سعيد منتسب، الزوج المضبوع يركب دائما سبع موجات !! قصص السحر لا تزال تسكن بيننا

682 views مشاهدة
minou
حول أعمالنامقالات
سعيد منتسب، الزوج المضبوع يركب دائما سبع موجات !! قصص السحر لا تزال تسكن بيننا

«تغير فجأة، فأصبح في منتهى الطيبوبة وصموتا لدرجة أن زوجته وأبناءه انتابتهم شكوك، فأخذوا يتساءلون عما إذا كان يخفي نية سيئة وراء صمته ذاك، خاصة وأنه لم يعد يعير أي اهتمام لدراسة أبنائه وكف عن معاقبتهم. ثم بدأ يعود متأخرا إلى البيت. ولم يخطر ببال أحد أن وراء ذلك التحول كانت امرأة، لأن الأب كان يصلي، ولا يتردد سوى على أماكن ثلاثة: البيت، والمسجد، ومكان العمل».

كل الحكايات تقريبا تبدأ من هذا الانقلاب الذي تزرعه امرأة ما تنتمي إلى هذا العالم السحري الذي تعوم فوقه سحابة من دخان تعتلي رأس فقيه بقلم فاتك وتعازيم خرافية، امرأة «ثانية» تربك عقل الرجل، امرأة بقامة زلزال يرسم شقوقا غويرة في كيان منسجم.
المرأة في هذه الحكاية زوجة صديق ميت أوصاه، ساعة احتضاره، بالاعتناء بأبنائه بعد وفاته: «هاعار الله يلا ما تهللا في اولادي بعام نموت، راهم فعنقك، وأنا تنعتبرك باهم الثاني». وقد اغتمنت الأرملة خروج الزوج لتشجع الصديق على الدخول إلى حياتها من باب «الوفاء» و«العهد»، شجعته على زيارتها وأوكلت إليه لأمرها، بل صارت تخرج معه.
بل اتجهت إلى السحرة ليستقيم لها المراد. وهؤلاء – يقول ابن قيم الجوزية – «يأتي إليهم الشخص بأثر أو ملابس أو أظافر أو شعر فيسألهم عن اسم الأم، وهو سؤال ضروري لأن السحرة لا يؤمنون بالعلاقة الزوجية بين المرء وزوجه، بل يعتبرون أن الجميع أبناء زنا (…) فيقوم هذا الساحر بعقد العقد في ذلك الأثر الذي أحضر ويقوم بالنفث عليه ويقرأ تعاويذ وطلاسم شيطانية (…) وفي غالب الأمر يستخدم الساحر بعضا من المواد الخبيثة فتدفن في الأرض أحيانا، أو توضع في أماكن خفية، أو تلقى في البحر حتى لا يعرف مكانها فتبطل. ويمكن أن يضاف إلى ذلك بعض المواد النتنة مثل دم الحيض أو المني فتخلط وتجفف حتى تكون مثل البودر، ويقرأ عليها الرقى والطلاسم السحرية، وتوضع للشخص المراد في طعامه أو شرابه لتستقر في بطنه فتقوم بجذب الروح الخبيثة أي «خادم السحر» إلى الجسد لتلتصق به، فإذا استقرت الأرواح الخبيثة في ذلك الجسد قامت بأداء المهمة التي من أجلها عمل السحر، فإن كانت للتفريق بين المرء وزوجه، قاموا بعمل أشياء تكره الرجل في زوجته أو المرأة في زوجها، أو تسبب للرجل ضيقا شديدا عند جلوسه مع زوجته أو بالعكس».
«لقد شاهده ابنه، ذات يوم، وهو جالس في مقهى صحبة امرأة ترتدي جلبابا أبيض، علامة على كونها أرملة في وضعية حداد. لم يكن الأب يتكلم مع المرأة فحسب، بل كان أيضا يلمس يديها بين الفينة والأخرى. وبمجرد ما نقل الطفل الخبر إلى أمه تعرفت على المرأة المعنية. إنها عائشة أرملة صديقه أحمد الذي كانت تربطه صداقة حميمية جدا «من الروح للروح».
فما الذي جرى لهذا الرجل؟ لم تستسلم الزوجة لنزوات زوجها، بل سارعت إلى رمل العرافين لتفسر الزلزال العاطفي الذي غمر الزوج فارتمى في حداد امرأة سبق أن تم تحذيره منها. قبل أن يموت الصديق قال له: «نوصيك رد بالك من هاذ الحرامية راها تقدر تعلب بك». قرأ العرافون رملهم وأطلعوا الزوجة على كشفهم ونصحوها بالحفر في منزل عائشة ( !!)
وحين رجع الزوج، أخبرته بما نطق به الرمل، فعقد العزم على ذلك. وبالفعل، «اغتنم فرصة غيابها فقام بذلك، وإذا به يجد السحر مدفونا تحت «زليجة في غرفة النظافة. لقد دلته على مكانه ابنة عمة لعائشة أكدت بدورها أن هذه الأخيرة كانت تتردد على «الفقهاء» لتأخذه من أبنائه وزوجته». حمل الأب حريري السحر إلى بيته وأراه للجميع: «قطعة من قصب مختومة بشمع، وبداخلها مشاق من شعر الأب وشعيرات من أشفاره، وأجزاء من أظافره، وخيطا بطول قامته، ثم قطعة جلد من حذائه».
ولما استخرج السحر، تذكر أن إبطاله يتطلب أن يقتفي التعاليم وأن لا يخرج عن الوصية:
تحصن جيدا قبل أن تمسك السحر
– احرص عند فتح السحر على ألا يضيع منه شيئا أو يسقط، وذلك بفتحه داخل إناء أو تجعل تحته قطعة قماش أو نحوها
– إذا كانت مادة السحر خيوطا معقودة، اقرأ عليها الرقية ثم فك العقد.
– إذا كانت مادة السحر طلسمات مكتوبة، يمكنك حرقها فقط، ولك أن تمحي الكتابة بماء مقروء عليه الرقية، ثم جففها واحرقها
– ‘ذا كانت مادة السحر خرزا أو أحجارا أو معدنا تقرأ عليها رقية المسحور ثم تكسرها إن كانت قابلة للكسر ثم تضعها في ماء مقروء عليه رقية المسحور وتتركها فيه لبضعة ايام
– إذا كانت مادة السحر مسحوقا كالبودر أو أوراقا محترقة، اقرأ رقية المسحور على ملح الطعام ثم انثر الملح على مادة السحر في مكانها، كرر هذه الطريق ثلاث مرات
– إذا كانت مادة السحر مرشوشة، تأخذ كمية من ملح الطعام ثم تذيبه في ماء، وترقأ عليه رقية المسحور وترشه على مكان السحر، تكرر هذه الطريقة ثلاث مرات
– إذا علم أن السحر مدفون في مكان معين ولكن لا يمكن تحديد موقعه، فتأخذ كمية من ملح الطعام أو ماء البحر أو ماء عادي وتقرأ عليه رقية المسحور وتنثره على عامة ذلك المكان».
وبعدما اتضح للأب أن عائشة سحرته وضع حدا لعلاقته بها، كما احتفظ بالأشياء التي تدينها، ثم قال: «إن تسحرني مرة أخرى أضربها حتى تشرف على الموت، ثم أحمل هذه الأشياء وأسجل شكاية ضدها». و«بمجرد ما قطع الأب زياراته لعائشة استرجع اهتمامه ببيته، فكف عن الدخول إليه متأخرا، وأخذ يستفسر أبناءه عن دراستهم».
غير أن «الهدوء» كان عابرا، إذ في الايام الموالية لم يعد يزورها يوميا فحسب، بل صار يبيت عندها باستمرار دون أن يكثرت لأسرته، صار يعود إلى بيته مقررا أن يقضي الليلة فيه، لكن ما تصل ساعة متأخرة من الليل حتى يستيقظ ويتهيأ للالتحاق بالمرأة المعنية. وكلما وجه له أبناؤه أو زوجته لوما أجاب: «بصراحة، شيء ما يرغمني على زيارتها، لا أستطيع استعادة الإحساس بالراحة إلا بعد رؤيتها».
إن هذه الحكاية يسوقها محمد أسليم في كتابه هوامش في السحـر، وهي نموذج فاضح لما يجري في المجتمع من قصص ترتبط كلها بالسحر، بل أحيانا تكتمل في قاعات المحاكم أو ظلمات المقابر. وقد قامت أسرة الأب المسحور – يقول أسليم – عند هذا الحد «بمسعيين مختلفين: الأول انصب على إبطال سحر الاب. ولتحقيق ذلك زار الأب نفسه عدة عرافات»، لكن دون جدوى، بل إن زوجته وابنتاه هن الأخريان كن يترددن على عدد من مشاهير مزيلي السحر، لكن دون أية نتيجة أيضا (…) أما المسعى الثاني، فقد ركز على ممارسة عنف كلامي وجسدي ضد الساحرة عائشة (…). وبمثابة رد فعل قامن عائشة بسحر نادية نفسها، فعانت هذه الأخيرة من «فيضة» (نزيف في الرحم) طيلة عشرين يوما زارت خلالها عددا من الأطباء دون أن يعثر أي واحد منهم على أعراض مرض ما، فلم تجد الشفاء غلا على يد فقيه كتب لها حجابا ينبغي تجديده مرة واحدة كل سنة».
بل إن أسليم يرجع – في تحليله لهذه الحكاية – فشل جميع مساعي تخليص الأب من المرأة الأرملة بإبطال سحرها، على سببين: «أولهما كونه ضحية ساحرين يجسدان صورتين للساحر على نحو ما صاغته أساطير الإسلام: صورة الساحر باعتباره شخصا يحكم الجن والشياطين باستخدام معرفة يتلقاها عن طريق التعلم. ووراء هذه الصورة نجد أسطورة ما يمكن تسميته بـ «الأصل الشيطاني للسحر»، التي تقول إحدى رواياتها إن الشياطين اغتنموا فرصة إطاحة إبليس بالنبي سليمان لردح من الوقت، فألفوا كتبا في السحر، ثم دفنوها تحت عرشه حتى إذا مات أخرجوها للناس فتوارثها هؤلاء ومنها يتعلم الناس السحر إلى اليوم.
الصورة الثانية للساحر تجعل منه امرأة شريرة، ووراء هذا التمثل نجد ما يمكن تسميته بـ «الأصل الرباني للسحر» التي ترى أن الله أوكل للملكين هاروت وماروت مهمة تعليم السحر للناس، لاختبار إيمانهم. وبهذا الصدد يسوق الطبري وابن كثير رواية امرأة سافرت إلى بابل على ظهر كلب أسود، ثم أجرت مفاوضات مع الملكين هاروت وماروت، فعلماها السحر.
أما السبب الثاني، في فشل إبطال السحر الذي يعاني منه الأب، فيعود إلى كون ساحريه يرتبطان بقرابة، فضلا عن كونهما معنين معا بنتائج طقوسهما السحرية. ففي المغرب يسود الاعتقاد بأن عدم فعالية طقوس الساحر لا تعود إلى افتقاره إلى معرفة عميقة بالسحر بقدر ما تعود إلى غشه في إنجاز الطقوس، وذلك إما لكونه غير معني مباشرة بنتائحها أو لكونه لا يغامر بربط اتصال مع الجن خشية ما قد يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة قد تصل إلى حد الموت».

(صدرت هذه الدراسة، في الأصل، ضمن الاتحاد الاشتراكي الأسبوعي، 16-22 يونيو 2002، العدد: 10)

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: السبت 08-09-2012 10:50 مساء

الاخبار العاجلة