محمد أسليـم: مسُّ الجنس ومسّ الجنّ

914 views مشاهدة
minou
سرد وتأمل
محمد أسليـم: مسُّ الجنس ومسّ الجنّ

لو كنتُ طبيبا للأمراض النفسية لحررتُ مقالة علمية أقترح فيها على زُملائي وضع مرض نفسي جديد في قائمة الأمراض النفسية ببلداننا العربية، أستعير تسميته من المجال الديني السحري، وهو «مسُّ الجنس» (اقتراضا من مسَ الجن possession)، لأن الاصطلاحات النفسية المتوفرة، مثل الوسواس والهوس، لا تفي بتوصيف الحالة التي نحن بصددها، لاسيما أنَّ بينها وبين مس الجن وجوه شبه كثيرة، سأذكرها بعد قليل. الممسوس جنسيا هو الشخص الذي يكون محور تفكيره وشغله الشاغل هو الجنس، بخلاف الشخص السوي الذي لا ينشغل بهذا الموضوع إلا بكيفية عابرة. الجنس عند من به مسٌّ منه مسألة حياة أو موت، بحيث يمكن أن يرتكب أحيانا جريمة بسببه، لأسباب شتى، تمضي من تلبية الرغبة الجنسية عن طريق العنف إلى تعذيب قريبة له أو حتى قتلها لو ضبطها متلبسة بالعلاقة الحميمية، وكذلك يفعل بشريكها… هذا هو التوصيف العام المقابل للممسوس بالجن الذي يختلف عن الإنسان العادي بإتيانه سلوكات لا تصدر عن سائر الناس، كأن يدخل في حالة غيبوبة، دون سبب عضوي واضح أو يتحدث بلغة لم يتعلمها، وما إلى ذلك.
وكما يقسم المجال الديني السحري ممسوسي الجن إلى قسمين: أشخاصٌ يسكنهم جني كافر (أو شيطاني)، فتكون أعراض الإصابة قوية، وربما شريرة، وآخرون يسكنهم جني مسلم (أو مؤمن)، وتكون الأعراض لطيفة، وربما خيرة، كذلك يمكن تقسيم ممسوسي الجنس إلى فئتين:
– ممسوسو الجنس «الشيطانيون»: هم الذين يصبحون على الجنس ويمسون عليه، شغلهم الشاغل هو تلبية هذه الغريزة. وتتم هذه التلبية بطريقتين: الأولى فعلية، فلا يشبع صاحبها/صاحبتها من ممارسة الجماع، سواء أكان متزوجا أو عازبا، ولو مارس يوميا ومع أكثر من شريك، لأن الأمر هنا لا يعدو مجرد حركات ميكانيكية لا تُفضي إلى إشباع وجداني عقلي. ولتلبية حاجيات هذا الصنف، تفنن عشابو اليوم في ابتكار منتجات عديدة أوصلوا الدعاية لها إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فتجد في إحداها، على سبيل المثال: سيظل المحرك (أي العضو التناسلي) جاهزا لسبع ساعات متوالية!!
– أما الطريقة الثانية، فتصريفية رمزية، وفيها لا يكف الممسوس عن دس الإشارات إلى الجنس والتلميحات إليه في ثنايا كل الأحاديث، حتى ولو كان موضوعها بعيدا كليا عن هذا المجال، فتراه يقتنص أي فرصة للحياد بكلمة ما من معناها الأصلي إلى معنى جنسي، فيحصر معنى عبارة «الدخول»، على سبيل المثال، في معنى «الولوج» بالعضو التناسلي، و«الوراء» في «المؤخرة»، و«هزِّي» في «ارفعي…»، «وما إلى ذلك، ولا يروي من النكت إلا ما كان موضوعها جنسيا، ولا يتهافتُ على سماع إلا ما لها صلة به، ولا يبحث في ملامح المرأة وابتساماتها وكلامها ولباسها إلا عن علامات الجنس…
– أما ممسوسو الجنس «المؤمنون»، فيختلفون عن الفئة السابقة، بأنهم أناس أسوياء، لا شيء يوحي في أحاديقهم وسلوكاتهم اليومية بأنَّ الجنس هو محور اهتماهم، ولكن أعراض المس تظهر بمجرد ما يُثارُ الحديث عن الجنس، أو يُطرح موضوعه للنقاش، خارج الإطار الأخلاقي الديني، والحلال والحرام، فما إن يُنطق بالكلمة حتى ينتفض الممسوس كأنَّه تلقى ضربة موجعة في جسمه، فيكشر عن أنيابه ويقاوم، ويعارض، وربما صرخَ وأرغى وأزبد، بدعوى نشر الفساد، وأن الأخلاق والدين في خطر… يمكن لصاحب هذا النوع من المسّ أن يصوم عن الكلام، فلا يشارك في أي حديث، ولا يُبدي رأيه في أي موضوع، لكن بمجرد ما يُطرح موضوع الجنس يُبادرُ إلى الكلام، ويتسابق لإبداء رأيه وكأن الأمر يهمه شخصيا.
وإجمالا، فمس الجنس الأول (الشيطاني) أقرب إلى الذُّهان psychose، في حين مس الجنس الثاني (الرباني) أقرب إلى العُصاب névrose….
لو كنتُ طبيبا نفسيا لحررتُ تلك المقالة العلمية، وربما ترجمتُها ونشرتُها في مجلة علمية أجنبية، على أساس أن هذا المرض شائع في بلدان العرب والمسلمين، ليتخذ كل مسافر إلى هنا الاحتياطات الجسدية والكلامية لدى لقائه بمن بهم مسّ من الجنس في هذه البلدان، فيتجنب إثارة غضبهم أو حتى لقاءهم خشية أن يلقى من بعضهم ما لا تُحمَد عقباه… وفيما يلي حكايتان واقعيتان، في هذا الصدد، على سبيل المثال:

• مس الجنس «الرباني»:
حكى لي صديق يسكن في القنيطرة أنَّ قريبا له زاره، قادما من مدينة صغيرة محافظة، ومكث معه في بيته لبضعة أيام، فكان الضيف يخرج للتجول وحده، ثم يعود إلى البيت. وذات يوم، وبعد تردد طويل، خاطب الضيفٌ قريبه بنبرة لا تخلو من اللوم:
– يا قريبي، أنت محترم، وكذلك زوجتك وأبناؤك. بالله عليك، ألم تجد شقة تكتريها سوى في هذه العمارة؟! بها أوكار تتردد عليها العاهرات! هذا خطر على زوجتك وبناتك!
– العاهرات؟! كيف؟! أين رأيت العاهرات؟!
– رأيتهن بأم عيني غير ما مرة، في المصعد الكهربائي، واحدة ترتدي تنورة فوق الركبة بحوالي عشرين سنتيما، ترتدي ملابس شفافة، وثانية، ترتدي سروال دجين ملتصق بلحمها، بحيث تبدو تفاصيل جسدها، وقميصا يكاد يستر صدرها… كلهنَّ يضعنَ أحمر الشفاه، وأصباغا في الوجوه، ويبتسمن لي. أحيانا يصعدن منفردات وتارة أزواجا…
قاطع القريبُ قريبه، بعد أن عرف النساء المعنيات، ثم قال له بنبرة متهكمة:
– صه أيها البغل ! تلك قاطنات العمارة، سيدات وبنات محترمات. الأولى جارتنا صاحبة الصيدلية، والثانية زوجة جارنا المحامي، والثالثة بنت المهندس…

• مس الجن «الشيطاني»:
حكي لي صديق يسكن في الرباط أنه تعرف شابة إنجليزية عن طريق المراسلة، وتوطدت العلاقة بينهما إلى وضعت ثقتها فيه، وجاءت إلى الرباط لكي تقضي العطلة معه في بيت والديه. جاءت رفقة صديقة لها. استقبلهما بحفاوة، وسهر الجميع إلى أن حانت ساعة النوم، فوضع رهن إشارة الزائرتين غرفة ليناما فيها.
في الصباح، استيقظ أخو راوي الحكاية باكرا، وكان يكبره سنا ويشتغل ميكانيكيا. استيقظ باكرا وعلى غير عادته انصرف باكرا، على أن الأخر الصغير لم يفته ملاحظة خدوش في وجه أخيه. كان سيسأله بالتأكيد عن سبب تلك الخدوش، لكن الأخ الميكانيكي بخروجه مسرعا لم يترك لأخيه الصغير فرصة لمعرفة ما جرى.
مباشرة بعد انصراف الميكانيكي، استيقظت البنتان، وهما تلفان مستضيفهما بنظرة مبهمة غريبة. سألهما عن سر صمتهما، دون جدوى. تناولتا الفطور على عجلة، ثم جمعتا حقيبتيهما، وانصرفتا.
في المساء، لما عاد الميكانيكي، أدرك الأخ الصغير هول ما وقع وفهم سر انصراف البنتين: قضى الميكانيكي الليلة كاملة في مناوشة البنتين ليضاجعهما، اعتقادا منه أن ممارسة الجنس عند الغربيات أسهل من أكل قطعة خبز أو شرب جرعة ماء، وأنهن يمارسنَه مع من هبَّ ودبَّ، دون أن يخطر على الزائرتين ستقاومانه بتلك الشراسة…

محمد أسليم

الاخبار العاجلة