هل يندمج الإنسانُ في الآلة ثمَّ يتخلص من الجسد؟ / حوار مع دانييلا سركي / ترجمة: م. أسليـم

723 views مشاهدة
minou
ترجماتمقالات
هل يندمج الإنسانُ في الآلة ثمَّ يتخلص من الجسد؟ / حوار مع دانييلا سركي / ترجمة: م. أسليـم

في يومي 5 و6 يوليوز 2006، فكَّر أنثروبولوجيون وفنانون وعلماء في مقولتي الإنسان والإنسان الأعلى في ضوء التقدم العلمي.
هل ستؤدي الرغبة في السيطرة على المكان والزمان في نهاية المطاف إلى تخليص أجسدنا من اللَّحم؟ خلال يومين من الندوة السابقة اقترح المهرجان السينمائي الدولي نيوشاتل للفيلم العجائبي (NIFFF) ومتحف نيوشاتل للإثنوغرافيا ودار الأمكنة الأخرى ندوة في الموضوع تحت عنوان: «تخيُّل المستقبل: أكثر من الإنسان؟»، ستجمع أنثروبولوجيين وفنانين وعلماء حاولوا إعادة تحديد «مقولتي الإنسان والإنسان الأعلى في ضوء التقدم العلمي والأساطير الجديدة المعاصرة التي خرجت من رحم السينما العالمية».
من بين المتدخلين دانييلا سركي الحائزة على دكتوراه في الأنثروبولوجيا والخبيرة في القضايا الاجتماعية المتصلة بالتغيرات التكنولوجية لدى الاتحاد الأوروبي، وقد عرضت نتائج البحوث التي تتابعها في مختبر عالم السيبرنطيقا كيفن وارويك. هي تدافع عن إنسان من لحم، وفيما يلي مقابلة معها:

متى تمَّ اعتبار الجسد ناقصا؟ ولماذا؟
دانييلا سركي: في ظهور الحداثة، حيثُ تمَّ زعمُ الخروج من الظلامية الدينية من أجل الاتجاه نحو التقدم بفضل العلم والتقنية. تمَّ تعويض الاعتقاد أو الإيمان بقوة خارجية بالإيمان بقدرتنا الخاصة. بالموازاة مع ذلك، تغير مفهوم الجسد فلم يعد ينظر إليه في كليته ولكن في ميكانيكيته. ووجهتا النظر هاتان تتعايشان منذ وقت طويل. فمن جهة، قد يكونُ الإنسانُ جيدا كما هو والتدخل فيه بالتقنية والأداة قد يجعله أعلى من الحيوانات. ومن جهة أخرى، نحن نولدُ بطبيعتنا غير كاملين ونحتاج إلى إدخال منتوجات التقنية في أجسادنا لتخطي هذا النقص. ومنذ خمسين عاما، وهذا التفكير يَتزوَّدُ بالوسائل التكنولوجية لتحقيق رغبته في تحسين الإنسان.

وإذن يتعلق الأمر بتحسين الجسد من أجل حياة أفضل؟
هذا أفضل اختزال لمعادلة المتساويين. هل تتحسن نوعية حياتنا لأنَّ جسدنا يكون أكثر كفاءة من المعتاد؟ أرى انزلاقا خطيرا من إصلاح الجسد نحو تعديله وتحسينه. وحيثُ يتمُّ في الحالتين معا استخدام تكنولوجيات واحدة، فالحدود بين العلاج والتعديل لم تعد واضحة.

هل توجد البشرية على مشارف نهايتها؟
المخاطر جدية. فمن خلال إعادة تعريف أنفسنا اعتمادا على التكنولوجيات الجديدة اقتربنا من نقطة قطيعة تتمثل في الاندماج في الآلة وانقراض نوعنا البشري.

بالاندماج في الآلة هل سنظل بشرا؟
يزعم المدافعون عن السايبورغ – الكائن الحي السيبرنطيقي – أنه في حالة الاندماج سنصير أكثر إنسانية. وفقا لهؤلاء المفكرين، بما أنَّ جانبنا العقلاني هو الأكثر إنسانية فعن طريق الاندماج مع الآلة سينتهي العقلُ بأن يصير أكبر مما عليه الآن. ويأخذ باحثون آخرون في الاعتبار المشاعر مُبتهجين للتخلص منها كي نصير شيئا آخر غير البشر، أي ما بعد إنسانيين. في الحالتين، يتعلق الأمر بإزالة جانبنا الحيواني وعواطفنا عبر القضاء على الجسد. لا أستطيع أن أدعم هذا.

من يدعو إلى الاندماج مع الآلة؟
تتميز الثقافة الغربية بالتحكم في البيئة، ويستخدم بعض المعلمين هذه الحجة لتبرير ما سيحدث في المستقبل: على صورة الكائن الحي أحادي الخلية الذي أصبح متعدد الخلايا يجب علينا طبعا أن نندمج في الآلة… بيد أنَّ الكائن الحي أحادي الخلية لم يختر أن يصبح أكثر تعقيدا. ولكن كلنا متواطئون. لدينا الهواتف المحمولة والإنترنت… بحجة أنها أكثر عقلانية منا، نثق في الآلة أكثر مما نثق في البشر. بنينا مجتمعا يعتمد على التكنولوجيات الجديدة التي منحناها المكانة التي تشغلها. هل سنكون قادرين على التفكير بدون هذه الآلات في بنية مجتمع آخر؟

من يقرر في الحدود التي لا يجب تخطيها؟
لا تضع أي سلطة تقريرية حدودا، وفي المختبرات لا يتم أخذ مسافات. لا أحد يطرح سؤال: في أي مشروع مجتمعي يندرج البحث؟ كل شيء يتم تصوره بشكل متسلسل. إن أمكنَ ذلك من الناحية التقنية فيتم القيام به. يتنقل النقاشُ بناء على الإنجازات التقنية التي تذهب دائما أبعد. بالأمس كان السؤال يدور حول ما إذا كان من الواجب استنساخ الحيوانات، أما اليوم فالسؤال هو: هل يجب استنساخ البشر؟ لغايات علاجية أم لا؟ أصبحت التكنولوجيا مجالا في حد ذاته، بنظام قيمها واشتغالها الخاصين بها. يُسمَح بالقيام بكل شيء إن كان مُجديا اقتصاديا، يتم التشجيع.

هل هناك طريقة لتأطير البحوث أخلاقيا؟
في اليونان القديمة، كانت التقنية على درجة عالية من التطور، ولكن لم يتم دفعها إلى أقصى الحدود على نحو ما نفعل اليوم. ربما لأنه كان للإغريق نظام اجتماعي وديني قوي يشمل التكنولوجيا ويرسم لها حُدودا. في رأيي، يجب إعادة إدماج التقنية في نظام للقيم من أجل منحها معنى آخر غير التقنية من أجل التقنية: من الضروري أكثر من أي وقت مضى تحديد معايير واضحة لما نفعل وما لا نفعل. وقد يكون أحد الحلول هو استباق الأمور.

تقترحين استخدام أعمال الخيال العلمي لتغذية النقاش العلمي
من يقول الخيال العلمي فهو يقول العلم. قد يكون من النفاق ظنّ أنَّ الخيال العلمي ليس بشيء آخر غير الخيال العلمي. عندما اخترع مايكل كرايتون (أستاذ فيلم القصة العلمية المثيرة، ومؤلف كتاب «مساجين الزَّمن»، و«المجال»، و«حديقة الجوراسية») الذي له معرفة ممتازة بما يحدث في المختبرات العلمية، عندما اخترع «سيناريو-كارثة» يفقد الإنسان فيها التحكم في الآلات فهذا محتمل الوقوعَ احتمالَ السعادة الكاملة التي يروِّجُ لها العلماء.
بما أنَّ الخيال العلمي كثيرا ما يصلح للتحذير فقد يكون من الحكمة الإنصاتُ إليه لوضع جميع السيناريوهات المحتملة على المدى الطويل في صلة بما يجري في المختبرات.

لديك دور استشاري في الاتحاد الأوروبي. هل للأخلاقيات مكانة حقيقية هناك؟
تتزايد قيمة طرح أسئلة حول القضايا الاجتماعية والأخلاقية، ولكن العديد من الباحثين في العلوم المحضة يستخدمونها بمثابة أعذار. فعند صياغة مشروع ما في الاتحاد الأوروبي يكون الجانب التقني هو المهيمن، أما الآثار الاجتماعية والأخلاقية فيتم التطرق إليها في آخر المطاف. وخلال المشاورات يكونُ وزنُ ممثلي العلوم الإنسانية أقل من وزن نُظرائهم في العلوم المحضة. ولكن الخبر الجيِّد هو أنهم شعروا بأهمية خبرة العلوم الاجتماعية وأنهم يَطلبوننا بشكل منتظم. بالإضافة إلى ذلك أنا الآن أنتمي إلى شبكة يمولها الاتحاد الأوروبي تهتمُّ بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية لصناعة الإنسان الآلي. وقد شرع الاتحاد الأوروبي في إيلاء أهمية للقضايا الأخلاقية بما هي.

الشفرة في رأي دانييلا سركي:
يرتكز التعريف المقبول عموما لما يسمى بمجتمع المعلومات على تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة: هواتف، أجهزة الكمبيوتر، أنترنت… ترى دانييلا سركي (1)أنَّ المعلومة نفسها مركزية، سواء تحدثنا عن تكنولوجيا المعلومات أو الهندسة الوراثية، وهما مجالات صارا لا ينفصلان. من هنا ينحدر مفهوم رئيسي لعمل الباحثة، وهو الإبدال السيبرنطيقي: ليست المادة التي نتكوَّنُ منها ذات أهمية كبيرة مقارنة بالتنظيم والشفرة الإعلامية. فبين المادة والإنسان لا يوجد سوى فرق واحد، هو تنظيم الذَّرَّات!
وإذا أمكنَ في يوم من الأيام فك شفرة كل شيء فجميع الأشياء ستتساوى وسيمكن التحكم فيها. «وفي هذا التسطيح الذي يُتيحُ بالخصوص تطوير الذكاء الاصطناعي وصناعة الإنسان الآلي لا يكون كل شيء سوى تراكم معلومات تربطُ بينها شفرة». وبمجرد معرفة الشفرة يسهلُ إعادة بنائها في آلة… وحيثُ منذ عقد من الزمن ونحن نريد الحصول على المعلومات بسرعة متزايدة فقد صار خيط رفيع يربطنا بالآلات. وبما أنَّ التكنولوجيات الجديدة للإعلام تسعى للسيطرة على الزمان والمكان من أجل الوصول إلى كي شيء في الوقت الفوري فإنَّ زرع الرقائق الإلكترونية في الجسد البشري والاندماج إنسان – آلة قد يكونا قادرين على السماح بهذا الوصول الفوري.

ثم، هل سنصير كلنا سايبورغات قبل الاختفاء النهائي للجسد؟
تلاحظ دانييلا سركي أن ما هو مُجرَّد (أو غير مادي) لازال يفتنُ وأن الفصل الديكارتي بين الجسد والروح لم يختف بعدُ. «يُعادُ تحديده ولم يعد يُقدَّم على شكل انقسام بين الروح والجسد بل على شكل انقسام بين الجسد والروح مُترجَمين في ماديتهما، من جهة، وعلى كل ترجمة هذه المادية إلى شفرات قابلة للتحكم، من جهة ثانية».

مهنة الاعتقاد: السايبورغ
أول كائن حي سبرنطيقي، أو سايبروغ: هكذا يعتبر نفسَه البروفسور كيفن وارويك الباحث في قسم السيبرنطيقا بجامعة ريدينج بأنجترا. ففي عام 1998 أجرى وارويك تجربة السايبورغ 1 CYBORG، حيثُ زَرَع رقاقة إلكترونية في ذراعه تتيح له تقديم معلومات إلى جهاز حاسوب.
كان التدفق في تلك التجربة الأولى أحادي الاتجاه والرقاقة تصلح للتحكم في الوصول. وبدون أن يتحرَّك، يفتحُ وارويك الأبوابَ أو يَشغل إنارة مُختبره. في عام 2002 أطلق البروفسور تجربة السايبورغ 2 CYBORG وزرع رُقاقة إلكترونية في عصبه المتوسط.
في البداية تُعزَل موجات الدماغ التي تشتغل عندما يفتح وارويك يده أو يغلقها. وهذه الإشارة تسمح له بعد ذلك بتحريك يدٍ رُوبُوتِيَّةًٍ. التدفق في هذه التجربة ثنائي الاتجاه: يتم إرسال بيانات إلى الحاسوب الذي يُعيد الإرسالَ بدوره.
يُؤكد السايبروغ 2 إمكانية تبادل المعلومات بين الدماغ والآلة، وبين أدمغة عديدة ما دامت زوجة البروفسور التي زرعتْ قطبا كهربائيا électrode في ساعدها تتلقى نبضات عصبية. «يعتقد وارويك الذي يعتبر الجسدَ عائقا أنّ هذه هي الخطوة الأولى نحو اتصال عن طريق الفكر»، تقول دانيلا سركي التي تراقبُ أعمال البروفسور. بالنسبة للسايبورغ 2، سيُحرِّكُ كيفن وارويك اليد الروبوتية عبر الإنترنت. وتعتبر دانييلا سركي هذه التجرية «مشروعا حقيقيا للاندماج بين شبكة المعلومات والجهاز العصبي للإنسان». في نهاية المطاف، يأمل وارويك تطوير التواصل عن طريق الفكر من دون لغة ولا جسد. في هذا المنطق، فإن زرع الرقائق الإلكترونية المقبل سيكون في الدماغ.
——————
(1) في عام 2005، ناقشت دانييلا سركي في جامعة لوزان أطروحتها: البشر والآلالات والسايبورغ. الإبدال الإعلامي للمتخيَّل التقني

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: السبت 15-12-2012 10:38 مساء

الاخبار العاجلة