الكتاب والمثقفون المغاربة لا يتواصلون بشكل كبير عبر الأنترنت / إعداد: سعيدة شريف

900 views مشاهدة
minou
قضايا وملفاتمقالات
الكتاب والمثقفون المغاربة لا يتواصلون بشكل كبير عبر الأنترنت / إعداد: سعيدة شريف

الكتاب والمثقفون المغاربة لا يتواصلون بشكل كبير عبر الأنترنت
محمد أسليم لـ «الجريدة»: قلة من المغاربة هي التي التحقت بالثورة الرقمية
تحول العالم بفضل الأنترنت إى قرية صغيرة، واصبح الكتاب والمثقفون في مختلف أرجاء المعمور يتواصلون بشكل كبير عبر هذه الشبكة الرقمية، لكن أغلب الكتاب والمثقفين المغاربة مازالوا يتخوفون من ولوج هذه الثورة التكنولوجية ويفضلون لحد الآن التعامل بالأساليب التقليدية من بريد عادي وتلفون وفاكس
الأنترنت شبكة عالمية لتبادل المعلومات وبث الأفكار وإبداء الرأي والتسوق، إنها بكل اختصار ثقافة في حد ذاتها. فبواسطة الأنترنت نتبادل المعلومات ونتواصل بشكل أسرع وبطريقة مختلفة عن التواصل المباشر، حيث يحتاج مستعمله فقط إلى حاسوب وفأرة ليتواصل مع الآخين في مختلف بقاع العالم. إنها وسيلة شيطانية، كما يصفها البعض، فاقت توقعات علماء القرن الماضي، وأصبحت من الضروريات في الحياة العملية بالنسبة للكل.
ففي الوقت الذي أقبل فيه المثقفون والكتاب في الغرب والمشرق العربي بشكل نسبي على هذه الشبكة العنكبوتية، وأصبحوا يتواصلون عبر الأنترنت ويستفيدون من الكم الهائل من المعلومات التي تمنحها هذه التقنية الرقمية المتطورة يوما بعد يوم، يظل أغلب المثقفين والكتاب المغاربة بمنأى عن هذا العالم، اللهم إلا قلة قليلة من الكتاب والمثقفين الشباب الذين وجدوا في وسائل الاتصال الحديثة آفاقا ومنافذ لهم، يتعرف عليهم الكتاب في العالم من خلالها ويتواصلون معهم بشكل كبير، ويتم تعويضهم عن الإهمال واللامبالاة التي يتلقونها من قبل مؤسسات بلدهم أو جيل الرواد بها.
وبمجرد إطلالة على المواقع الخاصة بالكتاب المغاربة على شبكة الأنترنت، يتبين للمهتم ضآلة عدد الكتاب المغاربة، مقارنة مع نظرائهم المشارقة، حيث لا تتجاوز تلك المواقع عدد العشرين في أحسن الأحوال، ونذكر من تلك المواقع موقع الكاتب المغربي محمد أسليم الذي يعد من أفضل المواقع الشخصية للكتاب بالمغرب، إذ يعمل صاحبه على تحيينه باستمرار ونشر العديد من أعمال المبعدين المغاربة والأجانب، وفتح نقاش واسع من خلال منتدى الموقع «ميدوزا». وبالإضافة إلى أسليم هناك موقع «سرديات» للناقد سعيد يقطين وموقع «باب الفتوح» للشاعر أحمد العمراوي ومواقع أخرى لـ: محمد عابد الجابري، والمهدي المنجرة، وسعيد بنكراد، ويحيى اليحياوي، وفريد الزاهي، وعبد السلام الموساوي، وحسن نجمي، ونجيب العوفي. ويعوز أغلب المهتمين تلك القلة إلى طغيان الثقافة الشفوية إلى الآن بالمغرب، وتخوف ناسه من كل جديد. وفي هذا الإطار ذكر الشاعر أحمد العمراوي لـ «الجريدة» أن عدم الإقبال على الأنترنت بالمغرب من طرف الكتاب يعود إلى تخوفهم من هذه التكنولوجيا، وإلى «ارتباطهم الكبير بالثقافة الشفوية التي مازالت سائدة لحد الآن، وإلى رفضهم لكل جديد، وعلاقتهم القدسية بالكتاب. لكن بمجرد ما يقبل الكاتب على تلك الخطوة الأولى في التعامل عبر الأنترنت إلا يتبدد خوفه، وتتجلى له إيجابيات هذه الوسيلة التواصلية وضرورتها في العصر الحالي، حيث مكنتني شخصيا من التعرف على عدد كبير من الكتاب بالمغرب». وأضاف العمراوي أن الأنترنت لا تعوض الورق والكتاب، وأهم ما فيها هو مسألة الترابطات وتشعبات الشبكة التي تفتح أمامك آفاقا واسعة للبحث. وأشار أن الكتابة باليد هي كتابة جسدية، أساسها الدم المحرك للجسد بالجسد، أما الكتابة بالحاسوب فهي كتابة يدوية أيضا في أغلب الأحيان، إلا أنها لا دم فيها، ورغم ذلك فهي ضرورية.
ومن جهته، ذكر الباحث عبد الرحيم الموذن أن علاقته بالإنترنت علاقة سيئة، لأنه ليس معتادا على استعمال هذه التكنولوجيا المتطورة. وعلى الرغم من أهميتها في التواصل في العصر الحالي، فهو يفضل الاحتكاك بالورقة والتعامل مع النص كجسد حي يستطيع التحاور معه ويمكنه من التأمل والاسترجاع. وأشار أنه مع ذلك يعترف بأهميته ويرغب في الانتماء إلى هاته الشبكة مستقبلا.
وحول إمكانية خلق شبكة الأنترنت لكتاب في المستقبل، ذكر الموذن أن الإبداع مسألة ذاتية، ولا يكمن للأنترنت أن تخلقه، لأنها وسيلة من وسائل الاتصال والانتشار، ولكن الإبداع مسألة فردية. الأنترنت يمكن أن تساعد على الإبداع ولا يمكنها أن تخلق مبدعا حقيقيا. فمصطلحات «الأدب الإلكتروني» هي مصطلحات واهية ولا أساس لها من الصحة، لأن الإبداع إبداع وحسب، كما أن التسارع اليومي الخطير للأنترنت لا يمكنه أن يتماشى مع خصوصيات الأدب التي تقتضي التأمل في الذات وفي الكون».
أما محمد أسليم صاحب أحسن المواقع الشخصية بالمغرب، فيرى أن علاقة الكتاب والمثقفين المغاربة بالأنترنت لا تصل إلى نظيرتها في المشرق العربي، من جهة، ولا تستثمر الإمكانيات الهائلة التي تتيحها الشبكة العنكبوتية، من جهة ثانية، إذ قلة هي الفئة التي التحقت بركب الثورة الرقمية، وداخل هذه القلة هناك تفاوت كبير في أشكال الحضور والاستثمار، حيث يميز أسليم هنا بين ثلاثة أشكال:
بناء المواقع الشخصية التي أدرك بعض أصحابها رهانات الشبكة الحقيقية وأتاحوا للقراء إمكانيات التفاعل، بل ووضعوا ليس رهن إشارة المثقفين المغاربة فحسب، بل وكذلك مثقفي ومبدعي العالم العربي أجمع، معرفتهم المتواضعة في حقل تكنولوجيا المعلومات، وإمكانية نشر أعمالهم في مواقعهم. وهو ما يفعله الكاتب محمد أسليم في موقعه الذي ينشر شهريا زهاء 70 إلى 90 مادة فكرية وإبداعية وإخبارية وغيرها. هذا بالإضافة إلى موقعي محمد عابد الجابري وسعيد بنكراد. أما بعض المواقع الأخرى، فهي عبارة عن بطاقة للزيارة أو متحف لعرض أعمال صاحب الموقع نفسه.
وبخصوص الشكل الثاني المتعلق بالمشاركة في المنتديات الثقافية والأدبية والفكرية والنشر في الصحف الإلكترونية، فيرى أسليم أن عدد هؤلاء كبر من سابقه بكثير، وهو في تزايد مستمر، وفئته العمرية شابة عموما، بل ومن هؤلاء من أحرز شهرة في الساحة الثقافية والإبداعية العربية بالأنترنت، دون أن ينجح في امتلاك موطئ قدم له في المشهد الثقافي المغربي الرسمي الذي مازال ورقيا. ومن هؤلاء يمكن ذكر: عبد الحميد الغرباوي، عبد الله المتقي، هشام فهمي، نادية يقين وأفروديت…
أما الشكل الثالث، فيمثله مستخدمو الأنترنت عبر البريد الإلكتروني والمحادثات الآنية عبر مسنجر الياهو والهوتميل والبالتولك وغيرها، وعدد هؤلاء كبير جدا ويفوق الفئتين السابقتين.
وبخصوص مفهوم الكتابة الذي تغير في ظل هذه التكنولوجيا، ذكر أسليم أن التقية الرقمية بصدد العصف بجميع مكونات العالم القديم، بما فيه وظيفة الكتابة والوضع الاعتباري للمبدع؛ فقد «يسرت الرقمية الكتابة والنشر بشكل غير مسبوق في التاريخ، وكان طبيعيا أن يتزايد كم النصوص المعروضة للقراءة بشكل كبير، ومن ثمة أن يفقد المؤلف الهالة التي ظلت تجلله طيلة آلاف السنين. هل نحن في مستهل عصر لابتذال الإبداع والمعرفة؟ مهما يكن الجواب، فالأكيد أن الكتابة تعيش الآن منعطفا جذريا في تاريخ تطورها الذي بدأ منذ آلاف السنين».
فإذا كانت الأنترنت تساهم في نشر الإنتاجات الشخصية للكتاب والمثقفين، وتعمل على توسيع دائرة القراءة والنشر، فإنها في المقابل تساهم أيضا في خلق أعمال وأسماء غير حقيقية في مختلف المجالات الإبداعية، كما تعمل على التشجيع على السرقات الأدبية وفضحها في نفس الآن، مثل ما حدث مع «الكاتبة» المغربية منى وفيق التي اتهمت بسرقة عمل لأحد الكتاب الليبيين. ومن هنا، فخطورة الأنترنت مزدوجة؛ فهي بقدر ما تخدم الكاتب تعمل على هدمه بسرعة فائقة.

محمد أسليـم

(صدر المقال ضمن صفحة الجريدة الثقافية، بأسبوعية الجريدة الأخرى، العدد 19، الأربعاء 22-28 يونيو 2005)

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الإثنين 27-08-2012 03:04 صباحا

الاخبار العاجلة