محمد أسليـم: بعض قضايا المشهد الثقافي الرقمي بالمغرب / حوار: بوجمعة أشفري

549 views مشاهدة
minou
قضايا وملفاتمقالات
محمد أسليـم: بعض قضايا المشهد الثقافي الرقمي بالمغرب / حوار: بوجمعة أشفري

– متى بدأ الاهتمام بالمشهد الثقافي الرقمي في المغرب؟
للاهتمام بالمشهد الرقمي بُعدان: الأول يرتبط بإحداث البنيات التحية الضرورية للاتصال بالشبكة العالمية، وهذه مهمة الدولة، وانخراط المغرب في الشبكة الرقمية جاء في أواخر التسعينيات، متأخرا شيئا ما عن الانطللاق العالمي للحركة سنة 1993، ومتأخرا كذلك عن مجموعة من بلدان المشرق العربي، وهو ما يفسر التفاوت الهائل الحاصل بين المشرق والمغرب على صعيد مرتادي الشبكة كما على صعيد عدد المواقع الثقافية والإخبارية والمعلوماتية الشخصية وغيرها.
أما البعد الثاني فيتعلق باستغلال هذه البنيات وتوظيفها في تأثيث المشهد، وهي عملية في متناول الجميع، وعلى قدم المساواة: الأفراد والمؤسسات. قبل تمكين المستهلك المغربي من الاتصال بالنت عبر شبكة الاتصال السريع ADSL، كان تأثيث المشهد عملية لا تقوى عليها إلا المؤسسات الحكومية وغيرها، كما كان عدد المثقفين المترددين على الشبكة قليلا جدا بالمقارنة مع هذه النقلة النوعية التي انطلقت منذ ماي 2004. علما بأن هناك أسماء التحقت في وقت مبكر، مثل د. المهدي المنجرة وسعيد يقطين ومحمد عابد الجابري ويحيى يحياوي وآخرين.
لكن الاهتمام بالمشهد الثقافي الرقمي يعني أيضا التخطيط له ومتابعته بالتحليل والنقد في أفق تحقيق حضور مغربي نوعي إلى جانب المشاهد الأخرى العربية وغيرها. على هذا الصعيد، من السابق لأوانه الحديث عن وجود اهتمام ما بهذا الحقل في المغرب لأن لا شيء يُلمس في الظاهر على الأقل.
– هل كان انحسار الثقافي في المشهد الإعلامي المكتوب هو ما دفع الكثير من الأسماء إلى الالتجاء وبقوة إلى النشر في الجرائد والمواقع الإلكترونية؟
نعم لهذا العامل دوره، وهو مسؤول عنه في شطر وغير مسؤول في ثان:
جانب المسؤولية يتمثل في الحضور القوي لما يُسمى بـ «المصفاة» في حقل النشر الورقي بالمغرب، والذي يمضي إلى حد اعتماد عناصر خارج نصية في نشر النصوص، الأمر الذي يؤدي إلى إقصاءات لا مبرر لها. أما الجانب الثاني، فيتمثل في إكراهات منابر الشر الورقي: عندما يكون الملحق الثقافي لهذه الصحيفة أو تلك محوددا بعدد معين من الصفحات، إضافة إلى كونه لا يصدر سوى مرة واحدة في الأسبوع، فسيتحيل على هذا الملحق أن يرضي جميع الأقلام. إن شاءت الملاحق الثقافية استعادة الحظورة التي كانت تتمتع بها في السبعينيات والثمانينيات، على الأقل، فيجب عليها البحث عن صيغ أخرى: أقلها أن يصل عدد صفحات الملحق إلى 32 صفحة أسبوعية، ولأجل ذلك ينبغي عليها أن تتأمل ما يجري في النشر الرقمي:
النشر الإلكتروني لا يعرف إكراهات طول النصوص: فالمنشورات توضع في خوادم تزداد سعتها التخزينية يوما عن يوم، حتى إن الحديث جار عن ابتكارات ستفضي إلى وضع ما يعادل الموارد النصية للخزانة الوطنية الفرنسية كاملة في مساحة لا تتجاوز سعة رأس إبرة. بالإضافة إلى ذلك، لا يعرف النشر نفسه إكراه الزمن: يمكنك أن ترسل نصك إلى أي منبر، فيظهر دقائق بعد الإرسال. أكثر من ذلك، بمجرد ما يوضع النص رهن التصفح يصير قابلا للقراءة انطلاقا من أي نقطة من نقط الكوكب، من لدن أي قارئ معني بقراءته، والذي يكفيه لأجل ذلك أن يتوفر على جهاز متصل بالشبكة. ومعنى ذلك أن النصوص تتخطى حاجز المكان وتعفي الناشر من المبالغ المالية الطالة التي يتطلبها التوزيع. أخيرا، بعد النشر، يصير بإمكان الكاتب تتبع حياة نصه عبر عدادات الزوار، فيعرف كم عدد القراءات التي حظي بها نصه، وإذا ما توفر في منبر النشر إمكانية التفاعل تعرف الكاتبُ أيضا على وجهات نظر القراء حول منشوره وتقويماتهم له. وخلال ذلك قد تنشأ علاقات صداقة غيرها بين الكاتب وقرائه، وتواصلات موازية.
– هل كل ما ينشر الآن في المشهد الرقمي يعطي صورة واضحة المعالم عن الثقافة المغربية: إبداعا ونقدا وفكرا؟
لا أبدا. تقديم الصورة الواضحة عن ثقافتنا لن يتأتى إلا بالعمل في واجهتين: مؤسسية وفردية.
إذا فحصنا الواجهة الأولى لاحظنا غيابا شبه تام للمؤسسات المسؤولة عن الحقل الثقافي في بلادنا، وهذه ملاحظة تنطبق على المغرب كما على معظم الدول العربية على السواء. لا نجد في العالم العربي موقعا واحدا لوزارة الثقافة في بلد ما يُظاهي موقع وزارة الثقافة الفرنسية، مثلا، الذي تشكل صفحته الرئيسية مدخلا لمتاهة حقيقية من المعلومات الثقافية والفكرية والموارد الوثائقية، كما لا نجد موقعا واحدا لاتحاد الكتاب أو رابطاتهم في أي بلد عربي يظاهي موقع اتحاد الكتاب العرب، وهذا هو الاستثناء المؤسسي الوحيد الجدير بالذكر. نحن لم ندخل بعد عصر التدوين الورقي على نحو ما دخلت إليه فرنسا، مثلا، التي تضع عبر أحد خوادمها ما يزيد على 000 200 كتاب رهن إشارة المتصفحين مجانا. لا نتحدث عن أمريكا التي ترقم كل الكتب التي تعود إلى القرن 19 للإتلاف الذي سيطالها للتفاعل الكيميائي لبعض مواد المداد.
أما إذا انتقلنا للواجهة الثانية، لاحظنا تخلف معظم المثقفين المغاربة عن الحقل الرقمي بما يجعل المشهد الثقافي المغربي لا يزال أسير الورق والواقع. المبادرات الموجودة حاليا تعد على رؤوس الأصابع؛ معظمها عبارة عن مواقع شخصية، وحفنة تعد على رؤوس الأصابع هي التي يتولى أصحابها نشر أعمال آخرين بالإضافة إلى أعمالهم، ومن ثمة تكون وجهة معظم الأقلام التي تنشر هي مواقع مشرقية. وهذه المبادرات الفردية لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى نظائر لها في العالم العربي وغيره، مثل موقع الوراق (لشخص كويتي أو إماراتي)، وموقع كلاسيكيات العلوم الاجتماعية (لعالم اجتماع كندي).

– كيف ترى من موقعك كمهتم ومتتبع للمشهد الرقمي ما آلت وما ستؤول إليه الثقافة المغربية؟
ستؤوول إلى ما ستؤول إليه الثقافات قاطبة؛ ستكون حاضرة بجميع مظاهرها ومكوناتها في العالم الافتراضي، لأن الأمر في الثورة الرقمية يتعلق بما يُشبه قدرا كونيا لا مفر منه. العالم قاطبة يعيش اليوم فجر حضارة جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ستشكل فيها المعلومات الثروات الحقيقية لكل شعب. والعمل في حقل التكنولوجيا المعلوماتية ماض على قدم وساق لإحلال الافتراض محل الواقع في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية وأنشطتها. والسلبيات التي ورد ذكرها في ثنايا هذا الحوار يجد معظمها تفسيره في كوننا لا زلنا نعيش العتبات الأولى لهذا الحادث الأعظم، وتخلفنا لا يعدو أن يكون آنيا كما أن تقدمنا لا يعدو مجرد مسألة وقت.
– المشهد الرقمي بدأ يشغل الكثير من المبدعين والكتاب، فهل هي نهاية المكتوب الورقي؟
مصير الكتاب الورقي ليس رهينا بانشغال المبدعين والكتاب عنه بالحقل الرقمي بقدر ما يرتبط بتاريخ الكتاب نفسه. ثمة فكرة رائجة اليوم تقول إن الكتاب الورقي سينتهي بحلول سنة 2020، وهي فكرة لا يمكن استبعادها لسبب موضوعي واحد، على الأقل، وهو استحالة استمرار استنزاف أحد الموارد الطبيعية الحيوية، وهي الغابات، على نحو ما يتم اليوم.
إذا عدنا إلى تاريخ الكتاب لاحظنا أنه، عبر مسيرة استغرقت آلاف السنين، كان بحثا دؤوبا عن الصيغة المثلى لحفظ المعلومات، وتيسير البحث عنها والاطلاع عليها. من الألواح المسمارية إلى كتاب جتنبرغ تحققت خطوات عملاقة، ولكنها بقدر ما استنفذت إمكانياتها شكلت تمهيدا حقيقيا لما يُسمى الآن ب«النص التشعبي» الذي يبدو أنه سيحل محل الكتاب نهائيا. نحن نعيش فترة انتقال من الكتاب إلى النص؛ من النص المغلق، كتابا كان أم مقالا، إلى النص باعتباره خيطا في نسيج هائل من النصوص لا تسعها سوى تسمية واحدة: هي النص التشعبي.

———

(حوار: بوجمعة أشفري، نص الحوار في أسبوعية البيضـاوي، يوم 28 نونبـر 2005، العدد: 175، بالصفحة 26)

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 26-08-2012 05:17 صباحا

الاخبار العاجلة