أشباه قصص – مُرشَّـح برلماني حالم

608 views مشاهدة
minou
أشباه قصصسردمؤلفــــات
أشباه قصص – مُرشَّـح برلماني حالم

راودتني فكرة أن أترشح للانتخابات البرلمانية الأخيرة عن مديني الحالية، وهي القنيطرة، حفزني على ذلك ما سبق أن نشرته في إدراج سابق:
«نحنُ العرب أكثر الشعوب المعاصرة ديمقراطية ومُساواة بين الناس في تمثيل بعضهم بعضا، والدليل على ذلك أنَّ البرلمان عندنا لا يغلق بابه في وجه القادم من وراء قطيع أبقار أو أغنام، فيمثل الأميين والمثقفين والباعة واللصوص، وعلية القوم وأسفلهم خير تمثيل، وقد يغيبُ وزيرٌ عن مجلس وزاري فيُفتح البابُ لسائقه، كي ينوب عنه، فيوقع الاتفاقيات والمعاهدات ويسير المصالح الإدارية ويقضي كافة شؤون الوزارة على الوجه الأمثل.»
وضعتُ لحملتي الانتخابية برنامجا طويلا وعريضا، حرصتُ على أن يكون مختلفا تماما عن برامج السياسيين، وأن يحمل لمسة الأدباء والمثقفين، بشكل جلي وصريح، فأطلقتُ العنان لخيالي، هذا بعض ما ورد فيه:
1) بناء ميناء ليس أقل من ميناء طنجة بغاية تنشيط السفر البحري بين الحواضر الشاطئية المغربية، فيصير بإمكان المواطنين أن يتنقلوا بحرا بين طنجة والقنيطرة والدار البيضاء، وأكادير، وما إلى ذلك؛
2) تسوية الهضبة الفاصلة بين المهدية والقنيطرة بالأرض، فتكف عن حجز الهواء القادم من المحيط الأطلسي إلى المدينة، ويصبح جوها معتدلا كطقس مدن الرباط، والدار البيضاء، وآسفي، والعرائش، وما شابهها؛
3) توسيع وادي سبو، بحيث يصبح عرضه كيلومترا أو اثنين، ثم «تصديع» رؤوس وزراء الحكومة الذين يقال إنهم يجيدون إقناع المستثمرين الأجانب بالمجيء إلى المغرب، «تصديع» رؤوسهم بطلبات استقدام مستثمرين أجانب كبار إلى المدينة ليبنوا على شاطئ الوادي فنادق وعمارات ومقاهي وحانات وملاهي ومطاعم ومسابح وأحواض تمارسُ فيها كافة الألعاب الرياضية المائية، وما إلى ذلك، على ضفتي الوادي التي ستنسكب فيها مياه المحيط (انظر النقطة التالية)؛
4) جر مياه المحيط الأطلسي إلى الداخل بمسافة لا تقل عن 25 كيلومتر، وهو طول متواضع مقارنة مع طول قنوات أخرى، كالسويس على سبيل المثال، مما سيتيح لسكان المدينة وزائريها من السواح أن يقوموا بنزهات على متن بواخر، كتلك التي تجوب نهر السين بمدينة باريس، ليستمتعوا بجمال الضفتين اللتين تكسوهما أشجار الغابات، ويمارسوا الصيد، ويستجموا ويسبحوا، وما إلى ذلك؛
5) إحياء المآثر الرومانية في غابة المعمورة، ببناء مسارح وتماثيل وقصور، وما إلى ذلك، فتصبح مزارات للسواح المعجبين بالحضارة الرومانية؛
6) إحداث جائزة لاقتراح أفكار عبقرية، على الصعيد الوطني، يتصور المرشحون لها أنشطة تسفر عن رواج محلات هذه المولات (القيساريات) التي تنبت حاليا في المدينة كالفطر، والتي اهتدى وحوش العقار إلى الربح السريع، من خلالها، ببنائهم قيسارية أسفل كل عمارة، حيثُ يبيعون المتر الواحد منها بسعر خيالي، ما يؤمن لهم استرداد مجموع كلفة بناء العمارة بمجرد بيع المول وطابقين أو ثلاثة طوابق من البرج، فتبقى الطوابق المتبقية كلها ربحا على ربح، ثم تسلَّمُ الجائزة للفكرة / الاقتراح الذي يجب أن يؤدي ليس فقط إلى تشغيل جميع دكاكين هذه المولات، بل وكذلك إلى تحويل المدينة إلى مزار ممتلئ عن آخره، طيلة السنة، بالقادمين من سائر أرجاء العالم لكي يتسوقوا ويتبضعوا منتجات سوف تنتجها نساء المدينة وشبانها وشاباتها المعطلين والمعطلات. ويجب على صاحب الفكرة الذي سينال الجائزة الآنفة أن يقترح قائمة بأسماء هذه المنتجات التي لن تترك عاطلا واحدا أو عاطلة في المدينة، لأن السوق ستكون من الرواج بحيث تقول دائما: هل من مزيد!؛
7) تسوية جميع الأحياء السكنية الشعبية بالأرض، ثم إحداث أبراج (عمارات) لا يقل علو الواحد منها عن 20 إلى 30 طابقا، ما سوف يتيح ربح مساحات شاسعة، لتوسيع الطرقات، وإحداث مساحات خضراء، ومرائب للسيارات، وحدائق عمومية، ومنتزهات للأطفال، وما إلى ذلك.
هذا كل ما تذكرته الآن من برنامجي الطويل.
لكن عندما أجريتُ الحسابات، استنجتُ أن هكذا برنامج سيحتاج إلى عشرات ملايير الدولارات لن تستطيع الحكومة توفيرها لأن البلد غارق في الديون الخارجية، بحيث بلغ نصيبُ ما على كل مواطن تسديده منها زهاء 30000 درهما في السنة، ومع ذلك فقد يتحمس للمشروع أقوامٌ لغاية «في نفس يعقوبهم»، وينجحوا في إقناع الحكومة بالاقتراض وإقناع العديد من البنوك الأجنبية بالإقراض. سيكون هذا رائعا بالتأكيد، لكن من يدري؟ فبعد وصول حاويات الأموال قد يقوم أحد الرقاة الشرعيين أو السَّحرة الماهرين ممن تعج بهم البلاد ويتردد عليهم علية القوم بتحويلها إلى خفافيش أو أفاعي أو حتى بخارا يتلاشى في الهواء، فتصير القنيطرة حسيمة أخرى! انتابني خوف شديد، تراجعتُ، مزقتُ برنامجي مكتفيا بمشاهدة ما سبق في الحلم والخيال، كما خططتُ…

*
*     *

لاحقا، وقفتُ في المدينة على أشياء تافهة كثيرة رسخت قناعتي بأن قرار تراجعي عن التقدم للانتخابات البرلمانية كان حكيما وصائبا، فلم أندم عليه إطلاقا. وقد خصصت لذلك إدراجات، منها:
بعضهم هنا اطلع فقط على مسودة مشروع تجديد محطة قطار القنيطرة المدينة، فلما رأى أنها ستصبح شبيهة بمحطة الدار البيضاء الميناء بالكاد، طار عقله وشهق شهقة ثم أغمي عليه، كأنَّه دخل جنة عدن وشاهد الحور العين، فخشيتُ على نفسي وكتمتُ أمري. تُرى لو علمَ أمثال هؤلاء بنيتي أن أسوي الهضبة التي تقع بين المدينة وشاطئ المهدية بالأرض، وأوسع النهر بكيلومتر أو اثنين، وأحول الوادي إلى قناة يتوغل عبرها البحر في اليابسة بمسافة 25 كلم على الأقل، وأبني على طول ضفتي النهر أبراجا شاهقة وفنادق ومطاعم وحانات ومقاهي وملاهي ومسابح، وما إلى ذلك، مما كنتُ مصمما على إنجازه بعد فوزي في تلك الانتخابات، ماذا سيفعلون؟ قد يتهمونني بالكفر والزندقة ويعتبرون عملي ضربا من السحر والشعوذة، فيصلبونني…

*
* *

مثل الذي فقد عقله وشهق شهقة ثم أغمي عليه – في الإدراج السابق – فرحا بتجديد محطة قطار مدينته، كمثل عدد كبير من سكان الأرياف المغربية. فمع أنَّهم لم يخرجوا من العصر النيوليتي بعد، إن تسأل أحدهم عن أحوال معيشتهم يجبك: «كل شيء جيد وممتاز وعلى ما يُرامُ ولله الحمد، بل قد ازدانت الدنيا وتجملت إلى أن أصبحت عروسا. ولعل وقتنا هذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم (ثم يروي الحديث الآتي المكذوب الذي لا وجود له في أي صحيح):
«عندما يحين يوم القيامة، ستزدان الدنيا وتتجمل وتتعطر إلى أن تصبح عروسا، فتُزفُّ في هودج إلى بعلها، وهو الموت والفناء».
ها قد صارت الدنيا في أيامنا عروسا بالفعل؛ من كان يتصور أن تصل حنفيات الماء في يوم من الأيام إلى قريتنا، وتغنينا عن قطع مسافات طويلة على متن البهائم لإحضار الماء من العيون والآبار؟! من كان يتخيل أن تكون لنا كهرباء في يوم من الأيام؟! وأن نستغني بالجرار عن المحراث؟! وبآلة الحصاد عن المنجل؟! من كان يحلم بأن يعم كل هذا الأمن والسلم، بعد أن كنا في أيام «السيبة» ننام في حظائرنا مع بهائمنا لنحميها من سطو اللصوص؟!…».

*
*     *

للمرة الثانية، في أقل من 24 ساعة، أخذت سيارة أجرة صغيرة تصادف أن كان سائقاها معا مُدجَّجين بأسلاك وآليات جعلت كلاهما يبدو كأنه ربَّان طائرة؛ خيطان موصولان بالأذن، ثالث في طرفه ميكروفون لاصق في الفم، ثالث يصل الهاتف الذكي بالأجهزة الموسيقية الصغيرة المثبتة في العربة: مذياع، قارئ أقراص مدمجة، مضخم صوت، وما إلى ذلك، فيسوق السائق العربة، وهو يستمع ويتكلم في الهاتف، ويشاهد أشرطة فيديو في شاشة الهاتف الذكي، ويقلب الموجات الإذاعية، مما يعطي الانطباع للراكب بأنَّه يوجد على متن طائرة وليس سيارة أجرة صغيرة، مع أن المدينة تصغر عن جارتها الرباط ربما بأربع مرات أو خمس…
قلتُ:
امتد بنا العمر وأصبحنا نتنقل داخل مدننا بالطائرات. والله إننا لأكثر تقدما من الإمارات التي قالت الأخبار مؤخرا إنَّ أول سيارة طائرة ستحلق في سمائها قريبا بالكاد… زاغَ عقلي وارتكبتُ خطأ جسيما عندما فكرت في الترشح للانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ فكل ما خططتُ لتحقيقه للمدينة هو موجود فيها بالفعل، ربما منذ زمان وأفضل بكثير مما وضعتُ في برنامج حملتي الانتخابية، وما يحول بيني وبين رؤيته سوى تردي قدراتي البصرية بسبب تقدم السن وإدمان القراءة. عليَّ أنْ أذهب إلى جراح عيون فورا!».

الاخبار العاجلة