ألان فيلمان: الثقافة الوسائطية والأدب. ترجمة: م. أسليـم

1٬365 views مشاهدة
minou
ترجماتمقالات
ألان فيلمان: الثقافة الوسائطية والأدب. ترجمة: م. أسليـم

بدأ شكل جديد من الثقافة الأدبية الوسائطية في الظهور منذ افتتاح شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية المعروفة بالأنترنت للعموم في عام 1997. الظاهرة عامة، ولا يعتبر إبداع الشعر بالحاسوب سوى أحد جوانبها الخصة. فقد تم إنتاج أوّل ديوان «أشعار حرة إلكترونية» منذ عام 1959 بأوروبا، باللغة الألمانية، في شتوتغارد. وتمَّ التوصل إلى الأمر نفسه باللغة الأنجليزية في عام 1960، في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وباللغة الفرنسية في عام 1964، وباللغة البرتغالية في عام 1972، في البرتغال والبرازيل على السواء. وقد أكدت عدة أجيال من الكتاب نفسَها في هذا الباب.

ومنذ عام 1997، ومجموعة من المواقع المرجعية تحاول أ، تحصي وتجرد كل ما تمَّ إبداعه في هذا المجال، من هذه المواقع «Hermeneїa»(1) بإسبانيا، و«Paragraphe»(2) و«Transitoire Observable»(3) بفرنسا، و«Cetic»(4) في البرتغال، و«Astrolabe»(5) بكندا، و«Electronic Poetic Center»(6) ببوفالو في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تاريخ الشعر باستخدام الحاسوب لازال قصيرا جدا. ما هي سُبل الإبداع التي تمَّ ارتيادها، وما هي أشكال التعبير التي فرضت نفسها وأخيرا ما هي المذاهب التي بدأت تظهر على الصعيد الجمالي؟

1. طُرق الإبـداع
كانت سبل الإبداع عديدة جدا، من توليد النصوص وتحريكها إلى استخدام الوسائط التشعبية. كان التقدم والقطيعة محكومين بإيقاع التطورات التكنولوجية. من عام 1960 إلى عام 1980، لم تكن أجهزة الكمبيوتر – كانت تسمى آنذاك «آلات حاسبة» – تتوفر على شاشات، فكان يمكن الاشتغال على فئة واحدة من الموضوعات المعلوماتية، هي «النص». كانت المرحلة الأولى في فرنسا والولايات المتحدة، تنكب على محاكاة الإبداع الشعري لاستخلاص مبادئ ما صار «توليدا» للنصوص، أو بتعبير آخر «تركيب» نصوص فريدة، بما في ذلك النصوص الشعرية. وهو نهج كان بول فاليري قد حَدَسَه، منذ عام 1922، في أحد مقالات كتابه منوعات Variétés. وفي هذا الاتجاه سارت عدة جمعيات، مثل الأوليبو(7) والألامو(8) في فرنسا وTeaNo(9) في إيطاليا، ثم جمعيات أخرى عديدة بعد ذلك، من البرتغال إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1980، حدث ابتكار تكنولوجي حاسم: تم تجهيز الحواسيب بالشاشة، فانضاف إلى «النص» موضوع معلوماتي آخر هو «الصورة»، وصار الشعر «بصريا»، «متحركا»، «تفاعليا». وفي عام 1989، تأسست مجلة alire(10) بفرنسا، وهي أول مجلة على الصعيد العالمي متخصصة في «الكتابات المتحركة ذات المصدر الإلكتروني»، صدرت في البداية في أقراص مرنة، ثم في أقراص مُدمجة متعددة الوسائط ابتداء من عام 1996. وفي عام 2006، كانت مجلة alire لازالت موجودة. وفي عام 1986، انضاف «الصوت» و«اللون» إلى «النص» و«الصورة»، فانتشر نمط إبداعي جديد، وهو «النصوص التشعبية» و«الوسائط التشعبية» التي تسمح بالجمع بين أجزاء من النصوص ومفردات وقطع من الصور ومقتطفات من التسجيلات الصوتية. إلى حدود عام 1997، كانت تلك التجارب من إنجاز رواد معزولين أو حلقات ضيقة، مثل حلقات هارولدو Haroldo وAugusto de Campos وديثيو بينياتوري Decio Pignatori في ساو باولو بالبرازيل، منذ عام 1982، حول مجلة Noigandres أو حلقة فرانسوا لوليونيه وريمون كينو في باريس بفرنسا، في عام 1959، في إطار جماعة الأوليبو. وابتداء من عام 1997، ومع الانتشار المذهل لشبكة الأنترنت، أعاد اكتشاف تلك المسارات الإبداعية حشدٌ كبير من الشعراء الجدد.

2. طرق التسمية
لقد أحدث الوصول إلى الإنترنت انفجارا في طرق تسمية هذه الظاهرة، ويُعتبَرُ فَوَرانُ المصطلحات هذا مؤشرا ودليلا غير قابل للجدل. كانت لورا بارَّاس Laura Barras Castanyer(11) واحدة من أول من لاحظوا ذلك، في برشلونة، على موقع «هرمنيا Hermenia». منذ ظهور أول «أبيات الشعر الحرّ الإلكترونية» (المصنوعة بـ «آلات حاسبة» أو بـ «آلات»، تمَّ تسمية هذا الشكل الجديد من الإبداع الشعري أو وصفه بأنه «رياضي»، و«رقمي»، و«ديجيتالي»، و«خوارزمي»، و«أوتوماتيكي»، و«إلكتروني»، و«سيبرنطيقي»، ثم «مجرَّد»، و«افتراضي»، و«ضمني»، و«تجريبي»، و«توليفي»، «عشوائي»، و«تنويعي»، و«نخبوي» أو «أكاديمي»، و«تفاعلي»، و«تخاطبي»، و«متحرك»، و«دينامي»، و«تركيبي»، و«مبرمَج»، و«توليدي»، و«كلامي-صوتي-بصري»، و«كلي»، و«أوليبي» [نسبة إلى جمعية الأوليبو]، و«ألامي» [نسبة إلى جمعية آلامو]، و«تيليماتيكي»، و«معلوماتي عن بُعد»، و«متعدد الوسائط»، و«وسائطي متعدد»، و«وسائطي الواجهة»، و«نصي تشعبي»، و«وسائط تشعبي»، و«تكنولوجي»، و«إليكترو ديجتالي». ومع التطور الكبير الذي عرفته شبكة الأنترنت ظهرت اصطلاحات «الشعر الشبكي»، و«الشعر الإلكتروني»، و«شعر البريد الإلكتروني»، و«فن البريد الإلكتروني»، و«شعر النقرة»، و«شعر الويب»، و«إبداع الويب»، و«الشعر التشعبي». والقائمة لا تنتهي.
لا شك أنَّ مصطلحات جديدة قد تمَّ ابتُكِرَتْ، وخصوصية طريق كل فرد تتأكد. هل يجب أن نستخلص من ذلك، كما يقترح ناقد آخر هو جون لويس أنطونيو(12) في ساو باولو بالبرازيل، أنَّ هذه المجهودات التصنيفية قد تكون سابقة لأوانها؟ من دون مسافة زمنية ربما يتعذر تحديد السمات الرئيسية المحتملة لهذه الظاهرة الفريدة المتمثلة في استخدام المعلوماتية، حيث لا يكفّ كل مؤلف أو رائد عن اكتشاف جوانب جديدة فيها، اللهم إذا ما أدلى العديد من هؤلاء «الرواد» أو «المبتكرين» أحيانا ببعض الكلمات.

3. نشأة مذاهب
على الصعيد الجمالي والأدبي بدأت مذاهب في الظهور. ففي فرنسا، بدأت بحوث جامعية، منذ بداية أعوام 2000، تتخذ مواضيع لها أعمال الأوليبو (وهي تسمية أطلقها ألبيرت ماري شميث) حول «الأدب الاحتمالي» ودعم الحاسوب للأدب، مع فرانسوا لوليونيه وريمون كينو وجاك بنس وجان ليسكور وأ. روس شامب، وستانلي شابمان، وجورج بيريك، وجاك روبو، ومارسيل دوشامب. وكذلك الأمر بالنسبة لـ «ألامو»، وهي جماعة أخرى انفصلت عن الأوليبو في عام 1981، مع جاك روبو وبيير لوسون وبول فورنيل وميشال بوتان وماريو بورللو وسيمون بالازارد وجان بيير بالب، لتبحث وتجرِّبَ بطريقة أكثر منهجية الموارد التي يمكن للمعلوميات أن تُفيد بها الإبداع الشعري.
وفي البرازيل، لعبت «النزعة الملموسة» هذا الدور. وقد تأسست هذه الحركة في مطلع عام 1952 حول مجلة Noigrandres، بساو باولو، على يد الأخوين هارولدو وأوغوستو دُ كامبوس وديسيو بنياتيري، بدعم من كتاب آخرين أمثال فرييرا غولا وفلاديمير دياس بينو ورينالدو جارديم، ثم انتشرت [الحركة] منذ عام 1955 في أوروبا وألمانيا وأنجلترا وفرنسا بوجه خاص. لقد أسس هؤلاء المنظرين والرواد شعرا أوَّليا «ملموسا»، «بصريا» و«صوتيا»، مبنيا على استخدام كلمات مُجزأة، وملفوظات مقطَّعة، ورموز خطية، وصور توضيحية لكسر العرض الفضائي التقليدي للشعر الورقي، ومن ثمة فقد هيأ ذلك التأسيسُ التجارب التي أجريت منذ عام 1972 في البرازيل، ومنذ عام 1975 في فرنسا في، باستخدام الحاسوب.
علاوة على ذلك، فإلى عالم لغويات ألماني، اسمه ماكس بنز الذي كان أيضا أحد الذين أدخلوا «النزعة الملموسة» إلى ألمانيا الفيدرالية، تعود أولى المحاولات الناجحة في إبداع «أبيات حرة» بالحاسوب، وإن بطريقة عشوائية. من «الأوليبية» إلى «الملموسية»، بدأ فقط الاعتراف بإسهام هتين الحركتين. منذ عام 1997، أحدث استخدام شبكة الإنترنت غليانا ملحوظا، كما تكاثرت الخلافات والجدالات، التي تكون كذلك مريرة جدا في بعض الأحيان. نعم، لقد فتحَ نقاشٌ، ولكن لا يمكن الحكم مسبقا على مآله وامتداداته.

خلاصـة:
لازال الوضع الاعتباري لهذه الأدبية والوسائطية غير مؤكد. فولادة آداب رقمية هي ظاهرة حديثة جدا، إذ لم ينشأ الشعر بالحاسوب إلا في عام 1959 بألمانيا، وأوَّلُ مجلة برازيلية للشعر الإلكتروني، وهي قبر مالارميه Le Tombeau de Mallarmé(13) لم تتأسس إلا في عام 1972 على يد إرثوس ألبينوس دُ سوزا Erthos Albinos de Souza، وأولى القصائد الشعرية المدعومة بالحاسوب(14) المُنجَزَة في بريطانيا العظمى وكندا والولايات المتحدة الأمريكية لم تُعرَض إلا في ماي 1973 خلال ندوة symposium ربما انعقدت في بلومفيلد هايل بميشغان، في الولايات المتحدة الأمريكية، تحت رعاية مجلة ولاية ميتشيغان للفنون، وأولى إنجازات الأوليبو في أوروبا لم تُعرَض إلا في عام 1975 ببروكسيل خلال تظاهرة لمؤسسة «Europalia» للثقافة والفنون(15). ومن ثمة، فتاريخ هذا الشكل الجديد من الإبداع الشعري والفني باستخدام الحاسوب هو حديث جدا. أكيد أنَّ سبلا عديدة قد استُكشفتْ وأنَّ أشكالا تعبيرية عديدة قد انتشرت أيضا. لقد بدأت أولى بُذور المذهب في الظهور وهي تحاول أن تفرض نفسها، ويبقى أنَّ مآل هذا الأدب الجديد الوسائطي لم يقل كلمته بعدُ.

ألان فيلمـان

(معهد الأدب المقارن / جامعة أرتوا)

مصدر النص:

http://eduep.uepb.edu.br/sociopoetica/publicacoes/v1n1pdf/19%20Alain%20Vuillemin.pdf

ترجمة: محمد أسليـم

هوامـش:

1 «Herménéïa (Estudis literaris i tecnologies digitals)»:

http://www. uoc.edu/in3/hermeneia/cat

2 «Paragraphe (Laboratoire de l’université Paris 8)»:

http://paragraphe.univ-paris8.fr/fr/

3 «Transitoire observable (regroupement d’artistes numériques)»:

http://transitoireobs.free.fr/to/

4 «Cetic (Centro de Estudos sobre Texto Informático e Ciberliteratura)»:

http://cetic.ufp.pt/

5 «Astrolabe (Université d’Ottawa)»:

http://www.arts.uottawa.ca/astrolabe/

6 «Electronic Poetic Center (University of New York at Bufalo » :

http://epc.buffalo.edu/

7 «Oulipo » («Ouvroir de littérature potentielle») :

http://www.fatrazie.com/oulipo.htm

8 «Alamo » («Association pour la Littérature Assistée par la Mathématique et les Ordinateurs ») :

http://alamo.mshparisnord.org/rialt/index.html

9 «TEAnO » (Université de Milan) :

http://www.generativeart.com/program.htm

10 «alire » : http://motsvoir.free.fr/

11 «Barras Castanyer Laura : “Literatura digital” http://www.uoc.edu/lletra/tematica/litdigital/index.html

12 «Antônio, Jorge Luis : “Poesia visual e eletrônica no Brasil”, à paraître in Fonseca, Aleilton, Santana, Evila et Vuilemin, Alain eds: La Crise de la poésie au Brésil, en France, en Europe et en d’autres latitudes, Feira de Santana (BA Brésil)-Cordes sur Ciel (France)-Cluj-Napoca (Roumanie), Editora da UEFS-Rafel de Surtis- Editura Limes, 2007.

13 «Souza, Erthos Albino de (1932-2000) : Le Tombeau de Mallarmé, signalé par Jorge Luis Antônio : « Poesia visual e electrônica no Brasil », in Fonseca Aleitton, Santana Evila et Vuillemin Alain, La Crise de la poésie au Brésil, en Europe, en France et en d’autres latitudes, Cordes-sur-Ciel, (France), Cluj-Napoca (Roumanie), Rafael de Surtis – Editura Limes, 2006.
14 «Des échantillons de ces « computer poèmes » ont été publiés en 1973 par Richard W. Bailey (voir Bailey
Richard W. : Computer poèms, Drummond Island (MI), Etats-Unis, Potagannissing Press, 1973, 55 p.
15 Voir Oulipo : Atlas de Littérature potentielle, Paris, Gallimard, (collection « Idées »), 1981, p. 297-331.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 11-09-2012 10:05 صباحا

الاخبار العاجلة