أشباه قصص – قط نصـاب

1٬313 views مشاهدة
minou
أشباه قصصسردمؤلفــــات
أشباه قصص – قط نصـاب

قبل بضعة أيام، كنت أمشي ليلا بجانب الوادي عندما استوقفني قطٌّ صغير يموء. دنوتُ منه، أخذ يتمسَّحُ بي، وهو يرفع ذيله إلى السماء كلاقط هوائي (أنتين)، طالبا مني حمله، استجبتُ له، شكرني بالتمرغ السخي على الأرض والالتواء بجسده يمينا ويسارا، لاسيما عندما استغرقتُ في لمس فروه بيدي. يقال إن القطط لا تقوم بمثل هذا التصرف مع شخص ما لم تمطئن إليه وتسعد بوجودها معه. خاطبني بائع حلوى وسجائر بالتقسيط، كان يراقب المشهد على بعد بضعة أمتار، بعد أن لاحظ أنني حملتُ القطيط وعزمتُ على أخذه معي:
– كم واحدٍ يأخذه معه، لكن ما إن يمر يومان أو ثلاثة حتى يعود!
– لا، في هذه المرة لن يعود. انظر، إنه متمسك بي، ربما لأنه شمَّ في يدي رائحة جبن وقطط. للقطط حاسة شم قوية جدا. عندي ثلاثة قطط في المنزل، لا شك أنه سيكون في غاية السعادة برفقتها…
ثم انصرفتُ وأنا أحمل القطيط بين يديّ دون الاهتمام بتعقيب بائع السجائر على قولي، كأنني بتجاهلي ذاك قد تباهيتُ عليه بمعرفتي بالقطط أو ازدريته لأنه تكلم فيما لا يعلم.
على امتداد المسافة الفاصلة بين الوادي والمنزل (حوالي 45 دقيقة مشيا)، ظل القطيط مستلقيا بين ذراعيَّ، وهو يشخر، ما يفيد أنه كان في غاية السعادة…
في المنزل، أكل بنهمٍ، لكنه بمجرد ما شبع غير سلوكه رأسا على عقب؛ بدل ملاعبة القطط أو مداعبتها، انزوى جانبا. قلتُ: ما علينا، هذه حال كل قط يدخل إلى البيت لأول مرة: يكشر عن أنيابه كلما اقترب منه أحد قطط المنزل، ويخرج مخالبه، يبادل التهديد بالتهديد والوعيد بالوعيد، وما إلى ذلك، ويستمر على هذه الحال بضعة أيام، بعدها تنقلب «العداوة» إلى صداقة. قد يكون هذا مما يدخل في باب طقوس القطط التي لا نعرفها نحن معشر البشر.
ولكن قطنا الجديد كان بخلاف ذلك، رغم أني لم أقصر في أداء طقس الترحيب به بغاية تبنيه: غسل، رش بمبيد حشرات القطط والكلاب، إرشاده إلى مكان الصرف الصحي، وما إلى ذلك، إذ لازم التقلب في سلوكه بين التودد والتلطف والاستعطاف عندما يجوع، لكنه بمجرد ما يأكل ويشبع ينقلب ليس على قطط البيت فحسب، بل وكذلك علي يُخرج مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتأهب لمهاجمة كل من دنا منه، كائنا ما كان. في اليوم السادس، لم يكن هناك بد من طرده من المنزل، بإعادته إلى الشارع.

*
*     *

وضعته في قفص، أقفلت عليه، فإذا به يستلقي على ظهره داخل الصندوق، ويبدي فرحة كبرى. كأنه عرف أن ساعة رحيله من البيت قد حانت فتنفس الصعداء. غادرتُ المنزل دون أن تكون لدي فكرة عن الوجهة التي سآخذه إليها، لاسيما أن الساعة كانت منتصف الليل. خارج البيت استقر رأيي على وضعه في خلاء غير بعيد عن المنزل، تقطنه أعداد كبيرة من القطط.
على امتداد الطريق، كان صاحبنا هادئا، لم يصدر منه أقل ما يفيد أنه كان غير راض على سجنه داخل القفص، ولا صدرت منه أية محاولة للخروج من القفص؛ كان يشرئب بعنقه، من داخل شباك القفص، إلى جهة الغرب (ضفة الوادي التي أخذته منها)، في حين كانت وجهة مشيي هي الشمال.
في خلاء إقامة القطط، بمجرد ما فتحتُ باب القفص وثبَ صاحبنا إلى الخارج دون إبداء أي علامة خوف أو انزعاج. أكثر من ذلك، انقض على أول بقايا أكل وقعت بين يديه من ركام الأكياس والنفايات الملقاة في الساحة. انسحبتُ وأنا أراقبه من بعيد. بمجرد ما أنهى الأكل غادر الساحة، واتجه جريا ناحية الجنوب…

*

*      *

بعد يومين، شاهدتُ القطيط جالسا في المكان الذي أخذته منه، متربصا دون شك بشخص آخر، لكي يحمله، ويأخذه معه إلى البيت ويطعمه، ثم ينقلب عليه إلى ألا يجد بدا من أن يعيده إلى المكان الذي حمله منه أو يطرده من البيت، فيتكفل هو نفسه بالعودة إلى «بيته» في الشارع، إلى جانب الوادي، بجانب بائع الحلوى والسجائر بالتقسيط…
عندما رأيتُ القطيط جالسا هناك قبل بضعة أيام، آنذاك، وآنذاك فقط فهمتُ معنى ما قاله لي بائع الحلوى والسجائر قبل بضعة أيام:
– كم واحدٍ يأخذه، لكن ما إن يمر يومان أو ثلاثة حتى يعود!

الاخبار العاجلة