السحر من منظور إثنولوجي: 09 – خوليو كارو باروخا: عن بعـض تأويلات السحر العصرية[1]

821 views مشاهدة
السحر من منظور إثنولوجي: 09 – خوليو كارو باروخا: عن بعـض تأويلات السحر العصرية[1]

قبل أن يعتلي العقل عرش أوروبا عرفت هذه الملكة إبان القرون XV وXVI وXVII ضغطا غير مسبوق في التاريخ. فقد سجنت محاكم التفتيش التي انتشرت في مجموع دول أوروبا، بتزكية من الكنيسة وتحت إشرافها، لحفظ الكاثوليكية من البدع والشيطان، سجَنت وشنقت وأحرقت عشرات الآلاف من الأشخاص أكثرهم ساحرات مزعومات… كان يكفي أن يبلغ عن امرأة ما أحد جيرانها أو أقاربها (ابن، زوج، أخ، الخ)،

بل وحتى طفل ما، فتجد نفسها في جحيم العقاب. وكانت محكمة التفتيش، في المقابل تلتزم بعدم إفشاء اسم الواشي. بعد اعتقال المشتبه بها، يُطلب منها أن تعترف (بأنها ساحرة) وتزود المحكمة بأسماء شركائها. فإن أقرَّت عوقبت وإن لم تعتَرف أجبِرَت على ذلك بالقوة. ولأجل ذلك، تفننت محاكم التفتيش في استخدام أساليب العقاب الجسدي: منها، مثلا، التكبيل بالسلاسل، الضرب، وضع المشتبه بها في سجن مساحة من الضيق بحيث ترغم الضنينة على الجلوس فوق غائطها، إنفاذ إبر حادة طويلة في مختلف أطراف الجسد بحثا عن علامة الميثاق الذي قد تكون الساحرة المزعومة عقدته مع الشيطان، إلقاؤها في صهريج ماء،فإن غرقت قيل إنها بريئة، وإن طفت فوق الماء قيل إنها ساحرة، الخ. وخلال اعتراف الساحرة المزعومة، كان يُنتزع منها إكراها أنها وقعت ميثاقا مع الشيطان، بعد أن تبوَّلت على الإنجيل وكسَّرت الصليب، وشتمت (مريم) العذراء، بموجبه صارت تملك القدرة على الطيران في الهواء وإرسال الرياح لإغراق السفن وتمريض الآخرين… كما تعترف بأنها تواظب على حضور محافل السبت، حيث ترقص عارية وتضاجع التيس على إيقاع دقات طبول جماعة السحرة وبحضور الشيطان نفسه…

وقد كُتبت – ولازالت تكتَب – دراسات عديدة جدا، ومن زوايا متنوعة، عن ظاهرة مطاردة الساحرات واضطهادهن. والدراسة الحالية محاولة لإيجاد تفسير لها: هل كان الضحايا سحرة بالفعل أم أنهم لم يكونوا سوى أكباش فداء عبَّر المجتمع من خلالهم عن توتراته الداخلية؟ والبحث التالي كتبه مؤرخ إسباني ضليع في الموضوع، ربما كان كتابه «الساحرات وعالمهن» من أهم المؤلفات في هذا المجال، يناقش فيه تلك التأويلات.

(المتـرجـم)

I. التأويــلات الأنثـروبـولوجيـة
اهتم عدد كبير من الناس، في الأزمنة الحديثة، بالسِّحر الكلاسيكي، وأقصد به ذلك السحر الذي تكشف عنه كتب القضاة والمحققين التابعين لمحاكم التفتيش[2] في القرون XV، وXVI، وXVII. من أولئك المهتمين مؤرخو القانون وأطباء المرض العقلي وعلماء النفس وعلماء الاجتماع ثم الأنثروبولوجيون. ولن أتحدث عن البحاثة وهواة جمع الوثائق الذين لا يسعون مطلقا إلى تفسيرها، ولا عن زمرة الشيطانيين أو مناهضي الشيطان الذين يؤمنون بالسحر أو يتظاهرون بالإيمان به أمثال بيير دولانكر[3] أو كتَّاب آخرين قبله. وقد دخل مؤرخو الأديان هم الآخرون الحلبة. وإذن فنحن في خطر كبير، خطر الضياع في غابة الآراء المتناقضة التي أتاح التحليل الحر استخلاصها. لكن يمكننا أن نخاطر، دون خوف كبير، بإنجاز تحليل وجيز من هذه الأحكام المتناقضة، وذلك بعدما لاحظنا أنها غالبا ما كانت سطحية لا تهدف إلى أي شيء عدا إذهال جمهورٍ جشِعٍ بحكاياتٍ فظة وبعد أن حذفنا ثلثيها إن لم يكن ثلاثة أرباعها.
قبل الشروع في هذا التحليل، أودُّ الإلحاح على طبيعتي الأساسية باعتباري مؤرخا سعيتُ دائما إلى البحث، خلف الوثيقة التاريخية أو خبر الوقائع الجارية، عن الدلالات المتعالية عنها، فنتج عن ذلك أنني اعتبرتُ دائما بعض تقنيات إعادة البناء التي يستخدمها أركيولوجيو المدرسة القديمة وأنثروبولوجيوها، تقنيات فيها شُبهَةٌ ما. عندما يتحدث كهلٌ من العصر الوسيط عن علاقات عبادة ديانا[4] بالسحر، فإن الأمر يبدو لي واضحا فأتمُّ عملي بهدوء، ولكن عندما يُرادُ إقناعي بأن نصا قديما آخر، يتحدث عن الشيطان المسيحي، إنما هو إشارة محجوبة لإله قديم مُقَرَّنٍ [= له قرنان] تمتد عبادته منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الوسيط، فإنني أضطر لبذل جهد كبير لمواصلة قراءتي، فأتوقف حائرا في البداية، ثم متشككا بعد ذلك. إذا كان من الضروري إعادة البناء والتجريد، فإنني بالتأكيد لن أندفع في هذا الطريق الحفري – الميال إلى الخيال بحثا عن الحقيقة. لستُ في سن من تَفتنُه الفرضيات التطورية[5] الصادرة من ذهنِ شاب محشو بحفريات ما قبل التاريخ.
لكي أوجِّه نفسي وأوجِّه القارئ في مجال التأويلات، أعتقد أنه من اللائق الآن أن نضع أنفسنا في منتصف الطريق.
لقد أظهر لنا كلُّ ما قلتُه حتى الآن بشأن الواقع التاريخي للسحر أن هذا الأخير يرتبط بنظام خاص من المشاعر والمعتقدات. وما نعرفه في هذا المجال لا ندين به إلى ما يعتقده السَّحرة والساحرات بقدر ما ندين به إلى ما يعتقده الآخرون بشأنهم، لأن مشاعر هؤلاء ومعتقداتهم تعد أكثر انسجاما وأسهل للدراسة عبر الزمان والمكان من مشاعر ومعتقدات السحرة أنفسهم.
من جهة أخرى، يسهل دائما التأكد مما يقال أكثر مما يسهل التأكد من الحدث الذي يشكل أساس ما يُحكى. فساحرة علاقات المحاكمات يمكن أن تخفي شخصية حقيقية يصعب رسمها بطريقة واقعية. ولذلك سندرسُ بعض المؤلفين المعاصرين الذين لا يشكون في الوجود الفعلي لساحرات كنَّ مقتنعات تماما بأنهن ساحرات حتى وإن لم يكنَّ مسؤولات عن أفعالهن. ومما يدعو للمفاجأة كوننا سنكتشف من بين هؤلاء المؤلفين مدافعين متحمسين عن هذه الأطروحة.
من المعروف أن مارغريت موراي قد نشرت كتابا آخر بعدما سبق لها أن عرضت في مؤلفها The Witch Cult in Western Europe أطروحتها حول السحر باعتباره مخلفات[6] من عبادة ديانا. ولكونها تعاملتْ مع جميع المعلومات الخاصة بـ «محفل السبت»[7] باعتبارها معلومات صحيحة، فقد انتهت في كتابها الجديد إلى أن الساحرات كنَّ يعبدن إلها غريبا أقرن يرتد اصله إلى ما قبل التاريخ، وهي أطروحة لا يمكنني تبنيها. وأشير، من جهة أخرى، إلى أن هذا النوع من التأويلات المرتكز تقريبا على معرفة صلبة وعلى منهج مقارن أقل صلابة، ليس وليد اليوم. فقد كان بيير لولواييه Pierre le Loyer، وهو رجل قانون معاصر لدولانكر، سريع التصديق مثله، وصاحب فكر أرهقته معرفة كبيرة، قدسية ودنيوية، شرقية وكلاسيكية[8]، كان لواييه يستند إلى نص لأرنوب Arnobe ويرى أن التيس الذي كانت تعبده الساحرة إنما هو أتيس [9] (Athys) نفسه، وأن عَبَدة باخوس والجدة (Grande Mère) والـ [10] Côtyto كانوا رواد سحرة عصره (ب. لولواييه، 1605: VII، 708). فكل العادات والاحتفالات الشيطانية، بحسب رأيه، توجد في العصور القديمة الكلاسيكية. أما نحن فنمضي اليوم بعيدا جدا، إذ أصبحت حقبة ما قبل التاريخ موضة في المجتمع المترف حيث تضم التماثيل إنسانية الشكل المنحدرة من العصر الحجري القديم الأعلى إلى الأقنعة البدائية وإلى التماثيل والمنحوتات المرعبة، كما في متحف إثنوغرافي قديم.
وأتباع مارغريت موراي الذين يمضون أبعد منها قادرون على كتابة ما يلي:
It was shown earlier that the Horned God of the primitive paleolithic peoples Known in a nmber of different forms everywhere, took on a special significance in Mesopotomia and Egypt, where he became associated with the whole ancient magical system» (Hughes, 1952: 91).
لا أرى ضرورة لتقفي طريق هذا الإله الأقرن عبر القرون، كما أنني مقتنع بأن العديد من الآلهة، منذ العصر الحجري القديم إلى الأزمنة الحديثة، كان لها خاصياته نفسها. والرغبة في اكتشافه في محاكمات السحر وراء قسمات الشيطان أو إبليس – كما يظهر دوما في معجزة تيوفيل – هو خطأ شائع في الأنثروبولوجيا التي ترتكز على مقارنة وقائع معزولة وعلى نظام من التداعيات خاص بها؛ خطأ يرتبط هو نفسه بنظرية في المخلفات صارمةٍ وبأطروحات أخرى لا داعي لعرضها في هذا المقام. والشيء البديهي الوحيد هو تأثير فكرة الشيطان في الحياة الوسيطية وحتى في الحياة اللاحقة. ومن وجهة نظر تاريخية، يستحيل اقتلاع تلك الفكرة؛ وذلك كما لو أردنا إزالة الخوف من الشيوعية باللجوء إلى تفسير بعض أعمال المجتمع الراهن أو – على العكس – بأن نزعم تبريرها بأفكار تعود إلى مائتي عام أو أكثر، حيث نتمسك بأبسط سمة فيها يمكنها أن تذكر بالمذهب الشيوعي.
وباختصار، أرى من الخطأ البحث عن أصل مشترك، عن اتصال تاريخي لمجموع الظواهر المدرجة تحت اسم سحر، إذا كان ذلك البحث يرجع إلى عصور ما قبل تاريخية، ويرتكز على وقائع كتلك التي تحتج بها مارغريت موراي وترى أن السِّحر هو عبادة خصبٍ تنحدر من أصل مصري، الخ. فالبحث عن أسلافه المباشرين في عبادة بعض الآلهة الوثنية الأوروبية من جهة، وفي عبادة الشيطان ذات الأصل الوسيطي من جهة ثانية، يكون أقل مجازفة. إن الجناحين يتقدمان على هذا النحو:

السحـــــــر
معتقـد فاعــــل (ما تعتقده الساحـرات) إمكانية القيام بأعمال سحرية، رُقى نافعة أو مؤذية، تحت حماية إلهية مثل ديانا وهيكا وهولدا وبنسوزيا، الخ.
معتقد منفعـــل (ما يُعتقَد عن الساحرات) إمكانية قيام المُقطَعين[11] وأتباع عبادة الشيطان وعبادة الجن بأعمال مؤذية.
وبذلك فمشكل الإيمان بالسحر يعتبر أشد تعقيدا من أي مشكل آخر. ذلك أن الأمر فيه لا يتعلق بمعرفة ما إذا كان هذا السحر زائفا فقط، بل يتعلق أيضا بإظهار أين تكمن صحته أو زيفه و- في نهاية المطاف – لماذا كان من الصعب جدا إثبات زيف بعض الأعمال [السحرية]. وسأتوقف هنا لأشرع في تفصيل التقسيم بين الاعتقاد الفاعل والاعتقاد المنفعل.

II. التأويـلات اللاهوتيـة
بعد مواجهتي للأنثروبولوجيين ها أنذا أمام اللاهوتيين الذين لا عهد لي بهم. من البديهي أنهم يرون أن السحر واقع غير قابل للنقاش. لكن الأمر الذي يشكل موضوع نقاش هو فقط طبيعة الحالات المتأملة: أقصد أن لاهوتيي أيامنا هذه يمكنهم، أكثر بكثير من علماء الدين القدماء، أن يدرجوا ضمن الأعمال السحرية وقائع لا علاقة لها إطلاقا بالسحر. لكن لا شك بتاتا في أنه «باستطاعتنا أن نواجه تشكك المصرِّين على نفي وجود هذه الأعمال وجودا موضوعيا، واعتبارهم إياها مجرد نتاج للمخيلة، بحجج تنحني أمامها العقول القوية نفسها». هكذا كان يتحدث أحد لاهوتيي مستهل القرن الحالي، وهو مؤلف صدر له كتيب في السحر ضمن سلسلة كاثوليكية (برتراند، 1912: 7). وتميل الظواهر التي يعرضها، وهي مأخوذة من مصادر متنوعة جدا، إلى إثبات حضور إبليس في عدد لا متناه من الشعائر والطقوس وإثبات حقيقة بعض حالات «الإصابة بالسحر»، الخ. ولكن المؤرخ لا يجد على الإطلاق في إبليس لاهُوتيِّنا هذا، السِّمَات التي يتعين عليه أخذها دائما بعين الاعتبار.
وفي الحقبة نفسها كان كاتب آخر، ذو فكر حجاجي، يجهد نفسه في البرهنة على كون العصور الوثنية لم تكن بعيدة عن الحقيقة بالقدر الذي نتصوره عادة. وقد كان يرى أن عبادات تلك العصور قد تكرست في شعيرة جوبيتر[12] أو زوس من جهة، وفي عبادة ديونيزوس، من جهة ثانية. الأولى تسبِّح للإله الواحد، والثانية تسبح لروح الشر (غودار، 1925: 30-32). فيما وراء كل صيرورة تاريخية، ستكون الإبليسية، إذن، ظاهرة ثابتة تحكم أوروبا وباقي القارات.
يجـب التعامـل بحذر مع هذه الأطروحة القابلة – بلا شك – للدفاع من وجهة نظر دينية، بحذر لأن الديانات الفلسفية الباطنية ليست خليطا من الأضاليل التي يتخيلها من يجهلها أو من لم يدرسها إلا سطحيا وبأفكار مسبقة. كما أن بعض اللاهوتيين العصريين، الذين يتحلون بجدية وموضوعية أكبر، يكتشفون فيها عناصر هامة بشأن البحث عن آثار الوحي الأول، الخ. فلندرس بشكل خاص السحر الوسيطي والحديث.
من بين اللاهوتيين الذين يشجبونه لكونهم يؤمنون به نذكر مؤلفا إنجليزيا، هو مونتاغ سوميرس الموقر (Le Révérend Montague Summers) الذي نشر كتبا أصيلة وطبع ترجمات كتب قديمة مرفوقة بتقديمات وشروح[13].
يتحدث مونتاغ عن إنستيتور وسبرانجر وبودان ودانو، الخ. بتبجيل، ويعتبرهـم مكتشفي وكاشفي ظواهر واقعية. كما لا يتردد في إطلاق أقبح النعوت على من كانوا يتهمونهم بالسحر: «لقد كانوا أناسا – أو هم أناسٌ – ملاحدة، جهنميين، وممقوتين». وهو يرى أن تعليم الفنون السحرية – بطليطلة – هو بالتأكيد شبيه بـ «محفل السبت» أو المنتديات الجحيمية في الجامعة الإنجليزية. ولجميع القوانين القديمة والشهادات الأكثر جسارة معنى جسيم في رأي هذا اللاهوتي صاحب الأسلوب النثري القديم شيئا ما – في اعتقادي – الذي يعتبر آراء مؤرخي بداية القرن العقلانيين أمثال هانسن (Hansen) وليا (Lea)، الخ. آراء غير مقبولة. لا أظن أن مثل هذه الأفكار يمكن أن تمارس تأثيرا حاسما في المجتمعات الراهنة. ويبدو لي أن ذوق قطاعات واسعة تجاه هـذه الموضوعات – سواء أتمَّت معالجتها «بالأقدمية»، بطريقة أرثوذكسية، أم بطريقة ابتداعية – هو ذوق عَرَضي (symptômatique) بمقدار خفة هذه القطاعات في استعمال المصادر.

III. الشيطانيون المحدثـون
فلنترك هذا الميدان الذي تخضع فيه معاييرُ المؤرخ الجادة لمقاييس ربما لا يملك الكثير ليتكلم. لكن لنسجِّل مفاجأتنا لرؤية مؤلفين يتبنون وجهة نظر لاهوتية، يستخدمون كتبا ليست أرثوذكسية ولا حتى مسيحية، وعلى كل حال ليست جديرة بالثقة الكبيرة. ولا نخفي قلقنا من هذا التكاثر الذي تعرفه اليوم كتب السحر الأسود والتعاويذ والسِّحر، وأعمال من يزرعون هذه الممارسات القديمة. بمقدار ما استطعت الحكم على مؤلفيها فقد وجدتهم في أغلب الأحيان مخادعين، مشعوذين، استعراضيين[14] ماكرين أو مفسدين تقريبا، يُتعِبُون حقا القلم، ويكتبون لجمهور سهل الإرضاء. ومن هنالك مصدر كونهم يستعملون في أغلب الأحيان أسماء مستعارة لإخفاء حياتهم الصعبة البئيسة، أو عدم كفاءة لا علاقة لها إطلاقا بالإبليسية الحقَّة التي تعبر من مسالك أخرى والتي، مثل الإحسان، تبدأ من النفس كما يقول سانشو بانصا.
هكذا لازال كتَّاب لم يكونوا روائيين ولا مهرجين، أمثال الإكليركي تارك الرهبانية ألفونس لويس كونسطان Alphonse Louis Constant (1816-1875)، المعروف أكثر بالاسم المستعار إليفاس ليفي، لا زالوا يملكون عددا كبيرا من القراء، ولازالت كتبهم تطبع بشكل يفوق كل ما يتصوره المرء منذ قرون وتُتَرْجَم بروز كروا[15] وهُرمُسيين، الخ. وذلك رغم أن المدعو إليفاس ليفي اضطر لبيع الفواكه تحت وطأة حياته الصعبة، ثم التحق، على مرأى ومسمع الجميع، بحضن الكنيسة الكاثوليكية.
ومع أن آخرين يُعَدُّون خصوما لمنظري السحر، فإنهم يشاركون هؤلاء في الإيمان بأن جرائمَ الساحرات جرائمُ واقعية، فينبذونهن ويضيعون في متاهة من التأملات القبَّالية[16]. لنقرأ، مثلا، ما كتبه سطانيسلاس دي غوايطة عن الساحرات في واحد من كتبه الأكثر شهرة (س. دو غوايطا، 1915: 30-33). وقد أخذ رجالٌ أمثال موريس باريس Maurice Barrés تلك الترهات والأباطيل مأخذ جد!، بمعنى أن أتباع السِّحر و – أكثر من ذلك – أتباع عبادة الشيطان، أو على الأقل المتعاطفين منهم، هم متذوقون للجمال. ومثلما تحوَّلَ أكثر من بروتستاني إلى الكاثوليكية، تحت إغراءات حسية وفنية، حضَر بعضُ الأشخاص ذوو الحياة القلِقَة والمُقلِقَة قدَّاسات سوداء واجتماعات سحرةٍ وألعابا منحرفة بتأنق خالص ودون أي باعث ديني. وتلك حالة هوسمانس Husmans في كتابه الشهير هناك Là-bas، الذي أخذه مأخذَ جد السحرة والمعوِّذُون الذين يمضون بعد ذلك إلى حدِّ تأليف مصنفات في السحر (انظر ر. شوابل، 1911: 115) على شاكلة ما يؤَلف كتاب الطَّبخ أو في صناعة الأثاث.
لكن ملاحظات حول هذا الموضوع وإحالات عديدة جدا متعلقة به، تسمح لي التأكيد بأن هؤلاء الناس من كتاب متفسخين، ونساء عائدات إلى الشهوات الشاذة، وشباب غامض، ينتمون إلى أوساط خاصة جدا من المجتمع الحضري. ودراسة هذا الوسط الغني بالأشخاص المحرومين، خائبي الظن، المنحرفين، ذوي الحساسية ا غير السوية، تلك الدراسة قد تكون ذات أهمية أكيدة لتشييد نظرية عامة في عبادة الشيطان. لكن من يستطيع بناءها على الوجه الأكمل دون أن يسقط في الشعوذة والكذب؟
إن ما نعرفه عن هذه الحلقات، عن طريق بعض أعضائها، لا يعدو مجرد كلام فارغ، والأعمال التي تقوم بها لا تكون في أغلب الأحيان سوى لوائح من الوقائع التاريخية المحدَّدة أو معارضات[17] خالصة تكذِّب زعمهم في تواصلية مجموعات مـن السحر قديمة جدا كالتي لا زالت متبقية في أوروبا الشرقية[18].

IV. أطباء المرض العقلي وموقفهـم
لا يمكن إنكار أن بعض المجتمعات تتأثر أكثر من غيرها بالإيمان بالسحر. ويعتبركتاب الدكتور فورتن Fortune سحرة الدوبو[19] Les sorciers de Dobu [نيويورك، 1932] الذي يصف جماعة بشرية غارقة في عالم لا ينتهي من الرقى المؤذية الحاضرة في حياة سائر الأيام، يُعتبر مثالا كلاسيكيا لهذا الأدب العلمي الحديث. ورغم أن كتابه قد اتُّهِم بالمبالغة[20]، فمحتواه قابل للمقارنة ببعض فصول تاريخنا.
عندما كانت السلطات المدنية في كيبوزوكا (Guipûzoca) وبسكاي (Biscaye) ومناطق أوروبية قديمة أخرى تشكو من الرقى المؤذية التي تضر بمواطنيها، وتطالبُ بتدخل العدالة، فإنها لم تكن تفعل سوى الإشارة إلى أنها كانت هي الأخرى تعيش في «سحـرية magicité» كاملة. لقد كانت أشكالُ البؤس والشقاء الفردية والجماعية تُعزَى دائما إلى العمل المتجدِّد للرُّقى المؤذية. لكن خلافا للأنثروبولوجيين (وبارتكازي على حالات تاريخية)، أقدِّرُ أن تأثير من يعانون من الرُّقى المؤذية هو أهمّ بكثير من تأثير من يعتقدون أن لهم قدرة على استعمالها. فالشعور المنفعل لدى المسحور يعمل أكثر من الشعور الفاعل عند السَّاحر على خلق مناخ اجتماعي مماثلٍ للمناخ الذي عمَّ كيبوزوكا في القرنين XV وXVIم. والأمر نفسه ينطبق على أشهر الحالات الفردية التي ستعرف فيما بعد.
ها هي في إسبانيا حالة الملك شارل الثاني الذي افلح بعضهم في حمله على الاقتناع بأنه كان مسحورا. وقد قُبِلَ الأمر وانتشر في المجتمع المدريدي بكامله تقريبا، من الأرستقراطية الأكثر رقيا إلى عامَّة المدينة. كانت طبيعة السحر دائما غامضة وظلت شخصية الساحرة دائما مجهولة. لكن أولئك الذين زعموا التخفيف عن الملك الشقي، بواسطة العزائم والتعاويذ أو بواسطة ممارسات أخرى، سرعان ما سيدفعون ثمن تدخلهم فيما بعد، حيث سيتعرضون للتعذيب من قبـل المحكمة المقدسة[21] (د. دو ماورا، 1954: 294-307).
ينشـأ السِّحر – وقد قال مالينوفسكي هذا – من شعور الساحـر بالحرمـان والعجز. ما القول في من يعتقد أنه مسحور؟ إن هوس التعذيب متعدد الأشكال في المجتمع اللائكي، يلعب في المجتمعات التي تهيمن فيها السِّحرية (magicité) دورا مماثلا إن لم يكن أكبر من دور الشعور بالحرمان هذا. من هنا كون السحر أثار اهتماما قويا لدى من اهتموا بأحوال النفوس المريضة، سواء تعلق الأمر باختصاصيي الأمراض العقلية أو بالرجال الذين يعتنون بالعلاقة بين طب الأمراض العقلية والطب الشرعي، أو السيكولوجيا الاجتماعية للجماهير. وسيساعد التمييز بين الاعتقاد الفاعل والاعتقاد المنفعل على فهم هذه الوجهات للنظر.
قد سبق لأطباء المرض العقلي أن اعتبروا في النص الأول من القرن XIX سحر المحاكمات الكبرى بمثابة نوع من الجنون الجماعي المعدي. ويقدم كالميل Calmeil في كتابه الشهير عن الجنون de la Folie أمثلة عديدة عن «التجنن démonomanie» تمثل هذه الوجهة للنظر (ج. لوي كالمي، 1845). وقد استعمل آخرون من بعده هذا التوثيق الغني[22]. من جهة أخرى، لم يتم دائما التمييز بدقة بين ممسوسي الجن أو الأرواح والمصابين بالاختلاج، أو على الأقل إن التمييز بين الشخصية المريضة نفسيا وبين الساحرة لم يكن مرسوما بوضوح، وذلك خلافا لشخصية ضحاياها. ويقارن ريشي بلا تردد مرضى شاركو الهستيريين، بالسالبتريير[23]، بالشيطانيين القدماء. وكان يجد عند الإثنين سمات مشتركة، منها على الخصوص فقد الحسّ في بعض أطراف الجسم. وهو ما كان مصدرا لإنجاز دراسة واسعة حول السحر باعتباره «مرضا معديا»، صنَّف الباحث ضمنها حالات المسّ من الشيطان (ش. ريشيه، 1887: 261-394).
بعد ذلك بكثير، سجل أ. ماري التزامن بين ظهور حالات الإصابة بالسحر وبين المراحل الطويلة من المعاناة الجسمية والمعنوية (أ. ماري، 1907: 134-151). لكنه، كالذين اهتموا «بأمراض الشيطان»، درسَ اضطرارا الحالات المتأخرة التي يعد فيها المس الشيطاني أساسيا، بدل دراسة حالة السحر بحصر المعنى. يتعارض أطباء المرض العقلي في نهاية القرن XIX وبداية القرن XIX بوضوح مع اللاهوتيين؛ إلا أنه يجب الإشارة إلى أنهم قليلا ما يكترثون لكتب القدماء، كما يفتقرون إلى الدقة والاهتمام بنقد مصادر معلوماتهم. إن أبحاثهم المباشرة، غير الكتبية، تفيدنا أكثر. وهكذا فحالة النساء اللواتي يقعن فريسة قلق مرتبط بحضور شخص، ويمكنه أن يتحول إلى شهوة حسية، تعتبرُ حالات مثيرة للاهتمام. ومعنى ذلك أن السّقوبة[24] (لا أعرف إن كانت شائعة) ثابتة طبيا[25]. كما يمكن مقارنة حالات أخرى معزولة، أو بعض السمات الحسية (كفقد الحس أو جمود العاطفة)، بالصفات التي تعطى للسَّحرة. لكن تنقصنا ترسيمة الكل المرتكزة على ملاحظات العيادة أو المستشفى. ولذلك أبدي تحفظات حول أطروحة العدوى عند ضحايا القمع، وبعبارة أخرى عند السحرة والساحرات. في الحقيقة، يمكن دراسة إوالية العدوى عند القضاة وشهود المحاكمات (وعلى ضوء بحث طب الأمراض العقلية الأكثر أمانة)، ذلك أنهم هم الذين يسوقون أولى الملاحظات ويقدمون الوثائق الأكثر مباشرة عن أنفسهم. وأعتقد أني بيَّنتُ ذلك بما فيه الكفاية ضمن هذا الكتاب[26]. عندها، يجب الانطلاق ليس من مشكل طب الأمراض العقلية فحسب، بل ومن المشكل الشرعي أيضا، من دراسة عقلية القضاة والشهود، لا من عقلية المتهمين.
وسأذكِّر هنا ببحث جول فاليس العامِّي[27] العنيف الذي كان يجد في الكتاب دافع أغلب الأعمال الإنسانية ويستبدل النصيحة المسلية المعطاة للمؤرخين وعلماء النفس: «ابحثوا عن المرأة» بالنصيحة: «ابحثوا عن الكتاب»[28]. وبالفعل، فتأثير الكتب في الأعمال الفردية والجماعية تأثير عظيم؛ ويعدُّ أحد هذه الكتب نموذجا في تاريخنا: إنه الــ [29] Malleus malefiorum. لقد انتشر مذهبه بسرعة كبيرة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبلدان الشمال. كما أثر أيضا في الكاثوليكيين والبروتستانيين على حد سواء. وكلما كان القاضي مثقفا ازداد تمسكه به. لقد كان بيير دولانكر بحَّاثة أكثر من دون ألفونسو دي سالاثار Don Alfonso de Salazar وفرياس Frias. وملك إنجلترا، جاك الأول، لم يكن جاهلا. لكن يمكن لمن يدَّعون المعرفة من أهل السلطة أن يكونوا – بعيدا عن ترسانة من السلطات وعن آراء متحذلقين آخرين – مرعبين، خاصة إذا وجدوا جمهورا مهيئا للخضوع، لا بل ومُهَيئا حتَّى لتعظيم التظاهر بالعلم المتحالف مع الرّعب. في مواجهة الساحرة الحقيقية أو المفترضة يقف مدَّعي المعرفة المتحذلق، ممتلك السلطة، المستعد لعقاب أصحاب الرّقى المؤذية المزعومين.
لنتحدث الآن عن شخصية أخرى معادية للمعَذَّبة، أي الساحرة، إنها شخصية الشاهد. في اعتقادي، يمكن لأطباء المرض العقلي أن يقولوا عنها أيضا، وانطلاقا من تجارب عامة، أشياءَ أكثر يقينا مما يقولونه عن الساحرة نفسها.

V. عـن الشهـــود
لقد أحدث أ. دوبريه، وهو أحد أطباء باريس في بداية القرن الحالي، متخصص في الطب العام، وخلف عدة كتب امتلأت بملاحظات ساطعة، أحدَثَ كلمة «الولع بالأكاذيب». هكذا حدد النزعة المرَضية (الإرادية الشعورية تقريبا) إلى الكذب والتخريف، التي لاحظها مرارا في الاعترافات التي حصل عليها في حياته المهنية (دوبريه، 1925: 3).
رغم أن الميتوماني[30] يَكذِبُ إراديا، فهو يؤول إلى تصديق مزاعمه؛ ونجد هذه الخدع في أغلب الأحيان عند الأطفال والمرضى العقليين (نفسه: 99). وهي عنـد الطفل لا تَكون حالة مرضيـة بالضرورة، بينما عند الراشـد تكون دائما حالـة مرضية (نفسه: 54).
غالبا مايُرافقُ الميتومانيا عند الطفل، أو المراهق غير الطبيعي، خُيَلاءٌ وخبثٌ وبعض الشهوات الفاحشة (نفسه: 14). وهو كثيرا ما يتصرَّف في هذه الحالة تحت تأثير إيحاء خارجي (نفسه: 18). وهذا الشكل من الميتومانيا الموحى به، الذي انصب عليه اهتمامُ أ. دوبريه، هو ما سندرسه هنا. فبواسطة الإيحاء قدَّم الأطفال تصريحات زائفة تماما أمام المحاكم، وأعطوا تفاصيل خارقة للعادة حول انتهاكات العرض والفضائح الخلقية بصفة خاصة.
وما يشكِّل محور اتهامات الطفل دائما، بحسب قول دوبريه، هو محادثات الجيران وأسئلة الآباء:
«تحت وطأة المفاجأة وما يصيبهم من نقمة، يجنِّنُ المقربون – وخاصة الآباء الجشعون لمعرفة تفاصيل الجريمة، وتحديد ساعة وقوعها، ومكانها، ودوافعها – بأسئلتهم الطفلَ المضطرب والمفزوع. وهم يعزون ارتباكه إلى الإحساس بالعار والرَّغبة في التوبة اللذان يمليان عليه لا شعوريا من قبل الأجوبة التي ينتظرونها منه بتلهف. هكذا تتضح وتفبرك معالم سرعان ما سيحفظها الطفل عن ظهر قلب ويتمسك بها تجاه الجميع وضد الجميع. لن ينس منها أي شيء وهو يحكيها؛ أثناء عمليات الاستنطاق، سيعيد بسُهولةٍ ما يوحى إليه به» (نفسه: 21-22).
يمكن أن نذكر هنا بمظاهر أخرى للاعتراف وقيمته العلمية، درسها أطباء شرعيون. وقد يُلاحَظ أن ما صلح باعتباره أساسا لدراسة علمية قصد البرهان في مادة الشهادة هو تحديدا محاكمات سحر، وأن الاختصاصيين متفقون على السمات التي تجعل الشاهد الحقيقي (وليس الزائف) يبالغ ويكذب جزئيا.
إن أمكَن في باريس الراهنة، أو في أية عاصمة أخرى، لمراهقين وأنصاف مجانين أن يُربكوا قضاة ومحامين بحكاياتهم النيئة والفاحشة، فإن النبوءة نفسها والفضائح الخلقية نفسها كان بإمكانهما أن ترافقا الإيمان بأعمال شيطانية، أو مجرد سحرية، في المجتمعات التي كان يحتل فيها اللغز مكانة تفوق بكثير مكانته في مجتمعنا. لا تخلو تصريحات الأطفال أبدا، ذكورا كانوا أو إناثا، من سمات الفحش الأكثر إثارة للدهشة. ولا يسهل دائما التمييز في تلك التصريحات بين ما يعود إلى الإيحاءات العائلية أو القضائية، كما يتم في حالة الفونطارابي[31] حيث تكون الإيحاءات واضحة.
عندما تحيي مارغريت موراي ومدرستها (وأترُك جانبا عبّاد الشيطان العصريين الذين يخلدون قداساتهم السوداء في فنادق باذخة ذات الهواء المكيّف) الأطروحة الواقعية وتقليد الإله الأقرن وهراءات أخرى، فإنهما يقطعان الطريق على أبحاث مباشرة صلبة وعريقة (ما داما ينطلقان من القرن XVI) لاستبدالها بخرافات حفرية نَزَويّة تقريبا. وهما يبخسان أيضا قيمة الكتَّاب الذين عالجوا محاكمات سحر، معالجة دقيقة، بوصفها قضايا شرعية أساسا. وفي الواقع، لقد تمَّت في عصرنا مقارنة هذه المحاكمات ببعض المحاكمات السياسية. فقد كتب المسرحي الأمريكي الشمالي الشهير ميلر Miller مسرحية عن ساحرات سالم [32] Salem أحرزت على نجاح كبير، تلمحُ – فيما يبدو – إلى المحاكم السياسية العاملة في بلده منذ بضع سنين. كل ما فعله ميلر في الحقيقة لا يعدو كونه أعطى شكلا فنيا لأبحاث أهل التنقيب الذين، لسبب أو لآخر، لا يرون في السِّحر سوى خطإ قضائي جسيم نشأ عن تجاوزات السلطة.
لنميِّز مع ذلك بين من يزعمون إصلاح شر موجود، كألونسو سالاثار والأب سبي Spé وسلطات كاثوليكية أخرى، وبين من لوَّحوا فيما بعد بالأخطاء وبقدر مماثل من الاتهامات ضد السلطة، وبالخصوص ضد الكنيسة الكاثوليكية في هذه النزعة. ويحذو مؤرخون بروتستانيون هنا، مِثلَ ليا Lea، حذو لاهوتيين منشقين مثل دولينجر Dِllinger. وفي نهاية القرن XIX وبداية القرن XX بالغ في هذه النزعة أيضا بعض الكتاب العقلانيين المناهضين للكاثوليكية: من بينهم جيل بيساك Jules Baissac والمؤلف الذي يختفي وراء الاسم المستعار جان فرانسوا. والجميع يزعمون أنه تمَّ نصب حجج قضائية جسيمة على قاعدة تافهة استعملها البروتستانيون بلا شك، لكنها كانت من عمل الكنيسة الكاثوليكية (إ. لوكارد، 1920: 101). كل ذلك يبدو لنا اليوم صبيانيا إلى حد ما، ونريد على الأقل معرفة الأسس التي بني عليها الخطأ القضائي: ذلك أن خلق جُنحة ما ومتابعة صاحبها بفعلٍ ارتجاعي وإعطاء القوانين محتوى لا يتطابق مع الوقائع وإنما مع جُنَح مُتخيلة يصفها من يمليها أو شهود مشبوهون كما يحلو لهم، كل ذلك تجاوزات اقترفتها المجتمعات البشرية مرات عديدة قبل العصر الوسيط وبعده. مِثلُ هذه التجاوزات أمرُُ يُهَدِّدُنَا اليوم من جديد، والمحاكمات السياسية يمكن أن تضيء موضوعنا؛ فصحيح أن الحياة هي سيدة التاريخ لا التاريخ سيد الحياة. ولكن شيئا واحدا يبقى مؤكدا، وهو: مَنْ يَرتكب تجاوُزات ينطلق دائما من حدث واقعي؛ فمنْ كانت محاكمات التفتيش القديمة تتهمه باليهودية لم يسبق له أن ارتكب ما كان يُتهَم به من جرائم طقوسية، بل كان دائما – تقريبا – يهوديا مؤمنا.

VI. السحـر والسياســة
سأقول أيضا، ومع التماسي مسبقا المعذرة من الرجال الذين يتقلدون الحكم في أيامنا هذه (وليس في ذلك مفارقة)، إنه يوجد تشابه كبير بين الساحرة القديمة والسياسي العصري. فكلاهما تُنسَبُ له قدرات تعلو بكثير قدراته الواقعية؛ عن هذا وذاك يتم البحث في فترات الوهم، كلاهما يخيِّبان الأمل فتُعزى إليهما في النهاية، ودفعة واحدة، جميع الشرور التي يعاني منها المجتمع. يُقال أيضا إن السياسيين يُشكلون بعض المِلل ذات الطقوس السرية التافهة التي تكون رسالتها نشر الشر في اجتماعاتها السرية ومأدباتها. متى انهزموا فجر قضاة صارمون وشهُودٌ أبرياء أعمالَهم الإجرامية في محاكمات مثيرة. وإذا وجدت المحرقة، فإنهم سيغذونها أيضا. ومن حسن حظهم أنها لم تعد توجد في البلدان المتحضرة، وأنهم متى حُوكموا تمَّ ذلك بصفة ساحرات القرن XVIII السعيد أنفسهن، فيعاقَبون بصفتهم خداعين ودجَّالين.
لكن لنترك هذا التوازي (بين السياسي والساحرة) دون أن نغفل مع ذلك التعبيرَ عن أمنيتنا في أن نرى دور السياسي يتراجع، ولمَ لا يُحذَفَ، في يوم من الأيام داخل المجتمع السياسي كما حدث لدور الساحرة.

VIII. شخصيـة الساحـرة
لنصل أخيرا إلى الساحرة، إلى الشخصية التي تعتقد أنها ساحرة. ما هي الخصائص العامة لوريثات سيميتيا Simeta وكانيديا Canidia؟
فمن جهة، رأينا الكيفية التي ترتسم بها جانبيا الساحرة من نوع سيلستين [33] Célestine. ومن جهة أخرى، هناك كائن غريبٌ مجنونٌ شاذٌّ لا نستطيع إنكار حقيقة وجوده، لكن يجب أن نقلص شخصيته بصفة خاصة. غالبا ما تكون الساحرة القروية عجوزا تعيش على هامش المجتمع، يخشاها الجميع ويحتقرها. كما يبدو أنها امرأة عصبية تتعرض لأزمات كبرى، لها معارف محدودة في التطبيب؛ تضع اللصقات، وتمارس أحيانا العرافة، وربما تبحث عن العزاء في الجنان الاصطناعية التي تمنحها إياها نباتات البلدة الأوروبية. ونحن وإن كنا نترك جانبا كل حكايات المساحيق الضارة ودهانات الضفادع، الخ. التي يقدمها البعض دون إبداء أقل فكر نقدي، فإننا نضطر للاعتراف بأن الساحرة كثيرا ما تمكنت من اللجوء إلى المخدرات والمُخبِّلات لكي تجلب لنفسها، أو لآخرين، بعض حالات الحلم[34].
لقد كانت المخدرات والمخبِّلات الأكثر استعمالا في أوروبا تستخلصُ أساسا من أعشاب من عائلة الباذنجانيات، كالأطرب، والبنج، والداتورة. وبمقدار ما كانت السكوبوليا تستعملُ في الشرق، كان اللفاح يُسْتعمَلُ في البلدان المتوسطية. يتم الوصول إلى حالة النوم بوسائل مختلفة، عن طريق طبخ أوراق أو تدخينها. وعبر الاستخلاص بالغليان كان يتم صنع مرهم أساس لجميع الدهانات المشار إليها كثيرا في المحاكمات. وأثناء النوم المثار بهذا الشكل يتم الحصول فعلا على رؤى غريبة. وفي أوروبا الوسطى لازالت الباذنجانيات تشكلُ اليوم مصدر لذة للذين يحرمهم فقرهم من الخمور والمشروبات الروحية، ولمن يقوُّون بفضلها – رغم كونها ممنوعة – الجعات قليلة التكحُّل. ويؤكد الاختصاصيون في المادة أن الباذنجانيات هي المخدرات الأكثر إيذاء للإنسان، أكثر إضرارا حتى من الحشيش. إضافة إلى ذلك، فما تحدثه من رؤى يكون معتما جدا وكئيبا في أكثر الأحيان (هـ. فوهنر، 1930). وسبق لكتاب من القرن XVI، كما رأينا، أن تحدثوا عن هذه المخبلات (خ. ك. باروخا، 1972: الفصل VII). والمعنيون بالأدب هم الآخرون يعرفونها ويستخدمونها لشرح الاعتقاد في الطيران في الأجواء، الخ.
ولنستمع في الحوار الآتي ماكان يريده الماركيز بيِّينا (Villena)، وهو حوار مقتطف من كوميديا دون فرانسيسكو روخا:
«الماركيز: أيعتقد الآخرون أن الساحرات يَطِرنَ؟
زامبيا بالوا: ألا تؤمن بذلك؟
الماركيـز: لا، أيها الجاهل.
زامبيا بالو: إني أسألك فقط، فأنا لستُ سوى مجرد راهب مساعد.
الماركيـز: إنهنَّ يتدَهَّنَّ جميهعن بمِرْهَمٍ.
زامبيا بالـو: وماذا بعد؟
الماركيز: ماذا بعد؟
هذا المرهم الذي يهديه لهن إبليس، [مرهمُُ] مخبّلُُ من الطراز الممتاز مأخوذ من البنج، يحدث النوم.
حينئـذ يبـدو الحلم واقعا،
وبما أن إبليس
لا يريد سوى الكيد بهن
فهو يجعلهن يحلمن
كل واحدة بطريقتها.
هكذا يعتقدن أنهن يطرنَ
فيما يكنَّ غارقاتٍ في النـوم
ورغم أنهن لم يطرن
فحين تستيقظ كل واحدة منهنَّ يبدو لها
أنها قد زارت التيس
وأنها قد تنزهت
في حقول الباراونا؛
بحيث،
شوهد منهن أحيانا
أكثر من اثنتين مدهونتين بالمرهم.
ونائمتين في مخدعهما» (د. فرنسيسكو دي روخاس، LV: 330-331).
من لا يملك حول إبليس سوى فكرة قديمة جدا وأكاديمية، ومن لا يحسن أن يتصوَّر قدرته كلية الوجود، عليه أن يكون على الأقل قد قام بتجارب شخصية، وتناولَ هذه المخدرات حتَّى يفهم جزئيا تأثيراتها ويتحدث عنها آنذاك بسلطة. لكنني أعترف أني لم أجرؤ إطلاقا على دراسة تأثيرات هذه الباذنجانيات على مخيلتي. وبذلك يكون هذا الكتاب قد افتقر بلا شك إلى عنصر أساسي.
لاتخلق الساحرة لنفسها عالما من التخيلات والمشاعر بواسطة المكنسات الطائرة أو الحيوانات الشيطانية، وإنما بواسطة هذه المخدرات البسيطة.
مما يؤسف له كون علماء النفس المحدثين لم يدرسوا بعضا من تلك النساء ولم يصفوا تلك الشخصيات التي كانت تتعرض للمضايقة في محيطها الذي كانت تعتقد أنها مختلفة جدا عنه، بل وحتَّى متفوقة عليه، أمثال إمَّا بوفاري (Emma Bouvary) المنحدرة من مجتمعات متميزة عن البورجوازية التي وضع فيها فلوبير شخصيته الشهيرة.
والصالح من الصور الظلية النادرة التي تركها لنا مؤلفون قدماء عن الساحرة يعكس تقريبا دائما تضخما في الشخصية ويقينا في كون قروية فقيرة تستطيع القيام بأعمال يتعذر تصورها، وذلك في سن النضج أو في شيخوختها، أو – كما في بعض الأحيان – تظهر قوتها الشيطانية في سن مبكرة.
وعلى كل حال، تكادُ تعتَبَرُ دائما ساحرة بعد تعدد فشل الوجه الأنثوي في حياتها: علاقات حب محرومة أو مُخجلة تترك فيها عقدة عجز وعار، فتواجهها بوسائل غير مشروعة، لكنها ليست منحدرة دائما من الجحيم المسيحي. وبالانتقال من سن النضج إلى مرحلة الشهوات الصَّلبَة، فالشيخوخة، تتغير حالتها. كل ما ترغب فيه آنذاك هو أن ترى نساء صغيرات يسقطن مثلها في هذا الوضع الذي يبدو أن جميع القيم فيه مفسدة ومشوهة، إن لم تكن مقلوبة حيث الشرّ خير والملتوي مستقيم، وحيث كل ما هو عمومي لا جدوى له، ووحدها الأعمال الخاصة والسرية هي التي لا زالت تحتفظ بفائدة. وبذلك كانت الساحرات القدامى تشكلن نوعا من مجتمع سري نسوي. مع ذلك، أعتقد أن الوقت لم ينصرف بعد للبرهنة اليوم على أن السحر النسائي وعبادة الشيطان الخالصة، يجب أن يُدرَسا من وجهة نظر تاريخية وأنثروبولوجية منفصلتين، رغم أنهما يمتزجان أحيانا. وفي مثل هذه الدراسة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار التمييز بين الشعور الفاعل والشعور المنفعل. أخيرا، أعتقد أنه لا مناص اليوم من ضرورة القيام بتفسير جديد للوثائق التاريخية والفلكلورية وإحداث طريقة جديدة لمعالجة القضايا من وجهة نظر سوسيولوجية وفلسفية بعيدا عن كل اعتبار ديني.
إني مقتنع بأن القدَّاسات السّوداء ما زالت تقام إلى أيامنا هذه، وأن بعض حالات عبادة الشيطان موجودة. لكن الذين يحضرون هذه القداسان هم على العموم كائنات مصطنعة، ذوُو أنا (Moi) متضخمة وفضول مرضي تجاه بعض السيكوباتيات، خاصة الجنسية منها. إنهم أناس ليس لهم علاقة كبيرة بساحرات أوروبا الوسيطية والقرنين XVI وXVII، وأقل من ذلك لا علاقة لهم بالمرضى الذين كان القانون يضربهم بفظاعة، في غياب تشخيص جيد للأمراض. أفكر هنا أساسا في حالة الذؤابيين. والذَّآبة[35] مرضٌ درسه الأطباء العقليون منذ وقت طويل، ويؤول اليوم في ضوء نظريات يونغ Young، كما كان الأمر بالنسبة للسادية والمازوشية في كتابٍ لسلسر طُبع بعد وفاته.
باختصار، إنني أرى، ليس بصفتي لاهوتيا أو قانونيا أو طبيبا عقليا، وإنما باعتباري مجرد مؤرخ، أرى أن السِّحر يجب أن يثير – أساسا – الشعور بالشفقة: الشفقة تجاه المعذبين الذين كانوا يرغبون في إحداث الشَّر، رغم أنهم لم يكونوا يفعلونه وعاشوا جزئيا حيوات محرومة وتراجيدية؛ الشفقة أيضا على المعذِّبين الذين اعتقدوا أنهم كانوا مهدَّدين بمخاطر لا تحصى، ولهذا السَّبب تصرفوا بعنف وشراسة.
في الوقت الذي لا تزهر فيه أنظمة وجودية فحسب، بل أيضا نمط معيشة حياتي يواجه فيه الإنسان قلقه وحيدا بعدَ أن كسَّر كل الحواجز والأعراف، يمكننا أن نتصوَّر أفضل من الأزمنة السعيدة، التي كانت فيها الأخلاق العمومية والفلسفات والديانات المهيمنة شديدة التفاؤل، حالة من كان يكتشف بداخله رغبة سلطة إبليسية أو يحس أنه عبد لهذه السلطة، يعتقله عدوّ قريب ومكروه طوال سنوات من الجوار والاشتباه. وكم من الرجال والنساء، على الخصوص، عاشوا هذا القلق العريق بسبب امتلاكهم تصورا مختلفا كليا عن تصورنا!
——–
الهوامـش والمـراجـع
Baroja, Julio Caro.
1972, Les sorcières et leur monde (Traduit de l’espagnol par M.-A. Sarrailh), Gallimard, Paris.
Bayle, Pierre.
1820, Dictionnaire historique et critique, 16 vol, Paris.
Benedict, Ruth.
1944, El hombre y la cultura, Buenos-Aires.
Bertrand, I.
1912, La sorcellerie, Paris.
Calmeil, J. L. F.
1845, De la folie considérée sous le point de vue pathologique, philosophique, historique et judiciaire, depuis la Renaissance des sciences en Europe jusqu’au XIXe siècle, description des grands épidémies de délire, simple ou compliqué, qui ont atteint les populations d’autrefois et régné dans les monastères. Exposé des condamnations auxquelles la folie a souvent donné lieu, 2 vol., Paris.
Dupre, E.
1925, Pathologie de l’imagination et de l’émotion, Paris.
Fuhner, H.
1930, «Los estupefacientes», in Investigaciَn y progreso, IV, mars, n° 3, p. 37.
Gardner, Gerald B.
1954, Witchraft today, Londres.
Godar, André.
1925, La piété antique, Paris.
Guaita, Stanislas de.
1915, Essais de sciences maudits. Au seuil du mystère, 5eme édition, Paris.
Hughes, Pennethore.
1952, Witchraft, Londres.
Locard, Edmond.
1920, L’enquête criminelle et les méthodes scientifiques, Paris.
Marie, A.
1907, Mysticisme et folie (étude de psychologie normale et pathologique comparée), Paris.
Maura, Duque de.
1954, Vida y reinado de Carlos II, 2 vol., Madrid.
Reinach, Salomon.
1914, Orpheus – Histoire générale des religions, Paris.
Richet, Charles.
1887, L’homme et l’intelligence. Fragments de physiologie et de psychologie, Paris.
Rojas, Fernando de.
1913, La Celestina, édition de Julio Cejador, 2 vol., Madrid.
Rojas Zorrilla, Francisco de.
(s.d), «Comedias escogidas», in Bilioteca des autores espaٌoles, LIV.
Schwaeble, René.
1911, Le problème du mal. La sorcellerie pratique. Astrologie. Alchimie. Magie, Paris.
Summers, Montague.
1958, Witchraft and black Magic, Londres.
Juquelier, P.
1914, El contagio mental, traduction espagnole de César Juarros, Madrid.

[1] سبق أن نشرنا هذه الدراسة في مجلة العرب والفكر العالمي، ع: 13 / 14، (1. من نص البلاغة والبيان؛ 2. من نص السحر والإثنولوجيا)، ربيع 1991، صص. 137-151، وصدّرناها بالتقديم الحالي ذاته (م).
[2] محكمة التفتيش ((Tribunal d’inquisition: محكمة دينية كانت تلاحق المتهمين في دينهم. (م).
[3] Pierre de Lancre مستشار وقاض في البرلمان الفرنسي، ترأس بأمر من الملك هنري الرابع، إلى جانب رئيس البرلمان Espagnet، لجنة برلمانية كلفت بالتفتيش عن السحرة والساحرات في بلاد البورغ، وهي أصغر أقاليم منطقة الباسك السبعة، ومحاكمتهم. وقد زرع دو لانكر رعبا حقيقيا في اللابورغ حيث أرسَل إلى المحرقة في ظرف أربعة أشهر ما لا يقل عن 500 أو 600 من الضحايا، فيهم رجال ورهبان وحتَّى أطفال، لكن أغلبيتهم كانت من النساء. وبعد انتهاء العملية ألَّف دو لانكر كتابين روى فيهما أعمال السحرة بحسب الاعترافات التي تم انتزاعها منهم. والمؤلفان هما:
– Tableau de l’inconstance des mauvais anges et démons (Paris, 1912)
– L’incrédulité et Mescréance du sortilège pleinement convaincue (Paris, 1622). (م).
[4] إلهة القمر والنساء والولادة والصيد والغابات عند الرومان. وقد كانوا إلى حدود القرن XIم يحجون إلى مزارها ببحيرة نيمي، أي المكان الذي ضاجَعَت فيه فيريوس (Virius) ملك الغابات الأول في اعتقادهم. (م).
[5] نسبة إلى الاتجاه التطوري، وهو مدرسة في الإثنولوجيا كانت تقول بسلوك جميع المجتمعات البشرية، في تطورها، خطا واحدا. وذلك بخلاف المدرسة الانتشارية التي كان يقول أصحابها بمحدودية الاكتشافات الثقافية البشرية، ويفسرون وجود العنصر الثقافي الواحد في العديد من المجتمعات بفكرة الانتشار عن طريق اتصال هذه الشعوب فيما بينها بواسطة التجارة أو الحروب. (م).
[6] المخلفات (أو البقايا أو الرواسب) (survivances): واحده مخلفة، وهي «عنصر من ثقافة يعتبر بمثابة شاهد على حالة أقدم للثقافة، أو بمثابة أثر لاتصالات تاريخية بين مجتمعات مختلفة..». عن:
– Michel Panoff et Michel Perrin, Dictionnaire de l’ethnologie, Paris, Payot, 1973. (م).
[7] محفل السبت: سبق شرحه في الهامش 110 من دراسة إدموند دوتيه «السحرة والعرافون بشمال إفريقية…» المنشورة ضمن الكتاب الحالي. (م).
[8] انظر المقال الذي خصصه Bayle لهذا الموضوع، بايل، 1920، IX: 303-306.
[9] إله روماني تروي الأساطير الرومانية أنه ابن لإلهة نباتية تُدعى سيبيل (Cybele) مات وانتقل إلى مقام الموتى، ثم عاد إلى الحياة من بين الأموات، وهو رمز للخريف والربيع. (م).
[10] لعله كاتو الأصغر، وهو شخصية رومانية، خرج عن مبادئ جده واعتنق الفلسفة الرواقية. اشتهر بالاستقامة في عصر تفشى فيه الفساد المالي والأخلاقي. ولما قضى قيصر على الجمهورية وضع كاتو حدا لحياته وبجانبه كتاب من كتب الفلسفة. (م).
[11] جمع مُقطِع (Vassal): شخص يقطعه السيد الإقطاعي أرضا مقابل تعهده بتقديم خدمات له. (م).
[12] إله روماني، قبل أن يصير كبير الآلهة مثل زوس اليوناني، كان يمثل رقعة السماء المتلألئة وضياء الشمس والقمر وقصف الرعد والمطر والخصب. وقد كانت نساء روما الثريات يسرن، أيام الجفاف، حافيات في موكبٍ كبير إلى تل الكبتولين، حيث يوجد هيكل جوبتر، من أجل الاستسقاء. (م).
[13] أذكر على سبيل المثال كتابه المنشور سنة 1958 (انظر قائمة المراجع في نهاية هذا البحث).
[14] نسبة إلى الاستعراضية (exhibitionnisme): مفردة تنتمي إلى حقل التحليل النفسي، ويقصد بها استلذاذ المرء بأن يكون محطّ نظر الآخرين، كأن تعمد المرأة – مثلا – إلى الكشف عن أجزاء من جسدها… ونقيض هذا المصطلح التلصُّصُ (voyeurisme)، ويعني تلذذ الفرد باختلاس النظر إلى مشاهد شهوية مثيرة. (م).
[15] rose-croix: جمعية سرية من المنورين، تتخذ بمثابة شعار لها، وردة حمراء (رمزا للزهد) معلقة وسط صليب لعلها ترمز إلى المعرفة الكاملة بحسب بعض التأويلات. وهذه الجمعية التي يبدو أنها تكونت في نهاية القرن XVم، كانت تنسبُ إلى مصادر مصرية قديمة، وتعتبر توتموسيس III وأمينوفيس IV الفرعونيين من أوائل مؤسسي تقليدها. (م).
[16] نسبة إلى القبالا La Kabbale: تفيد معنيين: الأول «التقليد اليهودي الذي يفسر العهد القديم تفسيرا صوفيا ومجازيا»، والثاني: «علم خفي يزعم ربط الاتصال بين مريديه يتواصلون مع كائنات فوق طبيعية»، وهذا المعنى هو المقصود في النص. (م).
[17] جمع معارضة pastiche)): «أن يحاكي الأديب في أثره الأدبي أثر الأديب آخر محاكاة دقيقة تدل على براعته ومهارته مثل ذلك». عن مجدي وهبة، معجم مصطلحات الأدب، بيروت، مكتبة لبنان، د. ت.، مادة “المعارضة”. (م).
[18] حول هذه الجماعات، انظر: ج. ب. غاردنر، 1954.
[19] الدوبو: اسم إثنية ميلانيزية تقطن جزيرة تنتمي إداريا إلى غينيا الجديدة. ويشتهر المجتمع الدوبي بنظامه القائم على النسب الخطي الأموي (filiation matrilinéaire) وبأهمية السحر في الحياة اليومية ومشاركته في الحلقة الكبرى من التبادلات القائمة بين العشائر. والكتاب المشار إليه يعتبر اليوم مونوغرافيا كلاسيكية في دراسة المجتمع المذكور. عن: معجم الإثنولوجيا، م. س.، (م)..
[20] وقد اتخذته R. Benedict كمثال، 1944: 165-213.
[21] محكمة تفتيشية تم إنشاؤها في إسبانيا سنة 1478م بطلب من الملوك الكاثوليكيين لمعاقبة المرتدين. وابتداء من سنة 1492 شرعت في معاقبة جميع اليهود والموريسكيين والمنورين والبروتستانيين، فأصبحت أداة للسلطة الملكية وتم تصديرها لجميع المستعمرات الإسبانية، خاصة بلدان أمريكا الجنوبية. (م).
[22] وكتاب A. Vigouroux وPierre Juquelier، الذي تعتبر ترجمته الإسبانبة ناقصة بشكل كبير، يتبع Calmeil عن كثب، 1914: 293-296.
[23] السالبتريير: مستشفى للأمراض العقلية بباريس، التحق به فرويد سنة 1885، حيث راقبَ مظاهر الهستيريا وتأثيرات التنويم المغناطيسي والإيحاء، ليتأثر – من ثمة – بشاركو تأثرا كبيرا. عن و. مانوني، مذهب فرويد، ترجمة: هنري عبودي، بيروت، دار الحقيقة، للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1979، ص. 10. (م).
[24] السقوبة (le succube): شيطانة يُعتَقد في الديانة المسيحية أنها تأتي ليلا لتضاجع الرجل وهو نائم. (م).
[25] انظر الحالات التي جمعها Jean Vichon بتعاون مع Maurice Garçon، 1926: 200-217.
[26] يقصد الكتاب الذي ترجمنا منه الفصل الحالي. (م)
[27] جول فاليس Jules Vallès: كاتب وصحفي فرنسي (1832-1885)، كان يدافع عن الطبقة الشعبية في جريدته «صرخة الشعب». أما العامي (Communard)، فصفة تطلق على نصير ثورة باريس العامية التي جرت سنة 1871. (م).
[28] وجهة نظر استعملها من درسوا «العدوى العقلية». انظر: ج. ب. غاردنر، 1954.
[29] كتابٌ ألفه أخوان واعظان، هما Henri Insistor و Jacob Sprengerسنة 1486، بعدما لاقيا أثناء مزاولتهما لمهمة تفتيشية بألمانيا عداء من قبل بعض المثقفين اللائكيين. ويعتبر هذا المؤلف أكبر مدونة قانونية مخصصة كليا لجرائم السحر. قسَّمه مؤلفاه إلى ثلاثة أبواب: الأول نظري يتألف من 17 فصلا، ويثبت وجود السحر والشياطين. والثاني حِكَائيّ يروي المدى الذي يمكن تبلغه قدرة السحرة، ثم يعرض سبل القضاء على أعمالهم. أما الباب الأخير فيعرض للإجراءات التي يجب اتباعها في المحاكمات السحرية. (م).
[30] الميتومانيا (Mythomanie): مصطلح ينتمي إلى حقل التحليل النفسي. وتجنبا للاستثقال، فقد آثرنا تعريبه حرفيا بدل تبني الترجمة التي يقترحها له البعض، وهي «هوَس المرض التَّكاذبي». انظر: «معجم الثقافة النفسية لمصطلحات الطب النفسي»، الصادر ضمن مجلة الثقافة النفسية، مركز الدراسات النفسية الجديدة، ع. 11، مج. 3 تموز 1992، صص. 117-152. (م).
[31] Fontarabie: مدينة إسبانية شمالية تقع في الإقليم الباسكي من منطقة كيبوزوكا، في الحدود الإسبانية الفرنسية، شهدت في ما بين 1611 و1627م محاكمة العديد من «السحرة». وكان الشهود في تلك القضايا أطفال لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات في أغلب الأحيان، يدعون أن أولئك السحرة والساحرات قد اختطفوهم واتجهوا بهم إلى محافل السبت. (م).
[32] مدينة في الولايات المتحدة تقع في المحيط الأطلسي قرب بوسطن، تأسست سنة 1626، وكانت في نهاية القرن XVIII معقلا لاضطهاد الساحرات، حيث تعرضت المئات منهن للشنق والإحراق. (م).
[33] السيلستين أو تراجيكوميديا كاليكست وميليبي (Tragi-comédie de Calixte et de Mélibée): رواية حوارية تنسب للكاتب الإسباني فرناندو دو روخاس (1499م). وهي تحكي قصة علاقة غرامية بين شاب وسيم اسمه كاليكست وفتاة جميلة، تمكَّنا من الوصال بفضل امرأة تدعى سيلِستين، كانت قوادة تتصف بالحيلة والسذاجة، كانت كريمة وخسيسة، ساحرة وطمَّاعة. (م).
[34] تلك أطروحة Salomon Reinach، 1914: 444-445.
[35] الذَّآبة (lycantropie): جنون يجعل المريض يتخيل أنه ذئب. (م).

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 19-09-2012 10:55 مساء

الاخبار العاجلة