مجرد وجهة نظر في القضية النسائيـة

1٬624 views مشاهدة
minou
قضايا وملفاتمقالات
مجرد وجهة نظر في القضية النسائيـة

1. الانشطار الأول ومسألة الشر
يبدو أن شرور العالم جميعا تجد أصلها في الانشطار الأول الذي حدثَ في الزمن الميتافيزيقي، والذي أدى إلى ظهور الثنائية الجنسية، إلى ما نصطلح عليه اليوم بـ «الذكر» ثم «الأنثى». بتعبير آخر، قد تعود كل الشرور إلى الجنس باعتباره علامة مميزة تتأصل في الجسد المادي. كلام عام دون شك، بيد أن حكم العمومية، هذا، لن يتبدد إلا بإجراء دراسات واسعة تنكب على العلاقة بين الذكورة والأنوثة في كافة أشكال وجودها (حيوان، نبات، جماد، الخ.)
في حالة الإنسان، كيف حصل هذا التمييز – الانشطار إلى اثنين?
ظهرت أساطير كثيرة في الموضوع لا نود عرضها في هذا السياق. وبتباعد الأزمنة والقرون، نشأ تمايز عميق بين النصفين المتكافئين في الأصل، بالطبيعة، فرجحت كفة أحدهما على الآخر، صار الرجل أقوى من المرأة، كما صارت المرأة أقوى منه. في القديم كان الرجل يسطو على المرأة سطوا، كانت النساء تسبى وتغتصب. للمرور إلى النساء كان الرجال يقتلون الرجال، وإذن فثمن نيل امرأة كان هو ارتكاب جريمة قتل، كي تمتلك امرأة يجب أن تقتل رجلا. كان القتل يتم مباشرة.
وبتطور الأزمنة انقلب هذا الأخذ المباشر، بالعنف، يمر عبر عنف آخر، يُمارسه الرجال على بعضهم بعض بواسطة النساء: تُقسَّم الترواث تقسيما غير عادل، فيستأثر أصحاب الأموال بما شاؤوا من النساء، بشرائهن نهائيا في في أسواق النخاسة، وشرائهن لفترات متراوحة الطول تدريجيا، فيما يكون نصيبُ الفقراء والمعدمين من الرجال ما يفضل عن الأغنياء من النساء (النساء الفضلات) ما لم يحرموا من الإناث بالمرة، إلى أن ظهرت مؤسسة البغاء.
إذا صحت الأطروحة القائلة باجتياز المجتمع البشري مرحلتين، هما المجتمع الأمومي، وفيه كانت المرأة تملك سلطة ارتقت بها إلى مرتبة الألوهية (إلاهات الشرق القديم) ثم المجتمع الأبوي، وفيه تغلب الرجل على المرأة فانتزع منها رتبة الألوهية (ظهور الإله المذكر)، فإنه يمكن تفسير وضعنا الراهن الراهن بما يلي:
– قد تكون البشرية لا زالت لم تبارح طور المرأة الإلهة. وسلوك الرجل، يمكن منحه تفسيرين متعارضين:
أ – الأول: لازالت السلطة الفعلية بيد المرأة، لازلنا نعيش عصر المرأة الإلهة. أي رجل لا يمكن أن يقع اليوم ضحية امرأة؟
ب – الثاني: سقطت سلطة المرأة منذ القديم، والرجل إنما يواصل انتقامه منها منذ سقطت (منذ تعرضت أول امرأة للسبي).
– قد تنتهي شرور العالم يوم يمحي الاختلاف بين الجنسين: فتستطيع المرأة أن تقول: «أنا رجل» مثلما يستطيع الرجل أن يقول: «أنا امرأة»، بل يُستأصَل الاختلاف من العقل استئصالا تاما، فتمحى الفروق بين الجنسين من الثقافة واللغة والفكر، ولا يبقى منها إلا ما هو بيولوجي، لكن بقيمة الحياد أو الصفر.

2. المرأة قضية ميتافيزيقية ستجد حلها ميتافيزيقيا في حلبة التاريخ – الواقع:
بدو أن قضية المرأة تدخل في إطار عام هو مسألة اختلاف الجنسين:
هذه مسألة ميتافيزيقية، حيث تناولتها جميع الديانات (في هذا الصدد سيكون من المفيد إجراء دراسات حول أساطير أصل المرأة في كافة الثقافات).
إذا كانت المرأة إلهة في المجتمع السابق لمجتمعنا الحالي (المجتمع الأمومي السابق للمجتمع الأبوي – الذكوري) ، هل تم الانتقال فعلا إلى نظام أبوي؟ هل خرجنا من النظام الأموي أم لازلنا غارقين فيه حتى النخاع؟ فيما وراء ضجيج خطابات ما يسمى بـ «قضية المرأة»، التي ترسم لها صورة قاتمة جراء «العنف» و«الغبن» الذكوريين المسلطين عليها، لا أحد بإمكانه أن يقدم جوابا حاسما، إذ حالما نأخذ وجهة الأعماق يفسح المجال لصياغة الأطروحة المعارضة كليا لسابقتها، ومفادها أنه إذا كانت المرأة ضحية عنف وغبن ذكوريين، فإن الرجل لا يعدو في ذلك مجرد ممتثل لأوامر المرأة. أليست الأم هي المدرسة الأولى للتنشئة الاجتماعية؟
مهما يكن من أمر، فإننا نظن أن هذه المسألة ستجد حلها في القرن الحالي، والحل ستساهم فيه عدة عوامل:
أ – البيولوجيا: سينتهي عصر استئثار المرأة بالحبل (الذي قال عنه نيتشه: المرأة لغز، حلها واحد هو: الحبل)، إذ سيتطور الوضع تدريجيا نحو وضع آخر، بحيث لن تظل المرأة مستأثرة بصفة «اللغز» المتأصلة في الحبل، سيصير بوسع الرجل أيضا أن ينال هذه الصفة إن يشاء أن يحبل هو بدل أن تحبل هي؛ سينتنقل السؤال من لماذا تستأثر المرأة بالولادة، من الولادة باعتبارها لغزا محصورا على الأنثى إلى لغز خروج المثيل من المثيل، لغز تضاعف الواحد، لغز خروج جسد من جسد، بغض النظر عن علاماته الجنسية البيولوجية المميزة. هذه المرحلة الأولى من التطور، ستبقى فيها رواسب العصر الحالي. وفي مرحلة لاحقة سيختفي الحبل، بكل بساطة، من الجسدين، إذ سيترفع الإنسان عن مثيله الخارج منه، أو سيهيئ له شروطا أفضل للنمو، بعيدا عن سائر المؤثرات التي تؤثر في الجنين (نوعية المأكولات التي تتناولها، الموسيقى التي تستمع إليها، الأحوال العاطفية التي تنتابها، الخ.)، سيترفع الإنسان عن حمل بذرة داخل جسده، وإيوائها لمدة من الزمن، وتحمل التبعات التي يجرها هذا الاحتضان الذي سيُنظر إليه إما باعتباره تخلفا عقليا لمن لم يكفوا عنه، سيكون تأخرا، أو علامة على فقر (ستكون تكاليف العملية في البداية مرتفعة جدا ولا يقوى عليها الفقراء من الناس). في انتظار الاختفاء النهائي سيتواصل التمييز بين الجنسين، في إطار طبقي…
أخيرا ستتغلب قاعدة: الإنسان لا يمكن أن يلد الإنسان، وستخصص مستشفيات لهذه الغاية، وسيصير الحبل الطبيعي جريمة يُعاقب عليها بكل بساطة طبقا لفصول قانونية ستصاغ لهذا الغرض!
والعقاب سيجد مبرراته في الصيغة التالية: لماذا حبلتَ (أو حبلتِ أو حبلتما)، وأخفيتما عنا الحبل، فجئتمانا بهذا الكائن «الطبيعي» الذي نجهل ما سيكون عليه، لأنه لم يخضع للعمليات التي يخضع إليها كل المواليد، وأهمها إدخال تعديلات على شفرته الوراثية لوقايته من الأمراض وتعديل مزاجه، الخ؟ في هذا الصدد سيكون ما سيخضع إليه الجنين وهو في الأنبوب معادلا لما يسمى الآن بالتلقيح. عقوبة تقابل تلك التي تنزل بالذين يتعاطون المخدرات اليوم، لأنهم بدل الانضباط لقوانين المجتمع، يمتطون طائرات العقل ويفرون إلى الطبيعة…
يتمثل الوجه الميتافيزيقي للحل في العودة إلى الواحد الميتافيزيقي، سيصير الرجل هو المرأة والمرأة هي الرجل، بمعنى أنه سيحتاج إليها وستحتاج إليه بقدر ما سيكون في غنى عنها وستكون في غنى عنه.
ستختفي العائلة، ستختفي مصطلحات القرابة، لكن في إنسان ما بعد الإنسان الحالي (لأن زنا المحارم، سيُلغى). في انتظار ذلك سيختفي مصطلحان من مصطلحات القرابة، وهما أب وأم، ليُستبدلا بمصطلح واحد، ينادي به الطفل أبويه معا….

ب – علم الأمراض العصبية (Neuropathologie)
ج – تقدم الجراحة التجميلية وعلم الهرمونات، بحيث تصير جميع النساء جميلات وجميع الرجال جميلون، يتلونون بما شاؤوا، ويأخذون القامات التي شاؤوا، الخ….، هذا ما لم يطل هذين الحقلين محو جراء الزحف المهول الذي ستشهده البيولوجيا (مع الجينوم بالخصوص)…
د – اختفاء العمل اليدوي – البدني بظهور إنسان جديد، هو الإنسان الافتراضي: ثمة من لا يتردد في اعتبار أن عملية إحلال الشأن الافتراضي محل نظيره الواقعي تشكل جوهر التحولات التي تطبع بداية الألفية الثالثة، وأنها – بصرف النظر عن أي حكم للقيمة – تتقدم باعتبارها حركة «صيرورة» تحول الإنسان الحالي إلى إنسان «آخر». هذه الأولوية للافتراضي تتجاوز حقل الإعلاميات والتواصل إلى جسد الإنسان نفسه واشتغال الاقتصاد والمؤسسات والمقاولات…، بما فسح المجال لأسئلة من نوع: هل يجب التخوف من سحب كلي للواقع؟ هل نحن أمام نوع من التلاشي الكوني، كما يوحي به بودريار؟ هل نحن تحت تهديد تلاش تام للثقافة؟ هل نحن أمام ابتلاع رهيب للزمن-المكان، كما أعلن عن ذلك بول فيريليو منذ سنوات عديدة؟.. الإنسان في هذا السياق، سيتم التأكد من حضوره أو غيابه، من الحاسوب الموجود في منزله أو الحاسوب المحمول، بل والملبوس.. سيعيش الإنسان الافتراضي في شكبة الحاسوب ومجموع الآلات والأجهزة كلية الحضور التي تراقب حركاته وسكناته.

نكــــــتة:
سوف لن يتخلص الإنسان المقبل من رواسب الإنسان الحالي إلا بصعوبة وعبر مراحل ستتعاقب عموما، لكن لا يمنع أن تتعايش في المجتمع الواحد. في أول هذه المراحل سيتم التمسك بالعلامات المميزة بين الجنسين حاليا (العلامات الجسدية)…

3. الغائب في الخطاب النسائي المعاصر: (الشق الأخلاقي في المسألة):
تُقدَّم المرأة في الخطاب الحالي باعتبارها ضحية عنف يمارسه عليها الرجل، عنف جنسي، نفسي، جسدي. هل يعود ذلك إلى التربية؟ إلى الثقافة؟ إلى المجتمع؟
قد يعود إلى ذلك كله، لكن عندما يختلي الرجل والمرأة ببعضيهما، فإن الفرد بقدر ما يستحضر في كل سياق للتفاعل القيم الاجتماعية والثقافة المتلقاة – استحضارا لا شعوريا – بقدر ما يُبدِعُ داخل تلك الخطاطات. ومن ثم، بدل الاحتجاج على العنف الذي تتلقاه المرأة، ينبغي تحليل أسباب ذلك العنف. بتعبير آخر أن تقع المرأة دائما ضحية له، فمعناه أننا أمام قاعدة. ما مصدر هذه القاعدة؟
المعطى هو أن عنفا يُمارَس، هذا العنف لا يمكن أن يكون خارج ثلاث فرضيات:
أ – المرأة تحب العنف، ترغب فيه، وتخلق السياق الملائم لممارسته (قالت العجوز لزارا، إذا ذهبت إلى المرأة، فلا تنس السوط)، قد تكون المرأة كائنا مازوشيا بالطبع، هي التي دفعت الرجل إلى استعمال العنف. وكونها دفعته، وتمادت في حثه عليه إلى أن لم يجد بُدا من ممارسته، فذلك يُعتبَر في حد ذاته عنفا! بتعبير آخر، استعملت العنفَ لإرغامه على استعمال العنف معها. وفي هذه الحالة يكون الرجل هو الضحية لا المرأة! والعقوبة يجب إلحاقها ليسَ بالمرأة المفردة، ولكن بالمرأة المجردة، الكامنة في تمثلاتنا عن الأنثى.
ب – الرجل يُعاقبُ باعتباره جلادا، في حين هو ضحية والجلاد الحقيقي هو المرأة، من ثمة تكون المرأة هي الحاكمة-المتحكمة، في الخفاء، هي صوت القانون، هي القانون في وجهه المظلم.
ج – الرجل يحب العنف: هل يمكن للقوي الثمل بالجبروت وحب العنف أن يمارس دائما عنفه؟ لا، لا يمكن لأي كان أن يخلق سياق استعمال العنف، ما لم يكن يخفي وراء ساديته درجة من المازوشية. فالحرب لا أحد يضمن نتيجتها، وأن أقبل بدخولها، فإني لا أقصي احتمال أن تلحق بي الهزيمة، وبالتالي تلقي العقاب والتألم من جراء ذلك. وإذن فالرجل يمكن أن يخلق السياق، ولكن المرأة تقول له دائما: أهلا وسهلا ومرحبا بك في عالم العنف، فتكون النتيجة أنها تنهزم جسديا ونفسيا، ولكنها تنتصر قانونيا في أغلب الأحيان.
يُنظر إلى مؤسسة الدعارة دائما من زاوية أنها من خلق الرجال، وأن المرأة التي تدخلها هي ضحية المجتمع، وإذن ضحية الذكورة، ضحية المجتمع الذي أقر أفضلية الذكورة على الأنوثة، ومن ثمة أعطى الأولوية في التشغيل للرجل لا المرأة، أو على الأقل لم يضع المرأة في مرتبة واحد مع صنوها الرجل.
لا يُنظرُ أبدا إلى الرجل باعتباره ضحية. لا نسمع أبدا عن التحرش النسوي بالرجل. يُقدَّم الرجل باعتباره يتخذ من المرأة موضوعا شهويا، ولا يُنظَرُ أبدا إلى المرأة باعتبارها تتخذ من الرجل موضوعا شهويا.
يمكن، في نهاية المطاف، النظر إلى الذين يُقدَّمُون باعتبارهم ناشرين للفساد، بمثابة ضحايا. ما ينبغي معاقبته ليس هؤلاء، وإنما النساء اللواتي (يقعنَ) في قبضتهم. أما هؤلاء، فهم رجالٌ، بالغون اجتماعيا، ومهنيا، لكنهم قاصرون وجدانيا وعاطفيا (الرجل طفل صغير على حد تعبير نيتشه وبعده فرويد). والعقوبة التي يمكن أن تلحق بالمرأة هنا هي عقوبة التغرير بقاصر. وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا بالتمييز داخل الفرد بين شخصيات عديدة، يجاور فيها الفقير الغني، العاقل المجنون، الأخلاقي اللاأخلاقي، الخ. ما السبيل إلى ذلك؟ هذا عمل ينتظر رجال القانون!
والمرأة تكون بالفعل غررت بقاصر، لأنها منحته شيئا طبيعيا، هو في العمق مساو للشيء الذي يملكه، ثم باعته إياه…
والمرأة التي تخون زوجها تمارس عليه عنفا صامتا، ينطلق من تمثل ضمني بموجبه تضع نفسها أفضل منه، لها حق تعدد الشركاء فيما لا يملك هو هذا الحق، فلو ملكه لما تزوج!
ستختفي الدعارة من تلقاء ذاتها، لأننا إما سندخل عصر مشاعة بدائية (عودة إلى الميتافيزيقا) أو ستصير الدعارة هي القاعدة، وسيختفي مقابلها، وبالتالي تُنزَع عنها التعريف لأن ضدها سيختفي (ذا أردت القضاء على الشيء، فاحذف نقيضه)، والأشياء لا تأخذ معانيها إلا بأضدادها.

4. للتأمــــل:
هل نأسف للوضع الذي سنكون عليه؟ لا، بكل بساطة، لأن الأسف آنذاك سيكون علينا، من قبل لاحقينا-امتداداتنا، سيتأسفون علينا عندما سيكتشفون أننا كنا نفكر بعقل ثنائي، لا يعرف الأشياء إلا بالضد، كنا نشغل عقلنا بالتضاد، في حين ربما سيشتغل عقلهم بالترادف، وسيقضون دهورا لمجرد محاولة اكتشاف ما التضاد؟ (كيف كنا نشغل هذا التضاد، وقلما سيقفون على معناه. وإذا ما وقف الواحد منهم عليه فسيعسر عليه نقله إلى الآخرين)، بل وقد يُجرَّم من يشغل عقله بالتضاد، لأنه خالف الناس، سيُعتَبَرُ مجنونا، بكل بساطة، ولن يسمع أحد لكلامه إذا ما رام أن يشرح لمحيطه ما التضاد على نحو ما نصم آذاننا نحن اليوم – ومنذ قرون – عمن يتوحد بالله إلى أن يجوب الشوراع وهو يقول: «أنا الله»، فيفر الناس عنه فرارا، ويدخلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية.
هل يمكن اعتبار التصور الأحادي للعالم، أو الانتقال من عصر التضاد إلى عصر الترادف انتصارا للصوفية والحركات الباطنية جميعا؟ لقد قال أندريه مالرو عن القرن الواحد والعشرين إنه «إما سيكون روحيا أو لن يكون».

محمد أسليـم

مكنـاس 2002

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الإثنين 03-09-2012 04:34 صباحا

الاخبار العاجلة