الدولة والأخلاق والسياسة في السياق العربي الإسلامي: 04 – القسم الأول: نظرية السلطان

1٬279 views مشاهدة
الدولة والأخلاق والسياسة في السياق العربي الإسلامي: 04 – القسم الأول: نظرية السلطان

القســم الأول: نظـريـة السطـان
الفصــل الثانـي: مَأسَسَة المجتمَع أوْ تأسِيسُ الدَّوْلـَة
ليست الدولة، في تصور ابن المقفع، مفهوما مجردا فقط، إذ لا يدرسها باعتبارها قوة فكرية، بل باعتبارها أيضا – وأساسا – فاعلا ملموسا في حياة الناس، بنية فعلية للمجتمع، ومن ثمة ينطوي تأمله على جانبين اثنين

1) الدولة باعتبارها قوة وتسلطا هي بنية للهيمنة. يتعلق الأمر بالدولة التي تقدمها اليتيمة الأولى كفكرة استعاريـة.

2) الدولة الملموسة، وهي بنية دينامية بداخلها تنسَج علاقات سلطَة. إنها تهتم بتدبير الأشياء العامة وإدارتها. يتعلق الأمر بالدولة المعروضة في رسالة الصحابة وفي كتاب تنسر.
تشكل الدولة، كما توضحها رسالة الصحابة، إن صحَّ القول، البنية التحتية للدولة التي تصفها يتيمة السلطان.
يستهل ابن المقفع فكره بعرض تصميم / برنامج للسياسة العمومية[1] يحدِّد فيه المهام ذات الصبغة الأولوية التي تنتظرها الرعية من الحكومة.
تصف رسالة الصحابة حالة الجيش، وبيت المال، وإدارة الشرطة، والأحكام القضائية. قبل الثورة، كان المسلمون يعيشون في ظل بنية دولاتية زائفة، أي في ظل نوع من الدولة الارتجالية المرتكزة على هيمنة دينية أو سياسية لا على تصور ميثولوجي ديني كما لازال البعض يرى[2].
يستند عمل ابن المقفع إلى قوة، لكنها مُعَقلَنة لأن القوة تشط، والعقل يلجم هذا الشطط، يروضه ويوجهه في الاتجاه الصحيح.
أي تعريف للدولة يمكن أن يستخلَص من ذلك؟
الدولة هي مجموع المؤسسات التي تجسد السلطان والمجتمع، وظيفتها ضمانُ التوازن الاجتماعي والاستقرار السياسي حتَّى يتمكن كل امرئ من الانشغال بالمهام الخاصة به، شرطٌُ لازمٌ لضمان تفوق الملِك. والدولة لا تختلط بالسلطان ولا بمن بيده المُلك / الملِك، كما لا تشتغل باعتبارها مؤسسة شخصية institu personae. إنها مؤسسة يتجاوز دوامها من هي بيده.
كيف ندرج هذه الرؤية لابن المقفع في الواقع التاريخي لذلك العصر؟
في الواقع، يعتبر عمل ابن المقفع تجريدا للدولة والسلطان المعاصرَين له من طابعهما الروحي.
1) تجريد الدولة من الطابع الروحي: يتمثل في توضيح مفهوم الدولة الذي استعمله ابن المقفع من قبل. يقول: إن الدولة قوة، ولكن كيف هي قوة؟ لأنها سيِّدَة السِّلم والحياة الجماعية. الناسُ عاجزون عن العثور بمفردهم على سبيل الرخاء، ولهذا السبب يصير وجود الدولة أمرا أساسيا. هنا فكرة يمكن أن تقرب ابن المقفع من الفكر المعاصر عندما يرسم الخطوط الكبرى لتَمَثل «دولة محضِّرَة»[3]. بيد أن طرحَه لا يهدف أساسا إلى جعل المسلمين يكتشفون الطبيعة الحقيقية للدولة؛ فهي مفهوم غريب عنهم ومقترن بأنظمة دُوَل أهل الشرك وحدَها.
2) بهذا التصور الذي يميل إلى الموضوعية السياسية، ينزع المؤلف الصبغة الروحية كذلك، وأساسا، عن أنظمة «الخلفاء» الذين كانوا، بموجب نوع من التلقائية الدينية البدئية، يطنبون في امتداح غموض هيمنتهم ويبقون الوضع على ما هو عليه من الخلل في تدبير الشيء العمومي.
مأسسة المجتمع هي جعل العدالة تسوده، وهو ما كان ضروريا بعد الثورَة. وإلا، فأي شيء يمكن أن يميز العباسيين عن الأمويين؟ وإجراء المأسسة مُفَصَّلٌ على نحو جيد في رسالة الصحابة، وكتاب تنسر وبعض الشذرات من كليلة ودمنة.
ولكن يكفي تصفح رسالة في الصحابة لأخذ فكرة عن النظرية المكتملة حولَ الدولة التي يجب أن يتطور المجتمع نحوها. إذ تعالج الرسالة مشاكل الجيش، ومصالح الاستخبارات، وهي مؤسسة مستعارة من الساسانيين وربما من الصينيين أيضا، ثم مشاكل الوظيفة العمومية، واللامركزية، والضرائب، الخ.
يرى ابن المقفع أن البنية الموجودة لا تكفي للحفاظ على الدولة. كذلك يجب أن تأخذ هذه الدولة شكلا «إيديولوجيا»، لأنه بالانطلاق من مبدأ أن الحكم وإن كان يطال الأجساد فالأبدان تفلت منه، ألا يجب تقوية السلطة على الأبدان بإيديولوجية تُجذر الدولة في «العقول» وتضمن بذلك استقرارا دائما. وإذن يجب على الدولة أن تراقب «المعتقدات» الكامنة التي تروج في المجتمع. كما يعود إليها أيضا أن ترسي ما يمكن أن نسميه بإيديولوجيا تتيح لها بلوغ درجة عالية من الاستدخال[4] في العامة. بتعبير آخر، لا يجب على الدولة أن تظل في مستوى سطحي من العلاقات الاجتماعية والبيفردية (inter-individuelles)، بل عليها أن تتجاوز ذلك إلى النفاذ إلى عمق كل فرد.
بماذا يختلف هذا التصور عن نظيره حول الدولة العصرية؟ مهما بدت هذه المقارنة عشوائية وخجولة، فإنها لا تخلو من وَجَاهَة. في الواقع، يعتبر ابن المقفع واحدا من هذه الوجوه التي لم يستكشفها العِلمُ السياسيّ بعد. فمفهوم الدولة الذي استخلصه لم يكتب له حظ البقاء. نعم، لقد أخذَه لاحقو ابن المقفع، لكن بمعنى العائلة الحاكمة، منضمين في ذلك إلى كتابات ابن خلدون. فمثلا، يعرِّف اللغوي أبو هلال العسكري الدَّولة بأن:
«الفرق بين المُلك والدولة أن المُلك يفيد اتساع المقدور… وقوة اليد في القهر للجمهور الأعظم.. والدولة انتقال حال سارة من قوم إلى قوم. والدولة ما يُنال من المال بالدولة فيتداوله القوم بينهم هذا مرة وهذا مرة»[5].
إن ابتكارَ الشأن السياسي من قبل ابن المقفع ليس من باب الصدفة، إذ تُرافقه فكرة تخليق الدولة. أيتعلق الأمر هنا بخاصية للفكر السياسي أم بالاقتران التقليدي بين الأخلاق والسياسة في التقليد المشرقي؟
إن ظروف تحرير أعمال ابن المقفع نفسها تجعل من الصعب إجراء كل تقدير حول الإسهام الحقيقي لكل ما تحمله من جدَّةٍ حول السياسة والأخلاق والمجتمع. ومع ذلك، يمكن التأكيد بأن فكره يشكل النموذَجَ الأصيل للفكر القابل للنفاذ والشفاف لتبادل التأثيرات بين التيارات التي سبقته وتلك التي أعقبته.

I. الدولة الوظيفية: الدفاع والتدبيـر:
للدولة وظيفتان أساسيتان تنحدران من طبيعتها نفسها:
– أولا لأن الدولة قوة، يجب عليها أن تدافع عن نفسها وعن رعاياها.
– ثمَّ لأن الدولة هي الوسيلة التي تتوصل بها العامَّة إلى رخائها، فإنه يجب عليها أن تتوفر على بنية لتدبير الشأن العمومي وتوزيع الثروة الاجتماعية بكيفية تجنب إفقار الرعايا[6]. وبذلك يسجل ابن المقفع أن «المهامَّ»[7] و«الميادين التي يجب أن يتدخل فيها الحكم عديدة»[8]. هذه «النزعة التدخلية» ليست شيئا آخر غير لازم التطور الاجتماعي والانتقال من الفوضى إلى الاستقرار المؤسسي للحضارات المتمدنة[9].

1. دولـة: نظـامــان (قوتــان):
لقد غيَّرت الثورة العبَّاسية العلاقات داخل المجتمع الإسلامي: كانت «الإمبراطورية العربية» ترتكزُ بعمق على علاقات العصبية أو التضامنات العشائرية والعرقية. والعباسيون هم أوَّلا الفاتحون الجدد للسلطة، ارتبطوا بقوميات أخرى وتلقوا الدعم منها، ومن ثم ضرورة أن يتجنبوا تأسيس حكمهم على البنيات القديمة التي تمَّ تصورها وتشييدها منذ زمن الأمويين، بالخصوص في الدفاع والتدبير باعتبارهما مجالين حساسين.
والحالة هذه، يؤكد ابن المقفع أنَّ تفوق الدولة ينحدر من قوة رعاياها، من جهة، ومن قوة جيشها من جهة ثانية. وعليه يجب تقوية هذا الجيش والتصرف على نحو يتيح معرفة و- يتيح احتمالا – فحصَ «رغبات» العامَّـة ومَطالبهـا.
أ – عن المجـال الإقليمي أو الترابي (l’ordre spatial)
لا يمكننا إلا أن نندهش من كون ابن المقفع يستهل رسالته بإثارة مشاكل الجيش. بيد أن أهمية هذه النقطة مفهومة؛ فمن منظوره:
1) ترتكز نظرية الدولة على إدراكٍ لها باعتبارها قوة: كذلك الجيوش وإن كانت قليلة العدد تشكل قوة الدولة[10]؛
2) بالجيش نفذ العباسيون الثورة التي قادتهم إلى الحكم.
3) كان العصر عصرَ توازن اجتماعي مهزوز جدا، بفعل احتدام الصراعات الإقليمية[11]، بحيث لم يكن في استطاعة جيش قبيلي – على نحو ما كان عليه الأمر في عهد الأمويين – سوى أن يذكي الصراعات بدل أن يـهدئها.
حقا، إن الإمبراطورية الإسلامية إمبراطورية عسكرية بالأساس، ولكن مستوى تنظيمها العسكري لم يبلغ نظيره لدى الساسانيين، وقوة هذا الجيش تتأتى تقريبا وإطلاقا من التجارب الحربية للرحل العرب، من شجاعتهم، ومن إيمانهم بالعقيدة التي كانوا يدافعون عنها. ومنذ عهد الأمويين، خضع الجيش لتأثيرات عرقية كبرى. فقد كان مرتبطا بأهل الشام المتربعين على الحكم. أما العباسيين، فقد ارتبطوا بالمعارضين الخرسانيين، وبذلك وجدت المصلحة «الوطنية» ووظيفة الدفاع نفسيهما تحت تهديد تلك الصراعات. وإذا كان ابن المقفع يطالب بمأسسة الجيش وتحسين شروط حياته، فذلك من أجل إيقاف تلك الصراعات بشكل نهائـي.

مأسسة الجيـش:
تستجيب مأسسة الجيش لضرورات التوازن الاجتماعي، لكنها تستجيب أيضا لأسباب تاريخية. فقد كان الجيش القديم يرتكز على واجب كل مسلم في الدفاع عن دينه وأرضه. كما كانت تعبئة الجيوش تتم بشكل ظرفي. ومنذ اللحظة التي بدأ فيها التفكير بلغة الدولة، اتضح أن هذا التنظيم كان مُتجاوزا. فلضمان استقرار الدولة وقوتها، كان يجب عليها أن تنظم الانتقال ليس من الجيش القبيلي إلى الجيش الوطني فحسب، بل وكذلك من الجيش الثوري إلى جيش الدولة.
وإذن، يجب أن يتحقق إصلاح الجيش، حسب ابن المقفع، بتوضيح وظيفته ووضعه الاعتباري. ولأجل ذلك، يجب وضع «قانون» تنظيمي[12] يحرره رئيس الدولة ويوزع على قواد الجيش. يصوغ ابن المقفع، على النحو التالي، ما يجب أن يتضمنه هذا القانون:
«فلو أن أمير المؤمنين كتب أمانا معروفا بليغا وجيزا محيطا بكل شيء يجب أن يعملوا فيه أو يكفوا عنه، بالغا في الحجة قاصرا عن الغلو، يحفظه رؤساؤهم حتى يقودوا به دهماءهم ويتعهد به منهم مَن دونهم من عرض الناس، لكان ذلك، إن شاء الله رأيهم صلاحا وعلى من سواهم حجة وعند الله عذرا»[13].
أيتعلق الأمر بنوع من التعليم العقائدي[14]؟بالتأكيد لا، ونتيجة هذا التنظيم هو تجنب تأليه الأمير، وذلك بإيكال الجيش إلى الدولة لا إلى شخص بعينه. ويعزز ابن المقفع هذه المأسسة باقتراح ضرورة توحيد الجيش إيديولوجيا والتحكم في نفسية الجماعة التي تتألف منه:
«من يحارب خصما برجال لا يعرف ما إذا كانوا يتفقون معه في الفكر، في الكلام والأعمال، إنما يُشبِه امرئ ركب سبعا ليخيف الآخرين به، فإذا به يصير هو نفسه أشد خوفا»[15].
تقتضي مأسسة الجيش أن يُعتَبَر فئة اجتماعية مستقلة، وبالتالي يجب تحسين شروط حياتها.

تحسين شـروط عيش الجيش:
لأن الجيش هو قوة الدولة، يجب أن تكون أخلاقه وتربيته وظروف عيشه في مستوى مهامه. واضحُُ أنَّ المؤلف يرى في فساد الجيش فساد الدولة بكاملها. لمثل هذه الأسباب، يوصي الأمير بـ «تعهد أدبهم في تعلم الكتاب والتفقه في السنة والأمانة والعصمة والمباينة لأهل الهوى، وأن يظهر فيهم من القصد والتواضع واجتناب رأي المترفين وشكلهم»[16].
تعتبر الصعوبات المادية للجيوش أهم من سائر الصعوبات، ومن ثم اقتراح ابن المقفع تحديد راتب دوري ومنتظم، لوضع حد لكل فراغ وصبر وكل شكوى أو انتقاد. فوق ذلك، يلاحِظ المؤلف عجز الجنود عن مسايرة التضخم وغلاء المعيشة، فيقترح الحلول التالية:
1) الزيادة العامة في أجور الجيش لمواجهة عدم استقرار أسعار السوق؛
2) إنشاء مخازن خاصة – تعاونيات للشراء – لتموين الجيوش بأثمنة معتدلة؛
3) صرف الراتب على شكل أقساط، قسم منها عينا وقسم آخر نقدا، لكي لا يتحمل الجنود تقلـب أسعار السوق وتقلب الأثمنة، وأيضا لتجنب التباطؤات الإدارية للخازن.
وإذن فالنموذج الذي يقترحه ابن المقفع نموذج متقدم جدا. وانشغاله بتقوية الدولة وتقوية جيشها انشغالٌ واضحُُ، وقد فرض على المؤلف تصور مؤسَّسة أخرى للدفاع، هي مصالح الاستخبارات.
ب – الكفاح ضد الأمراض «الطفيلية» للدولة: مصالح الاستخبارات:
تعتبر الفوضى العـدو الداخلي لكل دولة، ولذا يجب تبيين أسبابها وتوقع عواقبها. ذلك أن أسوأ الأوضاع هي دولة يجهل فيها الأمير وضعية شعبه والتيارات التي تعمل في المجتمع. منطلقا من ملاحظة أنَّ السلطة السياسية لا تمارَسُ إلا على الجسد، يقترح ابن المقفع إنشاء مصلحة للاستخبارات ضمن منظور سدّ هذا القصور للسلطة السياسية.
لكن أي ثورة عرفتها هذه المؤسَّسة في التاريخ؟ وأي وظيفة ينيطها بها ابن المقفع؟
… في أصول مصالح الاستخبارات:
تشكل كتابات فقهاء القانون الصينيين النصوصَ الأولى التي نتوفر عليها في هذا الموضوع. يبدو أن مؤسسة مثل مصالح الاستخبارات كانت تلائم الإيديولوجيات التي تميل إلى تقوية الدولة والإيديولوجيات المنشغلة بإتباب النظام. فقد كتَبَ هان في تسو Han Fei Tseu في القرن الرابع قبل الميلاد:
«يتصرف الملك الجدير بهذا الاسم على نحو يجعل الأمبراطورية بكاملها تحت أنظاره وأسماعه»[17].
يذكر لنا ابن المقفع أن الشاهنشاه أنشأ هيئة من الجواسيس (وأما كتابتك أن الملك «قد نصب على أهل المملكة الجواسيس والمنهين، وأن الناس منهم في رعب وحيرة»[18])، وأنَّ ذلك أثار الذعر والحيرة بين الشعب بكامله. وهو ما يراه المؤلف ليس على صواب، لأن تلك الهيئة لم تكن تنتمي إلى جهاز القمع وكان مفروضٌ فيها أن توجَد تحت مسؤولية الأمير مُباشَرة.

وظيفة مصالح الاستخبارات:
يرى رجل الأخلاق – ابن المقفع – أن «جهل الملك وغفلته عن أحوال الناس باب من أبواب الفساد، ويجب أن يتنبه الملك فلا يستمع لمن لا يعتمد عليه ولا يوثق به، وعليه ألا يعمل عملي وألا يسير سيري ولا يفكر فيه ولا يقول: إني أقتدي بأردشير»[19]. لا ينصحُ ابن المقفع بالتقليد الأعمى للنموذج الساساني معتبرا أنَّ كل مجتمع يجب أن يطابقه جهاز مناسب. وفي الحالة الإسلامية، ألا يقتصر ابن المقفع على الجيش؟
«ومن جماع الأمر وقوامه – بإذن الله – أن لا يخفى على أمير المؤمنين شيء من أخبارهم وحالاتهم وباطِنِ أمرهم بخراسان والعسكَر والأطراف»[20].
يمكن لإنشاء مصلحة للاستخبارات أن يولِّدَ العنف عندما تفسد عناصر هذه المؤسَّسة. وابن المقفع لا يجهل هذه الحقيقة، فيثيرها طالبا من الأمير أن يحسِن اختيار الأشخاص الذين سيشغلون هذه الهيئة:
«ولا يجوز أن يفسح للأشرار المجال عن طريق التجسس ليرفعوا الأخبار للملك. ولو سار الملوك على هذا النهج، والعياذ بالله، لما أمنت الرعية ولا استراحت، ولما استطاع الملوك أن يتمتعوا ويثقوا بطاعة الناس وخدمتهم؛ وحين يصل أمر الملك إلى هذا الحد يحدث الانقلاب سريعا ويشهر الملك بفتور الرأي والعجز»[21].
ونظرا للحساسيات التي سيواجهها هذا الجهاز، فإنه يجب اتخاذ مجموعة من الاحتياطات لدى إنشائه، وإلا فـ «إن ترك ذلك وأشباهه أحزم بتاركه من الاستعانة فيه بغير الثقة، فتصير مغبته للجهالة والكذب»[22].
لماذا يباشر ابن المقفع النقاش حول هذه المسألة؟ هل هي من الأهمية بحيث تشكل جهازا هاما للدولة؟
يلاحظ ابن المقفع، في جميع الأحوال، أنَّ الملوك الذين دام ملكهم طويلا وكان الأكثر استقرارا هم الملوك الذين مضوا من قبل، «وكان الملك منهم يتعهد الجملة بالتفسير والجماعات بالتفضيل والفراغ بالاشكال (…) وقد كان من أولئك الملوك من من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده»[23].

2. الدولة: تدبيـر الفضاء والأشياء:
أي علاقات يمكن أن توجد بين الدولة والفضاء؟ أي علاقات يمكن أن توجد بين الدولة والشيء العمومي؟
معروفٌ أن غياب الدولة قوَّى الخلل في الأموال والفوضى في الإدارة. وقد طالب ابن المقفع بلامركزية متقدمة جدا تشمل الموارد الجبائية لكل منطقة من أجل ضمان عائدات دائمة للخزينة وتوزيع أموال المجتمع توزيعا عادلا.

أ – الدولة، المجال الترابي والسكان:
تعتبر «اللامركزية» في منظور ابن المقفع تقنية للتخفيف من حدَّة الاضطرابات التي تواصلت بعد الثورة. يجب تنظيم الامبراطورية بطريقة تتيح التحكم في الفضاء والسكان غير المستقرين.

الدولـة والمجـال الترابي:
يعتبر تحكم الدولة في المكان عامل نظام وطمأنينة، بل وأحيانا وسيلة للقضاء على التجمعات الجديدة. يعود ابن المقفع إلى التاريخ، فيظهر كيف قسَّم الإسكندر إيران بين أمرائه الذين أعطاهم اسم «ملوك الطوائف»[24]. وبذلك ساهم توزيع الفضاء الملكي إلى حكومات لا مركزية في ضمان أمن الأمير والذين جاؤوا من بعده.
يرى ابن المقفع أن من شأن استراتيجية اللامركزية أن تشكل ضمانة لاستقرار الدولة، بتقديمها للأمير دعمَ سكان الأمصار. بذلك، يرمي ابن المقفع، في مرحلة ما بعد الثورة، إلى استمالة أهل الشام لكي ينسوا تعسف العباسيين عبر المشاركة في وحدة «وطنية». ومنذ اللحظة التي ستجتمع فيها هذه الشروط، سيمكن الحديث عن دولة بالمعنى المؤسساتي، ربما ستكون على النقيض من العلاقات القبلية المهيمنة.

الدولة والسكـان:
يدور الوجه الآخر للامركزية حولَ الإنصاف الإداري والاجتماعي لسكان الأمصار الأكثر بُعدا عن المركز. في هذا الصدد، يذكر ابن المقفع مثال العراق الذي عانى سكانه طويلا لأن منطقتهم كانت في الماضي خاضعة لشرِّ الولاة ولأعوانهم المحليين الذين لم يكونوا أفضل منهم[25]. وإذن فللدولة مصلحة في التعرف على السكان، ومعرفة مزاجهم والتصرف تبعا لما يقتضيه ذلك، وخصوصا بعد اختلاط هذه العناصر المنحدرة من أصول مختلفة – عرب وغير عرب وخراسانيين – التي تقطن في الحاضرتين (البصرة والكوفة). بهذه الطريقة ستستطيع الدولة تهدئة غضب السكان الذين ظلوا معارضين للأمير. ولجعل المركزية تعطي أقصى ما يمكن من النتائج، فإن ابن المقفع يطالب إرفاقها بالعدل في التوزيع والمعالجة، بكيفية تضمن للمناطق البعيدة والفقيرة مواردَ وافدة من المناطق الأقل استيطانا ولكن الغنية:
«فإن رغب أمير المؤمنين لنفسه عن هذه السيرة (…) كان العدل أن يقتصر بهم على فيئهم فيجعل ما خرج من كوَر الشام فضلا، من النفقات، وما خرج من مصر فضلا، من حقوق أهل المدينة ومكة، بأن يجعل أمير المؤمنين ديوانَ مقاتلهم ديوانهم أو يزيد أو ينقص..»[26].

ب – الدولـة وتدبيـر المـوَارد:
وعيا من ابن المقفع بفكرة العدل الجغرافي للإمبراطورية، فإنه يتطرق طبعا للمسألة الضريبية، وبانكبابه عليها يغني نظريته في الدولة. في الواقع، بعيدا عن اعتبار الضريبة تقنية محايدة لجمع الموارد قصد الاستجابة لمصاريف السّلطات العمومية، يرى المؤلف فيها أداة للقوة الملكية وللعدالة الاجتماعية.
يعتبر تاريخ الضريبة في الإسلام دالا بالخصوص على تطور السلطان. ستكون لأبي يوسف، بعد ابن المقفع، إمكانية تطوير التأمل المرسومة خطوطه الكبرى حول النتائج الاجتماعية والسياسية للضريبة داخل الدولة كما في المناطق الحدودية.
يبدو ابن المقفع رائدا لأفكار أبي يوسف[27]. فقد أظهر في مناسبات عديدة كيف يمكن للضرائب أن تقود إلى استقرار الدولة. هل كان يستحضر في ذهنه معاملة الأمويين للمخلين بواجبهم في دفع الضرائب[28] أم كان يتمثل أسباب انحطاط الإمبراطوريات السابقة عندما كانت المحاصيل الجبائية تتقلص؟ أم أنه كان يتمسك على الخصوص بمفهوم العدالة الذي يجب تطبيقه أولا على الضرائب؟

الضرائب واستقرار الدولـة:
تبدأ الدولة في التدهور عندما يوكل نظامها الضريبي أو التقنيات الخاصة به إلى أيادي غير كفؤة. ولتجنب فساد الدولة، ومن خلالها جيشها، يوصي ابن المقفع الأمير بعدم تكليف العسكريين بجبي الضرائب، لأن ذلك سيؤدي إلى التمرد، إلى الإذلال والسفالة… كيف؟ ولماذا؟
«ومما ينظر فيه لصلاح هذا الجند ألا يولي أحدا منهم شيئا من الخراج، فإن ولاية الخراج مفسدة للمقاتلة، ولم يزل الناس يتحامون ذلك منهم وينحّونه عنهم لأنهم أهلُ دالة ودعوى بَلاء، وإذا كانوا جُلابا للدرهم والدنانير اجترؤوا عليهما؛ وإذا وقعوا في الخيانة صار كل أمرهم مدخولا: نصيحتهم وطاعتهم؛ فإن حيل بينهم وبين رفعه أخرجتْهم الحميّة؛ مع أن ولاية الخراج داعية إلى ذلة وحُقرية وهَوان، وإنما منزلة المقاتل منزلة الكَرامة واللطف»[29].
في النهاية، يجب أن تكون الضريبة حاثا (stimulus) للنشاط الاقتصادي لا عبئا يثقل كاهل السكان ويولد المظالم.

الضريبة، النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية:
سيذكَّر الأمير بحالة النظام الضريبي على النحو التالي:
*) إنه نظام غير عادل لأنه يلزم الذين يشتغلون ويعفي الذين يتركون أراضيهم غير مزروعة.
**) ليس هناك أي قاعدة تتوقع مبالغ الضرائب، بحيث إن أساس الضريبة المفروضة على المساهمين ليسَ مضبوطا ولا معروفا.
***) إنَّ غياب الإصلاح يحرمُ الشعب من النتائج السعيدة التي يمكن أن تترتب عن إنشاء نظام ضريبي عادل، واضح وفعَّال.
وبذلك، فالأمر لا يتعلق بإلغاء النظام الجبائي، وإنما بإلحاق إصلاحات به، يحددها ابن المقفع في:
– تقنين النظام الضريبي بتحرير قانون مضبُوط وواضح، محدَّدة إوالياتُ اشتغاله.
– إقامة عدالة اجتماعية انطلاقا من النظام الجبائي.
نقف هنا على طريقة جديدة في تصور الدولة عبر مأسسة نظامها الضريبي. باعتبار الضرائب ركنا للدولة، فهي في نظر ابن المقفع ليست “عصبا للحرب” فحسب، كما أنها ليست – على الإطلاق – نوعا من الغنيمة أو السلب الذي يقوم به السلطان بحسب هواه. إنها مقننة بشكل جيد، ويجب أن تكون بالخصوص عامل توازن واستقرار اجتماعي، يجنب هجرات السكان والمظالم التي تتسبب فيها، ويحفز فئة الفلاحين ومجموع الطبقات الكادحة. إذا كانت الضرائب ضرورية للحرب، فهي أساسية للسلم بالخصوص.

II. الـدَّولـة والإيـديـولوجيـا:
يقول م. رُوبَـان:
«الإيديولوجيا هي مجموعة من المبادئ باسمها يجهد الفاعل السياسي نفسَه لـ”حشد” دعم أعضاء المجتمع للقرارات الواضحة التي تبدو له ضرورية»[30].
الإيديولوجيا هي هذا الشكل من الفكر الذي يؤسس قبول أو فعل فاعل سُوسْيوسِيَاسِي أو رفضه. يمكنها أن تتألف من قواعد قانونية مثلما يمكن أن تقوم على مبادئ عالمية النزعة أو على ديانة ما أو لقب مُعَين.
تريد الدولة لنفسها أن تكون ممثلَ الوحدة الاجتماعية، بصفتها كائنة ويجب أن تكون، في آن واحد بصفة كل فرد يشكل جزءا منها ويجب أن يشكل جزءا منها. ومن ثم، فهي تضفي قيمة على حاجة كل فرد لأن يعيش حياة اجتماعية وداخل المجتمع نفسه، أي أن يحوِّل معطى من الواقع إلى قصد، إلى نوع من إرادة لما قبل الإرادة، وبمثابة يمين مؤدى مُسبقا. لكي تبقى الدولة، ولكي تتحكم في الناس، فإنها تحتاج للإيديولوجيا. في الميدان السياسي، تعتبر الإيديولوجيا مصدر معتقدات للجماعات، وهي في هذا تلعب وظيفة «المبرِّر» لأفعال هذه الجماعات ذاتها.
لقد ظهرت الدولة في الغرب على أساس فعل «مؤدلج»، بمعنى أنَّ واجبا سياسيا كان في أساس الدولة مُعتَبَرَة [بمثابة] [31] «the entire hierarchy of institutions by life is determined».
لكن، رغم أنَّ الدولة تعتبَر محدِّدة للحياة (الاجتماعية) – بتعبير بوسانكيه – فإنه يبقى مع ذلك أنَّ كل دولة إلا وتحتاج بدورها لإيديولوجيا محدِّدة.
ومن ثمَّ ظاهرة ارتباط الدولة بعلاقات غامضة مع المبادئ والمؤسَّسات الاجتماعية التي تعوِّضُهَا. نفكر خصوصا في القانون والدين، وهما مجالان توجد بينهما أوجه شبه كثيرة، إذ يتألف كلاهما من مجموعة من القواعد للسلوك، أي مجموعة من التمثلات المجرَّدة، ولكن الإلزامية على مستوى معين من تطبيقها.
لقد تمَّ تأسيس الإيديولوجيا السياسية الخاصة بالإسلام في مرحلتين متعاقبتين، لكنهما متزامنتين تقريبا:
*) في مرحلة أولى، كان الدين هو الذي يحتكر مجموع الدينامية الاجتماعية. فالقرآن يمتلك الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، إنه نص مُطلق، كاملٌ وكاف، ومن ثم ظاهرة أن ما من فكر أو تأمل أو فعل «جديد»… إلا ويجب أن يتخذه مرجعا له.
*) في مرحلة لاحقة من التطور الاجتماعي، لم يؤد القرآن وظيفة المؤسس وحدها، بل صار مصدرا تغرف منه الإيديولوجيا، أي مَتْنا (corpus) من الأفكار لشرعنة نشاط الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. ولهذا السبب، صار أداة كبرى للصراع حول السلطة بين مختلف الأطراف.
يكشف تحليل الأسس الإيديولوجية للبنية السياسية الإسلامية أن صراعا من طبيعة مختلفة بدأ يرتسم بعد الثورة. أرادت الثورة العباسية لنفسها – بل وهو ما كانته بالفعل – أن تكون مُتعدِّدة الأعراق، وبالتالي مُتَعَدِّدَة الثقافات، ولكن السلطة القائمة كانت تتمسك بالحفاظ على ذهنيةٍ أتاحت للدين أن يحافظ على هيمنته. هل كان بوسع القوميات الجديدة – العقلانية – أن تقبل بالحفاظ الكامل على ديانةٍ ما أن تأدلجتْ حتى أقصتها من السلطة؟ كيف ستعارض كتابات مرايا الأمراء المستقلة هذا الضرب من الإقصاء؟ وأي بديل سيَقتـرحُه للتيوقراطيا الموروثة عن الإسلام[32]؟
انطلاقا من تحليل الفكرة الغامضة التي تجعل من الدين القاعدة الظاهرية للبنية السياسية، سيرجح ابن المقفع فكرة ضرورة بناء الدولة على قاعدة عقلانية، وذلك في سياق كان يشهد أكبر الصراعات الفكرية بين الدولة والإيديولوجيا.

1. السياسة والديـن:
أ – حول المرتكز الديني للشأن السياسي:
تعتبر البنية السياسية الإسلامية انعكاسا، بهذا القدر أو ذاك، للذهنية الناشئة عن التعبئة من أجل نشر دين جديد وعَد الإنسان بالخلاص. ومع الثورة العباسية، كان الدين قد دخل في مرحلة غموض بين نقاء الشأن الديني ومُدنس الشأن اليومي. ولذا، طرحَ السؤالان: ما العلاقة بين الدولة والدين في الإسلام؟ ما إسهام «الفقهاء السياسيين» [33] (théologues) الجديد في هذه الإشكالية؟

علاقة الشأن الديني بالشأن السياسي:
من المسلم به أنَّ الإسلام لا يفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي بما أن السلطة تنتمي لله. وإذا صرفنا النظر عن غموض الوضع الاعتباري لخلفاء النبي، فإن الخلفاء كانوا يتمتعون بسلطات سياسية أكثر من السلطات الدينية التي كان يتمتع بها العلماء «الفقهاء السياسيون». بكيفية عامة، كان أصل هذا «الالتباس» يكمن في تأويل هذين الحقلين من الحياة الاجتماعية، وهو تأويلٌ صعَّده في الإسلام – وبكيفية مستمرة – دوامُ الطبيعة الدينية للفعل السياسي والألقاب التي استأثر بها خلفاء الإسلام لشرعنة أنفسهم.
غير أن التاريخ سَارَ في اتجاه الفصل بين هذين الحقلين، وهو ما تبينه ابن المقفع. فمنذ عهد الأمويين بدأت سيرورة للفصل بين الحقلين:
«In the beginning, the Caliphate absorbed the Umma, but the religious and the political aspects of Muslim Communal life came to be separated by a historical process that involved three developments. In the frist phase Arab rebellions against the Caliphate caused the formation of sectarian movements within the once unified body of Muslims. The Arab empire had caused an unexpected revolution in the conception and practice of the Caliphate, wich Muhammad had bequeathed and the frist Caliphs had ratified. As heirs to the Byzantine and Sassanian empires, and Students of former imperial character of their office, the importance of the allegiance to the State, and the quasi sacred nature of the Calliph. By developing court ceremonials, adopting new coinages, constructing great monuments, and supervising religious activities, the Ummayyad dynasty (661-750) claimed an absolute authority for the Caliph’s rule. In policy decisions it favored the preparedness of its armies, the efficiency of administration, and the central government. The Umayyad depened the political as opposed to the religious aspects of the Caliphate according to Byzantine and Sassanian precedents».[34]
في أصل هذه السيرورة توجد في الواقع مصلحتان: مصلحة دينية تريد الحفاظ على النفوذ الواحد والوحيد للدين، ومصلحة مؤسساتية / سياسية تريد توسيع دائرة الشأن السياسي دون أن تزعم – مع ذلك – تقليص الشأن الديني. وهذا الصراع يفترض وجُود قطبين للفكر، هما: عُلماء السياسة / الكُتَّاب الذين يتدخلون في عملية المأسسة الاجتماعية، والعلماء / «الفقهاء السياسيون» الذين يظل وضعهم الاعتباري ووظيفتهم في حاجة إلى تحديد.

الفقهاء السياسيون: الوضع الاعتباري والوظيفة:
ينشأ الوضع الاعتباري «للفقهاء السياسيين» من توفيق بين الضرورة التدبيرية للإمبراطورية، التي تفرض – مع ذلك – ليونة دينية، والقواعد الدَّقيقة التي يُدَافَع عنها باسم القرآن. وقد اضطلع «الفقهاء السياسيون»، في العصر الكلاسيكي، بـ «وظيفة نقدية من خلال تذكيرهم، بلا كلل ولا ملل، من بيدهم السّلطة بضرورة تطبيق الشريعة»[35].
ولكن ربما كان هذا الضغط القوي جدا هو ما انتهى، بالضبط، إلى ترسيخ فكرة إمكانية تعايش دائرتين مستقلتين، بل وفي بعض الحالات إمكانية انسحاب الشأن الديني لفائدة الشأن السياسي. على كل حال، فهذا التنازل هو ما أتاح «للفقهاء السياسيين»، حسـب م. إ. لابيدوس، بُلوغََ بعدٍ اجتماعي أساسي جدا في الإسلام.

ب – الشأن السياسي بين الدين والعقل:
إذا كان «الفقهاء السياسيون» قد اضطرّوا للابتعاد عن الشأن السياسي، فإنهم لم يـتخلوا عنه كليا، إذ استمروا في النظر إلى الدين باعتباره مُرشدا للشأن السياسي وجوهرا للحياة داخل المجتمع نفسه. عكس ذلك، سعى فكرُ مرايا الأمراء المتمحور أكثر حول ضرورة الدولة وبنيتها إلى إدخال علمنة نسبية بمنح العقل مكانة مُكمِّلة للنقل. ربما بهذه التكاملية نفسها، انتهى العقل إلى الحصول على وضع اعتباري شبيه بالوضع الاعتباري للدين. كيف تمكن ابن المقفع من التمهيد لهذه الخلاصة في فضاء ثقافي يهيمن فيه الدين؟ يجب أولا، وقبل كل شيء، تعريف العقل ووظيفته وأنواعه.

من العقل العملي إلى العقل السياسي:
يبدأ ابن المقفع بالمقارنة بين العقل والدين، فيكتب:
«فصل ما بين الدين والرأي، أن الدين يسلم بالإيمان وأن الرأي يثبت بالخصومة، فمن جعل الدين خصومة، فقد جعل الدين رأيا، ومن جعل الدين رأيا فقد صار شارعا، ومن كان هو يَشرَع لنفسه الدينَ فلا دين له.
قد يشتبه الدين والرأي في أماكن، لولا تشابههما لم يحتاجا إلى الفصل»[36].
نتيجة لذلك، يعترف الكاتب بأن بين الدين والعقل نقطا مشتركة، ومن ثمة ضرورة المقارنة بينهما.
إضافة إلى ذلك، يستدعي العقلُ والدينُ عنصرا ثالثا، هو الأخلاق. والأخلاق هي العقل والدين مُمارسَين في اليومي. ومع أن هذه الفضائل الثلاث لا تنفصل، فإننا سنحاول أن نعين – بكيفية لا تخلو من مجازفة – وظيفة محدَّدة لكل واحدة منها:
– العقلُ يعادل التدبير (تدبير الحكم)؛
– الدينُ يعادل الإيمان العميق لدى الشخص؛
– الأخلاقُ تعادل السّلوك الاجتماعي.
العقلُ تداوُلٌ وتشاور، حسابٌ وتفكير في عواقب الفعل. والعقل السياسي يمكن أن يكون حيلة أو دهاء غايته تحقيق مصلحة مشتركة لا يمكن ترجمتها بالأنانية أو بفعل مذموم رغمَ مجازفته بأن يبدو غير متلائم مع الأخلاق التي ما أن تعقلَن حتى تصير نموذج سلوك الإنسان المثالي.

العقل السياسي في عالم يهيمن فيه الشأن الديني:
كيف توصل ابن المقفع إلى إدماج مفهوم العقل في العالم الثقافي الإسلامي؟ إنه يَعترف له بالوضع الاعتباري نفسه الذي يتمتع به الدين ويرى فيه وسيلة للوصول إلى السعادة في الحياة الدنيا. والعقل يسد «ثغرات» الدين لأنّه يتطور بينما الدين ثابت لا يتغير. بدون العقل قد يكون الدين غير نافـع:
«فغاية الناس وحاجاتهم صلاح المعاش والمعاد، والسبيل إلى دركها العقل الصحيح. وأمارة صحَّة العقل اختيار الأمور بالبصر وتنفيذ البصر بالعزم. وللعقول سجيات وغرائز بها تقبل الأدب، وبالأدب تنمى العقول وتزكو»[37].
«ثم لو أن الدين جاء من الله، لم يغادر حرفا من الأحكام والرأي والأمر وجميع ما هو وارد على الناس وحادث فيهم مذ بعث الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – إلى يوم يلقونه إلا جاء فيه بعزيمة، لكانوا قد كلفوا غيرَ وسعهم، فضيق عليهم في دينهم وآتاهم ما لم تتسع أسماعهم لاستماعه ولا قلوبهم لفهمه، ولحارت عقولهم وألبابهم التي امتنَّ الله بها عليهم ولكانت لغوا لا يحتاجون إليها في شيء ولا يعلمونها إلا في أمر قد أتاهم به تنزيل؛ ولكن الله منَّ عليهم بدينهم الذي لم يكن يسَعه رأيهم كما قال عباد الله المتقون:﴿وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله﴾ [الأعراف: 41-42]»[38].

2. الدَّولـة والقانــون:
تعتبر مسألة القانون واحدة من أعقد قضايا الإشكالية التاريخية للإسلام، ذلك أنها لا تطرح مشكلة الدور والوضع الاعتباري للقاضي في النظام السياسي-الاجتماعي فحسب، بل وكذلك مسألة العلاقات بين القاضي والدولة والأمير، من جهة، ومصادر القانون «الفقهاء السياسيين»، من جهة ثانية، الذين غالبا ما يكونوا قضاة أيضا. واللبس يتأتى أيضا من كون القضاة لعبوا دور مشرعين حقيقيين ربما أكثر من الخليفة نفسه. في هذا الصدد، يكتب ج. شاست: «لقد أسس القضاة المسلمونَ الأوائل، وهم موظفون للحكومة الأموية، أسسوا بقراراتهم ما سيصيره القانون الإسلامي»[39].
حاول الأمويون أن يتحكموا في الوضع الاعتباري للقضاة، عبر إحداث تعيينهم، بيد أن تلك المحاولة لم تولد كل النتيجة المتوقعة. في الواقع، ظل القضاة إلى حدود ما بعد الثورة العباسية، بدون تنظيم محدَّد وغير متفقين كليا حول المذاهب التي يتعين عليهم تطبيقها:
«كان رجال القانون خواصّ، يتميزون عن عامة المسلمين بأهميتهم الخاصة، وبالاحترام الذي كان يحيطهم به الشعب، وبالاعتراف المتبادل فيما بينهم بأنهم عقول من طراز واحد»[40].
وهذه الوضعية ستولِّد خلافا كبيرا حول الحلول التي يتعين تقديمها للنزاعات. القانون الإسلامي قانون اجتهادي أساسا. ونقصد بالاجتهاد جميع مصادر الحق الإسلامي التي لا توجد في القرآن ولا في السنة. وبذلك، قد يكون مصطلح الاجتهاد اسم جنس يتيح التمييز بين المصادر الأولى (القرآن والسنة)، والمصادر الثانية – دون أن تكون ثانوية – وهي هذا المجموع من الإواليات والقرارات والمساعي الصادرة عن القضاة/ الفقهاء.

أ – قانـون القدماء وقانون المحدثين:
ينطلق ابن المقفع من مثال تاريخي، فيلاحظ أن هناك سُنَّتَيْن: سُنة الأولين، وسنة الآخرين[41]. سُنة القدماء اندثرت، محاها تعاقب المظالم والفتن، ومع ذلك فهي تبقى الأفضل في نظره. أما سُنة المحدثين، فليست سوى جور وظلم[42]. يجب العمل على محو آثار الظلم قديمة كانت أو حديثة. وهذا الواجب يمر عبر إصلاح هذه القوانين التي تعتَبَر دينية والحال أنها لا تعدو مجرد أحكام صادرة عن قضاة يسفكون الدماء «بغير بينة ولا حجة على الأمر الذي يزعَم أنه سنَّة»[43]، حتى «إذا سئل [أحدهم] عن ذلك لم يستطع أن يقول “هريق فيه دم على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأئمة الهدى من بعده”»[44].

في أصول الجـور:
سبب الظلم «الأحكام المتناقضة التي بلغ اختلافها [في البصرة والكوفة] أمرا عظيما في الدماء والفروج والأموال»[45].
يرى المؤلف أن الخطورة تأتي من الطبيعة العشوائية للأحكام التي يصدرها القضاة، خصوصا عندما تكون قراراتهم متناقضة بشكل صارخ. بهذا الصدد، يقدم ابن المقفع بعض الأمثلة: «يستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة، ويكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحل في ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى»[46]. ولكن بُعد المشكلة ليس شخصيا فقط، بل هو ذو طبيعة مذهبية. فالأزمنة الأولى التي أعقبت الثورة شهدت تطور مدرستين متعارضتين:
1) المدرسة الحجازية: ارتبطت بروح القرآن والسنة النبوية، وكانت ترفض الانفتاح على الأوضاع الجديدة التي واجهها المجتمع.
2) مدرسة العراق: ارتكزت في قراراتها على العقل أكثر مما ارتكزت على النص.
أخيرا، إنَّ سببَ الجور السائد ثباتُ سوابق في كل مدينةٍ وحيّ وأحكام فردية غير مراقبَة وغير منسجمة مع مجموع القرارات القضائية[47]. يرى ابن المقفع أن هذه الممارسات لا تتلاءم مع تصور الدولة والمتطلبات الجديدة للإمبراطورية، وتضر بالدين عبر مساندة آراء لا أساس لها في القرآن ولا في السنة[48].
هل يمكن إصلاح الإطار التشريعي والقضائي؟ أيحتمل أن تنجح مثل هذه الإصلاحات؟ رأي ابن المقفع إيجابي في هذه النقطة، والدليل الذي يقدمه على ذلك نموذجُ الشاهنشاه (ملك الملوك).

نموذج الشاهنشاه الفارسي:
أفضى الإصلاح الجنائي للشاهنشاه إلى إرساء العدل والنظام، لأنه صنَّفَ العقوبات والجنح:
«اعلم أن العقوبات قد فرضت على ثلاثة أنواع من الجرائم: الأول: الجريمة بين الفرد والله عز اسمه، حين يرتد عن الدين ويحدث البدع في الشريعة. والثاني: الجريمة بين الفرد والملك، حين يعصى أو يخون أو يغش. والثالث: الجريمة بين الأفراد، حين يظلم بعضهم بعضا»[49].
إذا كان ابن المقفع يَرْجع إلى هذا الإصلاح كأنه يعودُ إلى نموذج، فلأنه يرتكز على التوفيق بين «الرغبة والرهبة [باعتباره إجراء ممتازا للحكم الجيد]» [50].
في زمن القدماء كان كل من ابتعد عن الدين يتم قتله بدون تجريم، فعارض الشاهنشاه ذلك، إذ أمر بأن يُسجن الأثيم في السجن، وأن يداوم العلماء تلاوة أحكام الشريعة عليه مدة سنة، ويغدقون عليه النصائح، ويعرضون عليه الأدلة والبراهين ويبددوا الشبهة عنه. فإن تابَ واستغفر أطلقَ سَراحُه، أما إذا أبقاه الإصرار والاستكبار في الردة أمروا بقتله. وفيما يخصّ القتل، في القديم، لم يكن ينجو منه أبدا الثوار ضد الملك أو الفارّون من الحرب. ولكن الشاهنشاه، أمر بألا يُقتل منهم إلا قسم لإفزاع الآخرين والاعتبار بهم. فوق ذلك، فقد ألغى قانون القصاص الذي تمسك به الإسلام، ثم استبدله بالجراحة والغرامة، لكي يشقى الجاني ويستفيد منه المظلوم. على العكس – يضيف ابن المقفع – عندما تقطع يدُ السَّارق، فإن هذه العقوبة لا يفيد منها أحد، بل وتلحق ضررا بالصالح العام بالنظر إلى النقصان الفاحش الذي سيقع بينهم…[51]

ب – نحـو دولـة الحـق:
يقدم ابن المقفع اقتراحات تقف على طرفٍ نقيض مـن الرؤية التقليدية للعلاقة بين الدولة والقانون، إذ نجد أنفسنا، في فكره، إزاء قانون للدولة أكثر مما نجد أنفسنا أمام دولة يتحكم فيها قانون معين (؟).

أولوية القانون على الدولة:
كانت بنيات «الدولة الإسلامية التقليدية مُكيَّفة (…) مع تدبير أمَّةٍ، وليس مع (une nation) بالمعنى العصري للكلمة»[52]. والبنية السياسية التي أفرزها الإسلام ونظمها تابعة للقانون الذي صاغه الإسلام، بتعبير آخر تابعة لمن يمتلكون المعرفة الدينية. بهذا الصدد يكتب لامبتون:
«The law precedes the State and is immutable at all times and under all conditions. The state is there to carry out the law. To disobey a law or to neglect a law is not simply to infringe a rule of the social order: it is an act of religious disobedience, a sin, and as such involvers a religious penalty»[53].

قانــون الدولـة:
انطلاقا من وضعية العصر، يلاحظ ابن المقفع تفاقم الأحكام في الإمبراطورية، والسَّبَبُ في ذلك غيابُ تدخل الدولة في هذا المجال. ما العمل؟
يجب أولا جمعُ سائر الأحكام القضائية ورفعها للأمير في كتاب، بعد ذلك يتعين على الأمير / الخليفة أن يبدي رأيه في كل مسألة ويدلي به للقضاء. وفي مرحلة ثانية، يكون تقنين القواعد أمرا أساسيا:
«فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فتُرفَع إليه في كتاب (…) وكتب بذلك كتابا جامعا لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطإ حكما واحدا [و] لرجونا أن يكون اجتماع السير قرينة لإجماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه…»[54].
————–
هوامـــش
[1] راجع:
– Maurice Robin, Histoitre comparative des idées politiques, Paris, éd. ةconomica, 1988, t. 1.
[2] L’Etat musulman est-il un mythe?
«The answer depends on the definition. There is no myth of origin telling us that “kingship came down from heaven”, but there is a clear conviction that the State is religiously motivated. As an institution it is based on God’s law as expressed in the koran. Il is part of Islam itself, whitch today is often regarded as an identifiable entity or principle that has been given to mankind trough the revelation and wich it is man’s task to transform into concrete reality. It is this that gives Islamic political theory its flexibility, more unsophisticated in the earlier literature, which by the aid of the koran, Sunnah and Ijma’ tries to give theoretical motivations for status quo, more meditated in modernism, which seeks a way to ‘’realizing Islam’’ within the framework of a modern society, partly even by means of a certain adaptation to western technique and western culture. Thus Islamic political theory is basically religious, and a distinction between religion and a secular State such as has been tried in Turky is strictly speaking; from an Islamic point of view the life of society is part of man’s existence and cannot be withdrawn from God’s control. The problem is to find in each time the right from this divine control of society», Ringgren, H., «On the Islamic theoty of State», in The Myth of the State, Stokholm, 1972, p. 103-108.
[3] تعبيرٌ مستعار من:
– Pharo, P. Le Civisme ordinaire, Paris, 1985, p. 59.
[4] استدخال ((intériorisation: مصطلح ينتمي إلى حقل التحليل النفسي، ويعرفه بونتاليس ولابلانش على النحو التالي: «غالبا ما يؤخذ [الاستدخال] تبعا لمدرسة ميلاني كلاين خصوصا، بمعنى الاجتياف، أي بمعنى العبور الهوامي لموضوع “طيب” أو “سيء”، كلي أو جزئي، إلى داخل الشخص. ونتكلم عن الاستدخال بمعنى أكثر تخصيصا حين تنصب العملية على “العلاقات”. فيقال مثلا أن علاقة السلطة ما بين الأب والإبن تستدخَل في علاقة الأنا الأعلى بالأنا. تفترض هذه العملية تمايزا بنيويا ضمن النفس بما يتيح لبعض العلاقات أو الصراعات أن تعاش على الصعيد النفسي الداخلي. وهكذا يتلازَم الاستدخال مع مفاهيم فرويد الموقعية وخصوصا مع تلك التي تمت إلى النظرية الثانية للجهاز النفسي». عن:
– Jean Laplanche et J.-B. Pontalis, Vocabulaire de la psychanalyse, Paris, P.U.F., 1967, p. 206.
أو (ترجمته العربية): جان لابلانش وج. ب. بونتاليس، معجم مصطلحات التحليل النفسي، ترجمة: د. مصطفى حجازي، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط. II / 1987، ص. 67، ومنه سقنا نص التعريف. [م].
[5] نقلا عن رضوان السيد في تحقيقه لكتاب الماوردي، تسهيل النظر وتعجيل الظفر في سياسة الملك وأخلاق الملك، بيروت، 1987.
[6] الأدب الكبير، م. س.، ص. 181، وكليلة ودمنة (الترجمة الفرنسية)، م. س.، ص. 217)، يتيمة الحكم، م. س.، ص. 152.
[7] كليلة ودمنة (الترجمة الفرنسية)، م. س.، ص. 256.
[8] نفسـه، ص. 295.
[9] ابن خلدون، المقدمـة، بيروت، دار الجيل، (د.ت.)، «فصل في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك»، صص. 167-168.
[10] رسالة الصحابـة، م. س.
[11] السيد، رضوان، الأمة والجماعة والسلطة، بيروت، 1984، ص. 104.
[12] الرسالـة، § 23.
[13] نفســه، § 11.
[14] Goiten, S.D., A turning point…, art. cit., p. 123.
[15] كليلة ودمنـة (الترجمة الفرنسية)، م. س.
[16] الرسالـة، § 25.
[17] Levi, J. Dangers du discours. Stratégies du Pouvoir IV e -III e siècle avant J.-C., Traduit du chinois et présenté par Jean Levi, Aix-en-Provence, ALINEA, 1985, p. 46.
[18] كتـاب تنسـر…، م. س.، ص. 49.
[19] نفسـه، ص. 49-50.
[20] الرسالـة، § 29.
[21] كتاب تنسـر…، م. س.، ص. 50.
[22] الرسالـة، § 29.
[23] عهد أردشير، م. س.
[24] كتاب تنسـر…، م. س.، ص. 21 و22.
[25] الرسالـة، § 31.
[26] الرسالـة، § 42.
[27] أبو يوسف، كتاب الخراج، م. س، ص. 43.
[28] في هذا الصدد يورد فان فلوطن «أما الذين يعجزون عن دفع الجزية المفروضة عليهم، فكانوا يخضعون للتعذيب بحرارة الشمس الحارقة أو بصب الزيت على الضحايا في حالات اشتداد العقاب. وفوق ذلك كانوا يجبرون على تعليق حجارة أو جرار ممتلئة على قدم واحدة، مما يحول دون استطاعتهم بعد ذلك السجود للصلاة. وفي بلاد ما وراء النهر (جيحون) خضع الدهاقين بدورهم لتعذيب عمال الخراج، فكانوا يعرضونهم للشمس مجردين من ثيابهم ويلقون بزنانيرهم في وجوههم». انظر: فان فلوطن، السيطرة العربية، [ترجمه د. إبراهيم بيضون وخصه بتقديم مطول، ثم نشر النصين في كتاب واحد تحت عنوان: الدولة الأموية والعارضة. مدخل إلى كتاب السيطرة العربية للمستشرق الهولندي فان فلوطن]، بيروت، دار الحداثة، الطبعة الأولى، 1980، ص. 78-79. [م].
[29] الرسالة، § 10.
[30] Robin, M., Histoire comparative d’idées politiques, Paris, ةconomica, 1988, t. 1, p. 25.
[31] Bosanquet, H., The Philosophical of the State, London, 1923, p. 149 et s.
[32] انظر رأيا مخالفا لعبد الله العروي في:
A. Laroui, Islam et Modernité, Paris, La Découverte, 1986, pp. 31-36.
[33] يستعمل حميد الدليمي كلمة (théologue) ليفرق بين ما يمكن اعتباره «تخصصين» للفقهاء: الأول يقتصر على الجانب العقائدي والتشريعي في الدين، والثاني (هو المعني بالتسمية التي نحن بصددها) يحيل على الجانب السياسي لفكر الفقهاء، ولا سيما حين يسعى هؤلاء إلى جعل الشأن السياسي جزءا من الشأن الديني. [م].
[34] Lapidus, M. I., The Separation of State and religion in the development of early Islamic society, IJMES, 6 (1975), p. 336.
[35] Arkoun, M., Islam, morale et politique, Paris, 1986, p. 60.
[36] عبد الله بن المقفع، الأدب الصغير، م. س.، ص. 155.
[37] نفسـه، ص. 126.
[38] الرسالـة، § 18-19.
[39] Schach, L., Introduction au droit musulman, Paris, 1983, p. 32.
[40] نفســه، ص. 35.
[41] كتاب تنسر…، م. س.، ص. 30.
[42] نفسـه، ص. 31.
[43] الرسالــة، § 35.
[44] الرسالــة، § 35.
[45] الرسالــة، § 34.
[46] الرسالــة، § 34.
[47] الرسالــة، § 36-37.
[48] الرسالــة، § 35.
[49] كتاب تنسر…، م. س.، ص. 38.
[50] نفســه، ص. 39. (ما بين معقوفين لا يوجد في الترجمة العربية لكتاب تنسر[م]).
[51] نفســه، ص. 39.
[52] Talbi, M., «Les caractéristiques de l’Etat traditionnel», in Arkoun, M., L’Islam…, op. cit., p. 187-191.
حول حداثة عهد العالم العربي بهذا المفهوم، راجع:
Gilbert Granguillaume, «Langue, culture et identité nationale au Maghreb, Peuples Méditerrannéens, n°9.
(أو: جلبير غرانغيوم، اللغة والسلطة والمجتمع، ترجمة محمد أسليم، مكنـاس، الفارابي للنشر، 1995، صص. 73-105. [م]).
[53] Lambton, A.K.S., State and government in Medieval Islam, Oxford University Press, 1981., p. 1.
[54] الرسالـة، § 36.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الجمعة 21-09-2012 12:02 صباحا

الاخبار العاجلة