة كتابة النصوص الإبداعية الرقمية وتلقيها في الحامل الورقي لأسباب ثلاثة على الأقل:
– استخدام الحاسوب أداة حصرية في الكتابة والقراءة والتلقي؛
– استعمال التشعب (أو الترابط) في الكتابة والقراءة؛
– إبداع نصوص ذات طبيعة مركّبة بتضمينها مكونات خارج لغوية.

1. 1. استعمال الحاسوب:
يتجاوز الحاسوب في الأدب الرقمي مجرَّد وسيط إلى طرف في إبداع النص الأدبي وقراءته على السواء، ما جعل هذا الفن يتميز جذريا عن الأدب المعتمد على الوسيط الورقي. مظاهر هذا الاختلاف عديدة جدا، منها:
– يكفي أن يُقرأ النص الأدبي الرقمي في بيئة معلوماتية غير موافقة incompatible لبيئة كتابته، فإذا به يصير نصا آخر، ويحصل هذا كلما تعلق الأمر بنصوص المتحركة textes animés أو بنصوص تعتمد البرمجة الزمانية والمكانية، بحيث لا يتطابق نص التلقي مع نص الإبداع في عناصر مثل سرعة العرض وتدفق الإيقاع الموسيقي، الخ.؛
– في الأدب التوليدي، بتوظيف البرمجة المعلوماتية وقواعد النحو التحويلي التوليدي لتشومسكي وقواعد سرديات غريماس وكورتيس، ومعجم محدَّد، يتمكن الحاسوب من إنتاج نصوص في كافة الأجناس الأدبية تبلغ من الدقة أحيانا حد التلبيس على النقاد المختصين في دراسة هذا الأديب أو ذاك[3].
– يستطيع الحاسوب، عبر البرمجة، إنتاج كم هائل من النصوص يفوق قدرة الإنسان المبدع، لدرجة أن مُبرمجا مثل جان بيير بالب Jean Pierre Balpe يكتب روايات تتألف من عدة آلاف من الصفحات دونَ أن يأبه لحفظها ولا لتلاشيها بمجرد إطفاء جهاز الحاسوب، لأنه حالما يُعاد تشغيله يُعيد مواصلة الكتابة إلى ما لا نهاية[4]، ولدرجة أنه انطلاقا من سونيتات عشر لا غير للشاعر الفرنسي ريمون كينو Raymond Queneau، استطاع برنامجٌ معلوماتي أن يُوَلِّد، بتقنية التوليف، مائة ألف مليار قصيدة لو أراد امرؤ قراءتها جميعا، بمعدل ثانيتين لكل قصيدة، لتطلب الأمر مليوني قرن من الزمن (نعم، مليوني قرن) [5]، ما يضع حدا للاعتقاد الذي يربط بين الإبداع والعبقرية أو التفرد[6]، ويستدعي وجوب الاهتمام ليس بالنصوص التي يتم إنتاجها وإنما بعملية الإنتاج ذاتها[7].
– من نصوص الأدب الرقمي ما لا يقبل القراءة مرتين من لدن القارئ نفسه؛
– ومنها ما يتلاشى مباشرة بعد القراءة، على نحو ما نجد في آكل النص لدى جان بيير بالب؛
– استحالة الحصول على نسخة من النص مطبوعة؛
– تعذر الرجوع إلى مرحلة سابقة من القراءة؛
– تعذر متابعة الجانب البصري في النص دون التضحية بالجانب الخطي، والعكس صحيح…
بالخصائص السابقة يتحوَّل النصِّ الأدبي إلى منتوج استهلاكي محض، كما يضع التفاعل في صلب تلقي العمل، ما يعيد للسياق كل ثقله.
وإذا كان القارئ المتمرس بالقراءة الورقية لن ينظر بعين الرضا لهذه العناصر، فإنَّ ناقدا مثل فيليب بوطز يدرجها ضمن جماليات الأدب الرقمي، ويطلق عليها مصطلح «جماليات الحرمان»، وهي»جمالية تعتبر القراءة علامة تندرج ضمن النص، كما ترتبط بسيرورة تفاعل القارئ مع النص في الأعمال المبرمجة»[8].
ولتدخل الحاسوب في الإبداع الأدبي آثار عميقة على مجمل مكونات الظاهرة الأدبية ككل، وفي مقدمتها الوضع الاعتباري للمنتوج الأدبي والمؤلف وأداة الإنتاج الأدب واستهلاكه:
على صعيد النصوص والوضع الاعتباري للمؤلف، تمَّ تجريد الإنتاج الأدبي من صبغته القدسية التي لازمته بوصفها بقية survivance منحدرة العصور السحيقة، حيث كان «الأدب في أول مراحله كلمات تقال أكثر منه حروفا تكتَب (…) و(…) ترانيم دينية وطلاسم سحرية، يتغنى بها الكهنة عادة، وتنقل بالرواية من ذاكرة إلى ذاكرة[9]، والتي منحت الأدباء، في جميع الثقافات، بمكانة خاصة باعتبارهم يستطيعون قول ما لا يقوى الآخرون على قوله، أي من نبوغهم في التعامل مع اللغة. هذا النبوغ الذي كان يجعل منه شخصا شبه استثنائي هو بصدد التبخر الآن على واجهتين: واجهة تدخل الآلة في إنتاج النصوص، وواجهة قدرة كل من يكتب نصوصا أدبية، حقيقية أو مزعومة، على تخطي مصافي النشر التقليدية.
أما على صعيد الأداة، فلأول مرة في تاريخ الفنون قاطبة، يجد المبدع والمتلقي نفسيهما أمام إكراه ضرورة التوفر على جهاز يشتغل بكفاءات واحدة، بل وأحيانا ضرورة التوفر على برامج واحدة، كما في النصوص المُبدَعَة ببرامج الفلاش ماكروميديا أو السويتش وغيرهما، بمعنى أن أداة الإنتاج صارت تصلح أيضا، بل وضرورية، للقراءة. هل يتطلب منا تأمل لوحة تشكيلية أن نتوفر على إطار وقماش وصباغة وفرشاة؟ أو يتطلب منا سماع معزوفة موسيقية أن نتوفر على مجموع الآلات المستخدمة في أداء هذه الأغنية؟

1. 2. التشعب / التَّرابُط (أو غياب الخطية):
الخطية اصطلاح يشير إلى الكتابة المسترسلة للنص، فقرة كانت أو مقالة أو كتابا، تتدرج من بداية إلى نهاية، ما يفرض على القارئ تعقب خط الكتابة نفسه؛ هذا النوع من التدوين الذي يجعل النص وحدة مُغلقة نفسه هو ما هيمنَ على امتداد تاريخ الأدب المكتوب.
بخلاف ذلك يشير التشعب[10] إلى طريقة الكتابة يتم فيها تجزئ النص إلى كتل من النصوص أو المفردات، ثم تخليلها بروابط تتيح التنقل بينها أثناء القراءة، وبذلك يصير النص شبكة من الروابط بين كلمات وأفكار ومصادر ليس لها نواة مركزية ولا نهاية[11]. بتعبير آخر يصير النص فضاء مفتوحا ومقولة نظرية أكثر منه وحدة مادية ملموسة.
أمدت المعلوميات الأدبَ بتقنات تحقيقيه، وبذلك ظهر أول عمل تخييلي تشعبي، في عام 1986، على يد الأمريكي مايكل جويس، تحت عنوان «ظهيرة» باستخدام برنامج اسمه «فضاء الحكي». والمحكي هنا عبارة عن متاهة تقرأ في الحاسوب، وتتألف من 539 صفحة شاشة و950 رابطا، يملك القارئ حرية استهلال القراءة بأحد المداخل العشرين، حيث كل مدخل يفضي إلى مسار للحكي يؤدي إلى قراءة مختلفة للحكاية التي لا يمكن إنهاؤها على الإطلاق.
ويترتب عن اعتماد هذه التقنية في الإبداع الأدبي أنه صار:
– يستحيل على قارئين اثنين أو حتى مجموعة قراء بدأوا القراءة في وقت واحد، كل في شاشة مستقلة، أن يوجدوا في مكان واحد من النص، بعد انصرام وقت وجيز عن انطلاق عملية القراءة؛
– يستحيل على القارئ الواحد إنهاء القراءة، فالميثاق الذي وضعه صاحب «ظهيرة» بين يدي القراءة سلفا هو: «ما من قصة خيالية إلا وتكون نهايتها ملتبسة، ولكن الأمر هنا أكثر وضوحا. عندما تتوقف الحكاية عن التطور، أو عندما تستدير على نفسها، أو عندما يتعبك تتبع المسارات، فاعلم أنَّ تجربة القراءة قد انتهت»[12].
– لا يمكن للقارىء الواحد أن يقرأ النص نفسه مرتين متعاقبتين؛
– يستحيل طباعة هذا العمل ورقيا؛
– القارئ أيضا هو كاتب ما يقرأ عبر الروابط التشعبية التي يختارها لعبور النص؛
وقد توالى الإبداع في هذا النوع من الكتابة في عدد من البلدان، لدرجة تحقيق تراكم لا بأس به، للأدب العربي فيه نصيب ضئيل جدا تمَّ إنجازه على يد محمد سناجلة بروايته «ظلال الواحد» و«شات» ونصه «صقيع»، ود. أحمد خالد توفيق، بقصة «ربع مخيفة»، ومحمد اشويكة بعمليه «ارتباطات» و«محطات»[13].
علما بأن جذور النص التشعبي تعود إلى كبريات النظريات النقدية للقرن العشرين (تعدد الأصوات، التناص، النص الشبكة، التفكيك، الخ.) ومفهوم النص ما بعد الحداثي المنحدر من اللقاء بين اللسانيات والماركسية والفرويدية[14]، من جهة، وإلى هموم توثيقية مكتبية (فانيفار بوش، وبول أوتليه، تيد نلسون) وحلم إنشاء مكتبة عالمية (بورخيص وقصته «مكتبة بابل»)، من جهة ثانية، وإلى تشكي الأدباء من الخطية بما جعل بعضهم يُصدر أعمالا تخرق هذه الخطية قبل ظهور الأنترنت بوقت طويل، من جهة أخيرة.

1. 3. الطبيعة المركبة للنصوص الأدبية الرقمية:
ويكتسبها النص الأدبي باحتضانه عناصر غير لغوية (صوت، صورة حركة)، وبذلك تتحول اللغة التي ظلت إلى هذه الحقبة مكونا وحيدا للأدب (لنتذكر تعريفه المدرسي الشائع: «الأدب فن من الفنون الجميلة أداته التعبيرية هي اللغة») إلى مجرد عنصر في مُركب، بل وقد تختفي تمام في النص الشعري لفائدة أشكال وحركات وأحجام وألوان تنتظم في عروض بصرية وتتفاعل مع القارئ[15].
علما بأنَّ أول إقحام لعناصر خارج لغوية في النص الأدبي عملية انطلقت منذ مستهل القرن الماضي مع حركة دادا، عبر تقنية الإلصاق، في حين يعود الكتابة تاريخ الكتابة الآلية الحديث إلى الحركة السوريالية بما يُسمى «الجثة الشهية[16]»، وثمة من يرى أن جميع الحركات الأدبية الطليعية للقرن العشرين، مثل الحرفية[17]، والشعر البصري[18]، والشعر الملموس[19]، وحركة فليكسوس[20]، وفن الإنجاز[21]، وشعر الفيديو[22]، وتداخل الوسائط[23]، وغيرها تشكل جذورا للأدب الرقمي.
وتشكل الطبيعة المركبة لنصوص الأدب الرقمي إبدالا جديدا في الحقل الأدبي على صعيد مفهوم الأدب نفسه، كما على صعيد تحليله ونقده:
لم يعد النص الأدبي مادة لغوية، بل صار موضوعا سيميولوجيا بالمعنى الذي حدده سوسور لهذا العلم عندما تصوره على النحو التالي: «يمكن تصور قيام علم يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، يشكل جزءا من علم النفس الاجتماعي، وبالتالي من علم النفس العام، وسنطلق عليه اسم سيميولوجيا. وسيعلمنا فائدة العلامات وما هي القوانين التي تحمكها. وبما أنَّ هذا العلم لا يوجد بعد (…) وليس علم اللغة سوى فرع من هذا العلم العام»[24].
كما صارت مقولات الأدب المكتوب وأدوات تحليله ونقده إما غير كافية أو غير مُجدية كليا لمقاربة النصوص الرقمية[25].
ومعنى ذلك أن المعلوميات جددت صلة الأدب بإحدى حقبه التاريخية المنقرضة في الكثير من الشعوب، والتي باتت تُسمى اليوم بمرحلة «الآداب الشفاهية»، لكنها أيضا أتاحت له أيضا احتضان (الاندماج في؟) فنين آخرين: الفن البصري الذي توجد بداخله أقسام فرعية (نحت، فوتوغرافيا، رسم) وفن الحركة الذي يتفرع هو الآخر إلى شعب كالمسرح والسينما والفيديو كليب[26]، وهو ما يطرح سؤال ما إذا كان الأدب بدخوله فضاء التكنولوجيا ينتقل إلى مرحلة جديدة من حياته أم يجازف بالتلاشي داخل الأجهزة الرقمية، من ثمة بالاختفاء[27].

2. الأدب التقليدي في بيئة رقمية:
نقصد بالأدب التقليدي الكتابات الإبداعية والنقدية المندرجة ضمن نماذج عليا اكتمل تشكلها في حقبة ما قبل الثورة الرقمية والمعتمدة، من ثمة، أسندة غير رقمية في الكتابة والتداول، وتتمثل في الشعر والقصة والرواية والنصوص المسرحية والمقالات والمؤلفات النقدية، وغيرها.
بدأ انطلاق هذا الأدب إلى السند الرقمي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، مع مشروع جتنبرغ[28]. وبظهور الأقراص المرنة والمدمجة ثم شبكة الأنترنت صار حضور الأدب التقليدي في العالم الافتراضي من القوة والكثرة بحيث لا تساوي إنتاجات الأدب الرقمي أمامه شيئا.
هذا النقل يتم بطريقتين: ما يسمى «رقمنة التراث̓»، ثم النشر عبر منابر النشر الإلكتروني.

2. 1. رقمنة التراث
وتتمثل في نقل الأدب الذي تحولت ملكيته إلى المجال العمومي من رفوف المكتبات الواقعية إلى الرفوف الافتراضية لما يتيحه المجال الافتراضي من سعة تخزينية هائلة وسهولة في التداول، والاستنساخ اللانهائي، فضلا عن إنقاذه للكتب المعرضة للإتلاف؛ في أمريكا يتم رقمنة جميع المنشورات ابتداء من القرن 19 خشية تلفها جراء إحدى المواد الكيميائية المكونة لمداد الطباعة[29].
ويتم هذا النقل بطريقتين: صيغة النص وصيغة الصورة.
في صيغة النص، يتم إعادة رقن المؤلفات المنشورة ورقيا، ثم وضعها رهن إشارة القارئ إما على شكل نصوص أو على شكل قواعد بيانات ضخمة.
هذا النقل الذي تقوم به أطراف ثلاثة: مؤسسات، جماعات متطوعين، ثم ما يمكن تسميتهم بجنود الخفاء (قراصنة)، أفضى إلى وضع مادة ضخمة على الخط، من المستحيل عمليا الإحاطة بها لأنها تغطي سائر اللغات، ما يجعل وضع أي قائمة تمثيلية مجرَّد ضرب من العبث. فمع الرقمية أفلتت من الإنسان لإحاطة بالمعرفة نهائيا، لأن أشهر المشاريع في المجالات الأنجليزية والعربية والفرنسية وحدها:
– مشروع جتنبرغ http://gallica.bnf.fr: افتتحت في اكتوبر 1997، ويتم إغناؤها بانتظام بحيث بلغ فاق عدد وثائقها اليوم 000 860 على الخط، 000 320 مرقمن بصيغة النص.
– قاعدة بيانات فرانتيكست www.frantext.fr: تتضمن 3737 نصا في العلوم والفنون والآداب والتقنيات، من ق XVI إلى ق XX، منشورة على شكل متن يتألف من 80% من الأعمال الأدبية و20% من المؤلفات التقنية.
– الموسوعة الشاملة www.islamport.com: تضم 5300 كتابا بصيغة النص، يمكن تحميلها مجانا من الشبكة وتثبيتها في الجهاز، كما يُمكن استشارتها انطلاقا من موقع يعد أضخم محرك بحث في الثقافة الإسلامية لما يوفره من خيارات عديدة في الوصول إلى المعلومات.
– الموسوعة العالمية للشعر العربي www.adab.com: تشتمل على عدد هائل من قصائد الشعر العربي (القديم والحديث) الفصيح والشعر العامي و الشعر العالمي وسير أدباء عرب، ونصوص ترجمات أعمال عربية إلى الأنجليزية، إضافة إلى قصائد سمعية.
– مكتبة الإسكندرية www.bib-alex.com: وتشتمل على 20 ألف كتاب بنسخته الكاملة في شتى فروع المعرفة (أدب وعلوم إنسانية، فلسفة، فقه، الخ.) موضوع للتحميل المجاني.
– موقع اتحاد الكتاب العرب awu-dam.net: ويضم النصوص الكاملة لعدد كبير من الكتب والمجلات التي يصدرها الاتحاد.
– موقع المصطفى www.al-mostafa.info: يشتمل على عشرات آلاف الكتب العربية من سائر الحقول المعرفية والإبداعية.
– مواقع رفع الملفات مثل www.archive.org وwww.4shared.com: وتحوي عشرات آلاف الكتب العربية التي يعمد أفراد مجهولون لمسحها ضوئيا ووضعها رهن إشارة التحميل المجاني.
أوَّلُ ما يجب استخلاصه من هذا الكم الهائل من الأعمال العربية المرقمنة، هو: في ما وراء كل التقارير القاتمة التي تطلع بين الفينة والأخرى حول أحوال واقع القراءة والكتابة في البلدان العربية[31]، فإن واقع هتين الممارستين بخلاف ذلك تماما لأن تلك التقارير ترصد رواج الكتاب باعتماد إحصائيات، فضلا عن عدم أمانتها، تنكب على سلسلة إنتاجه القديمة (مطابع، دور نشر، مكتبات، مقتنيات القراء، الخ.)، والحال أن عدادات تحميل كتب من مواقع مثل فورشريد تبرز إقبالا على القراءة لدى العرب غير مسبوقة.
من ناحية أخرى، أدت هذه الرقمنة إلى تفكيك المكتبة التي استغرق تقليد إنشائها قرونا من العمل، كما إلى تفكيك الكتاب عبر حركتين: إحداهما إلى أعلى حيث يتم الانتقال من الكتاب إلى المتن، والأخرى إلى أسفل حيث يتم التحول من العمل إلى المقطع[32]، وإكساب النص خاصيات جديدة، فصار يمكنه أن:
– يأخذ أشكالا مختلفة من حيث نوعية الحروف وحجمها وتنظيم الصفحة؛
– يقرأ بالاستعانة ببرامج معلوماتية متخصصة؛
– يَكتسب بعدا زمنيا عبر العرض الديناميكي؛
– يُزاح من مكانه بحيث يُنشر ويقرأ بشكل متزامن في أمكنة جغرافية متباعدة جدا[33].www.gutenberg.org: أخذ على عاتقه رقمنة الأعمال الأدبية المنتمية إلى المجال العمومي، ووضعها مجانا على الخط، وبلغت حصيلة عمله اليوم 000 33 كتاب بـ 14 لغة تغيب فيها العربية)، صرح صاحب الموقع عزمه على نقلها إلى مليار كتاب ليترك وراءه مكتبة غوغل التي رقمنت لحد الآن 129 864 880 كتابا[30].
– مكتبة غاليكا التابعة للمكتبة الوطنية الفرنسية http://gallica.bnf.fr: افتتحت في اكتوبر 1997، ويتم إغناؤها بانتظام بحيث بلغ فاق عدد وثائقها اليوم 000 860 على الخط، 000 320 مرقمن بصيغة النص.
– قاعدة بيانات فرانتيكست www.frantext.fr: تتضمن 3737 نصا في العلوم والفنون والآداب والتقنيات، من ق XVI إلى ق XX، منشورة على شكل متن يتألف من 80% من الأعمال الأدبية و20% من المؤلفات التقنية.
– الموسوعة الشاملة www.islamport.com: تضم 5300 كتابا بصيغة النص، يمكن تحميلها مجانا من الشبكة وتثبيتها في الجهاز، كما يُمكن استشارتها انطلاقا من موقع يعد أضخم محرك بحث في الثقافة الإسلامية لما يوفره من خيارات عديدة في الوصول إلى المعلومات.
– الموسوعة العالمية للشعر العربي www.adab.com: تشتمل على عدد هائل من قصائد الشعر العربي (القديم والحديث) الفصيح والشعر العامي و الشعر العالمي وسير أدباء عرب، ونصوص ترجمات أعمال عربية إلى الأنجليزية، إضافة إلى قصائد سمعية.
– مكتبة الإسكندرية www.bib-alex.com: وتشتمل على 20 ألف كتاب بنسخته الكاملة في شتى فروع المعرفة (أدب وعلوم إنسانية، فلسفة، فقه، الخ.) موضوع للتحميل المجاني.
– موقع اتحاد الكتاب العرب awu-dam.net: ويضم النصوص الكاملة لعدد كبير من الكتب والمجلات التي يصدرها الاتحاد.
– موقع المصطفى www.al-mostafa.info: يشتمل على عشرات آلاف الكتب العربية من سائر الحقول المعرفية والإبداعية.
– مواقع رفع الملفات مثل www.archive.org وwww.4shared.com: وتحوي عشرات آلاف الكتب العربية التي يعمد أفراد مجهولون لمسحها ضوئيا ووضعها رهن إشارة التحميل المجاني.
أوَّلُ ما يجب استخلاصه من هذا الكم الهائل من الأعمال العربية المرقمنة، هو: في ما وراء كل التقارير القاتمة التي تطلع بين الفينة والأخرى حول أحوال واقع القراءة والكتابة في البلدان العربية[31]، فإن واقع هتين الممارستين بخلاف ذلك تماما لأن تلك التقارير ترصد رواج الكتاب باعتماد إحصائيات، فضلا عن عدم أمانتها، تنكب على سلسلة إنتاجه القديمة (مطابع، دور نشر، مكتبات، مقتنيات القراء، الخ.)، والحال أن عدادات تحميل كتب من مواقع مثل فورشريد تبرز إقبالا على القراءة لدى العرب غير مسبوقة.
من ناحية أخرى، أدت هذه الرقمنة إلى تفكيك المكتبة التي استغرق تقليد إنشائها قرونا من العمل، كما إلى تفكيك الكتاب عبر حركتين: إحداهما إلى أعلى حيث يتم الانتقال من الكتاب إلى المتن، والأخرى إلى أسفل حيث يتم التحول من العمل إلى المقطع[32]، وإكساب النص خاصيات جديدة، فصار يمكنه أن:
– يأخذ أشكالا مختلفة من حيث نوعية الحروف وحجمها وتنظيم الصفحة؛
– يقرأ بالاستعانة ببرامج معلوماتية متخصصة؛
– يَكتسب بعدا زمنيا عبر العرض الديناميكي؛
– يُزاح من مكانه بحيث يُنشر ويقرأ بشكل متزامن في أمكنة جغرافية متباعدة جدا[33].>

2. 2. النشر الشخصي:
ويتم بطرق عديدة:
– المواقع الشخصية عبر شراء اسم نطاق وكراء مساحة استضافة او بالاستفادة من خدمة التسكين المجاني التي تقدمها شركات عديدة؛
– المدونات التي تقدم خدمتها العديد من الشركات؛
– الصحف والمجلات الإلكترونية؛
– المنتديات؛

2. 3. عواقب النشر الرقمي على الأدب:
كثيرة ولم يسلم منها أي مكون من مكونات الظاهرة الأدبية (النص، المؤلف، القراءة، القارئ، النشر، الملكية الفكرية)، من هذه الآثار:
– أنه صار بإمكان أي كان أن يلج الوضع الاعتباري للأديب، خارج مصافي النشر التقليدي، بمعنى أن الوضع الاعتباري للمؤلف هو الآن بصدد المراجعة، إضافة إلى فقدان هذا المبدع سلطته الرمزية
– إمكانية تدخل أطراف عدة لتعديل محتوياته، وإعادة نشرها بدون علم المؤلف الأصلي للعمل؛ وحيث لا يمكن للمؤلف أن يتوقع التعديلات التي يمكن أن يُجريها القراء على عمله، فالكتابة الرقمية تعيدنا إلى مرحلة ضجيج المخطوط[34]، كما تهدد الملكية الفكرية.
– إمكانية النشر المتقطع للعمل الواحد، وهو ما يسميه البعض بـ «العمل في تطور» l’œuvre en progrès، بمعنى أن الرقمية حررت النصوص من شرط الاكتمال للوصول إلى القراء. لا أحد يمنع الكاتب أو الباحث الذي ينشر إنتاجه في الشبكة العنكبوتية من وضع فصول كتابه رهن إشارة القراء واحدا تلو الآخر في أوقات زمنية لا يحددها سوى رضاه عن الصيغة «الأخيرة» للفصل المحرر. ومعناه أن الكتابة صارت ورشة مفتوحة على الدوام، حيث يمكن للمؤلف أن ينشر عمله متقطعا، بل وبإصدارات مختلفة، ما يتيح له ولقرائه معاينة تشكل تفكيره/إبداعه وتطوره.
– إمكانية التعديل اللانهائي على النصوص المنشورة (بإعادة صياغة فقرات أو فصول، حذف أجزاء وإضافة أخرى، حجب هذا العمل أو ذاك كاملا من الموقع، الخ.) الحديث هنا طبعا عن المواقع الشخصية والمنتديات والمدونات.
– إلغاء الحدود بين المسوَّدة (حديثة تولدت عن المطبعة) والنص النهائي؛ لم يعد النص يحتاج بلوغ النسخة النهائية المكتملة غير القابلة لتعديل كي يُنشر. في هذا الصدد، نجد دراسات لعلماء كبار كتبت منذ أكثر من عقد ونشرت باعتبارها نسخة مؤقتة[35]، ما يفترض نشر النسخة النهائية لاحقا، لكن هذه الأخيرة لم تنزل حتى اليوم، أو ُنشرت بنواقص دون أن تُستدَرك إلى اليوم[36]. صار النص، خلافا ما عليه الأمر في الحوامل السابقة، نصا بلا مخطوط واختفت المسوَّدة[37].
– مع الرقمية صارت الكتابة أرضا مشاعا لا يحتاج القادم إليها جواز سفر ولا تأشيرة مرور. صار بإمكان أي كان أن ينشر ما شاء من النصوص، تحت الجنس الأدبي الذي يختار، دون حاجة إلى وساطة حلقات النشر التقليدي (هيئات القراءة، هيئات التحرير، دور النشر، شركات التوزيع، نقط البيع من مكتبات وأكشاك)، ما يعيد النظر في الوضع الاعتباري للمؤلف ومفاهيم القراءة والكتابة والملكية الفكرية، ويوسع قاعدة الكتاب والمثقفين الحقيقيين أو المزعومين بشكل غير مسبوق في التاريخ. هل يجب التفاؤل لهذه الدمقرطة للكتابة والقراءة أم ينبغي التشاؤم منها؟
لقد خص أمبرطو إيكو هذه المسألة التي يُطلق عليها اصطلاح «المصفاة»[38] (أو مصداقية المعلومة) بإشارة لا تخلو من تشاؤم حيث قال: «إن الاتجاه ماض نحو حضارة لكل فرد فيها نسقه الخاص لتصفية المعلومات، أي أن كل فرد يصنع موسوعته الخاصة. واليوم، مجتمع متألف من 5 مليار موسوعة متنافسة، لهو مجتمع لم يعد يتواصل إطلاقا»[39]. لكنه عاد ليمتنع عن إبداء أي حكم قاطع في المسألة تاركا الباب مفتوحا أمام جميع التكهنات ومجتهدا في صياغة تخمين متفائل:
«قد تكون ثورة في الذوق لسنا قادرين على تبين نتائجها. فمن وجهة نظر تقليدنا الثقافي، قد يكون شيئا في منتهى الخطورة. ولكن يمكننا التفكير فيه بطريقة أخرى: مصافي الذوق في الأدب كانت تهم 0,5 % من السكان. إذا كان اليوم 70 % من السكان المبحرين في الشبكة يفضلون شعرا أو محكيا وجدوه صدفة، يمكننا القول إن هؤلاء الناس الذي ظلوا إلى الآن مقصيين من تذوق الإنتاج الأدبي قد استطاعوا أخيرا الدخول في اتصال مع هذا الشكل أو ذاك من أشكال التعبير الأدبية. وسيكون الأمر كذلك ثورة. ثورة ممكنة التطويع مادام الفرد الذي يربي نفسه صدفة في النت ويلتهم أي شيء، سيجد نفسه عندما سيلتحق بالجامعة أو يشرع في العمل، قد عثر بأعجوبة على مقاييس وسيطور جموحه السابق؛ ولكن هذا كله لا يعدو مجرد تكهن خالص»[40].
مهما يكن من أمر، بظهور الأدب الرقمي واعتماد الشبكة أداة للنشر صار بالإمكان التمييز داخل الأدب والأدباء بين أربع فئات:
– أدباء رقميون بالمعنى الاصطلاحي للأدب الرقمي؛
– أدباء رقميون بالمعنى العام للاصطلاح؛
– أدباء مخضرمون يزاوجون بين الحاملين الورقي والرقمي؛
– وأخيرا هناك الأدباء الورقيون.

2. 4. ما مستقبل القراءة؟
ونظرا لأنَّ الكتابة تشهد زخما غير مسبوق، فإن ما يُنشر في الشبكة بات أكثر مما يُقرأ، ما دفع بعض النقاد الرقميين إلى وصف هذا الفوران بأنه «نزيف للخطاب»[41]، لكن ما يطرح أيضا كون القراءة صارت من التحديات الكبرى التي تطرحها الرقمية على الإنسان: كيف نقرأ كل هذا الكم الهائل من النصوص؟ ما مستقبل القراءة؟
في هذا الصدد هناك مواقف:
– إدخال الوسائط في الجسد[42]؛
– اختفاء الكتابة، وربما حتى القراءة[43]؛
– نهاية الأدب للا جدواه أصلا أمام التقدم العلمي[44]؛

3. الأدب التقليدي في العصر الرقمي
ثمة حادثة دالة على حجم التحول الذي تلحقه الرقمية بالأدب التقليدي: في عام 2001، أراد الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ الاستئثار بعائدات كتاباته مباشرة، دون وساطة ناشره الورقي، فأنشأ موقع إلكترونيا كلفه 170 ألف دولار، ثم شرع في نشر روايته الأخيرة على حلقات، حيث يسدد القارئ دولارا واحدا مقابلا لقراءة كل فصل. ولكن المفاجأة أنَّ، في غضون ستة أشهر، انهار عدد القراء، ما اضطر الكاتب إلى التوقف عن كتابة روايته.
تتيح هذه القصة تتيح استخلاص درس أنَّ المؤلف والأدب التقليديين حالما يلجان الشبكة يتغير وضعهما الاعتباري كليا:
– فالأنترنت تساوي بين الكتاب على نحو لا مجال فيه لما يسمى بـ «الأعلام الأدبية»[45].
– بيئة النشر الرقمي تختلف كليا عن بيئة إنتاج الأدب التقليدي وتلقيه.
– ثمة عدد هائل من النصوص القابلة للاستشارة والتحميل المجانيين التي ستحول دون توزيع الكتابات وقف القواعد التقليدية؛
– حيث بات الاتصال بالأنترنت يشكل جزءا لا يتجزأ من حياة ملايين الأفراد اليومية، فقد يحتاج القراء إلى أكثر من مجرد نصوص خطية يتم إبداعها وفق قواعد عصر الكتاب.
– رجاحة الرأي القائل بأنَّ مفهوم المؤلف وحقوق الملكية الفردية المنحدرين من الحركة الرومانسية وظهور الرأسمالية هما بصدد المراجعة الآن بفعل الرقمية.
ومع ذلك، فالمطابع ودور النشر الورقي تواصل طبع الأعمال ونشرها ورقيا بما يوحي ألا يغيير يحصل الآن. هل الأمر فعلا كذلك؟
منذ عام 2000 أكد ديك براك المسؤول عن قطاع النشر بشركة ميكروسوفت أن النشر الورقي سيختفي نهائيا في العشرينيات من القرن الحالي.
قريبا جدا منا، حدَّر تقرير وزارة الثقافة الفرنسية الخاص بـ «الكتاب الرقمي»[46] لعام 2008 الناشرين التقليديين بضرورة الاستعداد للتطورات الجارية والتي يمكن أن تجرف النشر الورقي إلى العالم الافتراضي، كما وضع احتمال ألا يتجاوز صدور الدوريات والمجلات ورقيا عام 2012.
قد لا يقتضي الأمر الانتظار طويلا لظهور مؤشرات الاختفاء، منها مؤشران:
الأول: ظهور مواقع في شبكة الأنترنت تعرض على الزوار خدمة نشر أعمالهم بمنتهى السهولة وبالصيغة التي يشاؤون (ورقية أو رقمية) وعرضها للبيع في كبريات الأسواق العالمية، وفي مقدمتها موقع أمازون، وتتم العملية وفق المراحل التالية:
– اختيار إعدادات للصفحة ضمن خيارات محدَّدة سلفا؛
– رفع الملف من الحاسوب الشخصي إلى خادم الموقع؛
– الحصول أوتوماتيكيا على ترقيم دولي؛
– العرض للبيع.
كل ذلك يتم دون مطالبة بالإدلاء بما يفيد أن صاحب العمل كاتب فعلا بالمعنى الاصطلاحي ولا إخضاع للعمل لأي فحص أو مراقبة.
وسحب العمل لتسويقه ورقيا لا يتم بالطريقة التقليدية التي تقتضي طباعة أعداد كبيرة من النسخ، بل يتم بعد الطلب ويتحدد بعدده لو تعلق الأمر بنسخة واحدة، وذلك بفضل ظهور طابعات تتيح هذا النوع من الخدمات، مثل الطابعة المجزوئية imprimante modulaire، ما يفيد أنَّ زمن السحب بأعداد كبيرة للعنوان الواحد مع ما تقتضيه من ضرورة تخصيص فضاء مكاني لتخزين للمسحوبات والمرجوعات لن يدوم طويلا، وأنَّ الأدب قد يفقد قيمته ويتحول إلى مادة استهلاكية مبتذلة بإمكان الجميع إنتاجها كما بوسع الجميع أن يقنيه.
علما بأن اعتبارات من خارج التكنولوجيا والإنسان قد تسرع باختفاء الورق وهي ضرورة الحفاظ على الطبيعة؛ كل الكلام الرائج اليوم حول مشكلة المناخ والتعدد البيولوجي يرتد في نهاية المطاف إلى الإبدال ما بعد الحداثي الذي يرى أن «الميثاق الطبيعي هو بصدد تعويض الميثاق الاجتماعي»[47]، حيث سيصير من الآن فصاعدا لجميع المخلوقات حقوق يمضي البعض إلى حد إنشاء برلمان للدفاع عنها[48]. وهذا الإبدال نفسه واحد من مظاهر العودة إلى التقاليد البدائية، حيث كان الإنسان يعمد إلى منح الطبيعة هبة (قرابين، طقوس، الخ.) مقابل ما يأخذه منها[49].
أما المؤشر الثاني، فهو التجريب الجاري حاليا لأجهزة متخصصة في القراءة، مثل الكتاب الإلكتروني e-boock و«الحقيبة الإلكترونية»، الذين لم يكن تصريح الألفية للأمم المتحدة الصادر عام 2000 بأقل دواعيه. فبمجرد التوصل إلى اختراع نموذج معياري واعتماده في المؤسسات التعليمية سيخرج التلاميذ من الإعاقة التي يجدون أنفسهم فيها لدى الوصول إلى المدرسة التي تعزلهم عن بيئة تنشئتهم الاجتماعية، حيثُ تهيمنُ الصورة والصوت، وتكرههم على التعامل مع كتابة تُرفق بصور توضيحية في أفضل الأحوال.
وبإضافة الاعتبارين السابقين إلى ما ذكرناه حول التحولات التي تدخلها الرقمية على نشاط القراءة، جراء طوفان المواد المتوفرة للمطالعة، نستنتج أنَّ عالم اليوم يشهد ميلاد أجيال لن تكون القراءة عندها اختلاء بالكتاب لزمن طويل.

محمد أسليـم

( وؤقة ألقيت في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، فبراير 2010)

————
هوامــِش
[1] Alain VUILLEMIN , Littérature et informatique: de la poésie électronique aux romans interactifs:
http://www.epi.asso.fr/revue/94/b94p051.htm
[2] انظر التفاصيل في:
– Alain Vuillemin, Poésie et informatique: historique :
http://www.auradigital.net/web/Escriptures-hipertextuals/Documents/poesie-et-informatique-historique-alain-vuillemin.html
[3] Jean Clément, La littérature au risque du numérique … op.cit
[4] بخصوص هذه التجربة يُنظر:
– Jean Pierre Balpe, Une écriture si technique :
http://hypermedia.univ-paris8.fr/Jean-Pierre/articles/Ecriture.html
– Jean Pierre Balpe, Pour une littérature informatique : un manifeste…
http://incident.net/users/gregory/pdf/jean-pierre-balpe/jpb_manifeste.pdf
[5] Les « Cents mille Milliards de Poèmes » est disponible sur le cédérom « Machines à écrire » édité chez Gallimard, 1999. Cette oeuvre est une des plus adaptées sur support multimédia.
[6] نفسه، وكذلك:
– Jean Pierre Balpe, Pour une littérature informatique: un manifeste…
http://incident.net/users/gregory/pdf/jean-pierre-balpe/jpb_manifeste.pdf
[7] Jean Clément, La littérature au risque du numérique … op.cit.
[8] Philippe Bootz, Les Basiques : La littérature numérique :
http://www.olats.org/livresetudes/basiques/litteraturenumerique/basiquesLN.php
[9] ول ديورانت، قصـة الحضـارة، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، تونس-بيروت، دار الجيل، 1988، ج. 1، ص. 132.
[10] التشعب ؟؟؟؟
[11] Sophie Marcotte, L’Hypertexte :
http://www.uottawa.ca/academic/arts/astrolabe/articles/art0003.htm
[12] نقلا عن:
– Jean Clément, Fiction interactive et modernité:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/litterature.html
[13] – «ظلال الواحد»: http://www.sanajlehshadows.8k.com />- «شات» و«صقيع» بموقع اتحاد كتاب الأنترنت العرب: http://www.arab-ewriters.com />- «ربع مخيفة»: http://www.angelfire.com/sk3/mystory />- «احتمالات (سيرة افتراضية لكائن من زماننا)»: http://chouika.atspace.com />- «محطات. سيرة افتراضية لكائن من ذلك الزمان»: http://www.alfawanis.com/chouika />[14] Anne-Marie Boisvert, Littérature électronique et hypertexte :
http://www.larevuedesressources.org/spip.php?article28
[15] انظر نماذج منه في موقع: http://www.entropie.org />[16] cadavre excquis) (le: كتابة جماعية ابتكرتها الحركة السوريالية، ويعرفها المعجم المختصر للسوريالية بأنها «لعبُ يركب فيه عدة أشخاص جملة أو رسما دون أن يأخذ أي واحد منهم بعين الاعتبار ما حرره سابقه من قبل». ومن النقاد من يعتبر الكتابة الجماعية في شبكة الأنترنت ممارسة تتأصل في هذه التجربة.
[17] (Lettrisme): حركة أدبية تأسست في فرنسا سنة 1947، يعرفها مؤسسها إيزيدور إيسو بأنها «فن يقبل مادة الحروف، وقد اختُزلت وصارت هي نفسها بكل بساطة (وذلك بأن تنضاف أو تعوض كليا العناصر الشعرية والموسيقية) ويتجاوزها. تعتبر الحرفية من أهم الحركات الطليعية بعد السوريالية والدادائية، وقد مهدت لظهور الأدب الرقمي باستعمالها الحرف أو رموز أجنبية على الحروف الهجائية مكونا أساسيا للنص.
[18] (poésie visuelle) شعر تطور في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته على إثر تعميم تقنية الأوفسيت التي عوَضت الحروفية التقليدية، مما أتاح إدراج صور وخطوط فنية داخل النص. على أن جذوره تمد إلى أبعد من ذلك (الشعر العربي بزخرفاته الخطية القديمة، أشعار أبولينير، الخ.)، وإن كان بعض النقاد يرى ألا علاقة بين الشعرين.
[19] (poésie concrète): اتجاه ثوري تحرري، نشأ في وقت متزامن بألمانيا والبرازيل (أوجين غمبرنجر وأغوسطو هارولدو)، وتأسس عالميا سنة 1955، سعى شعراؤه إلى اختزال جمالية الإبداع في الجانب المادي للغة (جمالية الشكل: المرئي، الحرف، الرسم)، وهو ما أزال الحدود بين الشعر والتشكيل، وفسح المجال لظهور تيارات أخرى، مثل القصيدة الفضائية، والشعر البصري.
[20] (Mouvement Fuxus): اصطلاح fluxus طبي، يعني التدفق العضوي خارج الجسد، تبناه جورج ماسيوناس سنة 1961 لتأسيس حركة فليكسوس التي تألفت من قائمة فنانين وكتاب وسينمائيين وموسيقيين قاسمهم المشترك مناهضة النظام البورجوازي والفن المعزول عن بقية المجتمع، ومن ثمة مناهضة الفن نفسه لاسيما عندما يقع تحت قبضة الملكية الخاصة للمتاحف ومُجمِّعي المنتوجات التشكيلية.
[21] (Art de la performance): فن تطور بعد مجئ جورج ماسيوناس مؤسس حركة فليكسوس إلى أوروبا سنة 1961، ويسعى إلى إنزال الفنان من برجه العاجي. يشرحه ماسيوناس بقوله: «يتعين على الفنان، لكي يُقيمَ وضعه الاعتباري غير المهني في المجتمع، أن يُبرهن على أنه ليس بالشخص الهام ولا بالذي لا يمكن أن يقوم غيره بما يقوم به وأنَّ الجمهور يمكن أن يكتفي بنفسه وأن كل شيء يمكن أن يكونَ فنا وأنه يمكن لأي كان أن يُنتج فنا». ويعتبر فن الإنجاز من الحركات الأدبية الطليعية التي مهدت لظهور الأدب الرقمي.
[22] (Vidéopoésie): شعر ابتكره إرنستو مانويل، ويعرفه بقوله: «الصفحة لم تعد موجودة إطلاقا. الفضاء الآن يعادل الزمن، والكتابة لم تعد بتاتا مجرد جزء أو قطعة بداخله، بل واقعا ثلاثي الأبعاد». وبين هذا اللون من الشعر ونظيره الحركي اختلافات جوهرية.
[23] (Intermedia): صطلاح وضعه ديك هيغن Dick Higgins أحد مؤسسي حركة فليكسوس، سنة 1955 للإشارة إلى استعمال أكثر من وسيط لتحطيم الحدود بين الفنون وتحطيم مفهوم الجنس (الفني) وتعويض مفهوم تنميط الفنون بمفهوم اتصالها.
[24] Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, Payot, 1916, réed. 1972 [1916], p. 33.
[25] Jean-Pierre Balpe, Écriture sans manuscrit, brouillon absent :
http://hypermedia.univ-paris8.fr/Jean-Pierre/articles/manuscrit.pdf
[26] محمد أسليـم، الرقمية والتدوين:
http://midouza.net/vb/showthread.php?t=5348
[27] Jean Clément, La littérature au risque du numérique, op. cit.
[28] أطلق المشروع عام 1971 ميكائيل هارث (طالب في جامعة Illinois بأمريكا)، ورمى من خلاله إلى رقمنة الأعمال الأدبية المنتمية إلى المجال العمومي ونشرها مجانا، وبإطلاق شبكة الأنترنت كان موقع جتنبرغ الأول من نوعه. انظر:
Marie Lebert, Littérature et internet des origines (1971) à nos jours:
http://www.bmlisieux.com/colloque/
[29] Jean Clément, L’avènement du livre électronique: simple transition?:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/livre.htm
[30] http://www.actualitte.com/actualite/20816-projet-gutenberg-milliard-ebook-gratuit.htm />[31] مثال التقرير السنوي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية برسم سنة 2008 الذي يورد أن نسبة التأليف في العالم العربي لا تتجاوز ثلاثة كتب لكل مليون عربي، ويوجد عرض لهذا التقرير في مواقع ومنتديات عربية عديدة، تحت عنوان: «ثلاثة كتب لكل مليون عربي. يا لهول الفاجعة !».
[32] Jean Clément, L’adieu à Gutenberg :
http://manuscritdepot.com/edition/documents-pdf/adieugutenberg-jclement.pdf
[33] نفسـه.
[34] نفسـه
[35] يتعلق الأمر بدراسة الفيلسوف بيير ليفي:
– Essais sur la Cyberculture : L’Univers sans totalité, op.cit.
[36] مثال ذلك دراسة جان بيير بالب:
http://incident.net/users/gregory/pdf/jean-pierre-balpe/jpb_manifeste.pdf
[37] Jean-Pierre Balpe, Écriture sans manuscrit, brouillon absent, op.cit.
[38] حول هذه المسألة ينظر: م. أسليم، «الرقمية وقضية المصفاة»، ورقة ألقيت ضمن أشغال لقاء أسئلة الأدب الرقمي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، يوم 21 دجنبر 2004:
http://www.m-aslim.net/site/modules/news/article.php?storyid=265
[39] Emberto Eco, Auteurs et autorités, Un entretien avec Gloria Origgi. Traduction d’Anne-Marie Varigault :
http://www.scritube.com/limba/franceza/Auteurs-et-autorit35563.php
[40] Emberto Eco, auteurs et autorités…, op.cit.
[41] Jean Clément, La littérature au risque du numérique … op.cit.
[42] Antonio Campos, Cuerpo y medicina. Transito entre dos siglos:
http://www.ramse.org/CUERPO_MEDICINA.pdf:
[43] Dan Sperber, http://www.dan.sperber.fr/?p=77 />[44] انظر السجال الذي أثاره كتاب الفيلسوف الالماني Sloterdijk بعنوان Le Parc humain، وهو من منظري حركة تعديل الإنسان الحالي:
http://multitudes.samizdat.net/spip.php?page=rubrique&id_rubrique=191
يُنظَرُ أيضا: محمد الشيخ، «في طبيعة البشر: المجادلة بين هابرماس وسلوتردايك»، ضمن مؤلف جماعي بتنسيق محمد المصباحي، فلسفة الحق عند هابرماس، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة مناظرات وندوات، رقم 151، صص. 39-60.
[45] خصصنا مقالة للموضوع، تحت عنوان: الرقمية ونهاية الأعلام الأدبية:
http://www.m-aslim.net/site/modules/news/article.php?storyid=30
[46] http://www.culture.gouv.fr/culture/actualites/conferen/albanel/rapportpatino.pdf />[47] CRPGL, La crise de la modernité…, op.cit
[48] نفسـه.
[49] نفسـه.

الكاتب:محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 04-09-2012 09:35 مساء

الاخبار العاجلة