مال الغيطاني : «لو ما ترشحش السيسي حتبقى مصيبة»

1٬583 views مشاهدة
minou
شوون راهنـةمقالات
مال الغيطاني : «لو ما ترشحش السيسي حتبقى مصيبة»

“بيان عشق للمغرب”

هكذا يمكن عنونة المحاضرة التي ألقاها الكاتب المصري الكبير جمال الغيطاني ليلة الثلاثاء 11/03/2014، بالمكتبة الوطنية بالرباط. الأحداث المغربية التقت مبدع “الزيني بركات” و”متون الأهرام” قبل الندوة وأجرت معه حديثا طال شجون السياسة في أرض الكنانة ورؤيته للأحداث السياسية هناك بداية من ثورة 30 يونيو، التي يعتبرها بداية طريق السلام مادامت قد أسقطت حكم الإخوان المسلمين، كما طال هذا الحديث أيضا شؤون الثقافة والأدب، وهو حديث عزيز على قلب صاحب “كتاب التجليات”. جمال الغيطاني أبان، سواء في الحوار أو المحاضرة، عن وجهه المغربي هو الذي فاجأ الحاضرين بكل هذا الإلمام العميق بالثقافة المغربية، التي قال أنها حققت له تلك الخصوصية التي كان يفتش عنها في كتاباته، ووجدها هنا في المعمار والزخرفة والتصوف والحرف التقليدية وفي المكان السحري والإنسان المغربي الملفع بذلك السر الذي كان يفجره كلما صعد حاجا في أرض الكنانة.

حديث السياسة : «لم أشعر على مصر بالخطر أيام مواجهة إسرائيل كما شعرت به في عهد الإخوان»
* ونحن في حضرة مثقف وكاتب في قامة جمال الغيطاني كان دوما منغمرا في قضايا الشأن العام، لا يمكننا القفز على سؤالك عن آخر التطورات السياسية في أرض الكنانة. هل تنحو بمصر إلى بر الأمان أم تعصف بها نحو مزيد من التردي وعدم الاستقرار؟

** “شوف حضرتك”، أرض الكنانة ولدت من جديد يوم خروج الشعب المصري ذلك الخروج الأسطوري إلى درجة أذهلت العالم المتحضر، الذي كنا دوما نتعلم منه، وجعلته لا يستطع فهم ماذا يحصل. أو ربما هو يتعمد عدم الفهم. وأعني بيوم الخروج 30 يونيو عندما تمت فيه تنحية الإخوان المسلمين عن الحكم. هذه اللحظة كانت بداية طريق السلام. في هذا اليوم المشهود حصل شيء مهم جدا هو خروج أكثر من 30 مليون مصري، وأنا أقدّر أن العدد كان أكبر من هذا لأن هناك محافظات لم تدخل في الحساب. كان يمكن أن ينتهي هذا الخروج بكارثة لولا استجابة الجيش لإرادة الشعب. تلا ذلك اضطرابات مازلنا نمر بها، لكن الأمور تتحسن مع الوقت، وعند استكمال الخطوات الثلاث لخارطة الطريق التي وضعت في الثالث من يوليوز أعتقد أن مصر جديدة سترى النور.

* ألا تخشى بترشح المشير عبد الفتاح السيسي من عودة حكم العسكر أم أنك ترى أن الوثيقة الدستورية تحصن مصر من مصير كهذا؟
** لا لا لا . “ذا لو ما ترشحش السيسي حتبقى مصيبة”.. القضية الآن هي مسألة.. (لحظة صمت).. أولا أنا متحفظ على تعبير العسكر..

* لكنه تعبير شائع إعلاميا
** نعم، إنما العسكر هم الانكشارية العثمانيين المرتزقة. والجيش المصري ليس جيش مرتزقة، بل جيش من الشعب. وعلاقته التاريخية بالشعب هي علاقة إيجابية. فلم يحدث له أن قتل فردا من الشعب. هو “مش متربي على كده”. عقيدته القتالية لا تتضمن هذا النهج. عليك أن تعرف أن الدولة المصرية الآن ولأول مرة في التاريخ صارت مستهدفة. لذلك نحتاج إلى شخص قوي ومؤسسة قوية تحمي الدولة. أنا سأقول لك شيئا. فرنسا بعد سنة 1945 من الشخص الذي اختارته للحكم؟ الجنرال ديغول. نحن في وضع مشابه. عندما يصبح الجيش مهددا بالانهيار فأنت في حاجة إلى دعامة. إلى أي عمل ينقذ الناس. هذه الحاجة تصبح أكثر إلحاحية وأنت تقف في مواجهة اتجاه يقتل المواطنين يوميا، وخطة لتقسيم البلاد معلنة تساندها أقوى قوة في العالم. تواجه اتجاها سياسيا يتستر بالدين ولا يؤمن بفكرة الوطن. لذلك فالحاجة إلى شخص قوي تفرض نفسها عليك. الزعامة في مصر شروط. سعد زغلول لم يولد زعيما. على العكس، عندما تقرأ حياته لا يمكن أن تتنبأ بأنه سيصبح زعيم ثورة. لكن في لحظة معينة نصّـبه الشعب المصري في القلوب. نفس الشيء حصل مع السيسي. “هو عمل إيه السيسي”؟ كان مجهولا. رجل له مسار عسكري مهني ومدير للمخابرات العسكرية. لكنه لما خرج وسط الناس صدقه المصريون. فحصلت المعجزة وولدت من خلال كلمتين فقط قالهما للناس «مصر كانت أم الدنيا وحتبقى أم الدنيا». كلام بسيط جدا. الموقف الذي اتخذه والمخاطرة التي خاضها لا يقلان عن قرار الحرب عام 1973. الفرق أنك في 73 وفي حرب الاستنزاف كنت تواجه دولة، وأنا كنت وقتها مراسلا حربيا، وأقول لك بكل صدق أني لم يكن عندي شعور بالخطر كما كان وقت حكم الإخوان المسلمين.

* أإلى هذا الحد؟
** طبعا. هناك قواعد للصراع معروفة حين كانت تواجه مصر إسرائيل. أما في حالة الإخوان فأنت أمام عدو من الداخل لا يؤمن بوطنه..

* لكن، هل اجتثاث الإخوان المسلمين، وهم جزء لا يتجزأ من التشكيلة الاجتماعية في مصر، هو الحل؟ لقد سبق تجريب هذه الوصفة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر ولم تؤد إلا إلى نتائج عكسية؟
** هذه مشكلتهم. عليهم أن يغيروا موقفهم. فكرة الإصرار على السلطة انتهت. ألم يحكموا؟ لقد أتيحت لهم فرصة نادرة. تمكنوا من أكبر بلد عربي. فماذا فعلوا؟ كشفوا عن شهوة كبيرة للسلطة، وعن فساد لم يكن موجودا أيام مبارك. “من ليس منا فليس معنا، ليس مصريا”. تصور معي هذه القولة. ثم بدأت عملية الاعتداء على شيئين أساسيين إذا مُسا عند المصريين ينقلب الأمر. الاعتداء على الدولة والاعتداء على ثقافة المصريين. يعني على سبيل المثال، من أقوى عنصر خرج ضد الإخوان طيلة سنة حكمهم وفي 30 يونيو؟ إذا بحثت ستجد المرأة. كان هناك مشهد مؤثر ودال في مصر عندما خرجت هذه المرأة تحمل كفنا. عادة، الرجل هو الذي يحمل الكفن. لكن لأول مرة نساء مصر يخرجن ويتجهن نحو قصر الاتحادية وهن حاملات أكفانهن. تصور أن 40 في المائة من الأسر المصرية تعولها نساء. علينا ألا ننسى أنالمرأة في مصر هي حاملة القيم الثقافية. (أنا أمي هي التي ربتني، وهي التي توجد معي طول النهار). ثم فجأة وجدت هذه المرأة نفسها في درجة ثالثة، مطلوب تحييدها والتضييق عليها. شيء آخر عى نفس الدرجة من الأهمية، في مصر يعيش على الأقل 10 ملايين قبطي. في حكم الإخوان تم إحراق 90 كنيسة، وتعرض من يعترفون بالمذهب الشيعي لمذبحة مروعة وأحرقوا هم أحياء. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الإخوان ضد الثقافة المصرية العميقة، أي ضد فكرة التعايش. لذلك أنا أقول أن الإخوان خسروا بجدارة. هم “طفشوا” الناس، والملايين التي نزلت يوم 30 يونيو نزلت كأفراد. لم يكن هناك حزب وقف وراد حشدهم. وهذا الخروج للإشارة هو حالة نادرة جدا في مصر لا تحصل إلا وفقا لشروط دقيقة. حصلت يومي 9 و10 يوليوز، وعام 19، وعام 73 عندما عبر الجيش القناة لمواجهة إسرائيل. أعود لأؤكد لك ألا خوف، والسيسي بمجرد أن يخلع البدلة العسكرية من حقه الترشح كأي واحد مصري. والحفاظ على الجيش في رأيي هو مطلب قومي وليس فقط مطلبا وطنيا، فلم يتبق في العالم العربي إلا جيش واحد هو الجيش المصري.

حديث الثقافة : «المغرب ركن ركين في تكويني الروحي والأدبي»

* لنترك أوجاع السياسة وننتقل إلى حديث الأدب والثقافة العزيز على قلبك، ونسألك عن سر علاقتك بهذا المغرب الذي استبطنت ثقافته وجعلت منها جزءا من تكوينك وإحدى خلفيات كتابتك؟

** هذا طبعا هو موضوع الندوة التي سأحاضر فيها (أنظر المؤطر). لكن أستطيع أن أقول أن المغرب يشكل حقا ركنا ركينا في تكويني الروحي والأدبي وفي كتاباتي. قبل أن أزور هذا البلد كنت أعيش في الصعيد حيث ولدت. في الحد الفاصل بين الزراعة والصحراء كنا نفاجأ في قريتنا جهينة بظهور مغربي قادم عبر الصحراء في طريقه إلى الحج. نفس الصورة ستطالعني ونحن نقيم في حي الجمالية بالقاهرة عندما كنت أرى ركب الحجاج المغاربة (الركب الفاسي) وهم ينزلون من حافلات تحمل لوحاتها أسماء فاس ومكناس ومراكش بالقرب من الأزهر الشريف. هذا الخط سيقطعه عام 1969 معمر القذافي عندما سيصل إلى الحكم. وهو خط الحج عبر طريق البر الذي استمر على مر تاريخ كامل. وفي كلتا الحالتين، في الصعيد والقاهرة، عايشت صورة للمغربي في المخيلة الشعبية كانت تشدني إليها بقوة سحرية. هي صورة هذا القادم من بعيد والعارف بالسر والذي باستطاعته أن يفتح الكتاب ويتنبأ بالمستقبل.

* هل بقيت تحمل نفس الصورة وأنت تكتشف المغرب مباشرة ومن الداخل؟
** أول مرة يُفتح فيها لي باب المغرب كانت عام 1979 بمناسبة انعقاد مؤتمر الرواية العربية. كان ذلك في فاس. عندما حللت بهذه المدينة شعرت بأنها تجسد فعلا العالم الذي أسعى لخلقه في رواياتي. لقد شعرت برجفة وأنا أدخل القرويين. هناك معادلة مدهشة جدا في المغرب تتمثل في هذه القدرة العجيبة على الجمع بين القديم والجديد، لا أريد أن أسميها ثنائية التراث والمعاصرة. خذ العمارة مثلا، الإرث الأندلسي في الفنون عموما حوفظ عليه بتفاصيله المدهشة. إذا تناولنا العمارة التقليدية فسنجد أن العالم كله يذهب ليشاهد الحمراء. أنا دخلت قصور جلالة الملك، لكني أتكلم عن البيوت العادية، عما تسمونه بالقصر، معمار فريد تجد فيه من الفن والراحة والمواءمة ما يجعلك تسمع الموسيقى الأندلسية عبر الجدران وترى الألوان في كل مكان. كما أن المدينة القديمة حوفظ عليها كما هي وعلى مسافة قريبة منها بنيت المدينة الحديثة. وهذا موجود في أغلب المدن، في فاس والرباط وغيرهما. طبعا هناك مدن تمثل حالة خاصة مثل شفشاون التي أعتبرها من أجمل المدن في العالم وتطوان المفرودة على شكل جناحي حمامة. العمارة عندي مدخل لتحقيق الخصوصية في كتاباتي. من هنا بدأت أقرأ عنها في المغرب. قرأت لمؤلف فرنسي كتابا مهما أصبح نادر الآن بعنوان “الحرف والصناعات التقليدية في المغرب” واقتنيته رغم أن سعره في ذلك الوقت كان مؤلما (يضحك). من ثمة بدأت علاقتي المباشرة بالمغرب. وكلما زرته إلا واكتشفت فيه الجديد إلى درجة أني كنت لا أعود إلى القاهرة إلا وأنا أحمل معي جزءا مكشتفا من الثقافة المغربية.. موسيقى الآلة، التي أسمعها في البيت وفي السيارة. الملحون وصوت الحسين التولالي…

* على مدار 34 من معرفتك بالفضاء المغربي هل استوحيته في بعض كتبك؟
** كتبت عن فاس في كتاب التجليات، لكن ليس تلك الكتابة التي أطمح إليها. أنا دائما أعطي الأولوية للرواية. لو قرأت “حضرتك” كتاب التجليات ستجد لفاس حضورا مركزيا، وأنا أفترض أن عندي نوعا من المعراج الروحي كما هو حال المتصوفة. لقد أوحي لي تصميم المدن المغربية بفكرة أن الأصل في حكايات ألف ليلة وليلة نابع أساسا من تصميم المدن. ولي في هذا الباب دراسة مشهورة عن العلاقة بين الزخرفة العربية وتصميم المدن والحكايات العربية…

* حديثك عن المغرب يخفي نزعة التمركز المشرقي
** أن أرى الإشكال نابع من المغاربة…

* نوع من العقدة؟
** لا، ليس عقدة، المشارقة يحكمون في الظاهر، لكن في الواقع، التأثير المغربي في مصر التي أعرفها أكثر من غيرها هو أكبر مما نتصور. يكفي أن تعرف أن جميع أقطاب الصوفية في مصر هم مغاربة بلا استثناء. الشيء الثاني، هو أن المغرب كان يؤثر في مصر من خلال شريان رئيسي استمر عبر العصور هو ركب الحج إلى أن قطعه معمر القذافي عام 1969، كما قلت لك، والغريب أن الثورة التي نهضت في ليبيا على فكرة الدعوة إلى وحدة العالم العربي قامت على أرض الواقع بقطع روابط هذه الوحدة وخنق شريان حيوي في العلاقة التاريخية بين المغرب والمشرق.

* ظهرت عدة كتابات حول الثورة المصرية، كيف تقيم مستواها وهل أوحت لك بعمل في نفس المستوي الملحمي الذي خلقته الجماهير الثائرة؟
** لا لا، الذي حصل هو تجارة بثورة يوليوز. تجد روائيا متوسطا ويحمل نعت “روائي الثورة”. هناك أفراد حاولوا أن يركبوا علي موجة حدث كبير بهذا الحجم. لكن هذه الظاهرة عمرها قصير. لا تنس أن الرواية تكتب عن فساد النظام في مصر منذ السبعينيات. وضد القهر الناصري منذ الستينيات. الأدب كان باستمرار مقاوما، ولك في “تلك الرائحة” و”ثرثرة فوق النيل” و”الزيني بركات” أمثلة. الثورة المصرية الحالية لن يظهر تأثيرها في الأدب إلا بعد مرور حوالي سبع سنوات. فمصر تمر اليوم بمخاض أعنف من ثورة 19. وهذا يحتاج طبعا إلى معالجة متعددة.

حاوره : عبد العالي دمياني

عن جريدة الأحداث المغربية

*********

مؤطر
«المغرب يحكم مصر روحيا»
«عندما يقول لي أصدقائي المغاربة أنتم المصريون لا تهتمون بنا أقول لهم أنتم تحكموننا». بهذه العبارة أنهى الروائي المصري الكبير جمال الغيطاني محاضرته الجميلة التي ألقاها ليلة الثلاثاء الفائت بالمكتبة الوطنية بالرباط في ندوة “العلاقات المغربية المصرية” وحضرها وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق وسفير مصر إيهاب جمال الدين. والعبارة تلخص سفرا عميقا عبر التاريخ استبطن فيه مبدع “الزيني بركات” أشكال التأثير المغربي في أرض الكنانة، إذ قال أن أقطاب الصوفية هناك هم مغاربة مثل عبد الرحيم القنائي السبتي أكبر ولي في الصعد وسيدي أحمد البدوي الفاسي أكبر ولي في الدلتا والبحري والذي يؤمه 4 ملايين زائر. بل يذهب الغيطاني إلى أن 90 في المائة من الصوفية والأولياء الذين يشكلون خارطة ضرائحية تمتد على أرض الكنانة هم مغاربة الأمر الذي يفسر عمق التغلغل الروحي المغربي في الحياة المصرية.
أكثر من هذا قال صاحب “كتاب التجليات” أن المغاربة هم الذين بنوا القاهرة واستدل على ذلك بكون الفاطميين خرجوا بدعوتهم من المغرب ليدخلوا مصر، وتحديدا من المهدية مخفورين بعدة قبائل مغربية مثل كتامة وزوالة والبرقية ولم تزل العديد من شوارع القاهرة العميقة تحمل أسماءها. كما أن ثمة أربعة أبواب من أصل ثمانية تشكل مداخل المدينة تحمل أسماء هذه القبائل التي نزلت بر مصر في الركب الفاطمي. وقال الغطياني أن المغاربة كانوا دوما سباقين إلى الذود عن أرض الكنانة، ولا أدل على ذلك من أفواج المجاهدين الذين سارعوا إلى الدفاع عنها في وجه الحملة النابليونية…
تصوير : عبد اللطيف القراشي

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: السبت 22-03-2014 12:03 مساء

الاخبار العاجلة