أشباه قصص – الرّومية والحاجّة

1٬299 views مشاهدة
minou
أشباه قصصسردمؤلفــــات
أشباه قصص – الرّومية والحاجّة

عُدتُ من التسوق قبل قليل. في المتجر، قبيل الأداء وقف زوجان بينهما تنافر صارخ:
الزوجة في حوالي الخمسينات من عمرها، ضخمة الجثة، لا يقل وزنها عن حوالي 200 كلغ على أقل تقدير، انتفخ بطنها واندفع إلى أن تدلى أمامها، وتكومت مؤخرتها من ورائها مثل قبة ضريح عملاقة، في حين الزوج شاب في حوالي الثلاثينات من عمره، نحيف، رشيق البدن، لا يتعدى وزنه 65 إلى 70 كلغ على أقصى تقدير، أخفى عينيه وراء نظارتين شمسيتين، ربما ليكتم هويته أو ليتقي عيون زبائن المتجر بعينيه، ومحاصرتهم إياه بالنظرات الساخرة المستنكرة…
المرأة أوروبية، تحمل علامات الترحاب الحار الذي حظيت به من لدن أهل الزوج، إذ امتلأت يداها وقدماها بزخرفات الحناء ونقوشها. لم أستغرب للزوج ولا لعائلته؛ فقد شاهدنا منذ أسابيع شريط فيديو لشاب أصغر من هذا بكثير، تزوج عجوزا فرنسية طاعنة في السن، تبدو كأنها جدة والدته أو جدة والده، إذ لم تقو على مجرد النزول من الدرج لولا إمساك شخصين من أهل العريس بها من الذراعين. نزلت وموكب عائلة الشاب ومدعوو الزفاف يصدح بالصلاة على النبي والزغاريد… أقول: لم أستغرب للزوج ولا لعائلته، بل تعجبتُ من شيئين:
الأول نفاق العديد من الأسر المغربية وشيزوفرينيتهم في التعامل مع علاقة أبنائهم بالجنس الآخر حسب ما إذا كان مغربيا أو أجنبيا (أوروبيا بالخصوص)، فتجدهم يسمحون لابنتهم باصطحاب الرجل الأوربي إلى البيت، بل وربما حتى المبيت معه في غرفة واحدة، دون عقد زواج، ويقومون بالشيء نفسه مع ابنهم عندما يستضيف أنثى أوروبية إلى البيت، في حين يمنعون منعا قاطعا على ابنتهم أن تصطحب معها مغربيا إلى المنزل وعلى ابنهم أن يستضيف فتاة مغربية!
أما الشيء الثاني الذي تعجبت منه، فهو عدم فطنة هذا النوع من الستات الروميات إلى أنَّ ما وراء زواج الشباب العرب والمغاربيين بهن سوى حكاية الحصول على رخصتي الإقامة والعمل. مغاربة الداخل يعرفون ذلك جيدا، ولهم فيه نكت كثيرة، منها:
كان أحدهم مارا رفقة زوجته النصرانية العجوز، فزلت قدمها، فسقطت فوق الأرض دون أن يفطن الزوج إلى وقوعها، لأنه كان يتقدمها ببضع خطوات، فواصلَ سيره، وإذا بجالسين في رصيف مقهى يخاطبونه:
– أ الشاب! أ الشاب! اجمع اوراقك [ = تصاريح الإقامة والعمل في أوروبا]، راهم طاحو لك!
يمكن افتراض تفسير آخر، وهو أنَّ هذا النوع من الزوجات يعلمن علم اليقين أن أزواجهن ما اختاروهنَّ لحبّ ولا لتكوين أسرة ولا هم يحزنون، بل فقط للحصول على رخصتي الإقامة والشغل، ومع ذلك، فهنَّ لا يترددن في «ضرب أيديهن»، كما يقال، في شباب ورجال يستحيل عليهن الوصول إلى أمثالهم من بين مواطنيهنَّ وبني جلدتهن، تماما كما يستحيل أن يقبل هؤلاء الأزواج الشباب (العرب والمغاربيين) الزواج بواحدة من مواطناتهم وبنات جلدتهم العجائز. ربما «تضرب» الأجنبيات بزواجهن ذاك «أيديهنَّ» في أزواجهنَّ قائلات:
– قبل كل شيء وبعده، طز في الجميع!…
انصرف الزوجان، قلتُ في خاطري ما نشرته في إدراج لاحق:
سبحان مبدل الأحوال ومُدير الدوائر! بالأمس كان كُهولُ العرب يتخذون من بنات الفرس والروم، وغيرهم من الأمم، قينات وجوارٍ، واليوم تستخدم عجوزات الروم شباب العرب أزواجا وغلمانا…

*
*    *

تعطل جهاز استخدام بطاقة الأداء. ليس في جيبي نقود. اقترحت العاملة أن أذهب إلى جناح المتجر الآخر المخصص لبيع الخمور، فأسدد هناك، بالبطاقة البنكية، ثمن ما اقتنيته من هنا…
هناك، دخلت امرأة في حوالي منتصف الستينات من عمرها، ارتدت جلبابا، ولفت رأسها بفولار، كسائر عجوزات الأحياء الشعبية والطبقات الفقيرة ونساء البوادي عندما ينزلن إلى المدن. بدا وجودها في هذا الفضاء غريبا جدا، اختلستُ النظر، فإذا بها تحظى باستقبال حار اتضح معه أنها من مدمنات التسوق من المكان: الحراس يحيونها:
– أهلا الحاجة! مساء الخير أ الحاجة!
عاملة استخلاص النقود تحييها:
– أهلا الحاجة، كيف أحوالك، بخير؟…
اتجهت المرأة صوب الرفوف واستغرقت في انتقاء أنواع من الخمور. دهشتُ، راودتني فكرة أن أقف قبالة المتجر وأراقب من بعيد. من يدري؟ فقد لا تكون هي شاربة كل هذه الخمور، بل زوجها الجالس وراء مقود سيارته الآن، بل قد تكون الجالسة الآن وراء مقود السيارة امرأة بورجوازية وتكون هذه الست هي مقتنية الخمر الفعلية، في حين تكون «الحاجة» مجرَّد شغالة عند المرأة الثرية… لكني استسخفتُ الفكرة، واستكثرتُ أن أجعل نفسي المتلصص الوحيد على تلك المرأة من بين كل من كان في المتجر، لاسيما عندما تذكرتُ أيام كنتُ أتردد على هذا النوع من المتاجر:
فقد كان شبه هذا مما يقع بانتظام، حيث يقف زبون تبدو على ملامحه إدمان الجريمة أو مرافقة أهلها، كأن يكون في وجهه أثر جرح سكين غائر، يقف بجانب زبون ثري، أنيق اللباس والعطر، بجانب بنتين ترتديان آخر تقليعة موضة، بما في ذلك تنورات قصيرة جدا، بجانب رجل بجلباب يبدو كأنه خرج للتو من مسجد ، وما إلى ذلك، دون أن يتأفف أحد من آخر أو يستكثر وقوفه بجانبه أو «يقلل الحياء عليه»، أو يسرقه أو يتحرش به، إذ يستغرق الجميع في انتقاء الآلية الأنسب للتحليق بعقله في السماء دون التفات إلى اليمين ولا إلى الشمال: هذا ينتقي مروحية، وذاك طائرة ركاب، هذا صاروخا، وذاك مركبة فضائية، وهذا قمرا صناعيا وذاك مسبارا فضائيا ليحط في كوكب آخر، ما إلى ذلك، فكنتُ يومئذ أقول:
– تشكل متاجر الخمور ساعة اكتظاظها بالزبائن إحدى الفضاءات التي تتحقق فيها أعلى درجات التعايش والتسامح في بلادنا!

الاخبار العاجلة