لغة العلاج والنسيان: 03 – ليلـى. الحكاية والقــدر

1٬169 views مشاهدة
لغة العلاج والنسيان: 03 – ليلـى. الحكاية والقــدر

ألف ليلة وليلة نصٌّ ينسكب فيه متخيل العالم العربي منذ قرون، كما يغلفنا أيضا [نحن الأوروبيين] ويتملك متخيلنا. فهو في رواياته المتعددة العربية المكتوبة، وفي ترجماته وإعادة ترجماته اللانهائية، وعبر صوت الأمهات وهذر القصاص، لايكف عن إعادة بعث كلية اللغة، لغة الليل ولغة النهار، لغة الحلم ولغة اليقظة، لغة الحيوانات ولغة البشر، لغة ماقبل بابل ولغة ما بعدها، لغة الحكايات ولغة القرآن.

في هذه الحكاية السَّيْل، يمكن لكل واحد أن يدلو بدلوه. فمواقع الإنصات، والتحويلات[1] الأكثر تنوعا تمنح نفسها لكل من يقبل أن يقع في أسْرِ الحكاية. يدعو صوتُ امرأة خارجَ مُصَابهَا، وبحضور طرف ثالث تمثله أختُها، رجلا حجَّرَه مشهدٌ سبق أن رآه. يُولدُ الصوتُ داخل السرد صورا متعددة، عدداً مماثلاً من الأجوبة المفردة عن «المصيبة الفـريدة»، وهي مصيبة المجيء إلى هذه الحياة، عددا مماثلا من إمكانيات النقل[2]، والتماهيات. فن الحياة هنا يُبْرِزُ من يرفض التوقف عند الصورة ويجعل من الحياة قدرة على التحرك. أن تكون ممارسة معينة للتركيب أمرا أساسيا وضروريا للإنسان، فذلك لاينفيه كتاب الليالي، ولكن الوحدة قد لاتعرف، بأي حال من الأحوال، إقامة نسق ولا إِنْسَاءَ المقاطعِ الأَلْفِ للإدراك التي تتماسك بها رؤيتنا للعالم. تمنح وحدةُ النوع وكونيته نفسها للإنصات داخل تعدد أصوات الأفراد الذين يُكَوِّنُونَ هذه اللوحة وهذا التنوع نفسيهما. قد يصعب على أي خطاطة تفسيرية إيقاف هذا الهدير من الأصوات الذي بواسطته يظل ما بدواخلنا سحيقا وغير قابل للتذكر مهما منح نفسه للفهم باعتباره قابلا للتذكر.

لقد عرضَ جمعٌ من الباحثين[3] نفسَه أمام هذه النصوص كما يعرض المرء نفسه للحرارة النهارية أو للوضوح الليلي. ومن تلك الساعات التي قضيناها جميعا رأتْ نصوصٌ النُّورَ… نصوصٌ ليست تعليمية بالخصوص: كلمة الليالي كافية. فهي لاتطلب سوى أن تنبت في الإنصات. وهذه النصوص معروضة هنا، كما هي معروضةٌٌ وجوهٌ… وما ننشره هنا إنما هو انتباه للمشروع الذي يشتغل داخـل الليالي من خلال إجراء قراءة تأويلية لاستهلال ألف ليلة وليلة، ومتابعة الحكي الذي ولَّدَهُ بداخلنا هذا العمل. تُحكى لنا قصة التباس علاقـة أخوين بزوجتيهما. يصلنا صوتٌ مذعور، صوتُ دنيازاد الأخت الصغرى لشهرزاد. ينقل لنا شهريار، مساء حياته، مجهودَهُ من أجل بناء ذاكرة ما حدث وأتاحَ النسيانَ. وفي الأخير، بعدَ الليالي، تنعقد الأعداد والحروف في درس غريب.
مجموع هذه الحكايات يرسم بُعْداً آخر للأصل: أصل قد لايوجد بالمرة، لكنه يجب أن يتحقق باعتباره مُسْتَقْبَلاًً. إن صوت الحكاية يحعلُ هذا الأصل/المستقبل راهنا، ومن ثمة ضرورة عدم الانسياق مع عاطفة الاختزال التأويلية، وبالمقابل ضرورة ترك الحكاية تقودنا إلى هذه النقطة حيث تحتوينا الذاكرة جاعلة من البدايات ممكناتٍ[4].

استهـلال ألف ليلــة وليلــة:
يقال في ألف ليلة وليلة إن شهرزاد قد حكت على امتداد هذه الليالي حكايات للملك شهريار لتجعله ينسى المصيبة الكبيرة التي حلت به؛ مصيبة كونه رأى بأمِّ عينيه زوجةً له وهي تخونه. ثم يلاحَظ أن الحاكية، بدلا من أن تجعله ينسى مصابه، إنما تذكره به باستمرار عبر الحكايات التي ترويها. وبذلك، نجد أنفسنا مساقين إلى التفكير في أن الأمـر هناك يتعلق بشيء آخر غير التسلية، حتى بمعناها الأكثر عمقا: صدمة[5] أولية يجب أن تؤول إلى النسيان، لكثرة ما يعاد تذكرها…
تُعرَضُ في الاستهلال ثلاثة مشاهد للخيانة الأنثوية. الأول يتعلق بأخ شهريار فور عودته المفاجئة إلى قصره:
«فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبدا أسود من العبيد، فلما رأى ذلك اسودت الدنيا في وجهه (…) ثم إنه سل سيفه وضرب الإثنين فقتلهما في الفراش…»[6].
يسقط حينئذ في خَوَرٍ كبير لن يتخلص منه إلا بالمصاب – الأكبـر في عينيه – الذي سيحل بأخيه. أما المشهد الثاني فيتعلق بشهريار نفسه:
«وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وامرأة أخيه تمشي بينهم وهي غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم، وإذا بامرأة الملك قالت: يا مسعود، فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولَّـى النهار»[7]
أمام هذا المشهد فقَدَ الملكُ صوابَه، «طار عقله»، فانطلق رفقة أخيه هاجرين المُلْكَ إلى أن يعثرا على شخص آخر ابتلي بنفس ما ابتليا به. سيكون المشهد الثالث حيث سيلعبان رغم أنفهما دور خيانةٍ يقع ضحيتها جِنِّي. يورد النص أن الفتاة الحسناء الجميلة قد أجبرتهما معا على مواقعتها، ثم يواصل:
«وأخرجتْ لهما من جيبها كيسا وأخرجت لهما منه عقدا فيه خمسمائة وسبعون خاتما، فقالت لهما: أتدرون ما هذه؟ فقالا لها: لا ندري، فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا العفريت فأعْطِيَانِي خاتميكما أنتما الإثنان الآخران، فأعطاها من يديهما خاتمين، فقالت لهما: إن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي، ثم إنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال، وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم الأمواج، ويعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمرا لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:

لا تأملـن إلى النســـــاء
ولا تثــق بعهـودهــــن
يبديـن ودا كاذبـــــــا
والغدر حشو ثيابهــــــن

فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما: إذا كان هذا عفريتا وجرى له أعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا. ثم إنهما انصرفا من ساعتهما»[8].
وبلية من هو أقوى منهما هي التي ستتيح لهما استعادة مكانتهما باعتبارهما ملكين. يقتل شهريار زوجتَه والعبيد شركاءها في الخيانة، لكنه سيدخل منذ تلك اللحظة في مسلسل انتقام قاتل: سيعمد إلى افتضاض عذراء في كل ليلة، ثم يقتلها في الصباح. وبعد انصرام ثلاث سنوات، لم تبق أي بنت في المملكة. وهنا تتقدم شهرزاد بنت الوزير، من تلقاء نفسها، لإنقاذ أبيها وباقي البنات. فيعقبُ التكرارَ اليوميَّ للقتل الانتقاميِّ خيطُ الحكايات التي لا تكف عن إعادة إخراج الصدمة الأولية إما بكيفية صريحة، أو مَقلُوبة، أو موحاة، أو منقولة (déplacée). يتم كل شيء وكأنه يجب تصوير المشهد إلى أن يتمكن من ولوج نمط وجودي آخر، وكأنه يجب الحضور في مشهد آخر من شأنه أن يحرر الملك من المواجهة العنيفة مع ذاتـه.
أي شيء أصابَه مشهَدُ الخيانة في الملك إلى أن انتهى به إلى هذا الحد؟ ذلك أن الأمر يتعلق بداهة بشيء آخر غير مسألة الشرف أو حس الكرامة. كما لو أن شيئا أساسيا تهاوى بداخله؛ لقد رأى زوجته وهي لم تعد موضوع رغبته هو، وإنما ذاتاً لرغبتها هي: رغبة تمفصل قوة المرأة الاستيهامية[9] الخارقة: شاهَدَها وهي تُوثِرُ عليه عبدا أسود، أي من هو أشد اختلافا عنه، من هو نقيضه بالجملة.
وبالفعل، فقد صار الأسود بالنسبة للمَلِكَة مَلِكَهَا، استجاب لرغبتها الجنسية الشرهة – فيما يبدو – بقوة جنسية خارقة. لهذا السبب وجد شهريار نفسه وقد اخْتُزِلَ إلى لا شيء. وأوَّل رد فعل سيبديه هو العجز التام، إذ أنه – بخلاف أخيه – لم يقتل المجرمين على الفور، وإنما اعتبر نفسه غير كُفْءٍ لمزاولة المُلك… اللهم إذا وجد شخصا آخر أكثر قوة منه يحصل له الأمر نفسُه. لماذا شخص آخر؟ إن صدمة الجِمَاع لم تقنعه بعجزه، أي بهشاشة موقعه فحسب، بل وسجَنَتْه أيضا داخل عزلة تامة، عزلة كانت من الجذرية بحيث ألقت بـه خارج البشر. ووَرَدَ في إحدى النسخ العربية، أن شهريار بعدما أنصَتَ لحكاية أخيه قال له: «والذي جرى عليك ما أضنه جرى على أحدا غيرك، والله لو كنت أنا ما كفاني اقتل اقل من ماية مراه أو الف مراه وكنت أتجنن واخرج مجنون»[10].
فِعْلاً، يصادف، شأنه شأن أخيه، آخرَ أكثر قوة منه يحصل له الشيء نفسه، فيجد بذلك مَعَالِمَ، يجد مكانا داخل مصير البشر المشترك. لكنه مكان يتميز بالعنف، العنف الذي حلَّ مَحَلَّ الرغبة العاجزة، وتكرار فعلٍ انتقاميٍّ. وسيُعِيدُ هذا العنفُ المتجسدُ في القتل اليومي لامرأة لن يملكها أي امرىء آخر غيره، سيُعِيدُ وضعَه في الموقع المجنون )الذي أقحمته الصدمة(، موقع أن يكون وحيدا، جبارا. كائنا لم تعد رغبته – التي تترجمها عبارات القوة الجنسية – تخشى على الإطلاق منافسة آخر يمكن أن يهدده بمجرد احتمال وجوده. وضعية تتميز بالتكرار، والعزلة، والصمت، ومن ثمة فلا شيء يمكن أن يحدث سوى الموت الذي يُخْرَجُ (qui est mis en scène) باستمرار.
بتدخل شهرزاد تنفتح مرحلة ثالثة. سيأذن لها الملك بالحكي. وعبر كل هذه الحكايات، ما سيُعَاد تذكره باستمرار إنما هو الصدمة الأولية. كأن هذه الصدمة يجب أن تُعَاش بطريقة أخرى، فوق خشبة أخرى، إلى أن تتمكن من تكوين تاريخٍ مَّا، ماضٍ ما، ومن ثم إلى أن تتمكن الوقوع في طيَّاتِ النسيان. بالنسبة للملك، لقد حصل شيء شنيع في واقع لا يقبل أي تسمية، شيء اجتاحه كليا. وإزاء هذا الواقع يتعين عليه أن يتراجع، أن يَنْشَطِـرَ بمعنى أن يُسَمِّيَ هذا الحدث، فيجعله ينتقل من المحسوس إلى المعقول. إزاء الكلمة، وبفضلها، سيلج الملك الوجه الآخر للحدث، سيلج ما وراءه: سيخلق لنفسه مكان ذاكرةٍ سيُولَدُ فيه الحدث للمرة الثانية. وهذا بالتأكيد هو ما سيُعْرَضُ، منذ بداية الليالي، في الحكايتين اللتين سيحكيهما العجوزان للجني لتخليص التاجر من الموت[11]. ويعلق بول أوستير على هذه الحكايات بما يلي:
«يقترح العجوزان الآخران، الواحد تلو الآخر، على الجني العرض نفسه كما يستهلان حكايتيهما بالطريقة نفسها، فيقول الأول: “هذان الكلبان هما أخواي الأكبران”، ويقول الثالث: “هذه البغلة كانت زوجتي”. وهذه الجمل الافتتاحية تتضمن جوهر المشروع بكامله. إذ ما معنى أن تنظرَ الحكايةُ إلى شيء أو موضوع يوجد واقعيا في العالم الواقعي، إلى حيوان مثلا، ثم تؤكد على أن ذلك الشيء ليس هو ما يُرَى؟ معناه أن ما من شيء إلا وله وجود مزدوج: وجود في العالم ووجود في أذهاننا في آن واحد، وأن رفض أحد هذين الوجودين هو قتل للشيء في وجوديه معـا»[12].

حكاية أخـويـــــن:
«حكي أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان»[13]، أي في زمن البدايات، أن ملكا كان يعيش مع ابنين له، أحدهما كبير والآخر صغير، وكانا بطلين، غير أن الكبير أفرس من الصغير. وأخيرا قيل إن الكبير: «قد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته»[14]. لا نعرف شيئا عن الحب الذي كان يحظى به الأصغر كما لا نعـرف هـل كانت أُمُّ هذيـن الأخويـن على قيد الحياة أم ميتـة مادامت مكانتُها توجد في تجاويفِ صمت القصـة.
بموتِ الأب يفترق الأخوان أو – على الأصح – يرحل أصغرهما شاه زمان إلى أصقاع بعيدة ليحكم سمرقند العجم. وبذلك يترك وراءه أرضه وأهله ووطنه كي يتقلد منصب الملك بين سكان «عجم»[15]، بينما يخلف الأصغرُ شهريارُ أباه، أي يبقى وسط العائلة ويحتفظ لنفسه بأرضهما الأصلية.
وذات يوم، وكان مضى عشرون يوما على افتراق الأخوين، تذكَّرَ الملك شهريار أخاهُ شاه زمان. وكان التَّذَكُّرُ من القوة بحيث «اشتاق لرؤيته»[16]. بينما كان الملك شهريار «في غاية البسط والانشراح»[17] إذا بشيءٍ مَّا يحصل له. شيء كان من القوة بحيث فتَح بداخلـه صَدْعاً وجَعَلَه يحس بنقصان، فطلب من وزيره أن يسافـر بحثـا عن أخيه وإحضاره.
فَوْرَ تَلَقِّي شاه زمان دعوة أخيه أجَابَ: «سمعاً وطاعةً»، ثم تهيأ للسفر والعودة إلى مسقط رأسه. لم يعبر عن أحاسيسه. اكتفى بالطاعة وأعد عدة السفر. كان هو الآخـر يعيش سعيدا في تلك البلاد البعيدة. لكنه، باستجابته لدعوة أخيه، يرحـَلُ مرَّة أخرى عن الأرض التي صارت وطنَه. في تلك الليلة، وفي الطريق المؤدي إلى مسقط رأسه، حدث شيءٌ لم يتوقعه. حصل له شيء ما «رغم أنفه»: ذلك الشيء هو نِسْيَانٌ… فقد نسي حاجة كان يوَد أن يصحبها معه لأخيه. وبرجوعـه إلى المكان الذي أتى منه ها هو يرى المشهـد: مشهد زوجتـه وهي تحت عبدٍ أسـود.
ظـلَّ شاه زمان هادئـا. نعم، لقد اسودَّ وجهه، لكنه قال في نفسه: «إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة إذا غِبْتُ عند أخي مدة؟»[18]. خواطر معقولة، وتكاد تبدو منطقية لرجل مثله منشغـل بترك مملكته في أمن وسـلام.
يقتل الزوجة والعبد، ثم يستأنف السفر دون أن يثنيَهُ عن عزمه شيءٌ، دون أن يحصل ما يعكر مجرى سفره. ومع ذلك، فإن هذا المشهد المنبعث من الليل هو ما سينقله شهريار لأخيه شاه زمان على قسمات وجهه المصْفَـرِّ.
أبْدى شهريار فرحة كبرى لدى رؤيته أخيه الأصغر. أقام له حفلا، لكن هذا الأخير لم يشاركه مظاهر هذه الفرحة. وَعَلَى العكس، بَدَا شبه غائب… وذات يومٍ، ربما يوم حزن وغَمٍّ، فيما كان مستسلما للوحدة أطلَّ من النافذة، وها هو يرى مشهدا يعيد إليه الحياة: مشهد النكبة ذاتها التي أصابته من قبل وهي تحُلُّ الآنَ بأخيه: ها هو يرى مشهدا تَهَتُّكِيّاً تُوَاقِعُ فيه زوجة أخيه الملك عبدا أسود يُدعى مسعود. بل يبدو له هذا المشهد أشد وطأة من ذاك الذي سبق أن عاشه هو مادام الضحية فيه هذه المرة هو أخوه الأكبر الذي يطفح حيوية، ويحبُّهُ الجميع. يختفي ألَمُه على الفور، فيحُلُّ محله ارتياحٌ لألَمِ الآخـر.
لدى عودة شهريار من الصيد فاجأه التبدل الذي أصاب شاه زمان، فأوقد ذلك فُضُولَهُ. وبذكاءٍ كبير كشف شاه زمان لأخيه عن المشهد: المشهد الذي وجده هو نفسه في بيته إبَّان عودته المفاجئة، والمشهد الذي رآه في حديقة شهريار أثناء غيابه. شَقَّ على شهريار تصديقُ الأمر، فصمَّمَ على التحقق بأُمِّ عينيه من خيانة زوجته إياه. ومع ذلك، فمن نافذة أخيه الأصغر بالضبط، سيطل على ما كان يجري في حديقة قصره دون علمه.
على إثر هذه الرؤية جُنَّ شهريار، وحُلَّتْ عقدة تفكيره[19]. لم يعد يملك على الإطلاق القدرةَ على الاستمرار في مزاولة المُلْكِ ما لم يجد شخصا آخر أقوى منه، أي ما لم يجد أباً، تحصل له نفس الحادثة المروعـة. إنه يحتاج إلى نمـوذج أو مثـالٍ.
هو ذا الرحيل إذن. يتيه الأخوان. يتبع الأخ الأصغر أخاه الأكبر كَظِلِّهِ. وبِتَحَوُّلِهِمَا إلى «عبدين أسودين» لامرأة الجنِّي واستجابتهما لرغبتها يفهمان أن المرأة قادرة على تحقيق رغبتها حتى وإن قُيِّدَتْ بالأغلال والسَّلاَسِل. وهكَذا، وجدا الآخرَ الذي كانا يبحثان عنه: وجدا الجني، وهو كائن أقوى منهما، بِدَورِهِ يقع ضحية الخيانة الأنثوية. وبذلك يفترق الأخـوان للمـرة الثانيـة.
فور عودة شهريار إلى بيته قَتَلَ زوجتَه والعبيدَ. فصار يأخذ الأبكارَ الليلةَ تِلْوَ الأخرى، بِكْرًا بعدَ بِكْرٍ، فيفتضهن، ثم يقتلهن. وبتكراره لمشهدٍ هو فيه الـمُمَثِّلُ الوَحِيدُ، العاشقُ والمنْصِفُ، المعْتَدِي والضَّحِية، فإنه لا يكفُّ عن تمثيلِ ألم عزلته وإعادة تمثيلهِ. بين الحياة والموت لا يبقى سوى زمنٍ فارغٍ لا يتجاوز ليلةً واحدةً. وبذلك، يقيم شهريار طقسا يتحاشى كل إمكانية للولوج إلى الرغبة. يقتل الحياة، يقتل المدينة: تختفي النساء والأطفال. وحتَّى يتَسَنَّى للطقس أن يُعَلَّقَ يتعين أن تُدْخِلَ شهرزادُ ابنةُ الوزير صَوتَ الحكايات، كما يتعين أن تخونَه امرأة )في رغبته(، لكن دون أن تخونه، كي يتَمَكنَ من أن يصبح رجُلا وأبـاً.
أما شـاه زمـان، فهو الآخر يقتل الأبكار. يريد أن «يحمل النساء على التكفير عن البلية التي أصابتنا»[20]. لا تُحْكَى له حكاياتٌ. وستستمر آلة القتل طوال عشر سنوات. وفي هذا البحث عن محو الخطإ، لا يتوصل شاه زمان «إلى التلذذ بالجماع»[21] خلال السنوات الثلاث الأخيرة[22].
أي خطأ أصاب شاه زمان، فأوصله إلى هذا الحد؟ هل يتعلق الأمر بخيانة النساء أم بخيانته هو نفسه، والتي يعترف بها لأخيه بهذه الكلمات: «بسبَبِي أنا ألَمَّ بكَ ذاكَ المصابُ»[23]؟ ثم يضيف وكأنه يلتمس الغفران: «ابتداء من اليوم سأحذو حذوك».
ثم يرحَلُ شاه زمان، يتخلى عن المُلْكِ ويتزوج أخت شهرزاد. يرسل شهريارَ الأبَ الوزيرَ أبا شهرزاد إلى البقاع البعيدة ليحكم سُكَّان سمرقند العجم الذين ابتهجوا لمجيئه. ويقترح شهريار على أخيه الأصغر أن يقتسما الحكم. وبذا يجتمع الأخوان أخيرا دون أن يحصل ما يُفَـرِّقُ بينهما.
«لقد جعلتْ شهرزاد كُلاًّ من الملك المشلـول ودنيا زاد المذعورة يكتشفان سعادة أرْجُوحَة الطفولة. فهي – بالصًّوْتِ – تدفعهما بعيدا عن نفسيهما، بعيدا عنها، تُغْرِقُهُمَا في أغور نقطة في عمق النص. ثم تستقبل عودتَهما لنفسيهما، رجوعهما إليها، تاركة نصَّ الخارج يتسرَّبُ بحميمية قوية إلى المستمع: إنها لعبة الحضور والغياب التي يتم فيها الإيصال[24]. تَعْقبُ حميميةُ «الأنا» مجهُولَ «الهُوَ». تقول دنيازاد الأختُ الصغرى وشهريارُ «أنا»، يقولانها أثناء توقفات الحكاية، أثناء التوقفات اليومية التي هي تموُّجُ زمن آخر لم يعد إطلاقا زمنُ الحاكي، وإنما زمن المستمع: يقولانها أيضا في النصين المواليين. كأننا أتينا، من دون أن نعلم، إلى حيثُ تقودُ تلك الليالي إلى قوة خَيالٍ تنفلت منا وتركز على أشياء في غاية الخطورة، مثل الجنس والموت، والنَّسَب، والقانون[25] الذي يُمَيِّز بين الكائنات ويُمَكِّنُ المرءَ من الانفلات من قبضة الجنون.

دنيـــــازاد:
أرسَلَ إليَّ الملكُ عندما كان نائما معكِ في الفراش. أتيتُ، واندسَسْتُ تحت السرير. رأسي فارغ وبي فراغ شديد لأنني أعرف أنك ستموتين في الصباح كما ماتت البنات الأخريات، وأعرف أن أبي هو الذي سيقتلكِ.
لا أفكر في أي شيء عدا فعل ما أمرتِني به. يجب أن أُخَمِّنَ حينما سيكون قد انتهى (انتهى من ماذا؟ لست أدري!) مِنْ قتلكِ… يستحود عليَّ فزَعٌ شديدٌ. عندما لا أسمعُ أيَّ صوتٍ يصدُرُ مِنك أوَ منه، عندما يخيم صمتٌ رهيبٌ وأخَمِّنُ أن الملك ستراودُهُ ثانيةً فكرةُ قتلك، أقول: «أواهٍ يا أختي، اِحك لي عن أيِّ موتٍ يهددك، وأيّ صباح مرعب سيَحُلُّ، وأيّ كفْنٍ هيَّأَه لكِ أبــونا.»
ثم تصمتين. هُوَ ذَا الصبح، هذا الصبح الذي رُبَّمَا ستلقين فيه حتفك. وأنا أتكلم، أستعير كلماتك لحَجْبِ صَمْتِك لأذكِّرك بما يتهددكِ وأنت ناسية إياه عندما تحكين. آنذاك، ستطلبين من الملك أن يبيحَ لكِ مُوَاصَلة الحكي.
ويفطن الملك إلى أن صوتك لم يعد هناك، أنه ينقصه، أن هذه الكائنات التي أبدعتِهَا تـرافقه في هواجسه، فيعدل عـن قتلك ويسمح لك بالبقاء على قيد الحياة يوما آخر.
ويتكـرَّرُ الأمرُ نفسُه في كُلِّ الليالـي.
شيئا فشيئا تناقَصَ خوفي. بوُسْعِي الإنصات لحكاياتك، بل وحتى التلذذ بها. وعندما لا أسمع أي شيء فوق رأسي [وأنا تحت السرير]، أقول: «أواهٍ، يا أختي. اِحك لي حكاياتٍ تتواصلُ بلا انقطـاعٍ، حكاياتٍ لا تنتهي أبدا وتتيحُ لي أن أنتظرَ الصَّبَاح». وأحيانا، عندما أكون متأثرة جدا بحكاياتك، أقبض أنفاسي أو أشد نفسي إليك، أُقَبِّلكِ كما كنت أقبِّلُكِ في الماضي لما كنا نلعب معا، لما كنا صغيرتين وضحوكتين. لكن الخطر لا زال قائما. أنا التي تتذكره وترتعش له عندما تكْفَهِرُّ رُؤْيَةُ الملِك.
الآن، تحمرُّ وَجْنتَايَ حينما تحكين حكايات يفهمهَا الملك ولا أفهَمُهَا. ما أسمعُهُ يدور بينكما في الليل ألا يبرر وجودَه شيءٌ آخر عَـدَا [مشروع] اغتيالك؟ عندما أظنُّ أنَّ الأمر قد قُضِيَ أقولُ: «أواهٍ يا أختي، حدثيني عن هذه الضوضاء التي أسمعها، عن هذه الملذات التي أتخيَّلُها، وعمَّا يجري بينكما في الليل.»
منذ بضعة أشهر صارَ الملك أكثر إنسانية، وهو الذي كنتُ أفزَعُ لرؤيتِه. عندما تحكين حكايات جميلة، أرى عينيه أحياناً مُبلَّلَتَيْنِ بالدمع. أعرف أن فكرة قتلك قد توارَتْ عنه، وأنه يتمنى – مثلما أتمنَّى – أن تواصلي حكاياتك، لكنه لم يَبُحْ بذلك بعدُ.
وأنا التي كبرتُ، إنني أشتهي – من تحت الفراش – هذا الشيء القوي الَّذي يستحود عليكما معـا.
لكن لا ]أشتهيه[ مع الملك. فهو لم يعد يرغب في حضوري عندما تحكين له حكايات في العشق. إنه يرغب بالتأكيد في حنان أبنائكما دون أن يعلم بذلك. سأذهب يوما للبحث عن أبنائه الذين لم يعرفهم بعد وسأهجر هذا السرير الذي أنا مرغمة كل يوم للمجيء والاندساس تحته والإنصات إليكما وأنتما لا تتكلمان.

شهـريـــار
إسمي شهريار. أنا ملك ساسان، ابن هاجر وإبراهيم. أنا الآن في التاسعة والتسعين من عمري. في ختام هذه السنة، هذه الليلة، سترحل الروح عن جسمي. لن أرَ صُبْحَ اليوم الأول من السنة المائة من عمري. في هذه اللحظة، حيث ستُرْضِخُنِي مُفَرِّقَةُ الأصدقاء ومخربة القصور، سيرضخني القدر القاسي لأمر الله، لا أريد أن أتذكر حكاياتي ولا الحكايات التي رُويتْ لي. فقد تكفل المؤرخون والمحللون بذلك: دوَّنُوها في ثلاثين مجلدا بالتمام. في ليلة موتي، هذه، أحاول أن أفهم ما خلفه بداخلي الصوت الذي جَسَّدَتْهُ شهْـرَزاد.
إسمي، لقد قلتُ لكم، ناسيا أنني من يتعرض دائما للنسيان، مع أنني أنا الملك الذي عَنِّي صَدَرَ، معشر بني الإنسان، المصاب الأصل في كتاب ألف ليلة وليلة. بصوتها، جعلت شهرزاد من نفسها «فداء لبنات المسلمين وسببا لخلاصهن من بين يديه»[26] بتخليصي من تأثير المصيبة. بحكاياتها، الواحدة تلو الأخرى، قطَّرَتْ في أحشائي سُمَّ الحياة العذب. دون أن أحتاط منها، بَعَثتْ بداخلي لذة الحياة، فأصبح من المستحيل عليَّ أن أفكر في «قضاء ليلة واحدة دون أن أسمع كلامها أو أنظر في وجهها»[27]. لم أستطع أن أبوح لها بذلك إلا بعد تسعمائة وثمان وخمسين ليلة قضيناها معا.
كان قلبي عالقا بها قبل أن أتعرف عليها، وكان بها أعلق لما أخبرَتني خلال الليلة الواحدة بعد الألف، وهي أول يوم في حقبة جديدة، أن الثوَّابَ قد منحني بتدخلها، خلال هذه الليالي، ثلاثة أبناء.
آنذاك، استطاعَتْ كلمتي أن تتوجَّهَ إليها، متعالية نسيان المصيبة، هذا النسيان الذي جَعَلَته الحكايات ممكنا، كي أقول لها إنني «قد أحببتها في نفسي لأنني وجدتُ فيها امرأة خالصة، تقية ورعة، حَصَانٌ، وديعة، خالية من كل غش أو خداع، كاملة من جميع الوجوه، بيضاء القلب، حاذقة، بليغة، رزينة، دائمة الابتسام وحكيمة»[28]. بها تخلَّصَتْ لياليَّ من القلق والأرق، واستعدتُ القدرة على تذوق طعم لذة النوم دون خشية الحلم الذي كان يستنزف الروح. نزَعَ صوتُها وكلامها مني خوف سواد الليل، فصارت الليالي أقصر من أن تسع رغبة الاستماع إلى صوتها الذي الذي ملكني[29].
منذ ثلاث سنوات، كنتُ منصرفا بكلي لمصيبتي كظل بين الأحياء. كنت أقوم بكل ما يقومون به وأنا غائب عن نفسي. طار العقل من رأسي لما أردتُ أن أشاهد بأمِّ عيني ما زعم أخي أنه كان يحدث في حديقتي أثناء غيبتي. وأنا أطلُّ من نافذةٍ، رأيتُ أيَّ أشياء كانت تجري في الحديقة. رأيتُ زوجتي الملكةَ ملتصقةً بالعبد مسعود، والعبيدَ الرجال وهم يطأون الإماء. لم أقو على الكلام، مكثتُ مذهولاً من هذه الرؤية دون أن أقوم بأيِّ ردِّ فعلٍ سوى الهروب. وبعدَ زمن من التيه رفقة أخي، بعدما وجدت من هو أقوى مني يُصَاب بمصاب أسوأ مما ألمَّ بي، قفلتُ إلى قصري، واستأنفتُ مهامي الملَكِيَّة بلا طعم. فور عودَتي قتلتُ الخائنة وشركاءها. وأمرتُ وزيري بأن أُوتَى، ابتداء من ذلك اليوم، وفي كل ليلة، بعذراء أفتض بكارتها ثم أقتلها في الفجر. ليلة تلو الأخرى، بِكْر تلو بكر، دون أن تنفذ مصيبتي. بقيتْ بلا إسم بقيتْ، بيضاءَ كانت الليالي، وكبيراً كان القلـقُ.
ثم جاءت شهرزاد. في البداية لم أعرف أنها جاءت. بدت لي كبيرة الشبه بمن سبقنَهَا. ومع ذلك، ما أن أردتُ قتلها حتى حدثَ تحوُّل. فقد فرضتْ دموعُها إحضار أختها دنيازاد. وعبر دنيازاد جاء إغراءُ حَكْي حكاية. بدت لي فكرة الاستماع إلى حكاية مَّا بمثابة وسيلة لتجزية الليلة وتجنُّب القلق والأرق. هكذا بدأت أول ليلة حكي. لكنني لم أعرف أنها كانت أول ليلة من ليالي حَكْي طويلةٍ إلا بعد ذلك بكثير، أي في الليلة التسعمائة وأربعة.
في مَتَمِّ تلك الليلة الأولى لم تنته الحكاية، فأردت معرفة تتمتها، وقلتُ: «والله لن أقتلها إلا بعد سماع بقية حكايتها». انتهت الليلة الثانية دون أن تصل الحكاية إلى فكِّ عقدتها. وبذلك، نَجَتْ شهرزاد من القتل في تلك الليلة أيضا. في الليلة الثالثة سمعتُ نهاية الحكاية الأولى، لكنَّ شهرزاد ما أنهتْ قصتها حتى وعدتني بإسماعي حكاية أخرى أعجب من الأولى. وبما أنَّ فضولي استيقظ، فقد دعوتُها لحكايتها. في فجر الليلة الرابعة، لم تكن الحكاية الثانية قد انتهت بعد، فقلت: «والله لن أقتلها إلا بعد سماع تتمة حكايتها.»
وهكذا توالت الأيام والليالي دون أن أفطن لمرورها. لقد بعثتْ شهرزادُ، وهي تعيرُ صوتَها لقصص الماضي وسِيَرِه، بعثتْ ذلك الماضي أمامي، وجعلتني أنسى أنها كانت ضحيةً محتملة. بذلك الصوت المستعار أخذت حياتها قيمة ملحوظة في عيني دون أن أفطن لذلك.
إذا كنت لم أنْسَ في كل ليلة أن أقضي حاجتي من شهرزاد، فإنني كنت في كل صباح أنسى قتلَهَا أو أؤجله. لقد كانت تحرص في حكيِهَا على أن لا يصيبني مللٌ أوأفقد اهتمامي. في النهار، كنت أتفرغ لشؤون مملكتي وأنا مُسَرْنَمٌ، قليل الاكتراث بتدبير شؤونها، لكن متزايد الانشغال بشؤون الليل. الليل الذي بدأتُ أنتظر عودته بفارغ الصبر.
هكذا مضت مائة وخمس وأربعون ليلة دون أن أفكر في قتل شهرزاد. في تلك الليلة، حسب ما جاء في قول الكتَّاب، غَمَرَ الحنان نظرتي إليها، ولأول مرة انبثق من داخلي الأسفُ على مجزرة كل تلك الفتيات اللواتي أرديتهن قتيلات، وفكَّرْتُ في ضرورة الحفاظ على شهرزاد.
لقد كانت شهرزاد – الآن فقط فطنتُ لذلك – يقظةً لأقل حركة من حركات روحي، كانت فطنة لتقطيبات حاجبي، لانقباض مظهري أو انشراحه. كانت في حكيها تسترشد بأقل ملاحظاتي وتحدد اختيار الحكايات المقبلة. وذلك كله لم تكن تقوم به تملُّقاً لي، وإنما لانهمامها الحقيقي بي. كانت يقظانة لآثار حَكْيِهَا فيَّ. تارة بصرفني عن مصيبتي عبر حكاية ممتعة خارقة، وتارة بتذكيري بِبِلْيَتِي نفسها وإن اقتضى منها ذلك المجازفةَ بفقدان حياتها.
بتقمصها صوت الماضي السحيق، ماضي الملوك والشعوب المنصرمة، نَسَجَتْ من حولي الخوَيِّطَ الذي اقتلعتني به من محيط مصيبتي كي تمنحني سعادة التلذذ بالحياة من جديد. بصوتها، كانت تصرف فكري عن المشهد المرعب الذي أسر نظري. لقد أعادت إلي، أنا الذي لم أكن أنام قط منذ ليالي وليالي، أو كنت أنام لكن نادرا وبصعوبة، أعادتْ إليَّ هذه القدرة على رؤية اللامرئي، أي القدرة على مشاهدة كثافة النهار.
قاحلة هي شهرزاد. من فمها كان العَسَلُ يَقطرُ، وذكاؤها في الليل يلمع، وجمالها يسطع، لمس صوتها أغلى ممتلكاتي التي ما ملكتُهَا إلا من الهبة التي كانت تمنحني إياها. حميمان صرنا، بجانبها ذقت طعم النوم بجانبها، وكلانا يحلم وهو راقد بجوار الآخر.
بِهَا استعدْتُ الصَّبرَ والقدرة على التمييز، وفي الوعد استرجعتُ الثقة. منذ الليلة التاسعة والأربعين بعد المائتين، لم أعد أرغب في الاستماع إلى حكاياتٍ كي أحترز من الأرق، بل من أجل الاستماع إلى حاكيتي شرعتُ في إبطاء لحظة النوم.
على مرِّ الحكايات، استطعتُ أخيرا أن أتكلم عمَّ سبق أن حدث لي. تحدثتُ عنه بغضبٍ في البداية، بالغضب الذي لم يَنْتَبْنِي فور وقوع الحادث، ثم بنوع من وضع مسافة بيني وبينه، وأخيرا تكلمتُ عنه باعتباره شيئا وقع لي في ماض لا رَاهنيةَ له الآن إطلاقا.
كان صوت شهـرزاد يشتغل إلى حَدِّ إحداث النسيان بداخلي، عبر تمكيني من تسمية ما حدَث لي وما جعل عقلي يطير. بواسطتها لم يعد الليل يجعل من ماضيَّ كابوسا، وإنما صار يجعـلُ منه حُلما.
عندما جاءتني لأول مرة، كان بنو البشر في مملكتي في غمرة صرخة الألم وصَخب الرُّعب، كان الآباء والأمهات يفرُّونَ من مدن مملكتي بما تبقى لهم من بنات. ومع شهرزاد نزلت النعمة على البلد، وسُعَدَاءُ مثلها صـار رعاياي.
كان عليها أن تقضي ألف ليلة وليلة كي تصرف بصري عن المشهد الذي كان فيه سجينا. وإذا كان الثناء والإطراء غير المباشر قد تدفَّقَ من فمي دون علمي، فإن تسعمائة وسبع وثلاثين ليلة كانت ضرورية لكي يَعترفَ شعوري بحب شهرزاد الذي ملك روحي وأقبل أخيرا رؤيتها في كل بهائها وأعرف أنه، من الآن فصاعدا، لم يعد بمقدرتي قضاء يوم واحد من حياتي دون أن ينتهي صوتها إلى أذُنَيَّ.
بها استرجَعَ عقلي فَهْمَهُ المفقود، واستعادت الكلمات كلَّ نكهتها. وداخل هذه الكلمات صار بإمكاني الإنصات لاسم الله الغائب، أي الإسم المائة. ولتحقيق ذلك كان على الصوت أن يتناهى على امتداد ألف ليلة إلى عديم الإيمان الذي كنتُ صِرْتُ إياهُ.
وَصَلَتْ حياتي إلى نهايتها. لم يمر يوم واحد دون أن يملكني شوقٌ إلى شهرزاد. غداً سأتركها وحيدةً. لم يَنَل الزمن من حبي شيئا، في جسدينا حَفَرَ أثْلاَمَ اللقاءاتِ، آثارَ (traces) الحياةِ. حقا، لقد خدشت التجاعيد وجه شهرزاد، لكن دون أن تشوهها، جاعلة وجه حبيبتي أكثر دقة وصفاء. في جلد من كانت ضيفتي طوال سنوات عديدة، بقيت أثلام المضيف الذي كنته أياما وليالي.
من فم صاحبتي، تلك المرأة ذات الفخذين الطويلين كفخذي غزال، والعينين اليماميتين، والشعر القرمزي، من فمها تَقطّـَرَ العسَلُ بين شفتيها الشبيهتين «بخيط قرمزي». بصوتها نجتْ بنات المسلمين من جنوني القاتل، ونجى الشعب سليل إبراهيم وهاجر، وضُمِنَ استمرار حفادة تمجِّدُ وتسَبِّحُ إلى آخر الزمن الخالدَ الأزليَّ الذي إليه نعود من أجل حسن المصير.
عَـدُّ اللَّيَــالِي «مما يحكى أنه كان في ما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان حكيم من حكماء اليونان يسمى دانيال»[30].
وبما أن كل شيء ممكن في الحكايات، فإننا سنجد دانيال اليوم مع ابنه حاسب.
دانيـــال: أبُنَيَّ حاسب. هل تعرف حكاية ألف ليلة وليلة؟
حاسـب: أعرف بعض الحكايات، لكن بم يتعلق الأمر بالضبط في هذه المجموعة من القصص؟
دانيــال: بملك اسمه شهريار، يرى مشهدا يَضْبِطُ فيه زوجتَه مع عبد أسود، فيقتلهما. وبعد هذا الحادث، يشرع في أخذ عذراء كل يوم ثم يقتلها عند طلوع الفجر. لكن تأتي شهرزاد، فتباشر حكي حكايات للملك، وتوقظ فضوله بكيفية تجعله في كل مرة ينتظر نهاية الحكاية حتى الغـد. وبذلك يرجىء قتل شهرزاد من يوم لآخر. استغـرق ذلك ألف ليلة وليلة في نهايتها تَمَّتِ الحكاية، فقـرَّرَ الملِكُ أن لا يقتل شهرزاد.
حاســب: لكن كيف استطاعت أن تحكي كل تلك الحكايات؟
دانيـــال: كانت تلك الفتاة ذكية جدا، وكانت تعرف ما تفعل. فقد كانت لها معرفة بسير الملوك القدماء والشعوب الماضية، كما أنها قرأت 1000 كتاب من كتب التاريخ.
حاســب: لكن لماذا 1001؟ هل كان بإمكانها أن تتوقف قبل ذلك أو تستمر؟ ثم لماذا هذا العنوان: ألف ليلة وليلة؟ ولماذا لم يقتلها الملك عندما توقَّفَتْ عن الحكي كما قتل جميع البنات الأخريات؟ ماذا حدث؟
دانيــال: إنها أسئلة مهمة جدا. فعلاً لماذا، بعد ذلك الحدث، قتَلَ بكرا في كل ليلة مُعيداً الفِعْلَ نفسَه بلا كَلَلٍ ولا مَلَلٍ وكأنه لم يكن بمقدرته أن يفعل أي شيء سِوَى تكرارِ ذلك المشهد الذي فاجأ فيه زوجته وقتلها. وبما أن هذا الحدث تعذَّرَتْ تسميتُهُ، فقد تطلب إيقافه 1001 ليلـة.
حاســب: ما معنى التسمية؟
دانيــال: التسمية هي الانتقال من المحسوس إلى المعقول.
حاســب: هل معنى هذا أنه كان يجب قضاء 1001 ليلة لكي يُسْتَطَاعَ التوقُّفُ عن تكرار الشيء نفسه؟ بعبارة أخرى، هل كان كل هذا العدد من الليالي ضروريا للتمكن من الانتقال من المحسوس إلى المعقول، أي للتمكن من التسمية؟
دانيــال: تماما.
حاســب: ولكن، لماذا ألف ليلة وليلة؟
دانيــال: الجواب موجود في العنوان: ألف ليلة وليلة. انتبه جيدا لما يلي: أنت تعلم أن القدماء يرون أن ما مِنْ حرفٍ من الحروف الهجائية إلا وله قيمة عددية. هكذا، فأول الحروف، وهو «أ»، يقابل العدد 1، واسم هذا الحرف يُكتَبُ هكذا: أ ل ف. وألِفٌ يعني أيضا أَلْفاً. مما يعني أن إسم الحرف الأول يُكتبُ بنفس طريقة كتابة الكلمة التي تعني العدد ألفا. الجذر واحدٌ، فقط النطق الصوتي أو حركات الشكل هي التي تتغير.
حاســب: فهمت جيدا، لكن ما علاقة ذلك بالحكايات؟
دانيــال: يجب أن تعلم جيدا أن أ ل ف هو أيضا جذرٌ لفعل يعني آلف (لزَمَ، ائتَلَفَ، ألِفَ) ربَّى تعلَّم، حَفِظ[31]. وذُكِرَ في الاستهلال أن سِيَر القدماء «عِبَرٌ» للمحدثين. ومن ثمة، يجب اعتبار هذه الحكايات دُرُوساً.
حاســب: إذا لم يخني الفهم، فهذه الليالي أو الدروس الألف قد تصلح للانتقال من المحسوس إلى المعقول، أي للقدرة على التسمية. وَكَمَا لِكَيْ يُسمَّى «أ» يُكتبُ أ ل ف يتم الانتقالُ عبر ألف ليلة وليلة من أجل التسمية. لكن، هل هناك عناصر أخر تسمح لنا بهذا التأويل؟
دانيــال: في نهاية ألف ليلة وليلة ذُكِرَ أنَّ الملك قد أمر الكُتاب بكتابة «كل ما جرى له مع زوجته شهرزاد، من البداية إلى النهاية دون إهمال أي تفصيل أو إخفائه. فقاموا بذلك، وكتبوا على نحو ما أمرهم به، بحروف من الذهب، ثلاثين مجلدا بلا زيادة أو نقصان»[32].
حاســب: لماذا ثلاثون مجلدا؟ بلا زيادة أو نقصان؟
دانيــال: هذا بالضبط ما أريد الوصول إليه: فكما أن أ ل ف، إسم الحرف الأول، هو أيضا جذر فعل يعني التعلم، كذلك يوجد حرف آخر في العبرية، وهي لغة قريبة من العربية، يطلق عليه أيضا فِعْلٌ يفيد معنى التعلم. إنه الحرف «ل» المسمى ل م د والذي أعطى في لُغَتِنَا مفردة تلميـذ. وهذا الحرف «ل» له قيمة عددية هي 30، ومن ثمة أصل الثلاثين مجلدا.
حاســب: إنني مُطْمَئِنٌّ لهذه التفسيرات، لكننا حتى الآن تساءلنا عن ألف، بينما يتعلق الأمر بألف ليلة وليلة. فماذا تعني هذه الليلة بعد الألف؟
دانيــال: الليلةُ بعد الليلةِ الألف هي عصرٌ جديدٌ، ذلك أنه كُتِبَ في الاستهلال أن الليلة الواحدة بعد الألف «صارت تاريخ عهد جديد لرعايا الملك شهرزاد»[33]. فاعلم يا ولدي أن كل الأجوبة موجودة في الكتاب لمن يُكَلِّف نفسَه عناء البحث عنها…

المصــادر والمراجـــع
أ – العربيــــة:
كتاب ألف ليلة وليلة من المصادر العربية الأولى، نص عربي نشره محسن مهدي، ليدن، بريل، 1984. بالإضافة إلى سائر الطبعات العربية المعروفة: بولاق، كلكوتا، إلخ.
ب – الأعجميـــة:
Shneider, Monique, Le trauma et la filiation paradoxale, Ramsay, 1988.
Auster, Paul, L’invention de la solitude, Arles, Actes Sud, 1988
Mardrus, J.-C., Les Mille et Une nuits, contes traduits par J.-C. Mardrus, 1899-1904, Paris, Robert Laffont, coll. «Bouquins», 2 tomes.

الهوامش:
[1] – تحويل (transfert): يطلق هذا المصطلح في حقل التحليل النفسي على العملية التي عبرَهَا تتحيَّنُ الرغبات اللاشعورية من خلال انصبابها على بعض الموضوعات في إطار نوع من العلاقة التي تقوم مع هذه الموضوعات، وأبرزها يقوم في العلاقة التحليلية. ويتعلق الأمر هنا بتكرار نماذج أولية طفولية معاشة بشعور مفرط براهنيتها. كما يغلب أن يطلق المحللون النفسانيون هذه التسمية على النقل الذي يتم ضمن العلاج التحليلي النفسي دون إضافة صفات أخرى. ويعرف النقل تقليديا باعتباره الحقل الذي تدور فيه إشكالية التحليل النفسي من حيث إقامته وطرقه وتأويله والحل الذي يميزه. عن: J. Laplanche et J.-B. Pontalis, Vocabulaire de la psychanalyse, Paris, PUF., 1967, p. 492، وبالنسبة للترجمة العربية، انظر: جان لابلانش وج. ب. بونتاليس، معجم مصطلحات التحليل النفسي، ترجمة د. مصطفى حجازي، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع والنشر، 1987، ط. 2، ص. 547. وللإشارة، فمصطفى حجازي يترجم المصطلح الحالي بـ «إزاحة»، مخالفا في ذلك الترجمة التي نتبناها، وهي لجورج طرابيشي وهنري عبودي. بالنسبة للأول، راجع قائمة المصطلحات التي أورَدَها في نهاية ترجمته لكتاب: سيغموند فرويد، علم مـا وراء النفس، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1979، ط.1، ص 135 و142، وبالنسبة للثاني، وهو هنري عبودي، راجع ثبت المصطلحات ضمن ترجمته لـ: أوكثاف مانوني، مذهب فرويد، بيروت، دار الحقيقة، مكتبة علم النفس، 1979، ط.1، ص. 168 و182. (م).
[2] – النقل (déplacement): قابلية توكيد، أو اهتمام، أو شدة تمثل ما، لأن ينفصل عن نفسه كي ينتقل إلى تمثلات أخرى تكون في الأصل أقل شدة ومترابطة معه عبر إحدى سلسلات التداعي. ومثل هذه الظاهرة – التي يمكن الوقوف عليها بالخصوص في تحليل الحلم – تُصَادَفُ في تكوين الأعراض النفاسية، وعموما في كل تشكل للاوعي. عن: لابلانش وبونتاليس، مرجع مذكور، ص. 117 بالنسبة للأصل الفرنسي، وص. 62، بالنسبة للترجمة العربية السابق ذكرها. علما بأن صاحبها يترجم المصطلح الحالي بـ «إزاحة». (م).
[3] – قام بتحرير هذا النص بعضُ المساهمين في إحدى حلقات البحث بمعهد الدراسات العليــا في العلـوم الاجتماعيـة (أنثروبولوجيا العالم العربي) نشَّطَها جلبير غرانغيوم رئيس قسم أنثروبولوجيا المغرب العربي والعالم العربي بالمؤسسة المذكورة، وفرانسوا فيلاّ محلل نفساني. وتحمل الحلقة الآنفة الذكر عنوان «الأنثروبولوجيا والتحليل النفسي: حول الأصل والإيصال». وقد ساهم في تحرير النص: وهيبة عفريت، عبد الله بونفور، كلـوديـت دوبراز Claudette Dupraz، جاكلين غي-هينمان Jacqueline Guy-Heinmann، وبديعة حاج ناصر، وميشال ترجمان، وفرانسوا فيلاَّ F. Villa.
[4] – منظور العمل المتبنى إزاء ألف ليلة وليلة ضمن جماعة من الباحثين تتألف من محللين نفسانيين ومعربين، يتمثل في الاستماع إلى النص في مختلف رواياته العربية وكذا ترجماته. في المرحلة الابتدائية التي تمثلها هذه النصوص فضَّلَتْ التأويلات العامة المتن المجموع في الترجمة الفرنسية التي أنجزها مردروس Mardrus. ويبقى من الضروري إجراء تأمل مماثل انطلاقا من الطبعات العربية، بحسب الحكايات الواردة فيها، وترتيبها، والشروح الخارجة عن الحكايات.
[5] – الرضة أو الصدمة (trauma): حدث في حياة الشخص يتحدد بشدته وبعجز هذا الشخص عن الاستجابة له بطريقة ملائمة، كما يتحدد بما يحدثه في التنظيم النفسي من اضطرابات وآثار دائمة مولدة للمرض. وتتصف الرضة اقتصاديا بفيض من الإثارات التي تكون مفرطة بالنسبة لطاقة الفرد على الاحتمال وقدرته على التحكم في هذه الإثارات. عن بونتاليس ولابلانش، معجم التحليل النفسي، مرجع مذكور، ص. 499 بالنسبة للأصل الفرنسي، وص. 300 بالنسبة للترجمة العربية سابقـة الذكر أيضا. (م).
[6] – Mardrus, t. I, p. 7.
– فيما يخص إيجاد المقابل العربي لمقاطع ألف ليلة وليلة التي يحيل عليها المؤلفون، عدنا بالدرجة الأولى إلى النسخة العربية الصادرة عن دار الهدى الوطنية (بيروت، 1981)، ثم – في المقام الثاني – إلى طبعة دار العودة (بيروت، 1988) متجاوزين الاختلافات بين النسختين باعتماد معيار أيهما أقرب إلى الترجمة الفرنسية المعتمدة في الدراسة الحالية. أما المقاطع التي لم نجدها في هاتين النسختين، كما هو الشأن بالنسبة للفقرة التي يأمر فيها الملك شهريار بإحضار المؤرخين لتدوين قصته مع شهرزاد، فقد اضطررنا إلى ترجمتها مباشرة من نصها الفرنسي الوارد في ترجمة مردروس. وبديهي أن هذا الحل الترقيعي لا يبرره إلا عدم توفرنا على مختلف الطبعات العربية لألف ليلة وليلة. (م).
[7] – Mardrus, t. I, p. 8./ دار الـهدى، ج. 1، ص. 6، ودار العـودة، ج. 1، ص. 6. (م).
[8] – Mardrus, t. I, p. 10./ دار الهـدى، ج. 1، ص. 8. (م)
[9] – نسبة إلى الاستيهام (Fantasme): هو سيناريو متخيل تكون الذات حاضرة فيه. وهو يصور بكيفية تتفاوت درجة تحويرها بفعل العمليات الدفاعية، وتحقيق رغبة ما تكون لاواعية في نهاية المطاف. ويتجلى الاستيهام بمظاهر مختلفة: فقد يكون استيهامات واعية، أو أحلام يقظة، كما قد يكون استيهامات لا واعية يكشف عنها التحليل باعتبارها بنيات كامنة خلف محتوى ظاهر، أو استيهامات أصلية. عن بونتاليس ولابلانش، معجم التحليل النفسي، مرجع مذكور، ص. 152 بالنسبة للأصل الفرنسي، وص. 573 بالنسبة للترجمة العربية سابقـة الذكر أيضا. للإشارة فإن مترجم المعجم المذكور، د. مصطفى حجازي، يترجم المصطلح الذي نحن بصدده بكلمة «هوام». (م).
[10] – كتاب ألف ليلة وليلة من المصادر العربية الأولى، نص عربي نشره محسن مهدي، ص. 61. (كذا في الأصـل [م] ).
[11] – Mardrus, t. I, p. 14./ دار الهـدى، ج. 1، ص. 9 ومابعـدها، دار العـودة، ج. 1، ص. 9 وما بعدها.(م).
[12] – Paul Auster, L’invention de la solitude, p.188-189.
[13] – Mardrus, t. I, p. 7. / دار الهـدى، ج. 1، ص. 5. (م)
[14] – Mardrus, t. I, p. 7./ دار الهـدى، ج1، ص. 5، ودار العـودة، ج. 1، ص.5. (م).
[15] – Mardrus, t. I, p. 7.
[16] – Ibid., Idem./ دار الهـدى، ج. 1، ص. 5، ودار العـودة، ج. 1، ص. 5. (م)
[17] – Ibid., Idem./ دار الهـدى، ج. 1، ص. 5. (م)
[18] – Mardrus, t. I, p. 6 / دار الهدى، ج.1، ص.6، دار العودة، ج.1، ص.5-6 (م).
[19] – Cf. Monique Shneider, Le trauma et la filiation paradoxale, p. 227.
[20] – Mardrus, t. II, p. 1015.
[21] – Ibid., Idem.
[22] – Ibid., Idem.
[23] – Ibid., Idem.
[24] – الإيصال الثقافي (transmission culturelle): مصطلح يقصد به في التحليل النفسي كل ما ينقله السلف إلى الخلف بطريقة لا شعورية. ويتضمن ذلك مجموع التمثلات والقيم والسلوكات والمتخيـل، إلخ. (م).
[25] – القانــون (La Loi): مستَعْمَلٌ هنا ضمن توجه يُرَكِّبُ بين جوانب من فكر ليفي ستراوس وأخرى من فكر جاك لاكان. ويوضح غرانغيوم ذلك بقوله: «سبق أن حدث التقاء بين ليفي ستراوس (في كتابه البنيات الأولية للقرابـة) وجاك لاكان (في مؤلفه كتــابات) في تحديد مكانين أساسيين لانبثاق القانون هما: وظيفة الأب عبر إواليات عقدة أوديب ومنع غشيان المحارم (Prohibition de l’inceste)، من جهة، وولوج اللغة متماهية مع عالم الرمزي، من جهة أخرى. وعندما تطور هذا المنظور في فكر جاك لاكان لاحقا، حدد هذا الأخير إرساء القانون في القطيعة التي تحدث في العلاقة الالتحامية الثنائية بين الأم والطفل عبر تدخل طرف ثالث، هو الأب، وبين الفرد ومتخيله عبر تدخل الإسـم». راجع جلبير غرانغيوم، اللغـة والسلطـة والمجتمـع في المغرب العربي، ترجمة محمد أسليم، مكناس، الفارابي للنشـر، 1995، ص. 109. (م).
[26] – Mardrus, t. I, p. 11 / دار الهـدى، ج. 1، ص. 9 (م)
[27] – Mardrus, t. II, p. 917.
[28] – Ibid., t. I, p. 1014.
[29] – Ibid., t. II, p. 905.
[30] – حكاية حاسب كريم، دار الهدى، ج. 3، ص. 27، ودار العودة، المجلد 2، ج.4، ص. 894.
[31] – لم نعثر في لسان العرب على هذه الدلالة لكلمة (ألف). ولعل السبب في ذلك يعود إلى اعتماد المؤلفين على نسخة لا نتوفر عليها من الكتاب المذكور، أو إلى اجتهادٍ تأويليٍّ خاص منهم. (م).
[32] – Mardrus, t. II, p. 1018.
[33] – Ibid., p. 1017.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 12-09-2012 04:06 مساء

الاخبار العاجلة