أبحاث في السحر: 06 – الاعترافات الشيطانيـة

1٬455 views مشاهدة
minou
مترجمـات
أبحاث في السحر: 06 – الاعترافات الشيطانيـة

جمهـورية ساحل العاج

سكــرتارية النبي
آتشـو ألبيـر، بريغبـو
ص ب: 25 بينجـر فيــل
بريغبـو في …/…/1966 الإسـم: أدجـوفي دجـ……

الجنــس: أنثـــى

العـــرق: إبرييبيــــة
الـديانـة: بروتسانيـة
اعتـــراف شيطـــاني
أصرح علانية بأنني عفريتة، وبصنيعي الشيطاني قتلت أكاه دانيال، كوتوان دجاربوبو، وقتلت مولودا لأكاه إيلي قبل أن يسمى، كما قتلت أيضا مولودين لأسامو أنان قبل أن يسميا، وقتلت أنكري جان، وقتلت جدتي أكا أدجوكران (من قرية أبيدجان – سانتي)، وقتلت مولود أكاه آهوو قبل أن يسمى، كما قتلت مولود مارتين المسمى دجومان.
أي أنني قتلت 9 أشخــاص
وإليكم أسماء شركائي:
نيمبا بيي، أكوا أكو، موتشو نسرانان، موبيو أغوسي، أساغو غوغوه، أهوو جان بول.
أي 6 أشخاص شـركاء.
الأشخاص الذين قتلهـم شركائي:
نيمبا – بيي: قتلت ابنتي أختيها قبل أن تسميا……………………………………………………………………(2)
أغوا أكو: قتل بيتما لافري وأكري أنييس………………………………………………………………………..(2)
موتشو نسرانان: قتل مولود أكوسي أكا إتيان قبل أن يسمى وقتل مارغريت دجابا…………………………(2)
موبيو أغوسي: قتل يوكو دجومان وموبيو أماتشـو وموبيـو موا غابرييل…………………………………(3)
أساغو غوغوه: قتل أخته المولودة حديثا، بدون إسم. أجهض حملين لأمه وقتل الجد أوهو أموسان………(4)
أهوو جان بول: لم يقتل أحـدا.
أي قتل شركائي 13 شخصا
الحصيلــة: إذن قتلـــت 9 أشخــاص
وقتـــل شــركائي 13 شخصـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجمـوع 22 شخصا لقوا حتفهم

أضــرار وشــرور
كنت قد سلمت لشركائي ظهر جدي المسمى أوهو لوكون فيليكس لكي يوقدوا فرن التحضير الشيطاني، فأضرموا النار في قلب جدتي أوهو طوهي، ولذلك فهي تشكو الآن من حرقة القلب. وقد سبق لنيمبا – بيي أن سلمت أهوي نكنورون أديل ليتم إشلالها، لأنها تحب التجارة، وتتنقل باستمرار.
لقد كان إيلي أغاه المبشر الإنجيلي البروتستاني يريد أن يطهر القرية (أي ينصرها)، ونحن لا نرغب في أن تكون قرية يامبونا طاهرة، ولذلك أردنا قتله. بحثنا عن وسيلة للقبض عليه، لكن العثور عليه كان مستحيلا. ولذلك اهتدينا إلى طريقة لصرف ذاكرته حتى يأخذ في النوم في منزله بدل أن يذهب إلى الكنيسة حتى وإن كان اليوم يوم أحد.
ومن جهة أخرى، كان لازار دجكو عميدا للقرية، فأمره السيد ألبير بأن يجمع سكان القرية للاتفاق مع البعثات الدينية، ونحن لم يرقنا ذلك. وبمجرد ما اجتمع أهل القرية احتدم بينهم نقاش ممل فانصرف الجميع. ونحن الذين تسببنا للقرية في ذلك. وذات يوم أردنا أن نطالب رئيستنا نيمبا – بيي بقتل شخص لكنها رفضت، فقلنا لها حينئذ إن جميع أقاربها سيصابون في حوادث سير [من جراء سحرنا]. ولكي نباشر ذلك فقد تسببنا في حادثة سير للويز أكاه فتكسرت رجلها ويدها الأيمنان. والحادثة الخطيرة التي وقعت لبول أهوي في الطريق نحن الذين كنا وراءها. كما تسببنا في حادثة مماثلة لسيمون أدو. في ساحة نيمبا – بيي كانت قاعة أكلنا. ووراء منزلها اتخذنا لنا مكانا كي نتسلى فيه ونلهو كلما كنا مسرورين. لقد احتفظنا من الأشخاص الذين قتلناهم بثلاثة أحواض من الدم: الأول عند نيمبا – بيي، والثاني في ساحل البحيرة الشاطئية، والثالث عند أكوا أكو. بعد انتهائنا من الأكل، نغسل الأواني في حوض الدم الموجود على شاطئ البحيرة ثم نحفظها في بطن جدتي.
لقد أعطيت دم كل من أدجوفي لوكون، وأدجوفي أبا، وأكري نسو إلى شركائي كي يشربوه.
جاءت رئيستنا نيمبا – بيي تتوسل إلي كي أسلم أختي بانان كاجيبيي للجمعية لأنها فتاة في منتهى الجمال فرفضت. ومع أنني كنت أرفض كلما عاودتني في الموضوع نفسه، فإنها لم تخل سبيلي إلى أن وافقت ذات يوم فذهبت لآخذ أختي. وعلى الفور ألقى علي القبض حراس الله.
جاءت (رئيسة الجمعية الشيطانية نيمبا – بيي) يوما بمبلغ مائة فرنك مقابل أن أسلم أمي للجمعية كي تقتلها. بعد ذلك، قالت لي إن أمي ليست جيدة وإنه يجب علي تعويضها بأبي حتى تتمكن من الحصول على أبوي معا. ولما سقطت مريضة، تنازلت فذهبت لأعيد لها الـ 100 فرنكا التي كانت قد أعطتني إياها مقابل أن أسلمها أبي، بالإضافة إلى خمس فرنكات كنقد عائد[1]. ويجب أن تفهموا أن 100 فرنك بالنقد الشيطاني تساوي 7000 فرنكا عاديـا.
وبهذه الـ 100 فرنك اشتريت حرية جميع أفراد عائلتي. وبمجرد ما يفرحون بالحصول على فرد من عائلتي لقتله، فإنهم لا يطلبون أبدا أي فرد آخــر. فهـؤلاء الأشخاص يصيرون ملكا لأنفسهـم بصفـة نهائيـة.
نهايـة اعترافــي

I – فن العـلاج في بريغبو
كل من يصل إلى قرية بريغبو يبدأ بزيارة ألبير آتشو (Albert Atcho)، فيعرض عليه أسباب مجيئه إلى القرية وما يشكو منه. وآنذاك ينظر النبي في يد الزائر، ثم يشخص المرض. فإن رأى أن المرض لا يدخل ضمن دائرة اختصاصه – خاصة إذا تعلق الأمر ببعض الأمراض العقلية الحادة – وجه المريض إلى مستشفى الأمراض العقلية ببينجرفيل. أما إذا بدا له أن باستطاعته علاج المريض، فإنه يأمره بالمكوث في بريغبو ثم يصف له على الفور أدوية مستخلصة من الأعشاب وتشتمل أساسا على توضؤات أو حتى استحمامات في البحيرة الشاطئية. والعلاجات المعتادة جدا هي علاجات الحوض. هكذا، فالممرض نيانيي يغسل يوميا أغلب المرضى[2].
إلا أن المرض يمكن أن يكون من أصل غير معروف. وفي هذه الحالة يبعث آتشو إلى الله ببرقية يمده فيها بالمعلومات الضرورية عن الحالة المدنية للمريض للتعرف على المريض. أما نقل هذه البرقية فيتم عبر روح، بحسب قول القائمين على سيكرتارية آتشو.

الاعتــراف والتوبــة
تتم دعوة بعض المرضى، بل أغلبهم في الواقع، إلى الاعتراف[3]. فالاعتـراف أساسي في السيرورة العلاجية في بريغبو. ومن أجل التصريح بالاعتراف يتردد المرضى على الكتاب عدة مرات، يوميا أحيانا، وذلك طيلة شهر أو أكثر. والكتاب ينصتون للمريض ويساعدونه بأسئلتهم على عدم نسيان أي أمر، أو إخفاء أي أمر. وهذا السير للأسئلة – أجوبة هو الذي يمنح الاعترافات شكلا ومحتوى مقولبين حتى وإن كان النقل المكتوب لا يذكر مطلقا الأسئلة ويأخذ شكل نص مسترسل. بعد عدة جلسات من الاعتـراف الشفهي فقط، يباشر الكاتب تدوين ملخص لكل ما حكي له في دفتر مدرسي صغير. وآنذاك يعتبر الاعتراف قد انتهى. ثم يقرأ الملخص فيما بعد على آتشو خلال الزيارة. وبعد الاستماع يؤدي النبي الصلاة، وفي بعض الأحيان يوصي المريض بالتوبة، ثم يذكر العلاجات التي ستسبق الشفاء التام.
والمبشر الرئيس هو الذي يبث في طبيعة التوبة ومدتها. كما يفرض أحيانا نظاما غذائيا يخضع لرقابة حراس الكنيسة؛ يعرض التائبون كل وجبة من وجباتهم على الحراس في الزوال كما في المساء. وتقوم التوبة على مزاولة أعمال شاقة وغير ضرورية تعتبر عقوبة حقيقية، كأن يمشي المريض، مثلا، في الكنيسة أثناء الفرض الكنسي وهو يحمل فوق رأسه قطعا من الآجر، أو يقوم بأعمال يومية وضرورية كتنظيف شاطئ البحيرة، أو يقطع الخشب لدى أهل الكنيسة للقيام بأعمال البناء، أو يشحن الرمل لأغراض متنوعة تهم الكنيسة. وخلال مدة التوبة، لا يعمل المرضى لحسابهم الخاص كما لا يقتلعون أشجار الدغل اليابسة.
يتراوح زمن التوبة عموما بين أسبوع وشهر أو أكثر. وعندما تنتهي مدة التوبة، يوم الأحد، يعلن مبشر الكنيسة أثناء الفرض أن المريض أهل لأن يعالج فيصلى له. وبعد هذا الحفل، سيكون بإمكانه أن «يطلب الطريق» من النبي الذي غالبا ما يسوفه. وأحيانا يعود المرضى إلى قراهم ثم يعودون إلى بريغبو ليطلبوا من آتشو أن يرخص لهم نهائيا بالالتحاق ببيوتهم.
بالإضافة إلى التوبة، بالمعنى الضيق، التي تتم في إطار الكنيسة، كثيرا ما يزاول المرضى أشغالا في بيت النبي فيمنحونه بذلك عملا مجانيا يعتبر هو الآخر، عموما، بمثابة نوع من التوبة. هكذا، التقينا خلال إحدى إقاماتنا ببريغبو بشاب كان يزاول مهنة خادم عند النبي، وكان قد ظل ينتظر منذ عدة شهور أن يسمح له هذا الأخير بالانصراف إلى حال سبيله. وبذلك نرى بوضوح كيف تتمكن الجماعة القروية، عبر عمل المرضى، من ضمان حياتها والتطور. وبعض المرضى وأعوان النبي واعون تمام الوعي بأن آتشو كثيرا ما يمسكهم عنده لا بسبب حالة صحتهم العقلية أو الجسمية وإنما بحسب حاجة القرية أو حاجته هو نفسه لحضورهم عملهم. غير أن المريض الملحاح في طلبه يفلح دائما في الحصول على إذن من النبي لكي يلتحق بقريته.
تعتبر بريغبو قرية مفتوحة، ورحيل المريض يواكبه طقس. فهو يفد على النبي خلال زيارة أحد المرضى أو حتى أثناء زيارة شخصية جدا. فيتلو ألبير آتشو دعاء ثم يرش رجل المريض اليسرى[4] بمسحوق يوجد عموما فوق مائدة العيادة. ويمكن لهذا الاحتفال أن يشبه تبريكا. يأتي المريض عموما بعطر أو ماء يضع فيهما النبي أيضا ثلاث قبضات من المسحوق. وأخيرا يكون باستطاعته مغادرة القرية إن شاء ذلك.

الــعيــادة
عندما يجلس النبي لمعاينة المرضى يعد له الممرضون كرسيه ويضعون أمامه مائدة صغيرة مغطاة بسماط. وفوق هذه المائدة توضع أدوات طقوسية وهي لا تتغير أبدا: 3 حبال رفيعة، إناء صغير يحتوي على مسحوق الصلصال الصيني، منفضة، وعلبة سجائر النبي. تشتمل الحبال على عقد. الأول معقود 17 عقدة بينها مسافات متساوية. وهذه الحبال هي التي تتيح التواصل مع الله. كل عقدة هي محطة للكلام. أما الحبلان الآخران فهما متشابهان، كلاهما معقود 14 عقدة، أو بالأحرى إنه معقود 7 عقد مضاعفة. ويفصل العقد عن الحبل فتيل عمودي قصير جدا لا يتجاوز طوله 10 إلى 15 سم على الأكثر. وهذا الفتيل يمثل الكلمة. أما الحبلان، فأحدهما يمثل البيض والآخر يمثل الأفارقة. ويظهر فصل العقد بالفتيل العمودي الصغير 7 عقد مرتين في كل حبل. وعن سؤال «لماذا سبع عقد؟» يقدم الجواب: «كأيام الأسبوع».
إن دلالة هذه الأدوات الطقوسية وإدماجها في عملية العيادة أو الزيارة غير واضحين تماما. وخلال الاستشارة، غالبا ما يتواصل آتشو مع الله. وموضوع المكالمة الهاتفية، أو البرقية المبعوثة إلى الله، يتردد كثيرا في خطب النبي. كما يتطرق إلى أحد الموضوعات الأساسية في الأقسام والمواعظ، وهو موضوع الاختلافات بين البيض والأفارقة. ولذا فليس من المدهش أن تعني الحبال الثلاثة هذه الأصناف الثلاثة من الشخصيات الأساسية بالنسبة للنبي. ومع ذلك، فإننا لا نرى بوضوح أي رابط يوجد بين استعمال هذه المواد ونسبتها إلى الله والبيض والأفارقة. يجب إضافة أن هذه الحبال لا تنتمي إلى الشعائر الهاريسية. فهاريس (Harris)، على العكس، يبدو أنه كان يرتاب من كل جسم من شأنه أن يتحول إلى فيتيش، أن يعبد في ذاته. لذلك فهو كان يحطم صليب الخيزران الذي كان يرافقه، كان يغيره بانتظام. أما آتشو فيبدو أنه أحس أكثر بضرورة إرساء نشاطه على الأشياء المحسوسة.
يستعمل مسحوق الصلصال الصيني، الموضوع في الإناء الصغير، في اللحظة التي يسلم فيها النبي بركته إلى المريض ويصلي ويدعو له، أي في نهاية الاعتراف. فهو مسحوق مبارك.
عندما كان النبي لازال شابا يتمتع بصحة جيدة، كان يستقبل المرضى بانتظام، ثلاثة أيام في الأسبوع، وهي الثلاثاء والخميس والأحد، كما تعلن عن ذلك اللوحة المعلقة على شجرة بالقرب من منزله. ومع مضي السنين، أصاب هذا الانتظام بعض التغيير، فتم في أغلب الأحيان استبدال المعاينة العمومية التي تجمع على الأقل خمسين شخصا باستجوابات محدودة يجريها النبي داخل المنزل. ومع ذلك فالزيارة، حينما تجري، تتخذ دائما الشكل نفسه وتدوم عدة ساعات، وتتخللها أناشيد هاريسية ترافق الخشخيشات[5]. وهذه الفرقة الموسيقية تتألف من رجال ونساء لا يملون من توقيع كلمات النبي.
يجلس النبي أمام المائدة الصغيرة، وهو يرتدي عموما حبيكة قصيرة بيضاء اللون ووزرة. وبجانبه تجلس زوجته الأخيرة السيدة ماري، وحول الجميع يتحلق القرويون لحضور الزيارة. تتقدم امرأة مريضة لا تستطيع الوقوف. لقد تزوجت في الكنيسة ثم مات زوجها، وبدلا من البقاء أرملة تزوجت رجلا آخر. ولما مرض أحد أطفالها زارت وليا صالحا، ومنذ ذلك الحين أصيبت بمرض. تقول إنها أصيبت بمس من الماء. عندئذ يسألها آتشو عما إذا كانت تعرف لماذا استولى عليها الماء، فتقول: «أردت الحصول على المال فزرت أولياء، لكنني الآن أريد الرجوع إلى الله. وباتباعي كل تلك الفيتيشات أصبت بالمرض. فأنا جالسة هنا، كما ترونني، لكنني أشعر بالألم، وعندما أتمدد فإني لا أنام. أنا مريضة، جسمي كله يوجعني، ولذلك جئت إلى الله». يقول آتشو: «حسنا، عليك أن تقولي كل شئ». وفي تلك اللحظة يتقدم رجل جاء يحمل ركاما من الفيتيشات، فيظل وافقا ينتظر. يتلو آتشو بسرعة دعاء باللغة الإبرييية، ثم يدعو للمرأة التي تشكو من وجع الرأس. وفي نهاية الدعاء ينثر عليها المسحوق. تأخذ امرأة في الإنشاد. بعد ذلك يتكلم آتشو قليلا. تنشد المرأة من جديد، ثم يستأنف آتشو خطبته. تقوم المرأة من جديد، ثم يستأنف آتشو خطبته. تقوم نساء الفرقة الموسيقية بتوقيع كلامه. هكذا تجري الزيارة: اعترافات، وصلوات، وأناشيد وخطب تتوالى خلال ثلاث ساعات أو أربع أحيانا. وكثيرا ما يتم علاج عدة حالات دفعة واحدة.
يتكلم الزائرون بلغاتهم، لكن النبي لا يفهم إلا اللغة الإبرييية والفرنسية وقليلا من الأبورية. فيقوم الكتاب في أغلب الأحيان بالترجمة إلى اللغة الإبرييية. يحدث أحيانا ألا يعرفوا لغة المريض، لكن في هذه الحالة يأتي هذا الأخير مرفوقا بشخص من بني قومه قادر على الترجمة.
يجب وضع الاعتراف في إطار الزيارة أساسا. ذلك أن الغاية النهائية من كل حلقات الاعتراف الفردية أمام الكتاب هي إنجاز النقل الكتابي للتصريحات التي ستشكل بعد ذلك موضوع قراءة عمومية. والاعتراف العمومي وحده هو الذي سيمكن المريض من الشفاء.

النصـوص
إذا ما نظرنا إلى محتوى الاعترافات الظاهر، أمكننا التمييز – والكتاب يقومون بالشئ نفسه أيضا – بين نوعين من التصريحات: نوع عادي، وآخر شيطاني.
يقترف الزائر عددا من الأفعال التي تعتبرها الديانة الهاريسية أعمالا شريرة، ويعتبرها آتشو أسبابا للمرض، فيأتي ليعترف بها وليطلب أيضا من النبي أن يتدخل لصالحه قرب الله، وذلك لكي يرزق الصحة والمال ويحالفه النجاح في مجالات متنوعة. والـ «أضرار والشرور» التي يعترف بها هي أساسا السرقة، وممارسة الجنس في الهواء الطلق. واعترافه حينئذ يكون عاديا.
ومن بين الاعترافات العادية نجد اعترافات فيتيشية أساسا تأخذ شكل قائمة من التمائم يعترف الزائر بأنه قد حصل عليها واستخدمها موظفا فيها قدرة سحرة. وهذه الاعترافات الفيتيشية لا تتميز في العمق عن الاعترافات العادية ما دام النبي، فيما يبدو، يعتبر أن استعمال الفيتيشات – شأنه شأن زيارة الصالحين – خطيئة عادية.
يتهم المريض نفسه بارتكاب أعمال قتل شيطانية نفسه بأكل اللحم البشري وشرب الدم البشري، وحيازة مواد شيطانية، وتخريب ممتلكات (مزروعات أو متنوجات فلاحية)، وإضرام حرائق، وحجز أجسام وممتلكات. والأعمال الموصوفة تتجاوز الإمكانيات الإنسانية (تحولات، تحليقات عضلية، حضور في أمكنة متعددة في وقت واحد، معرفة سبقية، تأثير عن بعد، قوة خارقة، شفاء إعجازي). يتهم المريض نفسه بأنه «شيطان»، أو بكونه ضحية لـ «شياطين». ولذلك يوصف هذا النوع من الاعتـرافات بأنه شيطاني.
تتضمن الاعترافات الشيطانية، كذلك، جملة تقديمية تتيح للجمهور معرفة أن الأمر لا يتعلق بشئ عادي وإنما بقضية شيطانية. وهي تبدأ باعتراف: «أصرح علانية بأنني عفريت أو عفريتة». ويرى جان روش أن إقرار المعترف بأن الأمر يتعلق بقضية شيطانية يمكنه، فعلا، من التبرؤ من كل مسؤولية جنائية ومن الإفلات من المتابعات التي كانت هذه الجرائم ستعرضه إليها لو كانت جرائم إرادية. وسواء أكان الاعتراف شيطانيا أم عاديا، فإن سكرتارية النبي أو النبي نفسه هما اللذان يثيرانه. ويرى آتشو أن «الشرير يكون عدوا لله، والله يعاقبه بالمرض» (راجع جان روش: 1975، الفصل 1، هامش 1). وأمام المرض الجسدي أو العقلي يبدو أن الاعتراف يشكل نقطة انطلاق لكل تطبيب.
لذا يلح الكتاب على المرضى كي يعترفوا بكل شئ و«لا يخفوا» أي شئ. ويظهر كل من الاعتقاد في وجود علاقة بين الخطيئة والمرض من جهة، والتأثير المفاقم للـ «تكتمات» على الجرائم من جهة أخرى، في هاتين الفقرتين:
«بعد عدة اعترافات ناقصة، اشتد مرضي يوما بعد يوم. أراني مضطرة للتصريح أمام اللـه والشعب بالمكيدة الكبيرة التي يشكلها شياطين وشيطانات العالم أجمع».
«يوم الخميس 10 أبريل صباحا وجدت الظفر ينفصل عن اللحم في إبهامي، فدفعتني هذه المعجزة الصغيرة إلى الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها تجـاه اللـه».
تتم الاعترافات شفويا أمام كتاب النبي آتشو الذين يقيم معهم المريض نوعا من الحوار. يسألون هذا الأخيـر ولا يمتنعون عن إعطاء تقييمهم للأهمية الكمية للأخطاء التي ارتكبها الزائر ويحثونه على عـدم إغفـال أي شئ.
بعد بضعة استجوابات، يقوم الكاتب الذي تكفل بالزائر بترجمة الاعتراف إلى اللغة الفرنسية )إذا كان المعترف قد قدمه باللغة المحلية(، ثم يلخصه ويدونه في دفتر مدرسي صغير يحمل في غلافه إسـم المعترف واسـم قريته الأصلية.
لما زار جان روش قرية بريغبو للمرة الأولى، في فبرايـر 1962، كانت الاعترافات المدونة من قبل تصل إلى حوالي 2500 اعترافا، وكان تدوينها قد بدأ سنة 1955. فألحق بسكرتارية النبي – التي كانت تتألف من ثلاثة كتاب هم جان فانكاه )مباتي( وغابرييل نانكوي )مباتي( وجوزيف يابي )أتيي( – سكرتيـرا رابعا هو لويس (من عرق إبرييي) كلف بأن ينسخ على الآلة الكاتبة الاعترافات التي ظلت إلى ذلك الحين محفوظة في حالة مخطوطات هي عبارة عن كتيبات مدرسية فردية. هكذا وجدنا أنفسنا وبحوزتنا متن يتألف من حوالي 3000 اعتراف (شيطاني أو عادي) جمعها الكتاب بين 1955 و1965. وقد صدرت هذه الاعترافات عن رجال ونساء ينتمون إلى ثلاثين عرق مختلف كلها من أصل ساحل عاجي.
وهذه النصوص التي يتراوح طولها بين صفحة واحدة وسبع صفحات مرقونة (يتحدد أغلبها بين صفحة واحدة وثلاث صفحات) تتضمن ثلاثة أنواع من المعلومات:
1) معلومات موضوعية حول الحالة المدنية لصاحب الاعتراف نفسه: الإسم، القرية الأصلية، الديانة، الجماعة الإثنية، وتاريخ الاعتـراف؛
2) أسماء الضحايا والشركاء (فقط في الاعترافات الشيطانية):
أ – أسماء الضحايا الذين قتلهم المعترف أو اعتدى عليهم، وأحيانا مجرد إشارة للجريمة ولعدد الضحايا الإجمالي؛
ب – أسماء الشركاء وعددهم الكلي؛
ج – أسماء ضحايا كل شريك، ومجموع عدد ضحايا كل شـريك، ثم العدد الإجمالي لضحايا مجموع الشركاء؛

3) الأضـرار والشـرور
لا تظهر المعلومات الخاصة بأسماء الضحايا والشركاء إلا في الاعترافات الشيطانية. والجرائم التي ارتكبها المعترف وأعضاء الجمعية الشيطانية التي ينتمي إليها كلها محصاة. هكذا تبدو شبكات من السلطة مرتبطة بالسحر يمكن ملاحظتها في كافة المجتمعات الإفريقية. ونعرف، فضلا عن ذلك، أن قواعد مختلفة تحدد بنيتها؛ لا يتم قتل أي فرد، ونجد في كل مكان روابط معينة بين السحرة والضحايا.
إن هذه الوقائع معروفة جدا، وكثيرا ما تم وصفها بعد ملاحظتها. والخاصية الوحيدة للمعطيات المجموعة في بريغبو، في هذا المجال، هي استعمال مصطلح «شيطان» أو «شيطاني» واستخدام هذه الوقائع في العلاقة بين ألبير آتشو والشخص المعترف. والمعلومات التي تقدمها الاعترافات عن الضحايا والشركاء يلفها غموض كبير. ففي الواقع، لا يسمح الاسم وحده بالتعرف بدقة على الشخص: فالإسم الواحد يمكن أن يمنح لعدة أفراد كما يمكن لعدة أسماء أن تعني شخصا واحدا بعينـه.
ورغم الغموض النسبي الذي يلف المعطيات التي نتوفر عليها فإننا حاولنا – مع ذلك – أن نوضح العناصر المتعلقة بهذه الجماعات الشيطانية. وقد تمت محاولة مقاربتين مختلفتين. أولاهما قام بها أندراس زامبليني الذي انطلق من المعلومات التي قدمها اعتراف واحد فبحث عن تكملة هذه المعطيات بإجراء بحث ميداني عائلي في القرية الأصلية لأحد المعترفين قصد الإحاطة الجيدة بظروف الجرائم الشيطانية حتى تتسنى محاولة تحديد الضحايا والشركاء داخل التنظيم العائلي: إنها حالة المدعو يابو كواسي أنطوان. أما المقاربة الثانية فقد قمت بها شخصيا فسجلت في شريط ممغنط اعترافا كاملا كما جرى، يوما بعد يوم، على شكل حوار بين معترفة وكاتب. وقد أكملت هذه المعطيات بإجراء حوارات مع صاحبة الاعتراف، وهي امرأة باوولية العرق، فتوصلت إلى وضع جدول جينيالوجي جزئي أتاح، بعد ذلك، تحديد موقع ضحاياها وشركائها وضحاياهم. والهدف من ذلك هو اكتشاف الروابط بين الجمعية الشيطانية وضحاياها، من جهة، والعائلة من جهة أخرى: إنها حالة المدعو أكا أفوي. وقد تم إدراج هاتين الوثيقتين ضمن الملحق.
وفي الجزء الثالث والأخير من الاعتراف تم تدوين «الأضرار والشرور». ونجد فيه التفاصيل المتعلقة بالأفعال التي اقترفها المعترف، من بينها عدد كبير من انتهاكات الممنوع أو – في حالة الاعترافات الشيطانية – مجموع الأعمال التي تم ارتكابها «في هيأة شيطان». وهذا الجزء هو الذي تقدم فيه الاعترافات أشد المعلومات غنى.
ونظرا لشساعة المتن )يتضمن 3618 اعترافا( فقد فكرنا أولا في إخضاع النصوص لتحليل كمي (Quantitatif)، لكن المعرفة الأفضل بعالم بريغبو وبالطبيعة المقولبة للظاهرة أقنعانا بقلة فائدة هذا الضرب من التحليل، وبالخطر الذي ينطوي عليه.
لإجراء هذا التحليل، تم وضع[6] معجم مفهومي يتألف من 600 موضوع موزع على خمسة فصول ويغطي، بذلك، مجموع محتوى الاعترافات. لقد أتاح هذا العمل ملاحظة أن ثلاثة أعمال فقط كان يقترفها المعترفون (التحول، التخريب، وانتهاك المحرمات) وأن هذه الأعمال كانت تجري في عالمين مفضلين (أحدهما شيطاني والآخر ديني).
ورغم تخلينا عن التحليل الكمي لصالح تحليل كيفي شامل فقد تبين أن وجود هذا الجرد من المصطلحات المصنفة والمتراتبة ينطوي على فائدة كبيرة لأنه يحصر عالم الاعترافات المفهومي ويضمن تغطيـة التحليـل لجميع الموضوعات المتطرق إليهـا.

II – «الأضــرار والشــرور» من خــلال النصـوص[7]
لقد اتضح للاجوس ساغي من هذا العالم المفهومي أنه يجب تفضيل ثلاثة مجالات بما أن جميع الأعمال المعترف بها كانت تقع في مجال أو في آخر منها. وهذه الحقول الثلاثة هي: الجنس، وممارسة الفيتيشية، ثم العالم الشيطاني الذي يعد أكثرها أهمية. لقد أمكن وضع رسم بياني يوضح جيدا تواتر حدوث هذه المواضيع بحسب العرق. ومما يلاحظ أن الإشارات إلى العالم الشيطاني ليست كثيرة في الاعترافات التي تحتل فيها الفيتيشية مكانة هامة، والعكس بالعكس. وإذن يبدو أن هذين المجالين في موقع معكوس. ويمكن ملاحظة هذا بصفة خاصة لدى الألاديين، حيث نجد عندهم قليلا من الفيتيشات لكن كثيرا من الـ «شيطاني»، وذلك على العكس من البيطيين الذين يبدو أن الـ «شيطاني» عندهم يمحى لصالح الفيتيشات. ومع ذلك، يجب تسجيل استثنائين عند الأتيين والباووليين حيث تقع التلميحات إلى هذين المجالين عندهم في أوضاع جد شبيهة.
ورغم أن هذا الجدول يشير إلى نسب مئوية، فإنه لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال بمثابة معطى إحصائي. فعدد الاعترافات – بحسب العرق – التي سمحت بإنجاز هذه النسب محدد بدقة، لكن ما يلاحظ هو أن هذا العدد يتغير من عرق لآخر، يضاف إلى ذلك أن مختلف الأعراق هي نفسها، في عينتنا المتكونة من 3000 اعتراف، ممثلة بتنوع شديد. ومن ثمة، فمن اللائق ألا نعطي لهذا الجدول وما يمكن أن يفضي إليه من تأويلات قيمة مؤشرة، لا بل وحتى مجرد قيمـة افتراضيـة.
تواتر وقوع المواضيع الأساسية الثلاثة بالمقارنة مع العرق
(تحت اسم كل عرق يوجد عدد الاعترافات التي تناولها التحليل. وفي محور السينات توجد النسبة المائوية للتواترات)
إن ما أمكن ملاحظته من صلات إيجابية أو سلبية لا يمكن تفسيره في إطار هذا العمل التحليلي للنصوص. فالمعرفة العميقة بالأعراق المعنية هي وحدها التي قد تسمح بمحاولة تأويلية.
لقد تمفصل تحليل لاجوس ساغي – الذي نعرضه هنا – حول هذه المواضيع الثلاثة التي تسمح بتجميع مجمل الأخبار والمعلومات تقريبا.

الجنــــــــــس
لقد تركت زوجي ينيكني في الهـواء الطلق (امرأة = م).
نكــت أولادا خارج البيت. (م).
نكـت أخي الصغيـر (م)
نكت بنات خالتي. (رجل = ر).
كلما غاب عمي نشو اغتنمت الفرصة ونكت زوجته التي هي أمي، أي ضرة أمي الفعلية. (ر).
راودت امرأة حامل من شاب آخر. (ر).
تركت زوجي ينيكني وأنا حائـض. (م).
تكثر الاعترافات المتعلقة بانتهاك الممنوعات الجنسية في التصريحات بشكل ملفت للنظـر. ويمكن لعدد من العوامل أن تفسر، على الأقل جزئيا، هذا الإكثار من التلميحات إلى الجنس. ومن هذه العوامل يمكن ذكر: القيمة المضفاة اجتماعيا على الفعل الجنسي، لاسيما في بعده الإنجابي، والعامل الابتساري، واتساع الفضول الجنسي، وتناول أغذية مهيجة للشهوة كالفلفل أو جوزة الكولة، وربما عامل التأثيرات المناخية أيضا. والممنوعات الجنسية التي تشكل موضوعا للخروقات كثيرة جدا، ويمكن إرجاع أصلها إما للديانة المسيحية أو لتقاليد متجذرة بعمق شديد.
ومادام الإنجاب يعتبر المبرر الوحيد للفعل الجنسي المقبـول، فإن جميع الممارسات التي تفضي إلى هذه الغاية تعد محرمة.
أختبئ وسط الأدغال لأرى النساء العاريات وهن يغتسلن أو يستحممن. (ر).
عندما يكون رجل ما بصدد نيك زوجته فإني أختفي بحيث أراهما ولا يرياني كي أشاهدهما وهما يتضاجعان. وبمجرد ما أنظر إليهما أجعل إحليلي ينتصب حتى أخرج سائلي الأبيض وأطرحه فوق الأرض. (ر).
تمنع أيضا الممارسات الجنسية المرتكزة على المشاهدة والتأمل المرفوق أو غير المرفوق بالاستمناء لأنها تحول الفعل الجنسي عن غايته الإنجابيـة.
حاولت ذات يوم أن أنيك ابنة عم لي صغيرة لم تكن قد بلغت سن الجماع بعـد. (ر).
لقد اتخذت من الخرفان نساء لي حتى يتيسر لي أن أنيك يوميا. (ر).
عندما لا أجد امرأة، فإنني أراود البط والبلابل. (ر).
نعثر على اعترافات في الجنسية المثلية الذكورية والأنثوية، ولكن ما يرد أكثر هو الأفعال الجنسية التي تتم مع أطفال أو مع حيوانات (في غياب شريك إنساني، في أغلب الأحيان). يتم انتهاك ثلاثة ممنوعات بوجه خاص: ممارسة الجنس في الهواء الطلق، ارتكاب المحارم مع أي من الأقرباء، وأخيـرا الحالة الفيزيولوجية للمرأة: فممارسة الجنس مع المرأة محرمة، في الواقع، خلال مدة الحيـض أو عندما تكون حبلى.
إلا أن الممارسات الجنسية الممنوعة لا تقتصر على هذه الجوانب الثلاثة.
كنت معتادا على قذف المني بدون جماع. (ر).
حينما لا أجد امـرأة، فإنني ألقي بسائلي الأبيض على الأرض. (ر).
أدخل أصابعي فـي فرجي. (م).
أتخذ من أصابعي زبا ليتأتى لي أن أضاجع نفسي. (م).
أحيانا أمسك بطرف تنورتي لكي أنيك نفسي. ومتى استهواني الجماع، اضطجعت فوق السرير في وضع الجماع لكي آتي نفسي بمفردي. (م).
كما تكثر أيضا الإشـارات إلى الاستمناء الذكوري أو النسوي الذي يمكن أن يتم بواسطة أشياء أو بدونها.
اعتدت على إتيان النساء من أفواههن. (ر).
لقد تـركت زوجي الأوروبي ينيكني من الفم لما كنت لازلت زوجة لـه. (م).
لما كنت صغيرا، كنا أنا وأصدقائي نتنايك في طريق القرية، وفي الليل كنا نفعل الشئ نفسه على شاطئ البحر تحت النارجيلات. وأحيانا كنا نتنايك من الدبر في الدغل. وحتى لما صرت رجلا، واصلت إلقاء سائلي الأبيض فوق الأرض. فيما بعد، ارتأيت شخصيا أن ذلك ليس جيدا، فكففت عن فعله. (ر).
على العموم، لا تملك المرأة قضيبا على الإطلاق. لكن عندما تكون بهيأة شيطانة، فإنها تكون قادرة أيضا على امتلاك زب شيطاني لإلحاق الأذى بالنساء الأخريات. وكل من ضاجعتهن وأنا عفريتة، أفسدت بطونهـن ولذلك فقد صرن عاقرات إلى الأبد. (م).
أصرح بأن لي زبا شيطانيا أنيك به رفيقاتي من النساء. لكنني أجهضهن أيضا بهذا الزب الشيطاني. قلت لزوجي إنني سأقتله هو الآخر إن تزوج امرأة ثانية. وذات يوم، كنت قد عدت من التنزه، فشرع زبي في الارتعاش بلا توقف حتى الصبح. وفي إحدى الليالي، نكت فتاة تدعى أ. س. فجعلتها تستمتع كثيرا في ذلك اليـوم. (م).
بزبي الشيطاني أطأ الصبية فيصيـرون أعنـة. (م).
ورغم أننا نجد عند الرجال بعض حالات امتلاك قضيب شيطاني، فإنه يبدو أن هذا الامتلاك هو، بالأحرى، نصيب أنثوي. فبهذا الإحليل الشيطاني تتعاطى المرأة لنوع من الجنسية المثلية الفاعلة والذكورية. وهي تحتقر الجنس النسائي ولا تستخدمه إلا كموضوع لذة. وما تتعاطى له من أعمال، بهذا الإحليل الشيطاني، يشكل كله مسا بالخصوبة. فهي تصير الرجال عاجزين جنسيا وتحدث إجهاضات لدى النساء.
وجميع هذه الممارسات الجنسية – سواء تعلق الأمر فيها بانتهاك للمحرمات أو بعمليات جنسية محرفة عن غايتها الأولى وهي الإنجاب – يمكن فهمها باعتبارها ممارسات تمس بالخصوبة.

ممارســة الفيتيشيـة
أصرح بأنني فيتيشي أعبد الأرواح الشريرة التي تسمى سحرة. وفي قريتنا الأهوتوية نعبد نهرا منذ أيام أجدادنا إلى اليوم. (أتيي، رجل).
أعبد فيتيش أبي المدعو إكرا. ونقدم لـه قرابين من الدجاج والخرفان والبيض. (باوولي).
أعبد فيتيش نكومو. وقد أزلت بويضة رحمي لأقدمها قربانا له. وأهدي له دجاجا للتقرب إليه. (باوولية).
لألقي الحب في قلب زوجتي، فقد زرت أحد الصالحيـن، فأعطاني مرهما لأذهن به جسمي وأحجبة لأدفنها في الزبل، وماء لأغسل به، ومسحوقا لأتنظف به وأدخنه كل وقت. (أتييه).
أخذت فيتيشا من امرأة آتيية ليعفى ابني من الخدمة العسكرية. بحوزتي أيضا فيتيش لأنـال محبة النـاس. (مباتية).
طلب ج. س. قفلا من أجل دراستي، لربط الأساتذة والمعلمين، والحصول على نقط جيدة، والنجاح في مباراة الـ C.E.P، ونيل منحة. وقد صنع القفل من حبل وقطعة نقدية فضية من فئة عشر فرنكات قديمة موصولة بأعواد وزغب حيوانات من حول القطعة النقدية وبالقفل الذي شد إليه خيط أبيض بحبـل ومفتاح. (أتيي).
أملك عطرا وخاتما صنعهما ساحر داهـومي. أنطق باسم رب العمل ثم أذهن جسمي. أما العطر فليزداد رزقي، وأما الخاتم فليقيني من حوادث السير. (بيطي).
أملك فيتيشا من أجل الحكم العرفي، لكي يكون الحق دائما بجانبي ولا أخطئ أبدا. (أتيي).
لي سوار صنعه ساحر بيطي من خيط أسود وخرقة، وحبال معترشة ومكحلة بالفحم. وهو يصلح لكي تحكم المحكمة لصالحي. (بيطي).
لي فيتيش يسمى تيكالتا يقيني من الأرواح الشيطانية التي تضايق العالم. (باوولي).
أملك هذا الفيتيش المضاد للشياطين، لأن أناسا ينيكونني دائما وأنا نائمـة. (إبرييية).
بحوزتي حجابين وخاتم من حديد يقيني من المرض. أحد الحجابين مصنوع من خيـط القطـن وجلد السبع وورقتين من دفتـر مرابط مكتوبتين، وذلك لأتحصن ضد المرض. ولهذين الحجابين قيمة 000 15 فرنك. (باوولي).
اتهمني زوجي الثاني بأنني امرأة شريرة فغضبت، فذهبت لأشرب عصير خشب مقئ. إن كان المرء مذنبا بقي العصير في بطنه وإن كان بريئا قاء. ولما شربت العصير بقي في بطني وهو لازال فيه لحد الآن. (بيطية).
عندما مات طفلي فجأة قلت لزوجي: اذهب لزيارة فيتيشي كي ينظر في سبب موته. فرفض زوجي الذهاب، فانصرفت بمفردي لاستشارة ذلك الفيتيشي. فنام ثلاث مرات في الدغل، ثم نصحني بدواء على شكل مسحوق قال إنه يجب علي أن أضعه في طعام زوجي لكي يموت لأنه، بحسب زعم الفيتيشي، هو الذي قتل طفلي. لكنني لم أعمل بنصيحته. (بيطية).
لما كنت في حضن زوجي الأول كنت أكرهه. ولذلك عمدت إلى دواء لتحريف ذاكرته كي يطلقني. وبعدما استعملت هذا الدواء طلقني. ثم تزوجت شابا آخر سرعان ما تزوج امرأة باوولية، فبحثت حينئذ عن دواء يبعده عن عشق المرأة الباوولية. وبعد بضعة أيام نبذها. ومنذ ذلك الحين وهو يحوز على محبتي ويبادلني الحب أكثر من أي وقت مضى. (أبورية).
كانت عندي جنبـة[8]، وكنـت أستخدمها كفيتيش يحمي روحي. لكنني قطعتها صدفة. ولما فطنت لذلك كان الأوان قد فات، ولم يكن باستطاعتي أن أعيد نصبها. ومنذ ذلك اليوم والرجال يضربونني لأتفه الأسباب دون أن أقوى على مجابهتهم. لم تعد لي القـوة بتاتا. (كوري).
لقد قضيت كل حياتي، منذ الطفولة، في البحث عن فيتيشات. أنا لادين لي. أفضل عبادة الفيتيشات التي توضع داخل ذيل عجل وتدعى فألا. (كوري).
طلبت عطر حب، هو طلسمي، كي تحبني النساء وأنجح في عملي. وقد حصلت على العطر لما كان السيد آتشو يتفقد قريتنا والناس قد شرعوا في الاغتسال بالماء المقدس الذي حضره النبي للإفلات من الأرواح الشريرة. لقد هز استعمال عطري السحري صحتي بعمق، فلم أعد أنام، صرت عصبي المزاج سقيما، فراح مرضي يتفاقم بسرعة. (إبريي).
«إن الله العظيم الذي خلق السماوات والأرض.. الذي كان أجدادكم يعبدونه قبل أن تعميهم الفيتيشات الشيطانية وتصمهم، ذلك الله أرسلني إليكم لأنبئكم أن الوقت قد حان لتخليصكم من قوة الشيطان الذي يهلككم ويجننكم ويقتلكم».
«لقد اكتمل الزمان وانهزم الشيطان. احرقوا فيتيشاتكم وتمائمكم وحجبكم. وباسم هذا الله العظيم، الذي هو أبوكم سأنصركم»[9].
لقد نسب النبي آتشو لنفسه هذه الكلمات التي صدرت عن هاريس. وفي الواقع، إن تحطيم الفيتيشات يعتبر هدفا أساسيا له، وما سيمكن من تحطيمها هو الإيمان بالله.
غير أن الفيتيشات لا زالت – والإحالات التي اخترناها من الاعترافات تشهد بذلك – تلعب دورا هاما جدا. فما يسمى فيتيشا في بريغبو هو أشياء ومواد مختلفة محملة بقوة سحرية معينة نوعا ما، تنمي القوة، والأمن أو السعادة عند من يملكها. هذه المواد تكون عموما فردية: فلكل امرئ فيتيشاتـه.
تظهر الاعترافات الفيتيشية ممزوجة بتصريحات أخرى، وذلك في الاعترافات العادية والاعترافات الشيطانية على حد سواء. وأحيانا يكون لما له علاقة بالفيتيش أهمية أكبر، فيجمع الكاتب الاعترافات، حينئذ، في «لائحة من الفيتيشات» مكملة للاعتراف. يمكن لكلمات عديدة أن تعني الفيتيش: فيتيش، طلسم، حجاب، وميدالية. وكلها تسميات عامة. ثم علاجات، أدوية، صنم، أقفال، وكناري، وهي أسماء أكثر تحديدا. فضلا عن ذلك، فكلمة طوطم أيضا تستعمل أحيانا، خلافا للأصول، للدلالة على فيتيش. وقد سجلت دونيس بولم بدورها عند البيطيين، اتساعا مدهشا لكلمة طوطم التي تعني اليوم كل مادة سحرية دينية من شأن تأثيرها أن يولد خطرا روحيا. والطوطم يصبح أيضا مرادفا للفيتيش (دونيس بولم، 1962: 188).
إن طبيعة الأشياء التي يمكن أن تشكل فيتيشات متنوعة جدا، إذ نجد عناصر طبيعية (جبل، نهر، شجرة، دغل، ماء، حجرة، كرة من التراب، قطعة خشب) مثلما نجد عظام الميت أو نفايات بشرية أو حيوانية، أو مواد مصنوعة معقدة بعض الشئ. والقفل الذي يمكن من الربط والإيصاد يرد ذكره كثيرا كما يرد ذكر فيتيش مركب وهو فيتيش ديبي.
يصنع فيتيش ديبي من ذيل العجل. توضع قطعة عود صغيرة في الذيل وتحاط بقشور شجر وقطعة نسيج قطني (بركال) مربوطة بحبل الصيد. يضاف إلى ذلك ذيل قنفذ، وأوراق، وقماش مسود بفحم ومنته بخيطين أحدهما أحمر والآخر أسود. وعمل هذا الفيتيش مخصص لربط الأشخاص الذين تواجهونهم، الذين يخلقون لكم متاعب في المحاكم، أو لربط مدير مكتب.
أعبد هذا الفيتيش المصنوع من دم الدجاج. (باوولي).
إن ما يسمح بتمييز هذه الفيتيشات ليس هو طبيعتها بقدر ما هو بعض المظاهر المرتبطة بوظائفها: فمن جهة، يمكن للفيتيش أن يكون ملكا للجماعة أو للفرد. ومن جهة أخرى، يمكنه أن يكون موضوع عبادة أو لا يكون. وعلى العكس، لا تسمح الإمكانيات الدفاعية أو الهجومية، النافعة أو الضارة لهذه الفيتيشات بإجراء تجزيئات، ذلك أن المظهرين المتناقضين يحضران، في الواقع، معا في العديد من الفيتيشات مادام أن الدفاع عن النفس إنما يتم بالهجوم على الآخر، وفوائد قوم عند قوم مصائب.
وتتداخل العمليتان – جماعي/فردي، مادة عبادة أو لا – في تدين مفرط متفش في حكايات المعترفين. ومع ذلك، يمكن التمييز بين المواد بما في كل منهما من وزن سحري أو ديني خاص. هكذا، فهناك أشياء ذات وظيفة دينية أكثر منها سحرية، وهناك على العكس أشياء أخرى ذات وظيفة سحرية أكثر منها دينية. من بين الأولى نجد فيتيشات مخصصة للجماعة وأخرى مخصصة للفرد. والفيتيشات المسخرة للاستعمال الجماعي يمكن أن تكون معروفة لدى أعراق عديدة. كذلك شأن الفيتيش المسمى طيطيكان الذي يبدو أنه متطابق مع الفيتيش المدعو طيطيبكان كما وصفته دونيس بولم في كتابها عن البيطيين. فهؤلاء يعتبرونه الفيتيش الأكبر، ويحمي بصفة خاصة ضد السحر والتسمم. ومن المحتمل أن يكون البيطيون قد استوردوه من الباووليين الذين يكونون قد أخذوه بدورهم عن الغانيين. وحسبما يرد في الاعترافات، بالإمكان أن نضيف أن طيطيكبان[10] ربما يوجد أيضا عند الغوريين.
إلى جانب الفيتيشات واسعة الانتشار، كطيطكبا، توجد فيتيشات عائلية محدودة الانتشار، مرتبطة بجد مثلا.
أعبد فيتيـش أبي المسمى إكـرا. (باوولية).
ومن بين الفيتيشات التي تستعمل فرديا، لكن دائما في ممارسة دينية أكثر منها سحرية، نجد حيوانات تذبح (خروف، جدي، ديك، دجاجة)، ومأكولات يضحى بها (بيض، ملح، بهار، فليفلة، زيوت نباتية، موز مطحون، فوتو أبيض أو أحمر)، ومشروبات تستعمل للإراقة إكراما للآلهة، أو أيضا المال الذي يتم استيداعه. ويتيح استعمال هذه الفيتيشات فرصة لإقامة طقس في حده الأدنى.
ويمكن أن نميز داخل التنويع الثاني، أي الفيتيشات التي لها وظيفة سحرية أكثر منها دينية، بين خمسة أصناف[11]:
– فيتيشات علاجية (أو أدوية) مخصصة إما لضمان السعادة والهناء والاشتغال الجيد للجهاز العضوي، وفي بعض الأحيان لرفع القدرات الجسمية أو الذهنية، أو لجعل الوسط الإنساني والمادي ملائما. وداخل هذا النوع الأول تنقسم الفيتيشات أيضا بحسب هدفها أو تخصصها: فهناك فيتيشات للسعادة، وفيتيشات للمحبة، وفيتيشات للخصب، وفيتيشات لجلب المال، وأخرى للنجاح الدراسي (أو المهني).
– في الصنف الثاني، يمكن تجميع فيتيشات الحفظ التي تمكن من اتقاء المخاطر الجسمية أو النفسية الراهنة أو المحتملة، والوقاية من الأرواح الشريرة والشياطين والقتل والتسمم والضرب والجرح والأمراض والحوادث، وخاصة حوادث السيارات.
وإلى هذين الصنفين الأولين تنتمي أغلب الفيتيشات المذكورة في الاعترافات. إلا أنه يمكن أيضا تمييز ثلاثة أنواع أخرى مختلفة:
– فيتيشات كهانات موجهة أساسا لإثبات براءة أو جرم فرد من الأفراد.
– فيتيشات عقابية قادرة على الثأر المباشر والصارم ضد خسارة متكبدة.
– وأخيرا فيتيشات الهجوم التي يمكن أن ترمي حتى إلى التحطيم الكلي (أو غيره). وهذا النوع يمكن أن يحدث الموت، والتسمم، والمرض، والعقـم (للفرد نفسه أو للآخريـن).
وبذلك نلاحظ أن الفيتيشات عديدة جدا وأن سلطتها تمتد إلى ميادين متنوعة. والمواد المقدسة (جبال، أصنام حمالة روح الأجداد… إلخ.) التي تتيح الفرصة لإجراء عبادات قائمة، تلك المواد ترافق الأشياء الجالبة للحظ التي تمكن كل شخص من الاستجابة فرديا لمواقف متعددة. ويبدو أن الفيتيشية الراهنة تحاول – عبر تكاثر المواد السحرية – أن تنقذ الديانة التقليدية المضعفة وأن تضمن اليوم ما كانت هذه الأخيرة تضمنه بالأمس. وذلك ما لاحظته دونيس بولم بخصوص البيطييـن:
«إن القلق الكامن (وأحيانا الصاخب) الذي تشهد عليه تصرفاتهم قد يجد تفسيره جزئيا في الاضطرابات والقلاقل المفاجئة التي طرأت منذ خمسين سنة، والتي عانوها أكثر بكثير مما أثاروها. ونظرا لأن هؤلاء الناس يحسون أنهم قابلين للوقوع ضحية مخاطـر لم تكن معروفة عند آبائهم، فإنهم يرتابون من كل شيء. ومن هنا مصدر هذه الغزارة النسبية التي تشهدها الممارسات السحرية أكثر منها دينية، والهياكل الفردية، والحجب والتعاويذ حيث يبحث كل فرد فقط عن حماية نفسه من المجهول الذي يعتقد أنه يهدده من كل جانب وفي كل لحظة» (دونيس بولم، مرجع مذكـور، هامش 14).
ومهما يكن من أمر، فإن للفيتيش مكانة كبرى فاعلة سواء أكان مخصصا للجماعة أم للفرد، للوقاية أم للهجوم. ويمكن حينئذ أن نتساءل عن أصل فاعليته: إلى من وإلى ماذا تنتسب هذه القوة التي يمكـن أن تجعـل من بعض الأجسام فيتيشات؟ إن تصريحات المعترفين لا تسمح بتقديم جواب عن هذا السؤال. فهم يكتفون بجعل أنفسهم حلفاء لهذه القوى دون أن يتساءلوا عن أصلها وطبيعتها.
يمكن أن يكون هذا الأصل انبثاقا متعدد الأشكال عن المبدع الذي يستخدم جبالا وصخورا عالية وأمكنة ماء مثلما يستخدم أشجارا وحيوانات. يمكن أن يكون أيضا سلفيا ينحدر من الأجداد، وحينئذ تصدر فعالية الفيتيش عن روح جد بعيد إلى حد ما، يسكنه. وهذا الأخير يمكن أن يستقر في حيوان أو داخل أجسام (نصيبات، أقنعة) يصنعها أشخاص مؤهلون كالراهب، والساحر، أو حتى رب الأسرة.
أما الفيتيشات الأخرى، أي التمائم والحجب، فإن بعضها كان أيضا حمال أرواح سلفية في الأصل. ولكن بعضها الآخر، من صنع أوروبي أو شمال إفريقي أو محلي، لا يوظف من قبل الأسلاف وإنما يشتمل على علاقة رمزية بين طبيعة الموضوع والغرض المنشود. فذيل العجل، مثلا، أو الفيل يمكن من السيطرة، والمعدن يساعد في الخصومات والمشاجرات. ومن الصعب تحديد أصل قوة هذه الفيتيشات: يبدو أنه يرتبط في آن واحد بالطريقة التي تستعمل بها هذه المواد وبالسلطة التي يضفيها عليها المسار أو المتعلم (L’initié) (فيتيشي، ولي صالح).
ومن خلال الاعترافات يظهر أن القوة الموظفة في الفيتيشات هي شكل بلا مادة يمكن أن تثبت مؤقتا أو نهائيا في الأجسام دون أن تمزج بها. وتندرج المعتقدات المتعلقة بطبيعة الفيتيشات وأصلها في نظام المعتقدات الخاصة بالفوطبيعي، الأكثر شمولا، والذي قد يخرج تحليله عن قصدنا في هذا المقام.
تحاول الديانات المسيحية المستوردة من أوروبا (كاثوليكية وبروتستانية) والتوفيقية منها على السواء أن تكافح ضد الفيتيشية. وترى الديانة الهاريسية، مثلا، في التخلي عن الفيتيشات شرطا مبدئيا لكل تبدل صادق. إلا أننا نلاحظ في الوقت نفسه أن ما تستعمله تلك الديانات – وخاصة الهاريسية كما هي معاشة في بريغبو – من رموز يلعب من جديد، بالنسبة للمؤمنين، الدور الذي كان يناط تقليديا بالفيتيشات: هكذا، فالمؤمنون الذين يأتون إلى بريغبو هم شديدو التعلق بالمسحوق السحري والماء المبارك اللذين تنسب إليهما فضائل قوية ومؤثرة.

النشــاط الشيطـــاني
تحيل الشياطين التي تذكرها اعترافات بريغبو إلى نظام المعتقدات ما قبل – المسيحية، أي إلى ما اصطلح على تسميته بالسحر، كما تحيل إلى المعتقدات المسيحية التي يحاول آتشو أن يستبدلها بها. هكذا، فالشيطان الذي يلمح إليه أصحاب الاعترافات إنما هو الساحر. ويمكن التماهي معه، وفي هذه الحالة يتم الكلام عنه بصيغة المتكلم المفرد، فيقال: «أنا عفريتـ(ة)»، أو يتم فصله عن الذات والحديث عنه بالمفرد الغائب فيقال: «[هو] شيطاني أنا».
وهذا الشيطان بالمفرد الغائب يتيح، في الواقع، التعبير عن نوعين من الخارجانية يحيلان معا إلى دلالة مفهوم الشخصية في المجتمعات البحيرية (مارك، أوجيه: 1980) التي تقدم نفسها باعتبارها جمعا من المكونات أكثر مما تقدم نفسها كوحدة محددة بدقة لا تنفسخ. وقد تكون سلطة السحر الموروث أو المكتسب صدفة واحدة من تلك المكونات.
ويمكن أن يكون الشيطان بالمفرد إما العنصر الـ «شيطاني» للشخصية، فيكون بذلك خارجيا عنها بمعنى ما، وإما العنصر الـ «شيطاني» لفرد آخر قد يكون المتكلم ضحية له.
ومن ثمة فعندما يتحدث آتشو في بريغبو عن الشياطين، فإن الأمر لا يتعلق بالشئ نفسه تماما. وإذا كان نظام السحر التقليدي حاضرا بقوة – والاعترافات تشهد على ذلك – فآتشو يضيف إليه بعدا مسيحيا. فهو يحاول أن يفرض على مؤمنيه تحولا في تصور الشخص: لم يعد الشخص يتعرض لاضطهادات شخص آخر، وإنما صار هو نفسه مسؤولا عما يعاني منه. أن يدعي الفرد أنه ساحر بدلا من أن يقول إنه ضحية سحرة وأن يدفع إلى أن ينسب لنفسه أصل ما يعانيه من مصائب، فتلك طريقة أيضا لفردنته. وبذلك تنضاف إلى النظام التقليدي القروي والنسبي (Lignager) محاولة لبعث فرد كما هو متصور في المجتمعات الغربية. فآتشو، مع اعترافه بوجود النظام التقليدي، يشجع المعترف على تحمل مسؤولية جرمه وحده. من هذه الطريق نصل إلى مفهوم مرتكب الخطيئة بالمعنى المسيحي، وهو بالضبط المعنى الذي يبحث آتشو عن إعطائه لمصطلح شيطان.
فعندما نتطرق بهذا الشكل للاعترافات ذات المحتوى الشيطاني، يجب علينا أن تستحضر في الذهن هذا التداخل القائم بين نظامين من المعتقدات ثم الإيحاء المزدوج لمصطلح شيطان: فالساحر صار في معجم بريغبو المسيحي هو مقترف الخطيئة.
تصف هذه الاعترافات الشيطانية الشياطين بإسهاب، كما تصف أعمالهم والعدد التي يحيطون أنفسهم بها. ويمكن أن نترجم تقريبيا عبارة «بهيأة عفريت» بـ «في المخيلة» أو «في الذهن». ويشتمل النشاط الشيطاني الأساسي على قتل إنسان قريب تم أكل لحمه وشرب دمه.
يشير مجموع الاعترافات تقريبا إلى أعمال أكل اللحم والدم البشريين. أما التحولات وأشكال المسخ، فهي أيضا مؤشر أكيد على حضور شيطاني، وهي تسبق عملا هداما أو تجعله ممكنا. وما تقترفه الشياطين من أعمال عدوانية إنما يهدف إلى إعاقة التطور الطبيعي للفـرد وإلحاق ضرر بالصحة العقلية والجسمية. والجزء الذي يتعرض بكثرة للاعتداء هو الجهاز التناسلي الأنثوي. وتشكل هذه الاعتداءات إصابات مباشرة للخصوبة. وذكر الأعضاء التناسلية يرد هو الآخر في الاعترافات، لكن بنسب قليلة. والجهاز الهضمي والمسالك البولية والوظائف النفسية تشكل أيضا موضوع اعتداءات. ومن بين الوظائف العقلية تشكل اضطرابات الذاكرة وخلل التوجه المكاني أو الـ «جنون» بكيفية عامة التجليات الأساسية للأعمال الشيطانية.
يملك الشياطين قدرة كلية الحضور. فهم يسيطرون على المكان والزمان والعناصر. هكذا فقد كان شيطان ألاديي يعود إلى قريته بطريقة شيطانية خلال تأديته للخدمة العسكرية بفرنسا. وكثيرا ما يتم استعمال جسد الآخر بمثابة تنكر يمكن من القيام بنوع من التحول: فالشياطين هم في آن واحد أنفسهم والآخرون. ورغم أن السلوكات الشاذة تعتبر مسالمة فإنها تشير مع ذلك إلى حضور قوة شيطانية عند الفرد: المشي على الركبتين وفوق الأشجار، مثل القردة، وتسلق منزل بهيئة شيطان، كلها تجليات شيطانية. ويمكن القول إن ما هو «شيطاني» يبدأ حيث ينتهي ما هو «عادي».
إن شئنا القيام بمحاولة جرد – ولو تقريبية – للوظائف الشيطانية، أمكننا التمييز فيها بين خمسة أنـواع:
– فهناك الشياطين المخربة التي تعترف بالقيام بأعمال خبيثة ومؤذية ضد المحيط والممتلكات وصحة الأقارب أو حياتهم.
– الشياطين الأعجوبية أو الخارقة التي – دون أن تكون لها نية شريرة – تحقق أعمالا تفوق الطاقة البشرية (تحليقات جوية، تحولات، تبديلات للأشياء…)؛
– الشياطين الغريبة التي لها تصرفات مخالفة للمألوف، لكنها ليست بعجيبة ولامؤذية؛
– الشياطين التي يمكن تسميتها بالمسالمة، والتي تقوم بأعمال محايدة وعميقـة ظاهـريا؛
– أخيـرا الشياطين النافعة التي تغمر الآخرين بأعمالها الخيـرة.
لا يجب اعتبار وظائف الشياطين الخمس هذه، وبأي حال من الأحوال، نمذجة حقيقية: ففي الواقع، يمكن للشيطان الواحد أن يتنقل من وظيفة إلى أخرى. وتقدم نصوص الاعترافات أمثلة عديدة فيما يخـص أنشطة الشياطين.
حولت الحلزون إلى لحم بشري (اعتراف أكنيي).
خـلال أسفاري المائية، كلما هاجت البحيرة الشاطئية وهددت جذعيتي[12] بالغرق تحولت إلى شخصين كي أدعمها (مباتي).
بدأت هذا العمل لما كنت في بطن أمي. ذلك أني لما غادرت بطنها وأنا بهيأة شيطان، في اللحظة التي بدأ حبلها بي، لكي أذهب للأكل. ولما انتهيت عدت لأنام. وقد استمر هذا النظام إلى غاية اليوم الذي ولدتني فيه. (ألادياني).
خرجت ذات يوم للصيد، وكان رجلان قد جاءا ليصطادا بالقرب مني. ولكي أرعبهما فقد أخرجت من فمي مشعلا ناريا فأفزعتهما وفـرا. (إبرييية).
طلبت من لوسيان أن يرافقني كي نشرب من العين، لكنه رفض. فامتصصت الماء، حينئذ، بواسطة قناتي الأوستياكوتية[13] الشيطانية وارتويت. (مباتي).
بهيئة شيطان أمشي تحت الأرض وأخرج بعيدا. وعندما يريدون الإمساك بي وأنا بهيئتي الشيطانية أطلق صرخة فتنشق الأرض إلى قسمين ثم أختفي بداخلها. (إبرييي).
بهيئة شيطان، أزحف على أسفل بطني فوق الأرض كالثعبان. وبهيئة الشيطان، كنت أتسلق أحيانا سقف الكنيسة الكاثوليكية، فأطوي رجلي اليسرى وأشاهد كل ما يوجد في قرية إبرا. (أبوري).
إن رأسي الذي أضعه أحيانا بين ركبتي يمثل مائدتي الشيطانية. وأصابعي التي أستخدمها لاقتلاع شعري تمثل مقصي. (مباتي).
حينما يتعلق الأمر برؤية أشياء في الليل، فإنني أراها بوضوح ودون أن أتحرك. ولا ألحق ضررا بقريتي بواسطة السحر، كما لا آكل اللحم الآدمي. (ألادياني).
أنا شيطان، لكني لا أتنقل ولا آكل اللحم البشري مع شيطاني. (مباتي).
لي شيطان أبي نفسه. وهو عفريت لا يأكل اللحم الإنساني. وقد وهب نفسه لله. وعندما يتبع شيطان من الشياطين طريق الله، فإنه يخلص في ذلك أكثر من أي إنسان عادي. (إبرييية).
زوج أمي شيطان. لقد أراد أن يقتل أمي فأنقذتها بفضل قوتي الشيطانية. وبالطريقة نفسها خلصت أختي آنو… التي كان عمي أ… سيقتلها. (أبوري).
أنا شيطان. لكنني لا أستخدم شيطاني إلا لحفظ نفسي وعائلتي. (أبوري).
أنا عفريت. ولكن شيطاني لا يلحق ضررا بأي شخص. على العكس، فبواسطة شيطاني هذا أداوي المرضى. (مباتي).
عندما يريد الشياطين الأشرار أن يقتلوا الناس، فإنني أدافع عنهم بقوتي. وحينما يقع الخبثاء مرضى، فإنني أشفيهم فيستعيدون صحتهم العادية. إن الشياطين متعودون على إلحاق الضرر بالآخرين. لكنني كلما ضبطتهم وضعتهم داخل جيبي، أي وضعت أرواحهم التي تدفعهم لارتكاب الشر. ففي جيبي الشيطاني سجنت أربعة أشخاص. وكل الذين يوجدون داخل جيبي أطعمهم من يدي. ويوم أخلص الأرواح الخبيثة أفوضها إلى الله وهي طاهرة كليا فتموت بعد ذلك موتا طبيعيا. (مباتي).
لما أغمي على ابني أوبرون، ذات يوم، وغادرته روحه، أمسكتها وأنا بهيأة شيطان فأعدتها له بعد إغمائه. (مباتي).
يزاول الشياطين أنشطتهم في إطار تجمعات يسميها المعترفون عموما جمعيات شيطانية، وهي تتألف من شركاء. ولكل منها ضحايا تمارس أعمالها ضدهم[14] ونادرا جدا لصالحهم. وتعتبر لائحة أسماء ضحايا المعترف وشركائه وضحاياهم ما يقوم مقام المقدمة في كل اعتراف شيطاني.
ترد في نصوص الاعترافات إواليات اشتغال الجمعيات الشيطانية وحياتها اليومية بكثرة. فكيف يتم ولوج جمعية شيطانية ما؟
لقد ولدت ومعي شيطاني. (اعتراف أكنيي).
لي ولد أعلمه كيف يكون شيطانا. (بيطي).
أبي وأمي هما اللذان هيآني بوضع أدوية في عيني. وبعد ذلك فورا أدخلاني في جمعيتهما. (ألادياني).
يبدو، بحسب رأي المعترفين، أن أعضاء الجماعة الشيطانية يظهرون حماسا لتقييد أعضاء جدد وتشغيلهم وتطويعهم. أحيانا تستخدم الحيلة أو عنصر المفاجأة، بل وحتى القوة، لإقامة علاقة شيطانية مع عضو جديد محتمل. هكذا، يحكي أحد المعترفين أنه «كان فلاحا مستقيما. وبمروره على مقربة من قابوقي[15] كبير، كانت إحدى الجمعيات الشيطانية تعقد اجتماعها تحته بالضبط، فجذبه هؤلاء الناس. وقبل أن يتعرف على هويتهم الحقيقية كانوا قد ناولوه شيئا من اللحم أو أحد المشروبات، ولم يكونا في الحقيقة سوى اللحم الدم البشريين، فصار لتوه شيطانا، أي عضوا في الجمعية ومدينا لها.»
تعتبر فكرة المدين أساسية[16] جدا. ففي الواقع، يشكل تبادل الأشخاص واللحم والدم البشريين إحدى الإواليات الأساسية في الجمعية الشيطانية. ويؤول استهلاك هذه الأطعمة الشيطانية إلى انخراط فعلي يستتبعه أداء غرامة على شكل شخص كامل، أو جزء منه، حيا كان أو ميتا، من الأقرباء عموما، يتم تسليمه إلى الجمعية. وضرورة هذا التسليم المستمر تفسر أهمية التجنيد في الجمعيات الشيطانية. فما من جمعية إلا وتكون مدينة ودائنة بالتناوب. وأي خرق لقاعدة المبادلة غير ممكن، مما يفسر كون الانخراط في جمعية شيطانية ما يكون أمرا أسهل بكثير من الخروج منها. ولذا، فمن خلال هذا النظام من التبادلات يتضح أن استهلاك اللحم والدم البشريين الذي يشكل العلامة المميزة للشياطين بعينها يعتبر النشاط الأساسي لهذه الجمعيات.
ويمكن لمنتوجات أخرى من الجسد البشري أيضا أن تشكل مادة للمأدبات الشيطانية: دم الحيض، المني، السائل السابيائي، الجنين أو البصاق. ويتم ابتلاع هذه الأطعمة على العموم نيئة كما يمكن أيضا طبخها وإحلالها محل التوابل:
لقد حول شركائي اللحم البشري إلى إنيام[17].
أثناء تحضير الأغذية، نستعمل الدم محل زيت النخيل. (اعتراف ألادياني).
سلمتهم إبهام قدمي. وهم يستخدمونه كبصل شيطاني لكي تفوح من حسائهم رائحة طيبـة. (مباتي).
وتؤخذ الوجبات الشيطانية عموما في قاعة طعام، شيطانية هي الأخرى، وترفق بطقس في بعض الجمعيات على الأقل.
ساعة الأكل ننادي على الحاضرين كي نعرف من تخلف ومن حضر. وحينما نريد مغادرة غرفة الأكل، يقوم كـ … بنداء ثان للتعرف على الغائبين والاحتفاظ بوجبتهم الشيطانية. (إبرييية).
وفيما يشبه بعض القاعات المحلات أو مخازن الخدمات الحرة يشبه البعض الآخر المزارع.
بستان النخيل هو قاعة أكل جميع شياطين قريتي. فيه نأكل جميع الأطعمة الشيطانية. وفيه يوجد سوقنا أيضا. هناك، تعلق أفخاذ اللحم البشري وتباع بمختلف الأثمنة. (اعتراف أدجيوي).
يتعين تناول الوجبة بشكل جماعي، ذلك أن استهلاك الشيطان بمفرده للدم واللحم الآدميين قد يعرضه لدفع غرامة. أما النشاط الأساسي للجمعيات الشيطانية فيدور حول تبادل الطعام هذا، أي اللحم والدم البشريين. ومن الضروري أن يمون الشركاء الجمعية، بشكل منتظم وبما فيه الكفاية، بأفراد من البشر. ولا يخلو هذا الطلب الضروري من إثارة توترات عديدة وعميقة داخل الجماعة. فكثيرا ما يصرح المعترفون بأنهم قد تعرضوا للتعذيب من قبل شركائهم لأنهم لم يسددوا ديونهم ولم يقدموا العدد الضروري من الأشخاص أو من كمية اللحم والدم. وترتبط علاقات الشركاء فيما بينهم بمشاكل التبادلات البشرية هذه. فرفض تسديد الديون يعرض المدين لعقوبات قاسية من طرف الجمعية التي تصادر أو تخرب ممتلكات الشيطان المدين، وتدبر له مرضا أليما، وقد تذهب إلى حد ضربه حتى الموت. وتظهر جسامة هذه العقوبات جيدا الأهمية التي توليها الجمعية لحسن هيئة المعاملات الشيطانية. ومن ثمة، فتسوية الحسابات يعد أمرا ذا إلحاحية قصوى بالنسبة للشيطان أو الشيطانة. ومن أجل ذلك، فليس من النادر أن يسلم المدين قسما من نفسه إذا لم يجد ضحية أخرى، فيسلم عقبه الأيسر، أو رجليه، أو جلده، أو رأسه. وبطبيعة الحال، فالمدين يحاول في البداية أن يسلم أفراد آخرين من عائلته، والديه أو أبنائه.
بالإضافة إلى هذه التبادلات الغذائية، يتعاطى الشياطين لأعمال تخريب جماعية للأراضي المزروعة والبهائم وممتلكات أخرى منقولة أو عقارية. ويوجه بعض هذه الأعمال العدوانية ضد أفراد من البشر أو ضد الدغل نفسه الذي يمكن أن تتعرض مزروعاته للإفساد أو الإتلاف أو التخريب أو لأضرار أخرى من طرف هذه الجماعات الشيطانية التي تتحول غالبا إلى حيوانات لكي تقوم بهذه الأعمال التخريبية في الخفاء التام.
لا يتألف مجموع النشاط الشيطاني من التبادلات الغذائية فقط. فالتجارة تشكل أيضا قسما منه، إذ لبعض الجمعيات أسواق تباع فيها الأطعمة الشيطانية؛ الدم البشري واللحم البشري طازجا أو مجففا. والأثمنة محددة. هكذا، فثمن رجل بكامله يتراوح بين 10,15 و160000 فرنكا شيطانيا.
لقد اشترى د… ز… جسد ذلك الرجل الذي قتله الشياطين بـ 6000 فرنك شيطاني، أي بـ 120000 فرنك عادي. (اعتراف ألاديي).
وتكمن خاصية التجارة الشيطانية في أنه يمكن للشياطين أن يبيعوا أي شئ: ممتلكاتهم الشخصية كما ممتلكات الآخرين، يبيعون جزءا من جسمهم أو جسدهم بأكمله كما يبيعون قسما من جسم أقاربهم أو مجموعه. هكذا، فقد باع إبريي مزروعات عمه إيتيان الكاكاوية للجمعية الشيطانية بت 25 فرنكا عاديا (1000 فرنكا شيطانيا)، ثم باع منزل العم نفسه بـ 175 فرنكا عاديا، أي 7000 فرنكا شيطانيا. وتعترف امرأة بأنها قد باعت فرج ابنتها بنية جعلها عقيمة. والمبيعات الشيطانية يمكن أن تتم فورا كما يمكن أن تتم بالتقسيط أو بالقرض. وعدم تسديد مبالغ السلع يثير عدوانية البائع لأن الجمعية تفرض الحسابات المتكافئة في المبيعات كما في التبادلات.
التبادل، والتخريب، والتجارة. تلك هي أهم أنشطة الجمعية الشيطانية. غير أننا نجد، مع ذلك، تلميحات لشياطين ظرفاء يسخرون قوتهم الشيطانية لمساعدة قريبهم. ويعترف بعض الشياطين أيضا بأنهم يلعبون الكرة، ويرقصون، أو يتعاطون في أغلب الأحيان لألعاب حربية يمكن أن تتحول إلى معارك حقيقية.
يبدو أن لكل جمعية رئيسا. ونجد إشارات للمدير، أو المديرة، أو للرئيسة. ونظرا للغموض الذي يلف اللغة المستعملة، فإنه يصعب معرفة ما إذا كانت جميع هذه الأسماء تقصد وظيفة واحدة. وما يتجلى بوضوح هو أن بعض الشياطين يتولون مهمة الإدارة.
ورغم هذه الهالة التي تحيط بوظيفة الرئيس، فإن ما يظل أكيدا هو وجود إدارة في كل جمعية شيطانية. فليس من المريب أن تكون الوظيفة الأساسية لهذه الجمعيات هي تقوية القدرة الفردية لدى الشياطين عن طريق الانتماء إلى الجماعة. لكن يبدو أن للجمعية أيضا سلطة مراقبة أعضائها. وليس في وجود هذه التجمعات – التي تعتبر إلزامية وموجهة لضمان مساندة الفرد في آن واحد – ما يدعو للدهشة داخل مجتمع متماسك اجتماعيا كما هو (أو كما كان) شأن المجتمعات البحيرية.
بقي لنا أن نبدي فرضية فيما يخص الاعترافات ببريغبو. فبالنسبة لألبير آتشو، الذي يلعب دور وسيط وحافز أكثر مما يلعب دور منقذ، يعتبر الاعتراف أداة ضرورية لكل علاج. يجب الاعتراف بكل شئ وعدم إهمال أي شئ أو إخفائه. وانطلاقا من هذه الاعترافات سيصل الفرد إلى الشعور بما يطلق عليه هنا إسم أخطائه، وسيتاح له أن ينال عفو الله ويسترجع صحته في آن واحد. ويبرز التحليل المعمق للاعترافات أن لهذه الأخطاء شكلا ومضمونا مقولبين. ومن ثمة، فإننا نعتقد أن ما هو أساسي في الاعترافات لا يكمن في ما يقال وإنما في عملية القول ذاتها. هكذا، فالاعتراف المكتوب يطقس في بريغبو إلى حد يصبح فيه مضمونه عديم الفائدة لفهم فرد معزول، ومجد فقط لفهم الظاهرة في كليتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب الاحتراز جيدا من أية محاولة لدمج محتوى هذه النصوص في مقولاتنا السيكوباتية الغربية رغم ما يمكن أن يصادفنا من إغراءات في هذا المجال. ومعرفة السياق الثقافي الذي تتطور فيه هذه الظاهرة يجب أن تمنعنا من كل تعميم متسرع. بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نلتزم اليقظة إزاء وظيفة الاعتراف العلاجية عند النبي، وبالخصوص، لحظة تأويل مضمون هذا الاعتراف.
لهذه الأسباب، اهتم التحليل المعمق لهذه النصوص بوصف المعطيات وتنظيمها أكثر مما اهتم بالبحث عن إعطائها تأويلا لا يمكن أن يكون في الحالة الراهنة التي توجد عليها معارفنا إلا قابلا للنقاش.

الهوامــش والمــراجــع
AUGE, Marc
1980, «Sorciers noirs et diables blanc. La notion de personne, les croyances à la sorcellerie et leur évolution dans les sociétés lagunaires de basse Côte-d’Ivoire (Alladian et Ebrié)», Colloques du C.N.R.S., n° 544, La notion de personne en Afrique noire.
PAULME, Denise,
1962, Une société de Côte-d’Ivoire hier et aujourd’hui: Les Bété, Mouton, Paris-La Haye.
PIAULT, Colette,
1975, «Albert Acho et son monde», in Collectif, Prophétisme et thérapeutique. Albert Acho et la communauté de Bregbo, Paris, Hermann, Coll. Savoir.
ROUCH, Jean,
1975, «En diable», in Prophétisme et thérapeutique, Op. Cit., pp. 11-26.
ZEMPLENY, Andras,
1975, «De la persécution à la culpabilité», in Prophétisme et thérapeutique, Op. Cit., pp. 153-218.
[1] – نوع من الفـوائد.
[2] – انظر الفقرة المتعلقة بشبكة الماء في كوليت بيولت، 1975: 27 – 85.
[3] – نجد وصفا للاعترافات وتحليلا أعمق في بحث لـ أندراس. زامبلينيي (A. Zempleni) بـ: المرجــع السابـق وفي ملحق في الكتاب نفسه.
[4] – حسب المعتقد السائد في بريغبو، لقد خلق الله الرجل اليسرى قبل اليمنى.
[5] – الخشخيشات (سبق شرحها في الهامش 5، ص. 35 من الكتاب الحالي): كرنيبات موثوقة في خويطات علقت عليها لؤلؤات. ويحدث قرع الخيوط على الكرنيبة صوتا يمكن تنقيطه بحسب الرغبة. وتلعب هذه الأدوات دورا هاما في بريغبو. (م).
[6] – أعمــال نيكول ترسيس – سوروغ Nicole TERSIS-SURSUGUE.
[7] – أعمــال لاجوس ساغي Lajos SAGHI.
[8] – الجنبة من النبات: ما كان بين الشجر والبقل.
[9] – فقرتان مختارتان من يمين أداه القس D. de billy أمام هاريس. راجع جان روش، مرجـع مذكــور.
[10] – حول هذا الفيتيش، أورد فرانسوا لابلانتين في معجم المفردات السحرية الباوولي الذي ذيل به كتابه الأمراض العقلية والعلاجات التقليدية بإفريقيا السوداء ما يلي: «طيطيكبان (Tétékpan) إسم فيتيش استورده الباووليون منذ حوالي 25 سنة من بـلاد الكوماسي. يشتهـر حاليا بقوته الفائقة، ويدعى أيضا أييـري كبلي (ayéré kpli) راجع: François LAPLANTINE, Maladies mentales et thérapies traditionnnelles en Afrique Noire, Paris, Editions Universitaires, Coll. Encyclopédie Universitaire, 1976, p. 156. (م).
[11] – والإحالات العديدة التي تم عرضها في البداية تطلعنا على مختلف هذه الأنواع.
[12] – الجذعيــة: زورق يصنع.بتجويف جذع شجـرة.
[13] – القناة الأوستياكوتية: قناة اتصال للهواء الخارجي بين الفم وطبلة الأذن. (م).
[14] – لقد قدمنا في ملحق كتاب «النبوة والتطبيب…» (مرجع مذكـور) بعض العناصر حول طبيعة هذه الشبكات وتركيبها، وذلك من خلال تعميق البحث في بعض الحالات؛ حالة يابا كواسي أنطوان وحالة أفوي.
[15] – القابوقي: شجر كبير من الفصيلة الخبازية. (م).
[16] – قارن محتوى هذه الفقرة مع ما ورد في الصحفة 82 وما يليها من الكتاب الحالي. (م).
[17] – الإنيام: جنس نباتات معمرة درناتها نشوية تؤكل. (م).
– PIAULT Colette et SAGHY Lajos, «Les confessions diaboliques», Collectif, Prophétisme et thérapeutique. Albert Atcho et la communauté de Bregbo, Paris, Hermann (coll. Savoir), 1975, pp. 121-218.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 19-09-2012 08:37 مساء

الاخبار العاجلة