م. أسليـم: شــذرات

1٬037 views مشاهدة
minou
سرد وتأمل
م. أسليـم: شــذرات

1 – المجانين المغبونون
لا يُستبعدُ ان يأتي يوم يُردّ فيه الاعتبار إلى المجانين الذين يغرقون في هذه الهذيانات التي يتم فيها الانتقال من موضوع إلى آخر لا يبدو بينهما أية صلة، فيُقال: كان أولئك البشر يتوفرون على قدرات خارقة في استخدام العقل، وكانوا ضحايا البطء الذي فرضناه على استخدام هذه الملكة. لم يكن ثمة أي مبرر للقيود التي كنا نضربها على إنتاج الخطاب. والدليل على ذلك ها نحنُ جميعا نمتلك قدرة الانتقال بسرعة البرق من موضوع إلى آخر في التفكير والتخاطب على السواء.

2 – النزهة في المدينة الواحدة نزهات
عندما أخرج للنزهة في مدينتي أتماهى مع شخص يقيم في إحدى عواصم ما يسمى بـ «الدول المتقدمة»، فأحس بأني مُقيم في إحدى أصغر المدن المغربية وأفقرها. أقول: «هكذا ينظر إلى مدينتي معظم السواح الغربيين الوافدين إليها»، ثم أتماهى مع إفريقي حل للتو من أحد أفقر بلدان إفريقيا، ليعبر سريا إلى أوروبا في أغلب الأحيان، فأشعر بأني أقيم في عاصمة قطعت في التمدن والتحضر أشواطا بعيدة. أقول: «هو الآن في باريسي» (باريس منسوبة إلي، أي كما رايتها لما حللتُ بها لأول مرة).

3 – سر رواتب أهل السياسة
أتعروفون سرَّ تقاضي أهل السياسة أعلى الرواتب والتعويضات في البلدان المتخلفة؟ مكافأة لهم عما يبذلونه من مجهودات جبارة لإنزال دولهم إلى قعر الهاوية بأسرع وقت ممكن.

4 – اللغة ذلك الطريق الشاق للتمدن
يبدو أن الإنسان سلك واحدا من أشق الطرق وأعسرها للتمدن: اللغة المنطوقة والمكتوبة. اللسان يقتضي الشرح والتفسير والترجمات: ترجمة داخل اللغة الواحدة وترجمات بين الألسن. اللغة تجعل ذهن الذات أمام الآخر (بالقدر نفسه الذي تجعل به بقدر ما تجعل به ذهن هذا أمام ذاك) علبة مُغلقة بمتابة علبة مغلقة. وعلوم التأويل والتفسير والنحو يمكن النظر إليها، من هذه الزاوية، باعتبارها هدرا للوقت. ماذا لو اختار الإنسان بدل اللغة الحالية «لغة» الإشارة أو «لغة» التخاطر أو حتى «لغة» الموسيقى؟

5 – الحياة رقعة شطرنج والناس فيها بيادق
عندما أسير في الطريق يحصل أن أرى الساحة رقعة شطرنج والمارة بيادقا يتبادلون المواقع. مكان هذه الطفلة كانت توجد تلك العجوز، وذلك الشيخ سيغادر الحلبة بعد قليل، فيخلي المكان لهذا الشاب. تبادل للمواقع لا ينتهي، لكنه يبدو رتيبا: كان الأمر دائما هكذا، منذ أن وُجد الإنسان. أما من سبيل لكف هذه اللعبة الرتيبة؟ ذاك ما يبدو أن علمي البيولوجيا والفضاء يتجهان نحوه الآن.

6 – آلهتنا القدماء بيننا
وحدها فرضية ترسَب ظاهرة «عبادة الآباء» قد تكون قادرة على تفسير التبجيل المبالغ فيه الذي يحظى به الوالدان في العالمين العربي والإسلامي، بحيث يُمضى إلى حد مخاطبة الأبناء بالقول: «مهما أحسنت لوالديك فإنك لن توفهما حقهما»، و«طاعة الوالدين واجبة ولو كانا كافرين»، وتفسير الصمت المطبق تجاه قسوة شريحة واسعة من الآباء على أبنائهم..

7 – أطفال الموت وأطفال الحياة
بمدى معاملة الصغار تتحدد قيمتهم ويتحدد معناهم وما يُنتظر من ولادتهم: في أوساط، يُفضل الصغار على الكبار، وفي أوساط أخرى، تعطى الأولوية للكبار على الصغار، فلا يحظى هؤلاء إلا بما يفضل عن الأوائل. النمط الأول يعكس رؤية للحياة تؤمن بالاستمرارية والتجدد والحياة. كأن الكبار بحسن معاملتهم للصغار يقولون: «أخذنا قسطنا الوافر من الحياة، وجدير بنا أن نؤهل هؤلاء للبقاء». لبقاء الصغار، من هذا المنظور أهمية حيوية. أما النمط الثاني، فيعكس رؤية للحياة متحجرة، تؤمن بالثبات. كأن الكبار بإساءة معاملتهم للصغار يقولون: «إنما الحياة خلقت لنا ولنا وحدنا، وما هؤلاء سوى فضلات».. في الحالة الأولى يشكل الأبناء امتدادا سلبيا للوالدين، وفي الثانية يمثلون امتدادهم الإيجابي.

8 – يمضي العنف وتبقى رواسبه في اللغة
على الرغم من الحقب الطويلة الفاصلة بيننا وبين مرحلة الحياة في الغاب، فاللغة لازالت محملة بالكثير من ممارسات تلك المرحلة الموغلة في القدم، وتفضحها عبر صيغ تهديدات العقاب البدني أو إلحاق الأذى الجسمي بالغير عقابا له: «لأهشمنَّ وجهك»، «لأكسرنَّ أنفك»، «لأقتلنَّك»، عبارات لازالت توجَّه للأطفال في بعض الأوساط ويتبادلها كبار أثناء خصوماتهم… يجب أخذ هذه التعابير مأخذ جد: فهي توشي بما كان يُمارسُ فعلا في الأعصر الخالية. وكم سيكون مفيدا إجراء دراسات مقارنة بين محتوى مثل هذه الصيغ داخل بيئات ثقافية، من جهة، ثم إجراء مقارنات لنسبة شيوع / درجة ترسب هذه التعابير بين بيئاتنا الثقافية الراهنة.

9 – في وجوب احترام الجهل
لا يمكن للإنسان أن يعلم كل شيء، وما لا يعلمه يكون جاهلا به وفيه. هذا أمر عادي وطبيعي جدا، ولا يدخل ضمن ما يُنزل من قدر المرء.
ولكن التصرف إزاءه لدى الناس يتم بطريقتين:
الأولى التطاول على ما لا يُعلم، فيخاض فيه بالأحاديث، واتخاذ القرارات، ومقارعة أهل الاختصاص أنفسهم ومُحاجَّتهم؛
الثانية: لزوم الصمت واجتناب الخوض في ما لا يُعلم؛
التصرف الأول سلوك راق وموغل في الخلق لأنه يبذل احترامين: احترام للعلم بعدم الخوض فيه واحترام للجهل بعدم إلزامه على التدخل في ما لا يعنيه.
التصرف الثاني تصرف منحط ويمارس إساءتين: إساءة للعلم بالتشويش عليه وإساءة للجهل بالحط من قدره.

10 – حال المسلمين اليوم
وحده من اجتاز تجربة خسران عظيم يستطيع فهم نفسية المسلمين. فحالهم اليوم كحال الرَّجُل كان مِنْ أثرى أهل بلده، ثم وجد نفسه بين عشية وضحاياها مُعدما، بين صفوف الفقراء، لا يملك شيئا، لسببٍ كان بإمكانه أن يتفاداه: قامَر بثروته أو عرضها للسرقة والنهب لا ستخفافه بواجب ضرب الحراسة المشدة عليها. هذه هي نفسية المسلمين اليوم. ماذا لو تبين في يوم من الأيام أننا لم نكن بالثراء الذي نتخيله؟

11 – حال الحضارة العربية الإسلامية اليوم
حال الحضارة العربية الإسلامية اليوم كحال البنيان الشاهق الذي تعرضت جدرانه للتصدع، فأوشك على السقوط، فانقسمت حشود سكانه إلى فريقين: فريق يحاول رأب الصدوع من داخل البنيان، مكتفيا في هذا الترميم باستعمال ما في داخل البنيان من مواد، ويتكون (هذا الفريق) من الأغلبية العظمى من المسلمين. ثم وفريق أقليّ يُغادر البنيان إلى خارجه لإحضار مواد جديدة للبناء، يكاد يقول: «لنخرج جميعا لإحضار ما ننقذ به بنياننا، فقد يهوى علينا فلا هو يبقى ولا نحن»، ولكنه (= الفريق) لا يجرؤ على القول لما يلقاه من استماتة الحشود التي تتكون من الأم والزوجة والفقيه والمعلم والدولة نفسها… سيمضي وقت طويل قبل يُعرف أي الفريقين كان على صواب.

12 – الإنسان… ذلك المفقود
مذ كنتُ طفلا صغيرا إلى أن شارفتُ الخمسين عاما وأنا أسمع كلمة «إنسان» دون أن أعثر على هذا «الإنسان» في أي مكان: لا في الشرق ولا في الغرب ولا في بلدي ولا في مدينتي ولا حتى في نفسي.

13 – الأديب إما طفل أو شيخ
يبدو أن الساحة الأدبية في المغرب من أطرف الساحات؛ نادرا ما يعيش الأديب ويعيش نضجه بين حشود الأدباء: فهو إما «صغير» مبتدئ، يتحاشاه «الكبار» ويتجاهلونه أو يحاربونه أو«كبير» يتهيبه «الصغار» ويجتنبوه أويتملقونه.

14 – الإقامة في الحاسوب
من يدلني على حاسوب بغرفتين وحمام ومطبخ؟ أطلبه فورا للكراء.

15 – الكتابة باللحن والغناء
إذا كنت شاعرا أو كاتبا وحزَّ في نفسك عدم تعلم فن الغناء لتلحن أغاني تنشَد فيطربُ له االسامعون، فلا تحزنْ: بوسعك تدارك ما فاتك؛ انشر قصائدك أو كتاباتك في المنتديات العربية…

16 – ما يبقى من قراءة الأعمال الأدبية
قراءة تعقيبات معظم المعقبين على النصوص المنشورة في المنتديات العربية تشي بما يُحتفظ به بعد قراءة الأعمال الأدبية الورقية.

17 – للحمق والسواية معايير
لو اعتمدت معايير السواية والحمق الغربية في مجتمعاتنا لكان الثلثان أو أكثر ممن يسرحون ويصولون ويجولون في الشوارع والأزقة والبيوت مُحتزجين الآن في معازل الحمقى أو في مصحات الأمراض العقلية.

18 – في السوي دائما شيء من حمقى بيئته
لا يسلم من يعيش وسط الحمقى من تأثير مجتعمه مهما فعل. علاج الأحمق نفسه يقتضي أحيانا عزله عن بيئته، اقتلاعه من التربة التي أنبتت جنونه، فما بالك بالسوي؟

19 – يجرؤ البعض على منازعة الله سلطته
كل مواجهة لفكرة أو مجموعة أفكار بالعقاب البدني بدل المجادلة ومقارعة الحجة بالحجة، إنما هو سعي حرفي لانتزاع سلطة الله ومقاسمته قدرته. ألم يكن رد فعل الرب إزاء رفض إبليس طرده من الجنة؟

20 – البرَّاحُ مذيعا وصحفيا
رغم أن مهنة البريد انقرضت منذ عقود في مجتمعاتنا فهي لازالت تشكل القناة الرئيسية لتداول الأخبار: إن تقترف صنيعا، حسنا كان أو قبيحا، اليوم في طنجة، فترقب وصول نبأه في بضعة أشهر أوحت أعوام إلى مدن العيون والرشيدية ووجدة.

21 – في الدين والسياسة
تكاد تطبق الآذان اليومَ الأصوات الداعية إلى إبعاد الدين عن السياسة ولا يدعو صوت واحد إلى إبعاد السياسة عن الدين. أنى لنا انتظار من يدعو إلى إبعاد السياسة عن شؤون الناس قاطبة ووضعها في متحف التاريخ.

22 – العقل والترحال بين الكواكب
نتكلم عن الإنسان على الدوام باعتباره كائنا محددا ثابت العالم، وننسى أنه مخلوق منجرح بانفصام بين ما كان وما سيكون. ما كانه هو النحن بمعارفنا وإنجازاتنا التي تشكل سجنا حقيقيا لرؤيتنا للعالم من حولنا، لإدراكنا لوجودنا، لمعرفتنا بذاواتنا، الخ. والما سيكون / الما سنكونه هو المنلفت منا معرفته على الدوام. يبدو أن هذا الانفصام والوعي به معا هما نتجية لإقامتنا ووجونا في هذا الكوكب الذي يسمى الأرض، بجاذبيته وطبيعته ومناخه، ببيئته بكل اختصار، وتفاعل أجسامنا معه.
يقال إن قدرنا العيش في كواكب أخرى اعتبارا إلى أن حياتنا في الأرض مجرد حلقة في حيواتنا المتنقلة بين الكواكب. هل يلزم الفكر بالضرورة للحياة في كوكب آخر غير الأرض؟ هل تكون حياجياتنا هناك هي حاجياتاهنا؟ يبدو أن إسقاط الحياة الأرضية على الكواكب الخارجية واحدا من أكبر الأخطاء التي يرتكبها اليوم مهيؤو الحياة خارج الأرض…

23 – أيسر السبل للتغيير
أيسر السبل لإنجاز التغييرات الكبرى، وبأسرع وقت ممكن، هي إلقاء الأفكار إلى الحشود.

24 – «تدجين» أم «ألفة؟»
شاسع هو الفرق بين النظر إلى حيوانات مثل الحصان والكلب والقطط وغيرها من الحيوانات التي تعيش بين أحضاننا باعتبارها مُدجنة أو مروضة ونعتها بـ «الأليفة».
في الحالة الأولى نكون إزاء مخلوقات وُجدت في الأصل لتعيش في الغابة، بعيدا عن بني البشر، ثم قام الإنسان بجهود فطوَّع «التوحش» بداخلها إلى أن قبلت التخلي عن وطنها الأصلي وملازمته. في هذه التسمية يُعلى من الإنسان، ويكون هذا الإعلاء هو ام يختفي وراء التسمية.
أما في الحالة الثانية، فنكون إزاء مخلوقات وُجدت أصلا للحياة مع الإنسان، يتوارى إلى الخلق «مجهود» الإنسان في استقطابها أو استدراجها، بل لا تدعو الحاجة أصلا إلى ذكر هذا «المجهود». في هذا النعت، يكون محور الحديث هو هذه الحيوانات لا الإنسان.

25 – لا تدجين ولا ألفة؟
ماذا لو رفضنا الاسمين معا: «حيوانات داجنة» و«حيوانات أليفة» ونظرنا لهذا الوجود معا التحقق بين الإنسان وحيوانات معينة باعتباره وضعا طبيعيا، عملا من إنجاز حكمة الطبيعة؟ معروف جميع أجناس حيوانات الغابة تشكل حلقات في دورة بيئية متوازنة يؤدي فيها كل نوع وظيفة (أو حتى وظائف) محددة بحيث يشتغل المجتمع الحيواني وتشتغل البيئة في آن، ويسود التوزان بين الاثنين.
أي حكمة اقتضت إرسال هذا القط الذي نسميه «أليفا» إلينا للحياة بيننا والإبقاء على أخيه الآخر الذي ننعته بـ «الوحشي» أو «البري» في الغاب؟ السؤال نفسه يمكن طرحه حول سائر ما يعيش بيننا وله نظائر في الغاب.. ربما كان الجواب: لمساعدتنا على البقاء والتمدن. يمكن افتراض جواب إضافي: لوجود قرابة خفية بيننا وبين هذه الحيوانات، يتعين علينا البحث عنها.

26 – هل العلم بصدد السقوط من عرشه؟
اعتلى العلم عرش البشرية على مدار القرون الخمسة الماضية. لا سلطة تعلو سلطته، ولا حقيقة تعلو حقيقته. الآن، من رحم العلم ظهرت نظريات مثل «العماء» و«الأوتار» لتقوض الأسس التي انبنى عليها العلم الحديث نفسه، منها استحالة التوقع على الدوام، محدودية اليقين، إعادة إدماج ما كان يعتبر خارجا عن حقله، كاللاعقلانيات، وما لا يقبل الملاحظة عموما. الآن تجزم بعض النظريات استحالة البرهنة على صحتها عبر التجربة أو الملاحظة. هل نشهد توغلا من العلم في الغيب أم التفافة من الغيب على العلم؟ مع المستقبل وحده الذي سيبلور ما يقع، يمكن التأكيد بكل اطئمئنان أن لا الغيب سيكون غيبا ولا العلم سيكون علما. قد ندخل مرحلة يمتزج فيه الإثنان بكيفية يشق على العالم ورجل الدين اليوم معا تصورها أو فهمها.

27 – التأويل السليم للقرآن
يبدو أن التأويل السليم للقرآن هو الذي يُنتظر أن يميز في الخطاب القرآني بين أبعاد، فيميز في معاني القرآن بين أربعة على الأقل:
– معاني تناسب عصرها؛ في هذا المستوى قد لا يهمنا شطر من محتويات القرآن باعتباره يهم أناسا بعينهم في الماضي، وباعتباره كلاما وُجه إليهم وليس لنا؛
– معنى يهمنا؛ في هذا المستوى قد لا يهم شطر من محتويات القرآن أناس الماضي الذين ماتوا على كل حال باعتباره موجها إلينا وليس إليهم؛
– معنى مُطلق؛ يجب الاحتفاظ به للمستقبل، لمن سيأتون من بعدنا والذين وحدهم سيفهمون ما لم يفهمه أناس الماضي وما لم نفهمه ولا نفهمه الآن؛
– معنى ينتج عن عملية ذهاب وإياب بين معاني أمس ومعاني اليوم، ما استخلصه مسلمو أمس وما نستخلصه نحن مسلمو اليوم، هذا المستوى يجب أن يكون شبه تركيب للمشترك بيننا وبينهم.

28 – قراءة القرآن مهمة الجميع
عمل مثل هذا لا يجب على أحد أن يحتكره؛ معنى القرآن يجب أن يكون قسمة بين عمل المؤرخين والفقهاء والباحثين في حقل العلوم المحضة؛ الفقيه سجين منظور وإدراك للكون يظن فيه، مثلا، أن الأرض مسطحة وأن السماوات سبع وأن الأرض واقفة والشمس تدور، على الفيزيائي أن يُفهمه العكس، الخ….
ستقتضي العملية من الفقهاء التنازل عن الكثير، ربما سيجدون أنفسهم في البداية عراة من المعرفة، ولكن بمضي الوقت سيكتسبون معرفة أخرى بالنص الديني تعوضهم عن «الخسارة» الوهمية المترتبة عن شيء واحد: اعتقادهم الخاطئ بأنهم وحدهم الذين يمتلكون ليس معرفة بالنص الديني فحسب، بل وكذلك المعرفة الصحيحة والمطلقة به.

29 – الصوت الجميل بين الدين والفن
يشكل الصوت الجميل حقل تجاذب، ضمني ربما، بين الدين والفن في العالم الإسلامي. وعليه تكون أجمل الأصوات الغنائية خسارة لتلاوة القراء والعكس بالعكس؛ عندما أستمع للشاب مامي وهو يغني، أقول: «كان بإمكانه أن يكون مُجودا ممتازا للقرآن أو مداحا نبويا عظيما». وعندما أستمع للشيخ عبد الباسط عبد الصمد وهو يتلو السور القرآنية أقول: «أواه! أي مكانة بين نجوم الغناء كان سيأخذها هذا الشيخ لو اختار أن يكون فنانا وليس مقرئا؟!». الصوت الوحيد الذي نجح في اللعب على الحبلين، فيما يبدو، هو الشيخ إمام الذي جمع بين الإثنين.

30 – صوت المرأة والدين
أمام جمال صوت المرأة اختارت المجتمعات العربية الإسلامية حلا متطرفا، فيما يبدو؛ طردت المرأة من تلاوة القرآن إلى حضيرة الشيطان؛ إلى الغناء. المرأة تغني ولا تجود القرآن. قديما قال البعض: «الغناء آذان الشيطان». حل غريب عندما نستحضر في أقصى شرق العالم الإسلامي، في الباكستان تحديدا، امرأة مثل «عابدة بروين» تقصر صوتها على عبادة الله بطريقتها الخاصة، بإنشاد وغناء فن القوال.

31 – بداية الحياة ذرة وإليها تعود؟
يمكن افتراض أن كل ما ندركه، حياة وكونا، إن هو إلا سلسلة من الانفجارات المتعاقبة، بعضها داخل بعض، بعضها فوق بعض، وبعضها أسفل بعض، بعضها يولد بعضا، الخ.، ما يمنعنا من الإحساس بها إلا بطء إدراكنا للزمن؛ الأزل حسب ما نتصوره ونحس به قد لا يعادل سوى بضع ثوان بمقاييس زمن خارج الكون (إن كان ثمة زمن هناك). واختراع الإنسان للقنبلة الذرية التي يقال إن مجرد التوصل لمعرفة صنعها قد جعل كوكب الأرض غير قابل للحياة قد يكون مُندرجا في أصل الكون نفسه وطبيعته؛ هو إما محاكاة لا شعورية للأصل الذي انحذرنا منه أو عزف على سمفونيته.

32 – هل نحن داخل «قنبلة»؟
إذا صحت مقولة «الانفجار الأعظم» فالكون لم ينتج عن انفجار عظيم، بل هو داخل هذا الانفجار الذي لم يكتمل بعدُ. نحن داخل ما يشبه قنبلة بصدد الانفجار ما يحول بيننا وبين إدراك بداية انفجارها ونهايته سوى صغرنا اللامتناهي قياسا إليها. من هذا المنظور، إن شئنا إدراك ما نعيشه الآن عبر صورة تشبيهية فنحن الآن داخل شتات مماثل تماما لذلك الذي نراه عندما يلقي أحدهم بقنبلة يدوية أو يطلق رصاصة من مسدسه. مثلما يتعذر على مكونات القنبلة اللامتناهية الصغر أن تدرك صغرها / أن ترانا، لأنها تعيش حياة أخرى» و«زمنا آخر» يبلغ «أزلا» بمعايير زمننا، كذلك يتعذر علينا أن نرى وندرك من ألقى «القنبلة» التي نوجد بداخلها، وبالتالي يتعذر علينا إدراك المجال الذي توجد فيه؛ الكون الذي أعيانا تحديد تخومه وحجمه هو مجرد نقطة مرئية من لدن من ألقى هذه «القنبلة» التي تولد عن انفجارها ما نوجد بداخله الآن.

33 – الحضارات عود أبدي؟
معرفة الإغريق بالذرة باعتبارها مكونا جوهريا للحياة وكلام البوذيين عن العود الأبدي ومعارف المايا القوية في مجال علم الفلك والمعالم الضخمة التي أنشأها الأقدمون دون أن تجد لها علوم اليوم تفسيرا (أهرام مصر، أهرام المايا، أحجار Stonehenge، الخ). ربما تشي بوجود حضارات قبل حضارتنا، قد تكون مثلها أو أكثر تقدما منها، تلاشت بفعل يمكن نعته بـ «النزق المغامر» على نحو ما تُنعتُ به اليوم بعض الإنجازات الحالية والمقبلة لحضارتنا الحالية (قنبلة ذرية، اللعب في الجينات الوراثية، العنكبوت المعلوماتي، الخ.).

34 – ماذا لوكانت الأرض مجرد مختبر؟
ماذا لو كانت الأرض مُختبرا وكنا فيها كائنات مجهرية وضعتنا فيها كائنات أعلى منا لغاية البحث؟؟

35 – ابن لادن المقبل سيكون معلوماتيا
إذا كان بن لادن الحالي قد غير وجه العالم بعمل عنيف اقتضى رطم طائرات بمباني وإزهاق آلال الأرواح… فبن لادن المقبل سينجز عشرات أضعاف ما أنجزه الحالي بحركة صغيرة لا تتعدى كبسة زر على لوحة مفاتيح حاسوب قد يترتب عنها شل الحياة في الأرجاء الأربع للمعمور لساعات أو سابيع… ؛ ابن لان المقبل سيكون معلوماتيا.

36 – هل هو أوان قطاف حضارتنا أم آنه وقت انطلاقها نحو الفاكهةالعظمى؟
الحديث الجاري اليوم، في وسطي الرقمية والبيولوجيا، عن:
أ‌) الدخول الوشيك لحضارتنا في إبدال السرعة، حيث ستتضاعف الإختراعات والابتكارات العلمية بما قد يتيح التغلب على قوانين الجاذبية ومقولة الزمن والتنقل بمنتهى السهولة بين الكواكب والمجرات؛
ب‌) السعي للتخلص من الجسد البشري، بالخروج منه وتحسينه، بل وتخطي الشرط البشري نفسه بالانتقال إلى مرحلة «ما بعد الإنسان»، بما قد يضع حدا نهائيا للأمراض والمعاناة الجسدية، بل وولوج الخلود نفسه؛
هذا الحديث يُبرز أننا وحضارتنا نجتاز الآن نقطة مفصلية تشبه المشي فوق حد شعرة حيث السقوط سيقتضي اختفاء كل المنجزات التي استغرق تحقيقها مئات آلاف السنين والانطلاق مجددا من الصفر، وحيث النجاح سيجعل حفدتنا ينظرون إلينا النظرة ذاتها التي نرى بها الكائنات الصغرى: الحشرات العفنة القذرة الغارقة في تحمل الوجود المنحط.

37 – دين المستقبـل
يمكن تصور تكرار المشهد الديني الحالي في المستقبل على النحو التالي: فريق سيدعو لمغادرة الأرض قصد الهجرة لكواكب ومجرَّات أخرى، سينعت نفسه بالمؤمن، وآخر سيتشبث بملازمة الأرض، وسيُنعَتُ بالكافر، من لدن الفريق الأول. والطريف أن الفريقين معا من رحم العلم سيخرجان، بعيدا عن ديانات اليوم جميعا…

38 – أصلا العنف البشـري
العنف الحالي في الإنسان يجد أصله في بقايا أصلين من أصولنا: أصل سحيق هو الكون، حيث التصادم قائم بشكل أبدي بين المجرات والكواكب، وكنا ثمرة لاصطدام أو أكثر بين الأرض ونيازك خارجية. أما الأصل الثاني، فقريبٌ وهو الحيوان، حيث انحدرنا من أصل نصفه ثعباني ونصفه ثديي؟ في عنف الإنسان وفاءٌ للأصل وتشبث به، وفي نبذه انفصال عنه وتخلص منه. ومثلما يصعبُ على أي امرئ إلى أيامنا هذه قبولُ كل جديد جذري في الحياة الاجتماعية والثقافية وغيرها، كذلك يصعبُ على مكوننا البيولوجي قبول القطيعة نفسها.

39 – الإحيائية العصرية
عندما نقول «إننا بأعمالنا نهدد الحياة وبقاء كوكبنا» ننسى أن الحياة أبيدت أكثر من مرة في هذا الكوكب وانطلقت من جديد. أقرب الدورتين إلينا التلاشي الذي أصاب، وبشكل فجائي، 95% من الكائنات الحية منذ 250 مليون سنة، والآخر الذي حدث منذ 65 مليون سنة وأباد الدينصورات، ما أتاح لنا أن نسود، عندما نقول ذلك فإننا نفعله من موقع غارق في الإحيائية، كما ننسى أن كوكبُ الأرض «حاذق وقادر بأشغاله»، كما يقول المثل الدارج المغربي، بوجودنا أو بعدمنا، في حضورنا أو في غيابنا.

40 – معنى الجنَّـة
إذا صح قولُ علماء الفلك بأن الأرضَ تتعرضُ، وبكيفية منتظمة، لوابل من «القنابل»، عبارة عن نيازك وإشعاعات شمسية وغيرها، تفد من الفضاء، وأن وجود الحياة نفسها على الأرض يعود إلى تلك الاصطدامات، حيث ما مكن كائن حي إلا ويحمل في جيناته آثار من الفضاء الخارج عن الأرض، إذا صحَّ ذلك ربما أمكنَ فهم فكرة نزول الإنسان من السماء باعتباره إخراجا له من الجنة، وإقامته في الأرض باعتبارها عقابا له، على النحو التالي: الفكرة حقيقة لا أسطورة، ومصدرُها (أي الفكرة) هو المكون الفضائي بداخلنا؛ الشظايا التي نزلت من الفضاء إلى الأرض، وكانت أصلا في وجودنا باعتبارنا كائنات حية، هي ما ينطق عبَرَنا ومن داخلنا.

41 – معنى آخر للجنَّـة
إذا صحَّ قولُ علماء البيولوجيا والحفريات بأن ولوجنا للوضع الاعتباري للإنسان قد تولد عن نزولنا من الأشجار وأضطرارنا للمشي على قدمين، بدل أربعة، ما أتاح انتشارنا في الأرض، الخ. وأن ذلك النزول كان إكراهيا (لأسباب مناخية) لا إراديا، ربما أمكن فهم فكرة الخروج من الجنة باعتباره نزوحا من الحياة في الأغصان والأشجار إلى العيش في التراب.

42 – نحنُ نغني من داخل السمـاء
إذا صح:
– قول نظرية «الأوتار» أو الحبال] بأن الكون، في ما وراء فوضاه الظاهرية، هو عبارة عن معزوفة شبه سمفونية وعناصره ومكوناته تعيش في غاية التناغم والانسجام؛
– تأكيد العلماء بأن الكون يغني؛
– تأكيد العديد من الدراسات والملاحظات أن الموسيقى تؤثر في سائر المخلوقات الحية: إنسان، حيوان، نبات، ماء؛
ربما أمكن تفسير كلية حضور الموسيقى وفن الغناء في كافة المجتمعات البشرية، وبدون استثناء، بالمكون الجيني المشترك بين الإنسان وسائر المخلوقات الحية، بذلك المكون الآتي من الفضاء، من الكون الشائع، من السمفونية الكبرى.

43 – الإنسان فيروسٌ شديد المقاومة، لكنه لم يصر فتاكا بعدٌ
إذا صحَّ أن الإنسان يدخل ضمن حفنة مخلوقات تمسكت بالحياة ونجحت في الإفلات من سلسلة انقراضات جماعية منتظمة لأنواع عديدة، لأسباب طبيعية من هنا (براكين، مناخ) أو من هناك (نيازك)، أمكنَ تشبيهه (بل وربما الحياة عموما) بفيروس ما فتئت مقاومته تشتد عبر ملايين السنين (في إحدى حلقات الإبادة الطبيعية تقلص مجموع سكان كوكبنا الأرضي إلى 2000 فرد لا غير، ومنهم انحدرت ملاييرنا الست). لكنه، مع ذلك، لازال في منتهى الهشاشة، إذ يسهل القضاء عليه بمنتهى السهولة، لأنه لم يصب سوى خلية واحدة، هي الأرض، لأنه لم ينتشر بعد في كواكب أخرى.

44 – هل يعصف عصر «الشفافية» و«الوضوح» بالأدب؟
فِي عَصْر يَتجهُ بِإصْرَار نحْو «الشَّفافِية» وَ«الوُضوح»، لكنْ أيضا نَحْوَ التَّسْطيح، يُرتَقبُ أنْ يَعْرفَ الأدَبُ عَلى نَحْو مَا عَرَفناه حتَّى اليَوم وَضعيَة صَعْبَة، وَربُما شِبْه تَخلّ وَنُفور مِن القرَّاءِ بالخُصُوص. «مَاذَا يُريدُ أنْ يَقولَ هَذا (النَّصُّ/المُؤلِّفُ)؟»، «لمَاذا لاَ يُفصِحُ عمَّا يُريدُ قوْلَه بكُلِّ صَراحَة وَيُعفِيني مِنْ عَنَاء فكِّ شَفرَاتِ كِتابَته وَحَلِّ ألغَازهَا؟»، سَيتَسَاءَلُ القارئُ الذِي يَعيشُ فِي عَصْر يُزعَم فِيهِ أنَّه تمَّ فكُّ كُلِّ الألغَاز ورَقْعِ حُجُب أسْرار العَالَم وَتحْطيم سَائِر السُّلطِ.

45 – الرقمية تجازف بقتل الأدب في جنة عدنه
يُهللُ البعضُ للرَّقمية ويُبشِّرُ بهَا ظانّا أنهَا ستُدخلُ الأدَبَاء لما يُشبه جنَّة عَدنٍٍ، حيثُ مَا من شيء اشتكوا من غيابه من قبل إلا وأغذقتهُ عليهم: التفاعلُ، إشراكُ القارئ في الكتابَة، تأسيسُ مَكتبة كونيَّة، التَّخَلصُ من الخطيَّة، منْ مَصَافِي النشر، الخ.، وينسَى أنَّ الرَّقمية نفسَها «بكرَمَهَا الحاتمِيِّ» هذا إنَّمَا تُجَازفُ بتقويض بُنيَان الأدَب مِن أسَاسِه.

46 –
يُمكنُ تخطيءُ الدَّاروينيَّة مِن سَائِر النوَاحِي سِوَى مِن جَانِب وَاحِد، وَهُو أنَّهَا بصَدَد الاشتِغَال ليْلَ نَهَار فِي عَالمِنا الرَّاهِن (بيولوجيا واقتصَاديا وَمَعْرفيا) بمَا يُفيدُ أنَّ الإنسَانَ يعيشُ اليومَ دَورَة انتِقائيَّة كُبرى سَينقرضُ عَلى إثرهَا لا أفرَادٌ وَمدنٌ فحسبُ، بَل وشُعوبٌ / دُولٌ بكَامِلهَا لفَائِدة إنسَان جَديدٍ سَبَقَ وأنْ بَشرَ بهِ نيتشَه، عَلى نحْو مَا، وَتعْزمُ عَلى إخْرَاجهِ إلَى حيِّز الوُجُود اليومَ حَفنة مِن كبَار أثريَاء العَالم – مُنحَدرة مِن بُورْجوَازية أورُوبا عَصْر النهْضَة – وَحَرَكة النَّزعَة الإنسَانيَّة العَابرَة التي تأسَّسَتْ في عام 1998.

47 – هل آن أوانُ طلاق الأدب والعلم؟
العِلمُ وَالأدَبُ توَأمَان لا يَفترَقان مُنذ القِدَم، وَيتَبَدَلانِ التغذِيَة بانتِظامٍ، وَلكِنْ يَبْدُو أنَّ أوَانَ انْفِصَالِهمَا – للأسَفِ الشَّدِيدِ (؟؟) – قدْ حَانَ، وَالمسْؤولُ عَن هَذا الانْفصَال الإثنان مَعَا: الأدَبُ والعِلمُ.

48 –
فِي ظلّ التقدّم المُهول الجاري اليَوم عَلى أصْعدَة تكنولُوجيَات النَّانو والبيُولوجْيا وَالمَعلوميَات والعُلوم المَعْرفية (يُختصَرُ هَذا كله فِي الصِّيغة NBIC)، وَظهُور بَشائر اجْتياح الذكَاء الاصْطناعِي لكَافة مَناحِي الحَياة (وَسَائل النقل، المَنازل، الأجْهزة الإلكترُومَنزلية، الأسْلحَة، الهَواتف، الحَواسِيب، الخ.)، وَدعْوة البَعض إلَى ترْقيَة الإنسَان والزيَادة فيهِ، كلَ شيْء يَحمل عَلى الظنِّ بأنَّ دَورَة انتِقائية قادِمَة لاَ مَحَالة ستُفضي إلَى انْقرَاض مَلايين البَشر، بل رُبَّما المَلايير. إنْ يَحْصُلْ هَذا فالسّؤال الذي يُمكنُ طرْحُه منَ الآن ليْسَ هُو مَتى سيَتمّ ذلكَ، بَل كيْفَ سَيْحْصُل؟

49 – الإنسانُ طريقٌ مسدودٌ
يَقفُ الإنسَانُ اليَومَ فِي المَحَطةِ الأشَدِّ عُسْرا وَإشكَالا مِن نُقطِ مَلحَمَتِه الطويلَة التي توِّجَتْ بَجَعْلهِ إنسَانا عَاقلا: فَفِي مُواصَلةُ السّيْرِ مُنتهَى الخَطَر، وفِي الرّجُوع إلى الوَرَاءِ مُنتهَى الخَطَر، وفِي مُلازَمَة الوُقوفِ مُنْتهَى الخَطر.

50 – خطر الشفافية على الأدب
فِي عَصْر يَتجهُ بِإصْرَار نحْو الشَّفافِية وَالوُضوح، لكنْ أيضا نَحْوَ التَّسْطيح، يُرتَقبُ أنْ يَعْرفَ الأدَبُ عَلى نَحْو مَا عَرَفناه حتَّى اليَوم وَضعيَة صَعْبَة، وَربُما شِبْه تَخلّ وَنُفور مِن القرَّاءِ بالخُصُوص. «مَاذَا يُريدُ أنْ يَقولَ هَذا (النَّصُّ/المُؤلِّفُ)؟»، «لمَاذا لاَ يُفصِحُ عمَّا يُريدُ قوْلَه بكُلِّ صَراحَة وَيُعفِيني مِنْ عَنَاء فكِّ شَفرَاتِ كِتابَته وَحَلِّ ألغَازهَا؟»، سَيتَسَاءَلُ القارئُ الذِي يَعيشُ فِي عَصْر يُزعَم فِيهِ أنَّه تمَّ فكُّ كُلِّ الألغَاز ورَقْعِ حُجُب أسْرار العَالَم وَتحْطيم سَائِر السُّلطِ.

51 – دينُ المستقبَـل
مِن التَّطوّر العِلمي الكَبير الجَاري اليَومَ عَلى صَعيدِ تكْنولُوجْيا النَّانو وَمَشرُوعُ ترْقيةِ الإنسَان إلَى أنَّ مَفهُومَ الدِّين سَيعرفُ تحوّلا جذريا فِي العُقودِ المُقبلة، بحَيثُ سَيصِيرُ المُتديِّن ليْسَ هُو الفرْدُ الذي يَعْتنق دِيانة مَا وَيمَارسُ شَعائِرَها وطُقوسَهَا، بَلْ هُو الشخْصُ الذي يُقاومُ التدَخّل فِي الطبيعَةِ وتَعْدِيلِ مَسَارهَا. وَعليْه لا يَجبُ التعَجّبَ آنذاكَ مِن أنْ نَجدَ كِبَارَ مُلحِدي اليَوم، أمْثَالَ دَاروينَ وَمَاركسَ وَفرُويد، مُصَنفينَ ضمْن المُتدَينينَ الأتقيَاء الوَرعِين.

52 – لا نملك من أجسادنا ذرَّة واحدة
إذا صَحَّت تَأكِيدَاتُ عُلمَاء الكوْنيَّات بأنَّنَا مِن هَبَاء السِّيليسْيُوم وَالرَّمْل وَالأوْسَاخ جئنَا وَأننا إليْهَا نعُود فإنهُ يصحُّ تأكيدُ أننَا لا نمْلك مِن أجْسَادنا ذرَّة وَاحِدَة بقدْر مَا يَحقّ التعجّبُ مِن إصْرَارنا، مَعَ ذلك، عَلى امتلاكه وبناء مَعظمنَا عَلاقاتٍ ترَاتبيَة مَعَ الغيْر بنَاءً عَلى هَذا الوَهْم.

53 – ما لم يعجل الإنسانُ بالرحيل من كوكب الأرض لمواصلة الحياة في كواكب، أو حتى مجرات، أخرى فسيكون هذا العقل الذي يتباهى هذا الإنسان بأنه أحسن من امتلكه منذ الخلق هو سبب انقراضه بالضبط في إقامة أرضية قصيرة جدا مقارنة بمخلوقات أخرى «غير عاقلة»: فقد عمرت باكتيريا الستطروماتوليد التي كانت الأصل في الأوكسيجين الذي نتنفسه 3.5 مليار سنة وعاشت الدينصورات 165 مليون عام، وعاشت الفئران 600 مليون عام، بينما لم نعش نحنُ (الإنسان العاقل) سوى حوالي 100 ألف عام وها نحنُ على مشارف الانقراض بسبب العقل الذي نتباهى به…

محمد أسليـم

(منتديات ميدوزا، من 26 / 07 / 2007 إلى 29 / 07 / 2009)

الاخبار العاجلة