محمد أسليم: آن الأوان لتفكر وزارة الثقافة في دعم المواقع الإلكترونية الثقافية المغربية / إعداد: محمد بهجاجي

604 views مشاهدة
minou
قضايا وملفاتمقالات
محمد أسليم: آن الأوان لتفكر وزارة الثقافة في دعم المواقع الإلكترونية الثقافية المغربية / إعداد: محمد بهجاجي

كلمة في تجربة موقع محمد أسليــم
– 1 –
ليس من باب المبالغة القول إن حادث الشبكة العنكبوتية يعتبر هبة لدنية بمعنى الكلمة؛ ففيما وراء تمكين حملة القلم، ولأول مرة في التاريخ، من الإفلات من الإكراهات العديدة التي ظلت تقف في وجه نشر الأعمال الإبداعية والفكرية، بل وحتى الفنية وتعيق تداولها (إكراهات ما يُجمَل عموما في كلمة «المصفاة»)، حيث صار من الآن فصاعدا بإمكان المؤلف أن يرسل منتوجه الفكري من أية نقطة في الكوكب في وقت وجيز جدا ويضعه بين أيدي قراء العالم قاطبة، ولأجل ذلك يكفي الإثنين التوفر على جهاز حاسوب متصل بالشبكة.. فيما وراء ذلك الإفلات، تشكل الشبكة ذاتها قارة جديدة هي من السعة والكبر بحيث تسع الجميع، ويمكن دائما لآخر قادم أن يجد مكانا له ويقول كلمته، إن لم يكن عبر موقع شخصي، فعبر منتديات النقاش أو صالونات الدردشة أو حتى مجرد المراسلة بالبريد الإلكتروني. أكثر من ذلك، بما يتيحه العالم الافتراضي من احتكاكات وتعارفات وإمكانيات هائلة للتعليم والتعلم، فإنه لا يمكن لمن يدمن التردد على هذا الفضاء ألا ينتهي به الأمر إلى تشييد منزل شخصي له فيه.
وهذا ما حصل لي شخصيا؛ فمنذ عام 2001، أنشاتُ موقعا شخصيا متواضعا جدا بالعنوان: www.siteavie.com/aslim، لا لشيء سوى لوضع مجموع منشوراتي الورقية فيه، بغاية إنشاء أرشيف شخصي أولا يعفيني من البحث عن هذا الكتاب أو ذاك، هذا المقال أو ذاك في ركام وثائق مكتبتي الشخصية، وثانيا لتمكين الراغبين في الاطلاع على هذه الأعمال من هذا التصفح، بعيدا عن إكراهات الورق المتعددة المتمثلة في صعوبة الحصول على هذا المقال أو ذاك لأن تاريخه يعود إلى حوالي 20 عاما، مثلا، أو صعوبة قراءة هذا الكتاب أو ذاك لأن طبعته قد نفدت أو توزيعه لم يغط هذه المنطقة الجغرافية أو تلك..
وقد تبدت هذه التجربة ناجحة لأنها جاءت بما لم يكن متوقعا في البداية: توصل الموقع بعدد كبير من الرسائل من المغرب وخارجه، وأتاح نسج علاقات واسعة مع قراء عاديين كما مع مثقفين وكتاب متفاوتي الإنتاج والحضور في الساحتين الثقافيتين الورقية والرقمية، الأمر الذي حفز على إعادة تصميم الموقع بمراعاة درجة من الاحترافية وإعادة تسكينه باستضافة مؤدى عنها، مع شراء اسم نطاق طبعا.
وبتقدم الوقت، وجد الموقع نفسه أمام ضرورة إفادة الغير بمعرفته التقنية، وهو ما تم عبر إنشاء صفحة ما يسمى بـ «الموارد النصية»، وتحويل صفحته الرئيسية إلى ما يشبه مجلة إلكترونية. الأولى لنشر أعمال لأدباء عرب ومغاربة، هي عبارة عن كتب إبداعية وفكرية ومترجمات بنصوصها الكاملة، بلغ فاق عددها الآن 120 عملا، والثانية لنشر مقالات ونصوص إبداعية وأخبار ورسائل ثقافية وحوارات، في البداية بتحيين غير منتظم، ثم بتقدم الوقت، وتحت ضغط كثرة المواد التي صارت تصل الصفحة، ليس من أشخاص فحسب، بل وكذلك من مؤسسات ثقافية وعلمية، أصبح تحيين الصفحة يتم مرة في الشهر، بمعدل حوالي 70 مادة في كل تحيين جديد.

– 2 –
لم يكن الموقع، لدى إنشائه أبدا، يتوقع أن يحرز على الشهرة التي نالها في مجموع العالم العربي والأوساط الأدبية المهجرية في كافة أرجاء المعمور؛ فقد نوهت به مجلة المحيط الثقافي المصرية، حيث ذكرت: «إذا كان لنا أن نطلق صفة cnn المواقع الأدبية على موقع، فإنه موقع الكاتب المغربي محمد أسليم (…) إنه بحق الموقع الشامل والأكثر أهمية في مجاله»، المحيط الثقافي، ع. 21، يوليوز 2003، ص. 158. وتم الإحراز، بفضله ومن خلاله دون شك، على تكريم من لدن الجمعية الدولية للمترجمين العرب ضمن قائمة الأساتذة والمبدعين الذين كرمتهم هذه الهيأة العالمية في مطلع السنة الحالية، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على انطلاقها. وهو يعد، إضافة إلى مواقع الأساتذة: المهدي المنجرة وسعيد بنكراد ومحمد عابد الجابري، من أفضل المواقع الثقافية، ليس في المغرب فحسب، بل وكذلك في العالم العربي، بشهادة العديد من العارفين بالحقل الرقمي.
ولكن بتقدم الوقت صارت تقف في وجه الموقع صعوبات، يأتي في مقدمتها عدم تناسب طاقة العمل وإمكانياته مع الكبر المتزايد للموقع وآفاق العمل المتجددة التي تفتح أمامه؛ فالفضاء الرقمي يبيح للمرء الراغب في ندر نفسه للعمل أن يتحول إلى ما يشبه بطل اللعبة الإلكترونية المسماة بـ «ماريو»؛ يأخذ شخص «ماريو» في البداية هيأة طفل صغير جدا، لكن بالتقدم في اللعب يكبر إلى أن يصير شخصا مفتول العضلات والشاربين ضخم الجثة، الخ. أو إن شئنا تشبيها آخر؛ بداية الموقع تكون عبارة عن صفحة واحدة يقف المرء أمامها كبيرا بقامته الشامخة، ولكن بتقدم العمل وتضاعف الصفحات وتعدد أركان الموقع يتحول منشئه إلى شبه حشرة صغيرة تتيه في دهاليزه، لا تتوقف عن العمل مع ذلك، ولكن ثمرة هذا العمل لا تتأتى للمعاينة اليومية، حيث يبدو وكأن لا شيء يُعمل، لا تقدم يُحرز، ولكن التباعد يبدو واضحا بين الموقع في مرحلتين زمنيتين تفصل بينهما مدة ثلاثة أشهر أو أربعة مثلا..
كان أول أثر سلبي لعدم تناسب طاقة العمل مع الشساعة المتزايدة للموقع توقيف تحيين صفحته الرئيسية في يونيو المنصرم، وهو ما يُعتبر خسارة لهذا المنبر وللأصوات التي كانت تنشر فيه على السواء، من داخل المغرب وخارجه، والتي كانت جعلت من هذه الصفحة ملتقى إبداعيا – فكريا. من تبعات الإكراه نفسه، عدم انتظام نشر مواد جديدة في صفحة الموارد النصية التي تتوفر الآن على زهاء 30 كتابا ضمنها ما ينتظر دوره في الصدور منذ أزيد من عام، وعدم تحيين صفحة «الجماليات» منذ أزيد من سنتين…
يتألف الموقع من عشر واجهات للعمل، تشتغل فيها جميعا يد واحدة لا غير، هي يد كاتب هذه السطور، وهو ما يشق على الكثيرين فهمه، يمكن اعتبارها مواقع فرعية مستقلة، وهي:1) موقعي الشخصي المسمى بموقع محمد أسليم؛ 2) فصلية ميدوزا، وهي مجلة فكرية إبداعية فكرية ثقافية شاملة، بغلت الآن عددها السادس (شتاء 2005-2006)؛ 3) منتدى مجلة ميدوزا، وهو ملتقى فكري إبداعي ثقافي تفاعلي بلغ عدد أعضائه الآن 208 عضوا من المغرب وخارجه؛ 4) صفحة الموارد النصية؛ 5) صفحة الموسيقى؛ 6) صفحة الأشعار المسموعة؛ 7) صفحة الجماليات؛ 8) مكتبة البرامج؛ 9) الدليل الشامل للمواقع المغربية؛ 10) الدليل الشامل للمواقع العربية الثقافية والفكرية والإبداعية العربية. وهو ما يقتضي التوفر على فريق تقني على غرار ما هو جار به العمل في معظم المواقع العربية الشبيهة.
لتدارك هذا الوضع، لكن أيضا لتمكين الثقافة المغربية من الخروج من التخلف الرهيب الذي تعانيه في المشهد الافتراضي مقارنة مع ما نظيرتها في المشرق العربي على الأقل، أظن أن الأوان قد آن لتفكر وزارة الثقافة في دعم المواقع الإلكترونية بصيغتين:
أ) إحداث جائزة سنوية لأحسن المواقع الثقافية والفكرية والإبداعية المغربية؛
ب) دعم المواقع الإلكترونية على غرار المعمول به في قطاعي المسرح والنشر الورقي، وذلك بعد إنشاء لجنة للدعم تتكون من أشخاص عارفين بالمشهد الثقافي الرقمي المغربي والعربي، ملمين بمعايير تقويم المواقع.
وفوائد هذا الدعم ستكون عديدة، سيستفيد منها لا محالة الوزارة وأصحاب المواقع الثقافية والمشهد الثقافي الرقمي المغربي عموما؛
من بين الفوائد التي يمكن للوزارة أن تجنيها:

1) تشجيع الثقافة الرقمية وتحفيز الفاعلين فيها على المنافسة الشريفة والنبيلة؛
2) التدخل كعنصر فاعل فيما يسمى بعملية المصفاة التي يعتبر غيابها آفة حقيقية للنشر في الشبكة العنكبوتية.
3) التعريف بموقع الوزارة نفسه الذي يُفترض أن يشكل أرشيفا حقيقيا لمنجزات الوزارة في الحقل الثقافي المغربي، وذلك من خلال إدراج أيقونة التكريم في الموقع المحتفى به تتيح لزواره النفاذ إلى موقع الوزارة.
وللوقوف على وجاهة هذا الرأي لنا، يكفي تأمل ما يجري في النشر الرقمي، من ثمة إدراك الفروق العديدة التي تميزه عن النشر الورقي الذي لا يزال في المغرب محور العناية والاهتمام:
النشر الإلكتروني لا يعرف إكراهات طول النصوص: فالمنشورات توضع في خوادم تزداد سعتها التخزينية يوما عن يوم، حتى إن الحديث جار عن ابتكارات ستفضي إلى وضع ما يعادل الموارد النصية للخزانة الوطنية الفرنسية كاملة في مساحة لا تتجاوز سعة رأس إبرة. بالإضافة إلى ذلك، لا يعرف النشر نفسه إكراه الزمن: يمكنك أن ترسل نصك إلى أي منبر، فيظهر دقائق بعد الإرسال. أكثر من ذلك، بمجرد ما يوضع النص رهن التصفح يصير قابلا للقراءة انطلاقا من أي نقطة من نقط الكوكب، من لدن أي قارئ معني بقراءته، والذي يكفيه لأجل ذلك أن يتوفر على جهاز متصل بالشبكة. ومعنى ذلك أن النصوص تتخطى حاجز المكان وتعفي الناشر من المبالغ المالية الطالة التي يتطلبها التوزيع. أخيرا، بعد النشر، يصير بإمكان الكاتب تتبع حياة نصه عبر عدادات الزوار، فيعرف كم عدد القراءات التي حظي بها نصه، وإذا ما توفر في منبر النشر إمكانية التفاعل تعرف الكاتبُ أيضا على وجهات نظر القراء حول منشوره وتقويماتهم له. وخلال ذلك قد تنشأ علاقات صداقة غيرها بين الكاتب وقرائه، وتواصلات موازية.
– 3 –
استطاع الموقع أن يحقق تفاعلا مع مواقع أخرى على مستويين:
– مستوى التفاعل غير المباشر، من خلال صفحات «كشك الموقع» و«مكتبته»، و«المواقع الصديقة» و«المواقع المفضلة»، وكلها تمد المتصفحين بكم كبير من المواقع العربية والأجنبية، كما من خلال الدليلين اللذين تم إحداثهما مؤخرا: «الدليل الشامل للمواقع المغربية» و«الدليل الشامل للمواقع العربية الثقافية والفكرية والإبداعية»، وأخيرا من خلال «منتدى مجلة ميدوزا» الذي يمد المتصفحين بالعديد من الروابط إلى مواقع أخرى.
– مستوى التفاعل المباشر، تم الاتفاق، لحد الآن مع موقع واحد في إطار خطوة سباقة في المشهد الثقافي العربي في الأنترنت، وهو منتدى موقع القصة العربية الذي يديره الأستاذ القاص السعودي جابر المليحان، وباقتراح من هذه الساحات، على توأمة المنتديين («منتدى القصة العربية» و«منتدى مجلة ميدوزا») تحت اسم «منتدى الضفتين» لربط جسور التواصل بين المشرق العربي ومغربه، لكن أيضا لتمكين المبحرين من ولوج فضاءات ثقافية هادفة جادة ونظيفة بعيدا عن الهذر والثرثرة وثقافة التهريج الذين يطبعون العديد من المنتديات العربية.
———->

(حوار: محمد بهجاجي، ملف المنابر الرقمية المغربية، نشر في الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ؟؟؟)

الكاتب:محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 26-08-2012 05:29 صباحا

الاخبار العاجلة