هل من نبذة سريعة عن ضيفنا الكريم؟
محمد أسليم، أستاذ التعليم العالي بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، كاتب وباحث، عضو اتحاد كتاب المغرب وأحد نشيطي المشهد الثقافي الرقمي بالمغرب حاليا.
هل لك أن تحدثنا عن حياتك ودراستك؟
من مواليد مدينة القصر الكبير (150 كلم شمال الرباط) المعروفة بطابعها المحافظ، تلقيت تعليمي الابتدائي بالمدينة نفسها، والثانوي والجامعي بشعبة الآداب العصرية في ثانويات الرباط وكلية الآداب بها إلى حدود 1983، حيث حصلت على إجازة في الأدب العربي، ثم التحقت بباريس لاستكمال الدراسات العليا فتابعتُ حلقات دراسية في اللسانيات بجامعة روني ديكارت (السوربون 5)، لدافيد كوهن وفرناند بنطوليلا وكلود حجاج بالخصوص، وأخرى في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. وقد كانت محطة باريس أساسية جدا في تكويني الفكري والأدبي، بل ونقطة تحول في إدراكي لنفسي وثقافتي وللوجود عموما. حصلتُ من المدرسة نفسها سنة 1984 على شهادة استكمال الدروس في الإثنولوجيا، ثم سجلت رسالة دكتوراه في شعبة أنثروبولجيا المغرب والعالم العربيين في موضوع «السحر في المغرب الراهن»، تحت إشراف المستعرب جلبير غرانغيوم.
بعد إجراء البحث الميداني في المغرب، ولأسباب مادية صرفة، التحقت بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، لتلقي تكوين استغرق سنة واحدة نلت على إثرها شهادة «الأهلية التربوية للتدريس في التعليم الثانوي»، فالتحقتُ بالتدريس في سلك التعليم الثانوي.
في سنة 1990، أحرزت على دكتوراه في العلوم الاجتماعية من المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس عن رسالة في موضوع «السحر في المغرب الراهن» بميزة مشرف جدا، فالتحقتُ بهيأة التدريس بالمدرسة العليا للأساتذة إلى حدود 1995، حيث انتقلت إلى الرباط للعمل في مركز تكوين مفتشي التعليم.
وفي سنة 2004 تقدمت بمشروع لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس لنيل شهادة الأهلية الجامعية في الآداب، فأحرزتها بتاريخ 26 فبراير من العام نفسه.
ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها؟
كلها هامة في الواقع، وأكتفي بذكر: مجلات Peuples méditérraneéns الصادرة في باريس، الفكر العربي المعاصر، العرب والفكر العالمي ، عالم الفكر، فكر ونقد، نزوى، آفاق، علامات، مواقف وكتابات معاصرة.
يلاحظ في مسارك التعليمي كما في إنتاجاتك تنوعا كبيرا ومرورا من حقل معرفي لآخر، ما السبب في ذلك؟ هل يعود ذلك إلى رغبة مقصودة في تعديد خلفيات تكوينك وتنويعها أم أنه محاولة دائمة للبحث عن ذات لا تجد نفسها أبدا؟
قد يكون هذا وذاك، ولكن الأكيد هو: فيما وراء الفصل الظاهري بين الحقول المعرفية وسائر التخصصات، ثمة وحدة عميقة تنظم الكل؛ فالإنسان بعد كل شيء هو مدار التخصصات قاطبة حتى عندما يكون موضوع تخصص مَّا هو جيولوجيا الفضاء، وبالتالي ثمة دائما جسور تتيح وتؤمِّنُ العبور بمستويات مختلفة من هذا المجال إلى مجال آخر داخل مكونات العلوم الإنسانية وداخل فروع العلوم المحضة، بل وتتيح الانتقال حتى من المجوعة الأولى والمجموعة الثانية وأيا كانت نقطة الانطلاق.
ما محل الترجمة من الإعراب داخل كل هذا؟
فكرة الترجمة راودتني مرارا خلال إعداد رسالتي الجامعية لا لشيء سوى لأتيح لقرائي العرب المحتملين الاستفادة من شطر مما استفدت منه، من جهة، ولأعمق تكويني من خلال العودة المتأنية لجملة من النصوص التي بدت لي هامة.
كيف كانت تجربتك مع أول كتاب ترجمته؟
مفيدة جدا كما في الترجمات اللاحقة التي حرصت في جلها على التعاون مع مؤلف الكتاب الأصلي، فتكون النتيجة إخراج نص يتفق عليه الجانبان. وأعترف بأن تجربتي فريدة من زاوية أنَّ من تعاونتُ معهم كانوا، إلى جانب اعتمادهم اللغة الفرنسية في الكتابة، يعرفون اللغة العربية: د. المصطفى الغربي وترجمتُ له: «الفرنكوفونية والتعريب وتدريس اللغات الأجنبية في المغرب»، د. المصطفى شباك وترجمتُ له «التربية والحداثة»، د. حميد الدليمي وعربتُ له «الدولة، الأخلاق والسياسة في السياق العربي الإسلامي»، ثم المستعرب جلبير غرانغيوم وترجمتُ له كتابي «اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي» و«لغة العلاج والنسيان. دراسات في ألف ليلة وليلة وقضية «الآيات الشيطانية».
ما هو تعريفك للمترجم؟
جسرٌ للتواصل بين الألسن والثقافات، ومن ثمة بين أنماط للوجود وطرائق للتفكير ورؤى للعالم.
وماذا عن ترجمة النصوص الإبداعية؟ هل يمكن إنجاز ترجمة نهائية؟
هي أصعب ما يمكن ترجمته لاعتمادها المجاز والاستعارة وتأصلها في الثقافة عموما (بمفهومها الأنثروبولوجي)، وتصل الصعوبة ذروتها في حالة الشعر الذي ربما وجب أن يختص بترجمته الشعراء أنفسهم. لا توجد ترجمة نهائية، يصدق هذا على النصوص الإبداعية عموما والشعر بوجه خاص، كما على النصوص الوصفية الخالصة الخالية من الاستعارة والمجاز، كالدراسات والبحوث العلمية..
ترجمة النصوص الإبداعية تبرزُ هذا الاختلاف آنيا، بمعنى أنه لن يترجم شاعران قصيدة واحدة بأعلى نسبة لمناطق التداخل. فيما تُبرز ترجمة النصوص الوصفية الاختلاف والتفاوت لاحقا، بحكم تطور اللغة المترجم إليها..
ماهي أهم النقائص والسلبيات التي يعاني منها النظام التعليمي في الوطن العربي ـ آخذين بعين الاعتبار التفاوت في مستوى الجودة بين النظم التعليمية من قطر عربي إلى قطرٍ آخر ـ وماهي آفاق التطوير المنشودة للارتقاء بنظمنا التعليمية لتصبح أكثر مواكبة لروح العصر؟
أهم النقائص يكمن في هيمنة التقليد الذي يجعل قطاع التربية والتعليم بمثابة جزيرة معزولة عن محيطيْها الداخلي والخارجي: داخليا يُعاني من عدم الاندماج في النسيجين الاجتماعي والثقافي كما من تهلهل الخيط الذي يربطه بسوق الشغل، مما يجعله قناة لتفريغ أعداد هامة من المعطلين في المشهد الاجتماعي، ناهيك عن أنه لا يرتكز عموما على مشروع مجتمعي واضح المعالم. وخارجيا لا يأخذ هذا التعليم بشكل عام المتغيرات الدولية المستجدة وفي مقدمتها الخطوة التي تم إنجازها داخل ما يسمى بـ «العالم قرية صغيرة» والثورة الرقمية الهائلة التي نعيش الآن لحظاتها الأولى.
قبل أن ننتقل معك إلى قضايا الرقمية، لو سمحت، يُلاحظ في السنوات الأخيرة إقبال العرب على تعليم أولادهم في مدارس أجنبية، فهل فى اعتقادك بأن هذا سيساعد في ازدهار حركة الترجمة بشكل يساعد فى تغيير نظرة الغرب لثقافتنا؟
لا أظن، لأن خلفيات هذا الإرسال تتمثل أولا وقبل كل شيء في سعي هذه الفئة من الآباء إلى تأمين مستقبل لأبنائهم لما تفتحه مدارس البعثات الأجنبية ومعاهدها من آفاق بالقياس إلى التعليم المحلي، وآخر ما قد يتم التفكير فيه هنا هو الانهمام للغة والثقافية العربيين.
ومع ذلك، تبقى هذه الفئة المتعلمة طاقة حقيقية قابلة للاستثمار في مشروع كهذا شريطة أن تحظى بالعناية والاستقطاب من لدن المؤسسات المهتمة بمثل هذه المشاريع، ومنها الجمعية الدولية للمترجمين العرب طبعا.
أما تغيير الصورة السلبية عن العرب، فيبقى رهينا بالوصول إلى منبتها الأصلي ومغذيها الرئيسي، ونعني به وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية الغربية.
ما هي أهم المخاطر التي تحدق باللغة العربية؟
الخطر الهام، في رأيي، يتمثل في عدم الإمساك بزمام تطورها الحالي، وهو تطور سريع، معقد، ومتعدد الواجهات.
اللغة مثل العملة. الرائج منها يُتداول ويُطلب ويَفرض وجوده وقيمته. وفي حالة العربية، ما لم يتم التعامل بواقعية وعلمية مع أِشكال تطورها الحالية، فسيحتاج حفدتنا، في مدى متوسط أو بعيد، إلى مترجمين لفهم معاني النص القرآني والمعلقات الشعرية وسائر الموروث الذي يُتغنى به اليوم باعتباره معيارا ومثالا وأقصى ما يمكن الوصول إليه. بعبارة أوضح، قد تجد العربية نفسها في يوم من الأيام قد أكرهت على المرور من الطريق نفسه الذي اجتازته اللغة اللاتينية، حيث دخلت المتحف اللغوي فيما ارتقت اللهجات: الإيطالية والفرنسية والأنجليزية والألمانية وغيرها إلى مستوى اللغة المستعملة والكتابية…
هل تعتقد أن اللهجات العامية واللغات الأجنبية في الإعلام والإعلان والإشهار تشكل خطراً على اللغة العربية؟
أكيد، فمجموعة كبيرة من الأخطاء اللغوية، في منظور النحو القديم، على مستوى تركيب الجملة كما على مستوى النطق والإعراب، هي الآن بصدد اكتساح مساحات داخل الاستعمال. ولكن في مجتمعات تبلغ نسبة الأمية فيها أزيد من نصف السكان هل يمكن اعتماد العربية الفصحى لغة في الإعلام والإعلان؟
نعم المشكل قائم، ولكن مفتاح حله يكمن في حسن تدبير ازدواجياتنا اللغوية وليس في القضاء على هذه اللغة أو تلك. وهذا التدبير ليس شأنا لغويا خالصا، ومن ثمة وجوب التخطيط له على صعيدين: السياسة واللغة، لكن هل تعتبر القرارات السياسية في بلداننا نتائج البحوث الجامعية؟
نعود إلى الثورة الرقمية، كيف تقيم المشهد الثقافي العربي في الأنترنت؟
هناك معالم لا يُستهان بها على مستوى المواقع الشخصية كما على مستوى المجلات الإلكترونية والمواقع الثقافية الموجهة لعموم القراء والباحثين والمبدعين، ولكن المشهد في عمومه لازال باهتا لحد الساعة ولا يمثل الوجه الحقيقي للثقافة العربية. أحدُ مظاهر ذلك ملازمة الفئة العريضة من المفكرين والمثقفين والمبدعين ونقاد الأدب العرب حقلَ المعرفة الورقية إنتاجا واستهلاكا في عصر أخذت الهوة تتسع فيه يوما عن يوم بين الواقع والافتراض لترسم خطا فاصلا بين ثقافتين ومُثقفيْن: «ثقافة ومثقف ورقيين كلاسيكيين تقليديين» و«ثقافة ومثقف سيبيريين رقميين عصريين». الفئة الأولى تمارسُ على نفسها حاليا إقصاء ذاتيا لا يد فيه للحكومات العربية ولا للوضعية المادية لهذه الفئة التي تساهم في مُراكمة التقليد السائد بإضافة نوع جديد إليه لتجعل من تقليدنا تقليدا مُضاعَفا (أو مزدوجا). وإذا كان الاتباع الأول معروفا وسائدا بما لا يستدعي وقوفا في هذا السياق، فالثاني يمكن تعريفه كالتالي: «هو مُلازمة شكل سكوني وثابت في إنتاج المعرفة ونشرها وقراءتها في سياق يتسم بزحف شكل آخر لإنتاج المعرفة ونشرها وتداولها يتميز بالحركية والتجدد السريعين إلى حد الفوران»، بل ويهدد بالعصف بالقسم الأعظم من موروث الثقافات البشرية لفائدة حضارة جديدة بالمعنى الممتلئ للكلمة.
هل يمكن أن تقدم لنا تعريفا لما تسميه بـ «المثقف الكلاسيكي والورقي» و«المثقف الرقمي العصري»؟
«المثقف الكلاسيكي أو الورقي» هو الشخص الذي – في زمن الطوفان الثاني (المعلوماتي) على حد تعبير الفيلسوف بيير ليفي – لا زال متحصنا في قلعة الورق إنتاجا واستهلاكا؛ اختار الخلود إلى الكتاب لما يوفره من أمن وطمأنينة ويقين. هو أيضا الشخص الذي أمام إمكانية تصفح عدد كبير من الصحف والمجلات (هناك آلاف الصحف والمجلات الإلكترونية المعروضة للتصفح المجاني)، وإمكانية النسخ والتنـزيل المجانيين لمئات المقالات والدراسات والكتابات الإبداعية الرفيعة والبحوث الجامعية، وإمكانية التواصل الإلكتروني اليومي مع أناس من كافة أنحاء المعمور بكلفة زهيدة أيضا… أمام ذلك، اختار التقوقع في حيه أو مدينته، والوفاء لصحيفته اليومية وخزانات الإعارة المادية والأكشاك والمكتبات…
أما «المثقف السيبيري أو الرقمي» فهو الذي، أمام الفوران نفسه، اختار ركوب المغامرة؛ يتصل يوميا بالشبكة، يجوب هذه القارة، لا ليستكشفها فحسب، بل وكذلك ليترك فيها بصمات لمروره، يتصل بأصدقاء من بلدان متعددة، يشارك في مجموعات للمحادثة ومنتديات للنقاش، يتصفح الصحف اليومية عربية ودولية، يزور مواقع، يخزِّنُ ويحمّل نصوصا للقراءة خارج الاتصال، يتردد على مواقع ثقافية، يتعلم، يُنزِّلُ برامج للتعلم والاستخدام. إن كان بصدد إنجاز بحث أشرك في بحثه زملاء وأصدقاء له من كافة أنحاء العالم، عبر التوجه إليهم بالسؤال والاستشارة… بكلمة واحدة، المثقف السيبيري (أو الرقمي) هو من يدخل في دورة للاقتصاد المعرفي، على حد تعبير الفيلسوف بيير ليفي، ويساهم فيها بعملة الأخذ والعطاء..
ما هو أغرب حدث صادفته في الشبكة عبر إدارتك لمواقعك الثلاثة (موقعك الشخصي وموقع مجلة ميدوزا ثم منتداها؟
منذ إطلاق موقعي الرسمي في الشبكة وإلى الآن تصلني بشكل شبه يومي رسائل من مختلف الأقطار العربية موضوعها استشارات سحرية في مختلف مجالات تدخل السحر (زواج، طلاق، مرض، قبول، الخ) من لدن مواطنين عرب بسطاء لا يمكن مؤاخذتهم على كل حال. يظنون أنني ساحر ! الرسائل في حد ذاتها يمكن أن تشكل موضوعا هاما للدراسة، ولكنها تعكس في الوقت ذاته جانبا من وجوه استخدام الشبكة الدولية من لدن فئة واسعة من المستخدمين العرب وتـَمَثُّلِمْ للأنترنت نفسه وللباحث في السحر كما تتيح تقويم ما أنجزته مجموع الدول العربية حتى الآن على صعيد الثورة الرقمية والمجتمعات الافتراضية والمعرفية…
طيب، أنت واكبت تأسيس موقع الجمعية الدولية للمترجمين العرب من خلال مجموعتها للمحادثة كما من خلال موقعها في الشبكة. ما رأيك في موقع الجمعية أولا، ثم في المشروع عموما؟
صحيح. ليس من باب المجاملة إذا صنفته ضمن المعالم البارزة في المشهد الثقافي العربي الرقمي حاليا؛ فهو مصمم ومبوب بشكل جيد، مما يسهل تصفحه، كما يستغل عددا من إمكانيات النشر الإلكتروني الغائبة في معظم المواقع العربية، وفي مقدمتها عنصر الديناميكية أو التفاعلية كما تسمونها، وطموحه التوثيقي الرامي إلى وضع كتب ورسائل جامعية على الخط طموح هام لا نجد نظيره في أي جامعة عربية لحد الآن، بخلاف جامعات غربية عديدة كجامعة ليون الأنوار الفرنسية وجامعة مونريال الكندية، وغيرهما كثير. لفت انتباهي أيضا نجاح منتدى الجمعية في التخلص من الثرثرة التي تجعل المنتديات الثقافية أشبه بصالونات الدردشة، مما أدى بأحد أبرز معالم المشهد الثقافي الرقمي العربي في الشبكة، وهو «جهة الشعر»، إلى إغلاق ساحاته التفاعلية. فهنيئا للجمعية بهذا النجاح، ومزيدا من الحماية لهذا الفضاء.
بخصوص فكرة إنشاء الجمعية الدولية للترجمة لا أخفيكم أنني أعتبرها إحدى ثمرات الرقمية، لكني أنظر إليها أيضا باعتبارها دليلا على قدرة نخبة من المثقفين والأكاديميين العرب على استشمار الشبكة استثمارا إيجابيا. أسألكم، هل كان بالإمكان تأسيس الجمعية والعمل بهذه السرعة وتحقيق هذه الكثافة والسرعة للتواصل مع المبدعين والمثقفين والمترجمين العرب الموزعين في أنحاء الكوكب بدون شبكة؟
المشروع يكتسي أهمية قصوى بالنظر إلى المكانة المزرية التي يحتلها العالم العربي في ترجمة الآداب والعلوم الأجنبية، حيث إذا صح ما ورد في أحد تقارير اليونسكو، فإن ما ترجمه العرب في ألف عام ترجمته إسبانيا في عام واحد. لا يجب انتظار «قيام بيت حكمة» جديد في هذه الدولة العربية أو تلك أو حتى في البلدان العربية مجتمعة. فذلك من سابع المستحيلات في الوقت الراهن. نحن في مستهل عصر وحضارة جديدتين يتميزان أساسا بانسحاب الشأن السياسي لفائدة الاقتصادي ومنح الفرصة للمبادرات الحرة. من هذه الزاوية يمكن للجمعية أن تخطط لإعادة تأصيل «بيت الحكمة» وإحيائه في السياق الحالي؛ سياق الألفية الثالثة بشروطه المختلفة جذريا عن سياق العصر العباسي. ولكن ذلك يقتضي منها تأمين موارد مالية في حجم الطموح، موارد ثابتة ومتجددة.
وما هي مقترحاتكم لحشد الدعم المادي الضروري لتحقيق مخططات الجمعية في هذا الصعيد؟
يجب العمل في واجهتين متوازيتين:
الاتصال بالجهات التي تدعم الأنشطة الجمعوية داخل الوطن العربي كالأبناك وأرباب المصانع وكبار الأثرياء العرب، لكن يجب أيضا تقديم طلبات للاستفادة من المساعدات التي تمنحها بعض الدول المتقدمة، مثل الاتحاد الأوروبي، لجمعيات بلدان العالم الثالث غير الحكومية (انظر قسم المساعدات السنوية وطلبات الترشيح في بوابة الموقع).
الاعتماد على التمويل الذاتي بنهج خطتين:
الأولى تنكب على استقطاب جيوش المترجمين العرب «المجهولين» (بناء على التصنيف الوارد لأعلاه للثقافة والمثقف العربيين) لينضموا إلى الجمعية مقابل واجب للانخراط يتجدد سنويا، كما تتولى بيع منشورات الجمعية للمؤسسات بأسعار تشجيعية،
أما الخطة الثانية (وربما تكون الأهم) فتفكِّرُ في جعل الجمعية مقاولة تؤمن أرباحا ومداخيل. وواجهات العمل الرقمية كثيرة جدا، اكتفي بذكر بعضها:
كراء خادم (سرفر) لإيواء موقع الجمعية على شبكة الأنترنيت، لكن أيضا لتقديم خدمات مجانية تتمثل في منح مساحات مجانية للأعضاء وأدباء ومثقفي العالم العربي عموما تتيح لهم بناء مواقعهم الفردية مقابل وضع سائر بانرات الموقع الرسمي للجمعية، ثم تقديم خدمات مؤدى عنها تتمثل في كراء مساحات لبناء المواقع الشخصية لأعضاء الجمعية وعموم الأدباء والمثقفين العرب بأسعار منافسة يستحيل إيجاد أرخص منها في السوق. باختصار، يمكن للجمعية أن تستثمر في مجال الخدمات المعلوماتية بالشبكة.
توسيع دائرة اهتمامات الموقع من الترجمة إلى العلوم الإنسانية قاطبة، بحيث تُنشَأ من الصفحة الرئيسية مداخل لأدلة تقود المتصفح إلى أجنحة ومنتديات للآداب والعلوم الاجتماعية والفلسفة يتولى الإشراف عليها متخصصون في هذه الحقول، وذلك في أفق تحقيق مليون زائر يوميا للموقع.
إحداث حيز للإعلان المؤدى عنه وفق المعايير المعمول بها في كبريات المواقع بالشبكة.
في إطار المقولة دائما، يمكن للجمعية أن تؤسس دارا للنشر تختص في طبع منشورات الجمعية التي يجب أن تكون غزيرة وشاملة لكافات ضروب المعارف والآداب، ثم تسويقها في سائر الأقطار العربية بأسعار في متناول القارئ العربي على نحو ما تقوم به بعض الدول في مستوى محدود مع بعض الدوريات الثقافية الفكرية والكتب الشهرية.
المصدر: واتا
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 21-10-2012 10:44 مساء