أشباه قصص – الجميلات المريضات

1٬164 views مشاهدة
minou
أشباه قصصسردمؤلفــــات
أشباه قصص – الجميلات المريضات

عُدتُ للتو من المستشفى، للخضوع لما سبق تأجيله الأسبوع الفارط بسبب كثرة الزوار، وهو إجراء راديو للقلب واختبار المجهود البدني، لكن عدد المرضى اليوم كان أكثر بكثير من المرة الفارطة، فتم تأجيل الأمر مرة أخرى إلى الأسبوع المقبل. الفرق بين زوار اليوم وسابقيهم بيِّنٌ:
اختفى الزوار الاستثنائيون ضحايا العيد الأضحى، فاختفت معهم الهندامات الخاصة التي أبدت بعضهم كمخلوقات جاءت من كوكب آخر. بقيةٌ واحدة تخلفت عن الركب فحضرت اليوم: كانت امرأة جنوبية غلفت جسدها بخيمة ذات لون أنيق. اليوم، عاد الزبائن المعتادون، لكن بفارق بيِّن، وهو حضور بنات جميلات شابات، ومثلهن من النساء المتزوجات اللائي رافق أكثر من إحداهنَّ زوجُها. لتزجية الوقت، استغرقتُ في قراءة سحنات الوجوه عساني أنفذ إلى خباياها. الشابات تنوعن بين سافرة الوجه، مسدلة الشعر، مزينة الملامح بمساحيق أنيقة، وأخرى أعطت لجمال المحيا كامل حقوقه في أن يزدان ويظهر للناظرين، لكنها لفت رأسها بفولار، وثالثة لفت رأسها داخل فولار، لكنها زهدت في وجهها. المتزوجات تنوعن بين هذه ارتدت بذلة أنيقة عصرية، وتلك لبست جلبابا وفولارا، وثالثة لباسا ما هو بجلباب ولا هو بكسوة، ارتدته دون أن تهمل منح جمال وجهها كامل الحقوق في الظهور…
أي مصاب أصاب قلوب هذه الشابات الجميلات في مقتبل إلى أن مرضنَ وجئن إلى هنا طلبا للعلاج مع أنهنَّ لا زلن في ريعان الشباب؟! لماذا فاق عدد النساء المريضات اللواتي رافقهنَّ أزواجهنَّ عدد الرجال المرضى المرفوقين بزوجاتهن؟ إذا صحَّت قراءتي لطالعنَّ مجتمعات، كانت النتيجة كالتالي:
تلك الحسناء الجميلة التي ارتدت سروال دجين وقميصا صوفيا أخضر وكشفت شعر رأسها الأسود القصير والجميل، وغرقت في التأمل، في حالة ذهول وانخطاف، قد تكون غامرت بالسفر في محيط من الرغبات والأماني مع فارس أحلام دوَّخها بالوعود، فحلقت في البحر وغاصت في السماء صحبة رفيقها أكثر مما ينبغي، فإذا به يتحول إلى كائن حربائي، وها هي تجد نفسها ساقطة في قعر الخواء، مثلنا جميعا نحن معشر مرضى القلب والشرايين المثخنين بجراح الأقارب والأهل والجيران والمجتمع وزملاء العمل. كلٌّ جرفته شعابٌ من أمراض هؤلاء ومرضاه وعُقده إلى ألقت به في هذا اليم العظيم. بنيت فرضيتي على كون تلك الجميلة، بخلاف أخريات، دست هاتفها الذكي في حقيبتها اليدوية، فلم تخرجه سوى ثلاث مرات للرد على مكالمة أحدهم، يبدو أنه كان يحاصرها من الجهة الأخرى، بعيدا عن المستشفى، بفنون من أسئلة الشك واللوم والعتاب، وما إلى ذلك مما اقتضى منها إظهار فنون من عبارات الطمأنة:
-أنا في المستشفى، القاعة مزدحمة، بقي لي كذا من الوقت، في الساعة الفلانية سوف ألحق بك…
أما الحسناء الأخرى التي ارتدت شبه وزرة، وسروال دجين، وصرحت هي الأخرى بكامل مدخراتها من الجمال، والتي تبدو أكثر شبابا من سابقتها وأقل تجربة، وربما أقل جرحا منها، فكانت غارقة في شاشة هاتفها. ربما كانت تنط هنا وهناك، فتحط قدما في الفايس بوك وأخرى في سناب شات، وثالثة في الواتس آب، وما إلى ذلك، ومن حين لآخر كانت تبتسم، ما يفيد أنها كانت تحط غير ما مرة في محطة فارس أحلام، قد يكون حقيقيا أو مجللا بهالة من الاحتمال. حسنا، هذا جميل، لكن أي ضربة أصابت هذا القلب اليافع فأسقطته هو الآخر في هذا القعر؟ أغلب الظن أنها أزمة المراهقة والتوتر الناتج عن اصطدام رغبة التحرر من الوصاية والقيود بحواجز الممنوعات والأوامر التي يُمعن بعض الآباء في الشطط فيها عن مرض أو جهل، مما يؤدي إلى أشكال من المرض النفسي العقلي وضروب من التوتر… الفتاة منشرحة الآن، تبتسم، لأنها خارج دائرة الحصار، لكن قد تأخذ الحكاية منعطفا آخر بمجرد ما تعود البطلة إلى البيت…
تساءلتُ:
-وتلك المرأة! أي ثقل ناء بكاهلها إلى أن وقعت في هذا الشرك الذي يوجد فيه كل شخص يجلسُ هنا الآن، مع أنَّها جميلة، وزوجها يرافقها ويحرص عليها كما يحرص على الجوهرة النفيسة؟
أجابني بياضُ شعر رأس زوجها:
– هي صغيرة يافعة، وهو عجوز مسن! قد يكون مطلقا سابقا، ولمطلقي الرجال في مثل هذه السن الذين يتزوجون ثانية بزوجات صغيرات طبقات من العقد القادرة على جرح القلب وإذابته ولو كان حديدا أو فولاذا…
وتلك الأخرى، ما حكايتها؟ ظل زوجها، طوال اختفائها في غرفة الطبيب، مثبتا بصره في شاشة هاتفه الذكي، يقرأ مصحفا. أثناء ذلك جاءته مكالمة، وكانت الرنة آذانا… خرجت الزوجة الشابة، بوجه حزين وابتسامة غامضة. وقفَ صاحبنا، سارا معا بضع خطوات، وها هي تدس يدها تحت ذراعه، بحركة حرصت على أن تكونَ رومانسية، لكنها أبدتها كأنها كانت تحتمي بمرافقها من شيء ما. قال فنجاني:
وراء الحكاية أحد أمرين: إما عُقدُ الزوج أو حروب أهله، لاسيما والدته وأخواته البنات. أو هما معا: عقد الزوج وحروب أهله!…

  *

 *       *

أثناء عودتي من المستشفى، تذكرتُ من أضربَ عن الزواج ولخص عقيدة إضرابه في ثلاث أفكار قائلا:
«الزواج هو أن يكون لأحدهم مرض في بيته، فتذهب أنت إليه وتطلب منه أن يسلمك مرضَه، وتُسخِّرُ جميع وسائل الإقناع والإغراء، وتقدم جميع التنازلات والضمانات لكي يقبل طلبك، فيسلمكَ مرضه، فتُحضره إلى بيتك، ثم يفرِّخ لك المرضُ أمراضا مزمنة، هم الأبناء!»
قلتُ:
-ترى، ماذا ستقول كل واحدة من هذه البنات والنساء لو لخصت عُقد أزواجهن وفوارس أحلامهن في ثلاث جمل؟!

الاخبار العاجلة