النص التشعبي: تعريفاته وخصائصه / ترجمة: م. أسليـم

1٬525 views مشاهدة
minou
ترجماتمقالات
النص التشعبي: تعريفاته وخصائصه / ترجمة: م. أسليـم

1. ستة تعريـفات للنص التشعبي
التعريف 1:
النص التشعبي وثيقة رقمية تتألف من عُقد مترابطة في ما بينها بروابط. هذه العقد يمكن أن تكون ذات طبيعة نصية أو بصرية أو سمعية – بصرية، وفي هذه الحالة يتم الحديث بالأحرى عن وسائط التشعبية مادامت وسائط عدة تلتقي في سند واحد.

التعريف 2:
النص التشعبي نظام جديد للتدوين والتسجيل، وطريقة جديدة لتصنيف وتنظيم المعلومات والمعارف والمعطيات الرمزية. سند النص التشعبي معلوماتي، أي أن الآثار والتسجيلات المستخدمة ذات طبيعة رقمية ولم تعد إطلاقا تشابهية. وتسمح هذه الرقمنة للآثار بمعالجة البيانات بطريقة جديدة وآلية، سواء على مستوى تنظيمها أو حفظها أو نقلها.

التعريف 3:
النص التشعبي هو إجراء معلوماتي يتيح ربط كلمة، أو فقرة أو أيقونة أو صورة، بكلمة أخرى أو بفقرة أخرى أو بأيقونة أخرى أو بصورة أخرى.
هذا الإجراء يعطي للمستخدم فرصة أن يختار طريقه وسط وثيقة من وثائق. من خلال النقر على الفأرة على الكلمة أو الرمز الذي يهمه، يُنقل هذا المستعمل على الفور إلى جزء من الوثيقة ذات الصلة، ومن ثمة فهو يبني بنفسه مسار قراءته تبعا لاهتمامات ومصالحه.
وعليه، فالنص التشعبي وثيقة افتراضية – لا يمكن على الإطلاق مشاهدتها كليا – يتوقف تحيين إحدى احتمالاتها على فعالية القراءة. هذه الخاصية للنص التشعبي تجعل منه وثيقة «تفاعلية» يأخذ فيها القارئ مكانة بارزة.

التعريف 4:
النص التشعبي هو وثيقة مؤلفة من «نصوص»، ولكن سندها – المعلوماتي – يحدد عددا من الخصائص التي تمنحها وضعا اعتباريا خاصا بالمقارنة مع باقي أنواع الوثائق النصية.
وهكذا، في حين يتألف النص المكتوب في سند ورقي من سلسلة خطية متتابعة من الفقرات، لا تكون وحدات المعلومات المشكلة للنص التشعبي مترابطة بالضرورة فيما بينها بشكل خطي، ولكن يمكنها أن تترابط، مثلا، في شكل شبكة.
بشكل أدق، يتألف من وحدات معلومات – يمكن تشبيهها بفقرات، ولكنها قد تكون «كلمات أو صفحات أو صورا أو رسومات أو أجزاء رسومات أو مقاطع صوتية أو وثائق مركبة يمكن أن تكون هي نفسها نصوصا تشعبية» (بيير ليفي) – مترابطة فيما بينها بعدد كبير من الوصلات. لذلك، فقراءة النص التشعبي لا تتحقق بشكل خطي، كما هو الحال في النص الورقي، ولكن يمكنها أن تتم بالعديد من الطرق الممكنة.

التعريف 5:
النص التشعبي، في أوسع معانيه، هو أي شكل من أشكال شبكة من الوثائق المختلفى المترابطة فيما بيها بوصلات متعددة ومتنوعة. هذه الشبكة يمكن هامة بهذا القدر أو ذاك وفقا و/ أو وفقا لسندها. فقرص مرن من نوع 1.4 ميغا يمكن أن يكفي لنص تشعبي يقدم تاريخ الجعة ووظيفتها في منطقة الـ Pointeau، في حين لعرض الموضوع نفسه بالنسبة لمنطقة شمال Pas-de-Calais، سيتطلب الأمر قرصا مُدمَجا.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الشبكة أن تكون خارج الاتصال بالأنترنت (أي على سند مثل قرص مرن أو مُدمَج (أو على الخط) بتعبير آخر، مشتركة بين مستخدمين عديدين على حواسيب متصل بعضها ببعض.)

التعريف 6:
تصور تيد نلسون مخترعُ كلمة «النص التشعبي» هذا النص باعتباره شبكة عملاقة تحتوي مجموع آداب العالم. هذه الشبكة التي سماها «Xanadu» كان سيمكن يمكن أن يصلها أي شخص لديه جهاز كمبيوتر ومودم وخط هاتفي. يمكن للجميع أن يلج كسانادوا ويختار منه وثائق مختلفة، كما يمكن بالخصوص لكل فرد أن يضيف إنتاجاته الأدبية…
النصوص الموجودة في كسانادو كانت ستكون مترابطة بوصلات تشرح العلاقات التناصية بينها. بعبارة أخرى، كانت وصلات مُحَوسَبَة بين مختلف النصوص ستتيح للقارئ أن «يُبحرَ» من نص لآخر ويُدرك العلاقات الدلالية الضمنية التي تربط نصا أدبيا بنص آخر، أو لوحة تشكيلية بأخرى، أو نصا بلوحة كذلك، الخ. كما كان سيكون بإمكان المستخدم أن يُضيف بنفسه وصلات إلى هذا النص التشعبي العملاق، مُسهما على هذا النحو في التحيين التدريجي للشبكة الضمنية التي تؤلف ثقافتنا الأدبية والفنية والعلمية…
في الواقع، وكما قد تفهمون، فتيد نيلسون يعتبر ثقافتنا نصا تشعبيا ضمنيا تسمح لنا المعلوميات بإظهاره.

المصدر:
http://home.nordnet.fr/~yclaeyssen/racine.html

2. خصائص النص التشعبي

التفاعليـةInteracivité
تعتبر تفاعلية النص التشعبي واحدة من أهم خصائصه: تقوم بين الوثيقة ومستخدمها علاقة ليست أحادية الجانب، ولكنها تناظرية. بعبارة أخرى، لا يكون التواصل في اتجاه واحد، ولكن في اتجاهين. خلافا للنص، هناك تفاعل حقيقي بين النص التشعبي وقارئه الذي يستطيع، على سبيل المثال، أن يختلق لنفسه طريقا خاصا في الوثيقة، يمكنه أن يختار عدم قراءة أو عدم مشاهدة هذا القسم أو ذاك، الاتجاه رأسا إلى ما هو أساسي وعدم التعمق في هذا الجانب أو ذاك. قراءة النص التشعبي قراءة ذات هندسة متفاوتة، إنها تعتمد مصالح القارئ، ما يعرفه مسبقا، و/أو ما يريد تعلمه.
رغم أن أحدا لا ينكر تفاعلية النص التشعبي، فبعض الكتاب يشككون في احتكاره للتفاعلية… فهم يرون أن ما من قراءة – سواء أكانت لنص، أو لإشارة مرور، أو لإعلان إشهاري أو لوسائط تشعبية – إلا وتكون تشعبية. كل قراءة هي مساءلة للنص من لدن القارئ. وهي لا تكون سلبية على الإطلاق، إنها مساءلة للنص، صياغة فرضيات حول معناه وتحقق منها في بقية النص… وبذلك فالنص هو «تفاعلي»، على الأقل، مثل النص التشعبي لأنه (النص) أيضا ذو هندسة متغيرة، هو أيضا يتلاءم، على نحو ما، مع القارئ، أو بالأحرى لأن القارئ لا يرى ولا يقرأ فيه إلا ما يفيده، إلا ما يعني بالنسبة إليه…

اللاخطيـة
لاخطية النص التشعبي ترتبط بتفاعليته، كما أنها خاصية أساسية للنصية التشعبية hypertextualité.
وخلافا لمعظم أنواع الوثائق الأخرى، يمكن كتابة النص التشعبي وقراءته بطريقة غير خطية. عندما تقرأ كتابا، فإنك تقرأه (من حيث المبدأ) من البداية، ثم صفحة صفحة، وسطرا سطرا حتى النهاية… كتابة النص التشعبي وقراءته لا تتم بنفس الطريقة؛ وإنما تتمان بالقفز من قطعة لأخرى، بإضافات عُقد وروابط أو سحبها، ببناء شكبات ووحدات معلومات وتفكيكها، دون الحديث عن البرمجة وأمور أخرى.
تضيف اللاخطية بعُدا آخر للنص التشعبي غير متوفر في النص. وهذا البعد هو ما يتيح للنص التشعبي وصف وشرح مواضيع وأشياء مركبة.

بالإضافة إلى ذلك، يُشير بعض المؤلفين، مثل نيلسون أو بولطر، إلى أن هذه الإمكانية للربط غير الخطي بين الأفكار تُقرَّبُ النص التشعبي من الفكر الذي يتكون هو الآخر من شبكات وتشبيكات. بينما تفرض خطية الكتاب على الذهن نظاما وتتابعا، يبدو النص التشعبي أكثر ملاءمة مع تعبير الفكر… ومن ثمة لصياغته أيضا.

المنظورية perspectivisme:
النص التشعبي وثيقة يمكن أن تفسر كليا تعدد مستويات التحليل ووجهات النظر الممكنة حول الموضوع الواحد. بعبارة أخرى، يجسد النص التشعبي ويُجلي للبصَر المنظورية اللازمة لاستيعاب بعض المفاهيم.
لتوضيح ذلك، لنأخذ مثالا ملموسا: وهو الليثيوم. إن تسأل كيميائيا ما الليثيوم يُجبكَ هو فلز قلوي، فضي بالأحرى، خفيف جدا، رقمه الذري 3. وإن تطرح السؤال نفسه على طبيب يُجبكَ هو المكون الأساسي لبعض العقاقير المضادة للاكتئاب. بخلاف ذلك، سيشدد الصناعي في تعريف المادة نفسها على كيفية إنتاجها وتكلفتها، في حين سيتحدث مؤرخ العلوم عن ظروف اكتشافها في عام 1818 من قبل بيرزيليوس. ونرى هنا جيدا أن تعاريف الشيء الواحد يمكن أن تعدد إلى ما لانهاية. في الواقع، كل تعريف يتحدد بمجال اختصاصه، وبمن يُجيبُ، كل جواب يعتمد على سياق ظهور المعرَّف، ومُقدِّمُ التعريف، والقارئ المستهدَف، الخ.

النص التشعبي وثيقة تتيح جيدا إظهار هذه التعددية الممكنة لتعريف الشيء الواحد. علاوة على ذلك، فهو يوضح جيدا اعتماد تعريف ما على سياق ظهوره وعلى الحقل المعرفي الذي يُصاغ ضمنه (هذا التحديد). بعبارة أخرى، لا يتيح النص التشعبي المضاعفة اللانهائية لوجهات النظر حول مفهوم ما فحسب، بل وكذلك يجعل القارئ على بينة من العلاقة بين وجهة نظر معينة وخصوصية تعريفها للموضوع.

الانتشار أو كلية الحضـور Ubiquité:
النص التشعبي وثيقة «مُجرَّدَة»، ليست «عالقة» بسندها المادي كما هو النص بالورق. هذه «اللامادية» هي أيضا خاصية هامة ومثيرة: أين يوجد محتوى نص تشعبي ما؟ في الشاشة، في شبكة، في ذاكرة الكمبيوتر الحية أو في القرص الصلب…
«لا مادية» النص التشعبي تمنحه ميزة خاصة لا يتوفر عليها النص الورقي، وهي الانتشار. يمكن لأشخاص عديدين أن الوصول إلى نص تشعبي منشور على الشبكة، فيقرأوا و/أو يكتبوا النص نفسه بشكل متزامن…. النص التشعبي لا يوجد في مكان محدد كما عليه الحال مع الكتاب في هذه الخزانة أو تلك. في شبكة الحواسيب، يكون النص التشعبي محمولا إلى ما لانهاية، يمكنه أن يكون في أمكنة عديدة في وقت واحد، مع بقائه نفسـه.
هذه الميزة تجعله أداة مفضلة للاتصال: هي الفائدة الكلية لما يُسمى بالنصوص التشعبية التعاونية.

الأتمتة Automatisation
كما في سائر الوثائق ذات السند المعلوماتي، يمكن معاجلة المعلومات في النص التشعبي والتعامل معها بطريقة مؤتمتة. وبالتالي، يمكن استخدام إجراءات للبحث التلقائي باستخدام محرك بحث داخلي، مثلا. نجد أيضا سائر المهام التي تقف وراء نحاج برامج معالجة النصوص (نسخ لصق، الخ)..

الـ «تيه في الفضاء الشبكي Hyerspace»:
العيب الرئيسي في النص التشعبي هو صعوبة اجتناب متاهاته!
عندما تقرأ كتابا فإنك تعرف تقريبا أين أنت. لأجل ذلك، تستخدم بعض المؤشرات مثل: رقم الصفحة، فهرت المحتويات، رأس الصفحة، الخ. في النص التشعبي، لم تعد هناك حاجة إلى أغلب هذه المعالم. فلاخطية المستند تجعل من المستحيل، إن لم يكن عديم الجدوى ومن العبث، استخدام مثل هذه المؤشرات. خلال قراءتك لمستند تشعبي أنت لا تسافر على طول نهر هادئ، بل تسلك طرقا مختصرة أو مُنعرجات مُرور طويلة، من عقدة لأخرى، ومن وصلة لأخرى، تفتح نافذة تلو أخرى، وأحيانا حتى عدة نوافذ في وقت واحد. باختصار، يمكن أن يحدث أن تجد نفسك في غابة من المعلومات التي لا تعود تفهم فيها أي شيء… هذا هو ما يسميه اختصاصيو النص التشعبي بـ «فقدت في الفضاء التشعبي». تشعر بأنك فقدت الاتجاه تماما، لا تعرف أين أنت، وأسوأ من ذلك، لا تتذكر بتاتا ما كنت تبحث عنه.
ويبدو أن هذه المشكلة للتصفح سهلة التجنب: يكفي مد القارئ ببعض «أدوات التصفح» فيستطيع التوجه بذكاء في الفضاء الشبكي المعلوماتي. لا يهم كثيرا أن تكون هذه الأدوات «خرائط»، أو «متصفحات» أو غيرها، عندما تسمح للقارئ أن يعرف أين هو، وحيث يجب عليه أن يذهب، وكيف يمكن أن يذهب، وكيف يمكنه أن يعود، الخ.
يرى بعض الباحثين، مثل لاندو، أن هذه المشكلة هي مشكلة زائفة: من الضروري، في نظره، أن تضاف للنص التشعبي، كما هو الشأن مع المستند الورقي، إجراءات بلاغية ومؤشرات تقليدية مساعدة على التصفح…

ترجمة: محمد أسليـم

مصدر الترجمة:
http://home.nordnet.fr/~yclaeyssen

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الإثنين 27-08-2012 05:49 صباحا

الاخبار العاجلة