Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
محمد أسليـم: قراءة في كتاب: شبكات التواصل الاجتماعي. حرب التنينين»، تأليف روبير ريديكير، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد – محمد أسليـم

محمد أسليـم: قراءة في كتاب: شبكات التواصل الاجتماعي. حرب التنينين»، تأليف روبير ريديكير، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد

1731 مشاهدة
محمد أسليـم: قراءة في كتاب: شبكات التواصل الاجتماعي. حرب التنينين»، تأليف روبير ريديكير، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد

شبكات التواصل الاجتماعي. حرب التنينين»، تأليف روبير ريديكير،
ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد،
الدار البيضاء/المغرب، المركز الثقافي للكتاب، 2023 (336 ص.)

يندرج الكتاب الحالي ضمن الخطاب النقدي المتطرف ضد الثورة الرقمية، والذي ينعته البعض بـ «خطاب الكارثة». من أصحاب هذا الخطاب بول فيريليو صاحب «القنبلة المعلوماتية» الذي يُنذر باحتمال ظهور «قنبلة سيبرانية cyberbombe» قد تحدث انهيارا عالميا، وديك براك مؤلف كتاب «مرثية جتنبرغ» الذي يطرح فيه أن «تقنية الحاسوب رجسٌ من عمل الشيطان موجه ضد الكتب» ونيكولا كار صاحب المقال الشهير «هل يجعلنا بلهاء؟» وكتاب «هل يجعل الأنترنت الإنسان غبيا؟»، الذي يرى أن الأنترنت تعبث بالدماغ من خلال إعادة وصل شبكة نوروناته. وعلى الرغم من أن اصطلاح السيبرانية لم يرد في الكتاب إلا مرتين، فإن المؤلف في الواقع يهاجم هذا المشروع بالذات انطلاقا من أحد مفاهيمه الرئيسية، وهو «التواصل» (المفاهيم الثلاثة الأخرى، هي: المعلومة والأثر الرجعي rétroaction، والأنتروبيا entropie)، من أربع زوايا: سياسية، وأنثروبولوجية ثقافية، وميتافيزيقية، ليبرهن على أطروحته الرئيسية، وهي أننا نعيش اليوم في ظل حرب طاحنة بين تنينين هما: الدولة الحديثة التي كانت ثمرة فكر حركتي الإنسية والأنوار، بما جاءت به من إيديولوجيا وتنظيم اجتماعي-سياسي، وقيم، وبين دولة أخرى ناشئة يمثلها عمالقة التكنولوجيا المعلوماتية: غوغل، وآبل، وفايسبوك، وميكروسوفت (GAFAM)، التي تدخلنا في منعطف سياسي وأنثروبولوجي غير مسبوق، إذ تغير جوهر الإنسان، كما عُرف منذ القديم، وتهدم كل مكتسبات الإنسية والأنوار التي أخرجت الإنسان من الكهف إلى النور، لتعيده إلى الكهف، وإلى مرحلة تسودها الكراهية، والعنف، والمساواة الزائفة التي تنطوي على قتل للديمقراطية وإرساء لفيودالية جديدة، وانقلاب للحرية على نفسها، ونهاية الخصوصية، وسيادة التحكم باسم الشفافية (هذا الاصطلاح بالمناسبة، هو أيضا من المفاهيم الأساسية للسيبرانية)، وما إلى ذلك من تفاصيل لوحة مغرقة في التشاؤم.
ومع أن المؤلف لم يعرض محتوى كتابه منظما في أبواب وفصول ومباحث، إذ جاء على شكل مقالات، فإنَّ هذه المقالات، في الواقع تنتظم في محاور، وانتظامها هو ما أتاح تحديد زوايا مقاربته للرقمية المذكورة أعلاه. وهذه الزوايا الأربع بدورها هي ما يشكل جوهر الكتاب الذي يحدده صاحبه في نقطتين: الأولى: «هناك لحظة حرب (…) معركة طاحنة بين اللسان والتواصل» (ص. 210)، والثانية: «شبكات التواصل الاجتماعي شاهدة على هزيمة الحضارة»، و«تفكك كل ما قام الإنسان بنسجه» (ص. 243).
من الصعب جدا عرض سائر محتويات الكتاب في مقالة، لأنه يغوص بالقارئ في كبريات القضايا الفلسفية، كالحرية، والعدالة والأخلاق، والطبيعة، والثقافة، والسياسة، والعنف، ويستعرض تفاصيل نشأة الذات والدولة الحديثتين منذ ديكارت وماكيافيللي وهوبس وجان جاك روسو، تارة بالاستشهاد، وتارة بالشرح والتأويل، وثالثة بالحوار مع قائمة طويلة تتجاوز أولئك هؤلاء إلى قائمة طويلة من أعلام الفكر الفلسفي (أرسطو، أفلاطون، ماركس، فرويد، نيتشه، غرامشي، هايدغر، فوكو، دولوز، هابرماس، فيريليو، بودريار، لوك فيري، بيتر سلوتردايك، وما إلى ذلك).
على امتداد قراءة الكتاب، يشعر المتلقي بمتعة وفائدة كبيرتين، لكن أيضا بلهفة أكبر لمعرفة الحل الذي سيقترحه المؤلف. إلا أن القارئ نفسه، عند الوصول إلى مفتاح الخروج من اللوحة المعتمة، الذي يقترحه المؤلف، يجد نفسه أمام مفاجأة كبرى: يكاد يشعر أنه أمام فيلسوف أصولي على طريقة الأصوليات العصرية. ربما هذا ما يفسر هجومه على امتداد صفحات الكتاب على الرقمية بعبارات قاسية تكاد تكون عنفا وسبا وشتما. على سبيل المثال:
القائمون على منصة تويتر «يحلون أنفسهم محل الله» (ص. 302)، والمجموعات الافتراضية هي «مافيا رقمية» (ص. 86)، ومن يؤمنون بأن الأنترنت فضاء للتحرر هم «سذج وبهائم» (ص. 84)، وإنسان شبكات التواصل الاجتماعي هو «إنسان البغضاء (ص. 144)، وشبكات التواصل الاجتماعي «محاكم وحشية»، «تحرر طاقة العنف»، و«فضاء شجار لا حد له»، و«تعيد الناس إلى الكهف الذي أخرجتهم منه الأنوار، كما أنها «انتصار للفوضى»، والكتابة منعدمة في الفايسبوك «لا توجد كتابة في الفايبسوك»، إذ «انتهت الثقافة مع تويتر والفايسبوك»، و«تواصُل الفايسبوك استعراضٌ وتلصص خال من المعنى»، و«آراء شبكات التواصل الاجتماعي تافهة في الغالب تنتشر كالأوبئة» (ص. 241)، و«معنى التغريد هو المغامرة في حدود الكرامة ودوسها» (ص. 302)،
للتخلص من سطوة الرقمية وجبروتها. يقترح المؤلف سبيلين: أولهما الفلسفة، بإعادة قراءة أمثال هايدغر وفوكو ودولوز بشغف، من أجل شق طريق أخرى غير تلك التي بدأت مع ديكارت، وعرفت محطات كلها كانت بذورا للرقمية التي نعيش في ظلها الآن، وثانيهما العودة إلى الروح كما وردت في كتب الديانات التوحيدية الثلاث: «منعطف هذا الزمن سياسي أنثروبولوجي يفرض علينا تحديا سنصوغه بمجرد ما نقرأ فوكو ودولوز وهايدغر بشغف، ولكن رغبة في مناهضتهم أيضا: إنقاذ الجوانية. إنقاذ الإنسان كما هو موصوف في العهد القديم والأناجيل والقرآن، وكما وضفته السكولائية والتقاليد الروحية المنبثقة عن التوحيد» (ص. 292).
ولعل هذا هو سر عنوان كتابه الأخير الذي موضوعه آخر كلمة وردت في كتاب الشبكات الاجتماعية، وهي “الروح”: «أهم ما في الفلسفة (…) دُمِّرَ في الفسلفة نفسها (…): إنه الروح» (ص. 329). الموقف مثير، وطريف. لكن هذا ليس جديدا ولا غريبا، فأمثاله لا تعدم، سواء اليوم أو في كبريات محطات تحول حامل الكتابة! لا يتسع المقام لتقديم أمثلة عنها. فقد ظهرت ردود الفعل المتشائمة منذ اختراع الرقعة Parchemin في القرن الثاني قبل الميلاد إلى اليوم، وبدأ عددها في التصاعد ابتداء من القرن السادس الميلادي غداة اختراع المطبعة، ثم تزايد في ظل الثورة الصناعية الثانية بالخصوص، ليبلغ ذروته اليوم مع الثورة الرقمية.
بما سبق وحده، يكون الكتاب في غاية الأهمية والعمق والفائدة، لكنه يثير في الآن نفسه جملة ملاحظات، منها الثلاث الآتية:
1) انتقائية المؤلف في التعامل مع بعض من يحيل عليهم من المفكرين: أمثال ميشال سير، بيتر سلوتردايك، ولوك فيري؛ فمقاربة هؤلاء للرقمية، ولو بشكل غير مباشر عند لوك فيري، تقف على طرف نقيض من موقف المؤلف، ومع ذلك يمر على المسألة مرور الكرام. فلميشال سير، على سبيل المثال، وجهة نظر تضع الثورة الرقمية في خط سير طبيعي بدأ منذ ظهور الكتابة، ويعتبرها مكسبا جديدا من سلسلة المكاسب التي راكمها منذ أن خسر المشي على أربع، لكنه جراء هذه الخسارة ربح اليدين اللتين صنع بهما الأداة لاحقا وبنى بهما الحضارة. حياة النوع البشري، في رأي هذا الفيلسوف، عبارة عن خسائر تترتب عنها أرباح. والرقمية، في نظره، جاءت لتدق آخر مسمار في نعش ذاكرة الإنسان البيولوجية، لكنها وضعت في متناوله مجموع المعارف البشرية، من خلال منفذ الحاسوب (هذا هو الربح الناتج عن خسارة فقدان الذاكرة)، وطرحت أمامه تحدي وجوب أن يصبح أكثر ذكاء وإبداعا.
2) عدم التوقف عند فكرة اتجاه الرقمية نحو إنشاء فائق، هو الإنسان الرقمي homo-numéricus («الإنسان المعزز» أو «ما بعد الإنسان» أو «الإنسان البيوني» أو «السايبورغ» في أدبيات حركة الإنسية العابرة transhumanisme)، ومناقشتها، واتخاذ موقف منها. بالمناسبة، لقد اتهم منتقدو بيتر سلوتردايك (يقال بتحريض من هابرماس) بالترويج لها، من خلال محاضرته «الحديقة / المنتزه البشري. رسالة رد على رسالة هيدغر حول الإنسية»، هذه المحاضرة التي صدرت بعد ذلك في كتاب بالعنوان نفسه، وأثارت ضجة كبيرة وجدلا كبيرا، سال خلاله مداد كثير في ألمانيا وفرنسا… اتهم عدد من المشاركين فيه سلوتردايك بالترويج لفكرة تحسين النسل النازية. وقد شارك هابرماس نفسه في ذلك النقاش، بطريقة غير مباشرة، من خلال كتابه «مستقبل الطبيعة الإنسانية. نحو نسالة ليبرالية»، كما تدخل لوك فيري في الجدل نفسه، إبان الضجة، بمقال طوره بعد ذلك وأصدره في كتاب بعنوان «ثورة الإنسية العابرة. بالعربية: كيف سيحدث الطب التكنولوجي والأوبَرَة ثورة في حياتنا؟»؛
3) عدم عقد حوار مع:
أ) بعض فلاسفة العالم الافتراضي المروجين له، وعلى رأسهم بيير ليفي صاحب «نظرية الذكاء الجماعي» الذي يرى أن هذا الذكاء سيكون أول إنجاز عظيم سيحققه النوع البشري بفضل شبكة الإنترنت، في حين يطرح صاحب الكتاب أن شبكات التواصل الاجتماعي ستقضي على هذا الذكاء!
ج) بعض الذين يقاربون الموضوع من زاوية فلسفة التكونولوجيا، كستيفان فيال صاحب كتاب «الشاشة والوجود. كيف تغير الرقمية إدراكنا للعالم» الذي يضع الرقمية في الحركة الشاملة لتاريخ التقنيات، ويستنتج أن إن تطوير الحواسيب الشخصية والإنترنت والهاتف المحمول قد غيرت بشكل جذري علاقتنا بالعالم وإدراكنا له»؛
د) بعض العلماء الذين يكتبون في موضوع الذكاء الاصطناعي ومشروع ترقية الإنسان، وأنترنت الأشياء، والذين يروجون لمحاسن تقدم التكنولوجيا الرقمية الحالي، أمثال جويل د روناي، صاحب كتب كثيرة، منها «أنترنت 2020. فهم العالم القادم»، و«انتفاضة البرونيتاريا. من وسائل الإعلام الجماهيرية إلى وسائل إعلام الجماهير»، وفيليب كيو صاحب كتاب «كوكب العقول. من أجل سياسة للفضاء السيبراني»، وما نويل كاستيل مؤلف كتاب «عصر المعلومة، ج.1 المجتمع في الشبكة»، وألكسندر لوران، صاحب كتابي «موت الموت»، وحرب الذكاءين»؛
وقد اقتصرنا هنا على ذكر فقط بعضٍ مما صدر باللغة الفرنسية وحدها!
بالجملة، الكتاب يدخل في تقديري، في خانة الأنثروبولوجيا الفلسفية، وهي – للتذكير – فرع من الفلسفة يهتم بدراسة الإنسانية وطبيعة الإنسان، ويبحث في القضايا المتعلقة بطبيعة الإنسان، وجوهره، ومعناه، ومصيره ككائن بشري، وكذلك علاقاته مع العالم ومع البشر الآخرين، ويناقش موضوعات مثل الحرية، والمسؤولية، والعدالة، والأخلاق، والطبيعة، والثقافة، واللغة، والسياسة، والدين، والميتافيزيقيا، والعنف.. المؤلف عميق جدا، ممتع ومفيد، بصرف النظر عن موقع صاحبه وموقفه السلبي من الرقمية الذي يعبر عنه بأوصاف ونعوت تكاد تكون شتما أحيانا، وترجمته أجمل.

الاخبار العاجلة