خطابات السحـــر (من يوميات بحث ميداني)

(صدر في الملحق الأسبوعي للاتحاد الاشتراكي، ع: 85، السبت 23 يوليوز 1988)
– ملاحظات أولية:
1 – ما يلي لا يشكل سوى معلومات مقتضبة من ملف من الأخبار المجموعة خلال تتبع حالة واحدة أثناء إنجاز بحث ميداني في موضوع الحالة المعنية هو حسن وليس الشوافة رقية.
2- سأعرض المعلومات المقتصة كما تم تدوينها في يوميات البحث ولن أتجاوز ذلك إلى تحليلها وتأويلها,وإذا وجد شيء من ذلك فهو يعود إلى مرحلة إجراء البحث ويدخل في إطار تدوين التأملات الأولية قصد استثمارها فيما بعد أثناء تحليل المتن.
3 – سأتخلى عن ضبط التواريخ وأعمد الى قلب الأسماء والوظائف وذلك لتجنب الـ «الإساءة اجتماعيا» لأصحابها.

لقاء بشوافة:
يأتي حسن (صديق في سن 18 سنة ترتد معرفتي به منذ كنا ندرس في فصل واحد بأقسام الإعدادي, ليخبرني بأن امرأة شوافة تريد التعرف علي لكي أمارس لصالحها طقوسا سحرية (تخدم لها), وأنها سُرّت كثيرا لما أخبرتها بفعالياتي الممكنة, إزالة السحر, وإرجاع الشيب بكرا, إرجاع العاقر ولودا, جلب الزبناء للتاجر… ثم يطلب مني صحب بعض كتب السحر معي لأن الشوافة تريد رؤيتها.

ملحوظة:
– لم أخبر حسنا سابقا بأني شرعت في ممارسة الطقوس السحرية وإنما أخبرته بأنني أفكر في ذلك لا غير.
– القضايا السابقة سبق أن قرأتها يوما على حسن من فهارس بعض كتب السحر كالرحمة في الطب والحكمة والجواهر اللماعة في إحضار ملوك الجن في الوقت والساعة… فنقلها إلى رقية على أنها قضايا يمكنني إنجازها. إذن لقد قام بدعاية لصالحي وقدمني, في غيابي, إلى رقية كساحر.

أ‌- لابد من أسئلة أولية:
المرأة مسنة وتظهر عليها أعراض المرض, تستقبلنا في غرفة أنيقة, وبدل إثارة سبب الدعوة مباشرة تطرح علي, وعلى التوالي, الأسئلة ما مهنتك؟ (طالب), ما المستوى الدراسي الذي أنت به؟…(من أين حصلت على الكتب؟ (خلفها جدي بعد وفاته), هل تعرف طرقا لإزالة السحر؟ (نعم: كتابة طلسم على فأس ووضعها فوق النار ثم إطفاؤها في ماء بارد…)

ملحوظة:
– نفس الأسئلة, باستثناء السؤال الأخير, سبق أو وجهت الي لحد الآن ثلاث مرات من طرف نساء عرفني عليهن صديق آخر ويبدو أنها صياغات متحولة لسؤال آخر هو: من أنت؟ هل أنت ساحر جاد أم مجرد متطفل مازح؟
– الكتب التي رفقتها معي كلها موجودة في السوق ولم أرثها عن جدي, لكن لو أجبت بأني اقتنيتها من السوق لنقص منها حالا لأنه الاعتقاد السائد هو كلما كان الكتاب موروثا وغير مطبوع, أو مخطوط وهذا أفضل, كلما كان سحره فعالا, وقد حرصت على توفير هذا الشرط بجعل الكتب تبدو بالية وممزقة, ويأتي هذا الاستدراك بعد عدم عودة النساء السابقات بمجرد ما عرفن أن الكتب متداولة.

ب ‌- لابد من خلوة لقول السر:
بعد الإجابات السابقة أقدمت رقية على الكشف عن موضوع الزيارة, هل معنى ذلك أنني اجتزت الاختبار هذه المرة بنجاح؟ واعتقد أنه لم يكن حسن برفقتي لحدثني بشكل أكثر طلاقة, لأنها كانت من حين لآخر تبدي انزعاجها من حضوره بإصدار إشارات ومتلفظات تبدي رغبتها الخفية في إقصائه من الحديث، فحينما يتدخل تعقب على تدخله بمخاطبتي: «مسكين حسن غير هبيل ما تيعرف والو» أو تقمعه «اسكت آحسن الله يهديك خلينا نتكلمو(…) سير عند سعيد (ابن رقية)» ويبدو أن هذه المتلفظات هي صيغ محرفة لأخرى يمكن صياغتها كالتالي:
– إنك غبي فعلا لا تعرف ما يدور بيننا: نحن نتحدث في موضوع وأنت تحول الحديث الى موضوع آخر.
– لكي يتمكن الساحر من إنجاز عمل فعال يجب على المريد أن يوفيه بكل الأسرار المتعلقة بموضوع العمل. وأنا في هذا الموقف بالضبط, موقف نقل السر, وهو يجب أن يتم بيني وبين الساحر فقط, فلماذا لا تفهم نفسك وتنصرف؟ لم يفهم حسن نفسه ولم ينصرف ولذلك وجهت لي رقية وأنا أغادر منزلها رفقة حسن: الآن لقد عرفت المنزل جيدا, وإن لم تذكره كتبنا لك عنوانه, في المرة المقبلة يمكنك أن تأتي دون أن تكون مرفوقا بحسن, فعد متى شئت.

ملحوظــــة:
– بقدر ما كانت رقية تحاول إقصاء حسن من الغرفة بقدر ما كان يتمسك بالبقاء ويتابع ما يدور بيننا من حديث باهتمام بالغ.
– المرأة شوافة بالفعل وقد أنجحتني في الاختبار الأولي بإسقاط صورة معلم علي -هذا المعلم- حسب قولها- يمارس السحر والعرافة, وله مكتب في شارع محمد الخامس حيث يستقبل الزبناء بموعد فقط, أعماله فعالة لكنه يطلب الكثير يصعب الوصول إليه, حديثها عنه كان بغاية تشجعني لاحتداء سبيله بعدما عبرت لها عن ترددي وكوني مجرد مبتدئ في المجال: هذه الأمور, قالت, هي أيضا علم, وأنت متقدم جدا في الدراسة تفهمها بسهولة, كما يمكنك أن تصبح أقوى منه.

ج – لكن… لابأس فكل أفراد العائلة مسحورون:
مطلوب مني دفعة واحدة أن:
– أزيل السحر عن البنت الكبرى لرقية (28 سنة) حتى تتمكن من الزواج والحصول على زبناء: فبالرغم من أنها جميلة (وإثبات ذلك قدمتها إلي فور عودتها من العمل) وبالرغم من أنها خلاقة ممتازة ذات دبلوم رفيع فإنها لم تتوزج لحد الآن علما بأن «مخصرات مايسواوش حتى الزطمة درجليها» [ذميمات لا يبلغن مقدار ذرة من جمالها], لايجدن أدنى صعوبة في الزواج, والسبب في ذلك هو أنهم (من هم؟) تيرميو عليها السحور, ودليل ذلك التقلص المستمر لزبوناتها.
– اعمل شيئا ما لسعيد كي يحصل على شغل, فهو طفل موهوب ومع ذلك لم يوفق في التعليم الحكومي وهو الآن يتابع دراسته بالتعليم الحر, يبحث عن الشغل فلا يجده..
– أزيل السحر عن الزوج (حداد) الذي هو الآخر يسحر له ليهرب الزبناء, وقد عثر مرارا على علب سحر مدفونة تحت باب دكانه.
– هل يدخل تقديم البنت الكبرى الي ضمن استراتيجية عرض الزواج بها؟
– التحق زوج رقية, رجل افترضت أنه في الستينات من عمره, التحق بنا في الغرفة فور عودته من العمل ففزعت في البداية وتوقعت أن تموه رقية مسار الحديث لأنني احتملت أن أمر تعاطي السحر يتم خفية عنه ولم أكن في ذلك إلا مسقطا صورة أبي على هذا الرجل.
ولكن العكس هو الذي حصل, فقد أخذ الرجل الموقف مأخذ الجد واقترح علي تسجيل لائحة البخور الضرورية في ورقة ليصحبها معه من مراكش حيث يعرف عشابا لا يزور الأعشاب والبخور.
– عادت رقية للحديث عن طرق إزالة السحر فأخبرتني أن الوصفة السابقة كان أحد الفقهاء ينجزها لهم (هل تماثل هذه الوضعية بيني وبين الفقيه الذي ساهم في إنجاح رقية لي في الاختبار؟) ثم طلبت مني مدها بوصفة يمكنها أن تستعملها هي بنفسها, وصفة لا تتطلب كتابة طلاسم فقرأت لها وصفة من كتاب الرحمة في الطب والحكمة تتطلب إذابة كيلوغرام واحد من الرصاص سبعة أيام على التوالي مع قراءة عزيمة طويلة وتبريد الرصاص في مياه مختلفة وتغيير أمكنة إنجاز الطقس التي تبدأ في فراش النوم وتنتهي في مفترق طرق… فأعجبت رقية كثيرا بهذه الوصفة وكأن غرابتها ضمانة مسبقة لفعاليتها لكنها أسفت لكونها لا تستطيع حفظ العزيمة المصاغة بعربية فصيحة, لكن لماذا تطلب مني مدها بوصفة, تنجزها بنفسها ما دمت قد تطوعت لخدمتها؟ هل لتوقعها أنني سأنسحب أم لكونها, وبكل بساطة, تود إقصائي أنا أيضا حتى يبقى عالمها موصدا لا ينفد إليه أحد؟ على أي إنني والج الآن قسما منه.

ج- بعد استثمارات فاشلة يسهل استثمار غبي ساذج:
سألت رقية: كيف كنتم تواجهون هذا الوضع الى اليوم؟ وهو سؤال يخفي وراءه السؤالين: كيف يعقل أنك شوافة / ساحرة ومع ذلك لم تفلحي في تسوية مشاكلك الخاصة مع السحر؟ ثم سبق دون شك أن زرت سحرة آخرين في الموضوع قبلي, فما محلي من الإعراب قياسا الى من زرتهم سابقا؟
– من قبل كنت «تانخرج السلكة» (؟) مرة كل ثلاثة أيام, فكان كل شيء يعود الى نصابه, لكن كما ترى, إنني هرمت الآن وأصبحت أمرض باستمرار… ثم تستطرد في حكاية كيف أصبحت شوافة (تحولها الى شوافة يدخل في الخطاطة المشهورة التي تتدرج من المرض الإعدادي La maladie initiatique، واستحالة العلاج بالطب الحديث, ثم العدول عنه إلى التطبيبات التقليدية, فرؤية أحلام تقود إلى شبكة الشوافات والأضرحة, فالحصول على أدوات العمل, ثم الشروع الإجباري في مزاولته).
– لكنها كانت أيضا تزور «فقيه عفريت» وكانت تأتيه بمريدات عديدات لكنه كان يخدم لهن كلهن بشكل جيد إلا هي ولذلك قررت أن تكف عن زيارته, ثم تعدني: إذا خدمت لي مزيان غاديا نجيب لك العيالات كلهم للي اديتهم ليه, وكاين لعيالات بزاف خصهم غير للي يخدم مزيان باش ينجحوا ولادهم ولا على رجالاتهم…

يحتفظ به إلى وقت لاحق:
1 – يجب علي أن أبحث عن هذا الفقيه المعلم صاحب المكتب بشارع محمد الخامس ومقابلة ما تقوله رقية عنهما, وما يمكن العثور عليه من أقوال بصددها بما هم في الواقع, أي مقابلة نظام الأسطورة بنظام الأشياء كما هي عليه موضوعيا.
2- يبدو أن رقية تقيم الآن معي علاقة مستندة إلى مبدأ المقايضة: فهي تعطيني أخبارا (ما حصلت عليه من معلومات وما سأحصل عليه) وبالمقابل على أن أقاضيها شيئا: إنجاز طقوس سحرية قصد تخليص ابنتها وابنها وزوجها من السحر. لكن الطقوس لا تتساوى من حيث الفاعلية, لذلك ومن أجل ضمان فاعلية الطقوس المحتمل أن أنجزها تنجز معي رقية مقايضة في مستوى آخر يمكن صياغتها هكذا: أنجز طقوسا فعالة آتيك بزبناء آخرين أو برهن على أنك ساحر كفؤ (بتزويج ابنتي وجلب الزبناء لها وإيجاد شغل لابني, وجلب زبناء لزوجي, كل ذلك بطقوس سحرية) أكافئك عن ذلك بعد جسور بينك وبين زبناء جدد
3 – إذا فهمت جيدا أن المرأة أقامت موازنتين: أولهما بيني وبين المعلم, وثانيهما بيني وبين الفقيه ال «العفريت» أنا والمعلم: لعلها خرجت من هذه الموازنة بأن مستواي الدراسي يفوق مستواه وبالتالي فأنا مؤهل للتفوق عليه في إتقان الطقوس السحرية لو تعاطيتها ولذلك حثتني كثيرا على عدم التردد في ذلك, ثم إن المعلم لا يستقبل إلا بموعد ويطلب كثيرا (النقود), وأنا حصلت علي بسهولة ولم أطلب أي شيء كمقابل للطقوس المحتملة.
4‌- أنا والفقيه: الفقيه يعرف جيدا لكنه لا يعمل, وهو في ذلك يستند إلى ممارسته وخبراته السابقة, أي أنه يتخذ الاحتياطات الضرورية ولا يجازف بممارسة طقوس قد تنتهي وخيمة عليه (بتعرض لأذى الجن) متمرس في شؤون السحر ومفتقر لخبرة سابقة فسأندفع -في اعتقاد رقية- في ممارسة الطقوس بدون احتياطات لأبرهن على أنني فعال, وأجرؤ علي حيث لا أعلم, على اقتحام المساحات التي يعرفها الآخرون لكنهم لا يدخلون إليها خوفا على أنفسهم, بعبارة أخرى أن رقية هنا تستغل غباوتي وسذاجتي إلى حد تقديمي قربانا للجن وليست هي أول من أصادف في هذا الإطار (راجع حالة للاعائشة)
5 – يبدو أن السحر مجال بامتياز لقد قدمني حسن لرقية ونقل لها صورتي كساحر, أنا إذن في اعتقادها ساحر, ورقية قالت دفعة واحدة أفراد عائلتها وسحرة آخرين وأفراد غير محددين يحتمل أي يصحبوا زبناء لي في المستقبل. وقالت لحسن أيضا, هذا الأخير صورته في «هبيل مسكين» الأفراد الغير المحددين صورتهم لي كقطيع تحت إمرتها, يكفي أن تسوقهم إلي فيأتونني, أفراد عائلتها مسحورون في ظنها بينما وضعهم الحقيقي يتطلب إدراجهم ضمن أزمة البطالة في المغرب الحالي وأزمة الزواج… وأنا بدوري لا أعدو فيما اجمعه وما سأقترحه من تأويلات مجرد قائل بين هؤلاء.

د- خسارة المستثمر:
اتفقنا على أن أعود منفردا يوم الخميس المقبل كي أمارس طقوسا قصد زواج ابنتها لكني لم أعد لأنني وجدتني غير أهل الوفاء بالتزامي, ما عسى الطقوس التي يمكنني أن أنجزها أن تغير من الوضع السابق؟ فلو عدت ممثل دور في مسرحية, لا يمكنها إلا أن تخجلني, ولذلك قررت أن لا أعود, أرسلت رقية حسن في طلبي, وفي أحد الأيام جاء مرفوقا سعيد بن رقية لكنني اصطنعت مبررا انشغالي بالدراسة وفقري إلى الوقت اللازم لإنجاز الطقوس.